"العالم يتغير".. ما سر مطالبة أردوغان الاتحاد الأوروبي مجددا بضم تركيا؟

منذ ٣ ساعات

12

طباعة

مشاركة

في خطوة لافتة، عاد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للحديث مجددا عن إمكانية انضمام بلاده إلى الاتحاد الأوروبي، رغم تصاعد ضغوطه على المعارضة التركية، وتزايد الحديث عن احتمال ترشحه لولاية رئاسية جديدة، بحسب صحيفة “إزفستيا”.

وأجرت الصحيفة الروسية مقابلات مع عدد من الخبراء، للوقوف على أسباب إعادة فتح الرئيس التركي ملف الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي في هذا التوقيت الحساس الذي يشهد فيه العالم تغيرات كبرى.

مبادرة تركية

وقال أردوغان: "العالم يتغير، وأوروبا تغيرت بالفعل، والتخلص من الحواجز السياسية القديمة والمتزمتة يمكن أن يشكل خطوة نحو فتح عصر جديد لتركيا، ويدفع بالاتحاد الأوروبي إلى الأمام، ونحن مستعدون للعضوية الكاملة".

من جهتها، ترى الصحيفة أن "توقيت هذا التصريح لم يكن مناسبا؛ إذ جاء بعد زيارة أردوغان إلى جمهورية شمال قبرص التركية المعلنة من جانب واحد، والتي لا تعترف بها سوى تركيا".

وخلال الزيارة، شدد أردوغان على أنه "لا حل للنزاع القبرصي بين القبارصة الروم والأتراك سوى الاعتراف الدولي بجمهورية شمال قبرص".

ونظرا لأن المجتمع الدولي يعترف فقط بجمهورية قبرص ذات الأغلبية اليونانية، والعضو الرسمي في الاتحاد، فمن غير المرجح -حسب التقرير- أن تكون هذه التصريحات قد لاقت ترحيبا في بروكسل.

في هذا السياق، ذكر التقرير أن "تركيا تواجه العديد من العقبات على طريق الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وحل النزاع القبرصي بين أنقرة وأثينا ليس سوى واحد من الشروط الضرورية لتحقيق التكامل الأوروبي".

علاوة على ذلك، تزعم الصحيفة أن "أنقرة، التي تبدو بعيدة بالفعل عن المعايير الديمقراطية المعتمدة في الاتحاد الأوروبي، تزداد ابتعادا عنها في الآونة الأخيرة".

وأردفت: "حيث سجن العديد من معارضي الرئيس بتهم فساد، بما في ذلك أعضاء من حزب الشعب الجمهوري، الحزب المعارض الرئيس في البلاد، ومن بينهم رئيس بلدية إسطنبول السابق أكرم إمام أوغلو".

وأضافت: "كما طالبت النيابة العامة التركية برفع الحصانة عن عدد من نواب الحزب، بينهم زعيمه الحالي أوزغور أوزال"، وهي خطوة، عدها التقرير "أثارت جدالا سياسيا واسعا".

يضاف إلى ذلك أن "الرئيس التركي وكبار المسؤولين في حكومته لا يترددون في انتقاد الاتحاد الأوروبي، متهمين بروكسل بالتدخل في الشؤون الداخلية للجمهورية التركية".

وهو ما رأت الصحيفة أنه "يزيد من تعقيد علاقات أنقرة مع الأوروبيين، ويضعف فرص أي تقدم فعلي في ملف الانضمام".

في سياق منفصل، لفتت الصحيفة إلى وجود "نقاش واسع في الأوساط السياسية والإعلامية التركية بشأن ما إذا كان الرئيس أردوغان سيترشح مجددا للانتخابات الرئاسية المقررة في عام 2028".

ووفق الدستور، لم يعد يحق لأردوغان الترشح مجددا، إلا في حالة واحدة وهي إجراء انتخابات مبكرة.

ورجحت الصحيفة أن أردوغان "يستعد لهذا السيناريو، مما يتطلب منه كسب دعم شرائح من المجتمع التركي، لا سيما تلك الفئات المتأثرة بالقيم الغربية والتي تتركز في المدن الكبرى مثل إسطنبول وأنقرة وإزمير".

