الحرب التجارية مع ترامب.. كيف تستعد أوروبا لأسوأ سيناريو؟

"ترامب هدّد أوروبا بفرض رسوم جمركية بنسبة 30 بالمئة"
في الفترة الأخيرة، أصبحت علامات ضجر وإرهاق العواصم الأوروبية من واشنطن جَليّة للعلن، مما عزز بحث بروكسل عن إجابات وحلول خلال المراحل النهائية من مفاوضات الاتفاقات التجارية.
وقالت صحيفة "إلباييس" الإسبانية: إن “الاتحاد الأوروبي بدأ يسأم من أساليب واشنطن التفاوضية بالتزامن مع مرور الوقت واقتراب مطلع أغسطس/آب، الموعد النهائي الذي حدده الرئيس الأميركي دونالد ترامب، لمفاوضات التجارة”.
ولا تشير آخر الأخبار الواردة من هذه المحادثات إلى اتفاق واضح.

سيناريو الفشل
وفي هذا السياق، أشارت مصادر دبلوماسية أوروبية إلى "وجود إجماع متزايد بين الدول الأعضاء، وتتفق جميعها حول حقيقة أن الوضع غير مُرضٍ".
كما ترى العواصم الأوروبية أنه من "الضروري تسريع الاستعدادات لسيناريو فشل محتمل".
ويُترجم هذا الوضع إلى استعداد دول الاتحاد الأوروبي لاتخاذ خطوة إلى الأمام في عملية إعداد الرسوم الجمركية الإضافية المُخطط لها بالفعل، والتي تُفرض على المنتجات الأميركية بقيمة تُقارب 92 مليار يورو، والانتقال إلى وضع اللمسات الأخيرة على تدابير مُضادة إضافية.
مثل فرض ضرائب على تجارة الخدمات، الأمر الذي يستلزم تفعيل آلية مُكافحة الإكراه، وهو إجراء يهدف إلى "تخفيف حدة التصعيد والحث على وقف الإجراءات الاقتصادية القسرية".
ووفقا لمصادر مطلعة على المراحل النهائية للمحادثات، ينصّ العرض الأميركي الأخير على فرض رسوم جمركية أفقية وعامة تتراوح بين 15 و20 بالمئة على جميع الواردات من الاتحاد الأوروبي.
وفي هذا السيناريو، ستكون هناك استثناءات للعديد من الأدوية المكافئة والأجهزة الطبية، وستكون هناك استثناءات أيضا في قطاع الطيران، والمنتجات الصناعية التي يصعب العثور عليها في أوروبا.
في المقابل، تستهدف التحقيقات التي تجريها الإدارة الأميركية قطاعات مثل الأدوية، التي هدَّد ترامب بفرض رسوم جمركية عليها بنسبة 200 بالمئة، وهو الحال بالنسبة لأشباه الموصلات أيضا.
ونقلت صحيفة "إلباييس" أن مفوض التجارة الأوروبي، ماروس سيفكوفيتش، تحدث عن هذه المنتجات مع سفراء الدول الأعضاء في اجتماعهم الأخير، وكان التجاوب فاترا للغاية.
وقال أحد المطلعين على الاجتماع: "هذا أمر لا يمكننا قبوله"، وعبّر أيضا عن عدم تفاؤله.
تشاؤم متزايد
في السياق ذاته، يرى البعض أنهم يلاحظون "مزيدا من التشاؤم" بين شركاء الاتحاد الأوروبي.
إلى جانب أسلوب المفاوضات وبعض التجاهل، يعني أن "المزاج يتغير"، ويميل إلى اللجوء إلى كامل نطاق الردود الممكنة، وفقا لمصدر دبلوماسي ثالث.
وتجدر الإشارة إلى أن سيفكوفيتش زار واشنطن ستّ مرات منذ عودة ترامب إلى البيت الأبيض؛ “حاملا تهديداته بحرب تجارية”، وذلك خلال لقاء المفاوضين الأميركيين.
في المقابل، قاد وزير الخزانة سكوت بيسنت المفاوضات من الجانب الأميركي وكان هو المتحكم في القرارات.