يذكر أن تركيا حصلت على صفة (المرشح الرسمي) للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي منذ عام 1999، غير أن الطريق بقي متعثرا، ودون تقدم فعلي، في وقت التحقت فيه دول أوروبية أخرى بالاتحاد. بينما بقي ملف انضمام أنقرة معلقا دون جدول زمني واضح، بل إن بعض الساسة الأوروبيين لا يخفون موقفهم الرافض لانضمام تركيا علنا.

"ورغم أن أردوغان صرح مرارا بأن بلاده لا تحتاج إلى الاتحاد الأوروبي، مكتفيا بعضويتها في حلف شمال الأطلسي (الناتو) وسياساتها الخارجية النشطة، لكن مواقفه الأخيرة توحي بأنه أعاد النظر في هذا التوجه". وفقا للصحيفة.

تغيرات محددة 

في هذا السياق، أشارت ألينا سبيتنيفا، الباحثة في قسم الشرق الأدنى وما بعد الاتحاد السوفيتي بمعهد المعلومات العلمية في العلوم الاجتماعية التابع لأكاديمية العلوم الروسية في حديث مع "إزفستيا"، إلى أن "الجمهورية التركية لم تتخلَّ رسميا عن هدف الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي".

وقالت: "رغم فتور العلاقات بين الجانبين، لا يزال هذا الهدف حاضرا في معظم الوثائق الإستراتيجية والخطط الرسمية، سواء في وزارة الخارجية أو لدى حزب العدالة والتنمية الحاكم".

واستدركت: "لكن المسألة تحولت منذ فترة طويلة إلى موضوع للمساومة، وتستخدمها النخبة الحاكمة حسب ما تراه مناسبا وفقا للظروف".

وترى أن "تصريحات أردوغان الأخيرة لا ترتبط فقط بمحاولة استمالة جزء من الناخبين، رغم أهمية هذا العامل، بل تعكس أيضا تغييرات محددة في العلاقات بين تركيا وبعض الدول الأوروبية".

حيث أشارت إلى أن "بريطانيا وتركيا اتفقتا أخيرا على توريد لندن مقاتلات يوروفايتر تايفون إلى أنقرة".

وتابعت: "وعلى الرغم من أن بريطانيا لم تعد عضوا في الاتحاد الأوروبي، إلا أن تأثيرها في السياسات الأوروبية لا يزال قائما إلى حد ما".

واستطردت: "عقب هذا التوافق التركي البريطاني، وافقت ألمانيا، الموردة لقطع غيار هذا النوع من المقاتلات، على الإمدادات أيضا".

ونوَّهت سبيتنيفا إلى أن "موافقة ألمانيا تعد شرطا أساسيا لتصدير الأسلحة العسكرية إلى خارج الاتحاد الأوروبي".

ولذلك، تعتقد أن "برلين -التي كانت تبحث عن مبررات لرفض التعاون مع تركيا بشكل عام حتى وقت قريب- غيرت من موقفها تجاه تركيا".

"وهو ما دفع أنقرة في المقابل إلى تغيير خطابها، وانتهاج سياسة براغماتية تقوم على (اقتناص كل ما يمكن من الفرص) دون أن ترفض شيئا"، على حد تعبيرها. 

وأضافت ساخرة: "لو أتيحت لتركيا الفرصة، لانضمت إلى كل التكتلات الممكنة".

ورأت سبيتنيفا أن مثل هذه التلميحات المتكررة من جانب تركيا بشأن رغبتها في نيل العضوية الكاملة في الاتحاد الأوروبي "أمر منطقي"، مشيرة إلى أن أنقرة "لا تزال، في العمق، منفتحة على هذا الخيار".

واستدركت: "لكن الجميع يدرك أن الاتحاد الأوروبي لا يرحب فعليا بعضوية تركيا، بالنظر إلى سياساتها الخارجية وخلافاتها المستمرة مع عدد من دول التكتل".

ولفتت الخبيرة الأكاديمية إلى نقطة مهمة في حديث أردوغان قائلة: "من المهم ملاحظة ما قاله الرئيس التركي بالضبط، حيث لم يتضمن خطابه أي إشارة إلى مدى حاجة تركيا للاتحاد الأوروبي". 

ونوَّهت أن هذه "ليست المرة الأولى التي يؤكد فيها أردوغان أن الاتحاد الأوروبي هو من يحتاج إلى تركيا، وليس العكس".

وأشارت إلى تصريح سابق لوزير الخارجية التركي هاكان فيدان، أكد فيه أن "تركيا عنصر لا غنى عنه في البنية الأمنية لأوروبا".

وقدرت أن "تلك التصريحات تعكس تغيرا في ميزان القوى؛ حيث باتت تركيا ترى نفسها لاعبا يتجاوز حدود الإقليم".

شروط صعبة

من جانبه، أوضح الباحث رزيل غوزايروف الباحث في المعهد ذاته، في حديث مع "إزفستيا"، أن "فكرة انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي كانت من أبرز النقاط في برنامج حزب العدالة والتنمية منذ وصوله إلى السلطة".

لكنها، وفق رأيه، "اصطدمت منذ البداية بشروط صعبة فرضتها بروكسل، وعدتها أنقرة غير واقعية".

وأضاف: "مع مرور كل عام، تبددت الآمال بهذا الشأن، وبدأت القيادة التركية بين الحين والآخر في توجيه انتقادات لسياسات الاتحاد الأوروبي ومواقفه من تركيا".

وتابع: "العلاقات السياسية بين الجانبين لم تكن مستقرة على الدوام؛ حيث عجز الطرفان عن التوصل إلى توافقات في عدد من الملفات مثل الهجرة، والقضية القبرصية، وتقاسم موارد الجرف القاري في شرق المتوسط، وغيرها".

وأردف: "أدت هذه الخلافات إلى أزمات دبلوماسية وبرود واضح في العلاقات السياسية، غير أن الأهداف المتعلقة بالتقارب مع الاتحاد الأوروبي بقيت مذكورة في الوثائق الإستراتيجية الرسمية".

في المقابل، سعت تركيا للتقارب مع الاتحاد الأوروبي في بعض الملفات، فقال غوزايروف: "وضعت تركيا على سبيل المثال خطة تهدف إلى التماشي مع خطوة الاتحاد الأوروبي للتحول نحو الحياد الكربوني بحلول عام 2050".

واستطرد: "هناك إشارات مماثلة في وثائق أخرى تظهر استمرار الرغبة الرسمية في الاقتراب من المعايير الأوروبية".

وأكد الخبير الأكاديمي أن "تحول خطاب أردوغان الأخير يجب ربطه بالوضع الداخلي في تركيا، في ظل تصاعد الدعوات إلى إصلاحات دستورية، إلى جانب مطالبات بخوض الرئيس الحالي انتخابات رئاسية مبكرة".

مع ذلك، يرى غوزايروف أن "الأزمة الاقتصادية المستمرة وتدهور مستوى المعيشة قد يضعفان من فرص أردوغان في الحصول على دعم شعبي قوي كما في السابق".

"وهو ما يدفعه إلى استخدام أدوات سياسية تساعده في استمالة قطاعات من الناخبين الذين لا يزالون يدعمون خيار انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي"، وفق قوله.

ورغم ذلك، يشدد غوزاييروف على أن "الاتحاد الأوروبي غير مستعد لقبول تركيا في عضويته في الوقت الراهن".

في هذا الصدد، يشير الخبير الأكاديمي إلى أنه "لا ينبغي تفسير تصريحات أردوغان على أنها إعادة ضبط للعلاقات بين أنقرة وبروكسل، بل يجب التعامل معها كمحاولة لتعزيز الحوار والتعاون الاقتصادي دون التطرق إلى عضوية كاملة".

لا سيما أن "توقيت التصريح، الذي جاء خلال زيارة الرئيس التركي لشمال قبرص غير المعترف بها دوليا، قد يزيد من تعقيد العلاقات بين الطرفين".