وقال بيسنت لقناة "فوكس نيوز": إن واشنطن "على وشك الإعلان عن سلسلة من الصفقات التجارية في الأيام المقبلة"، لكنه لم يحدد ما إذا كان الاتحاد الأوروبي يمثل جزءا منها.
كما أصر وزير الخزانة على أن تاريخ أول أغسطس، الذي حدده ترامب من جانب واحد بعد أن اتضح أنه لن يتمكن من تنفيذ تهديده السابق، هو "موعد نهائي صارم للغاية".
وتابع: "بالنسبة للاتحاد الأوروبي وبقية الدول، سيعود مستوى التعريفات الجمركية بالتزامن مع هذا التاريخ إلى المستوى السابق، وبشكل متبادل، والذي كان معمولا به قبل الثاني من أبريل/ نيسان، هذا لا يعني أنه لا يمكننا مواصلة التفاوض مع الدول التي هي في مستوى أعلى".
وأضافت الصحيفة أنه عندما تأخر ترامب عن الموعد النهائي المحدد له في التاسع من يوليو/ تموز، أطلق حملة لكتابة رسائل إلى 25 دولة والاتحاد الأوروبي.
ووجّه رسالة إلى رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، في 12 من نفس الشهر.
وفي الرسالة، هدّد أوروبا بفرض رسوم جمركية بنسبة 30 بالمئة إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق بحلول أغسطس، كما لم يتردد عن التحذير من ردود فعل مضادة في حال ردّت بروكسل.
رد انتقامي
في ظل هذا الوضع، أشارت مصادر من الاتحاد الأوروبي إلى أن "الرسالة تفسر، بأتم معنى الكلمة، معنى الإكراه، وهو تهديد غير مقبول، يجب على الاتحاد كقوة اقتصادية، أن يفرض مكانته أمام الولايات المتحدة والصين إذا أراد أن يُحترم بالفعل".
ونوّهت الصحيفة إلى أنه ليس من قبيل الصدفة أن يستخدم هذا المصدر مصطلح "الإكراه".
وقالت: “في الحقيقة، لتفعيل آلية الاتحاد الأوروبي لمكافحة الإكراه، يجب على المفوضية إثبات وجود إكراه اقتصادي”.
وتمثل هذه الآلية أداة قانونية تفتح الباب أمام مجموعة واسعة من العقوبات تتجاوز التجارة؛ حيث يمكنها معاقبة تبادل الخدمات، بل ونقض المشتريات العامة، ومنع بيع منتجات معينة، أو منع الاستثمارات.
وتتمثل أحد الجوانب التي تتفق عليها العديد من المصادر التي تمت استشارتها في أن كل ما حدث في الأسابيع الأخيرة دفع العديد من العواصم إلى تشديد مواقفها، بما في ذلك برلين.
وكانت ألمانيا من أكثر الدول دعما للاتفاق، إلا أن عدم تحقيق نتائج ملموسة في قطاعاتها التصديرية، خاصة السيارات، ربما دفعها إلى هذا الموقف.
مع ذلك، تصرّ برلين رسميا على ضرورة التوصل إلى "اتفاق مع الإدارة الأميركية يعكس مصالح جميع الأطراف".
واكتفت وزارة الاقتصاد الألمانية بالرد قائلة: "الحواجز التجارية تلحق الضرر بالطرفين على حد السواء".
إلا أن مصادر الاتحاد الأوروبي المُطّلعة على الاجتماعات الأخيرة في بروكسل تُشير إلى تشديد في موقفها.
من جانب آخر، رغم إصرار بروكسل على أن الحل التفاوضي لا يزال يمثل الأولوية، إلا أن المفوضية الأوروبية لديها دفعتان من العقوبات على المنتجات جاهزة للرد في حال فشل الحوار.
وتمثل هاتان الدفعتان رسوما جمركية على سلع أميركية بقيمة 20 مليار يورو و72 مليار يورو على التوالي.
وقال المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي للشؤون التجارية، أولوف جيل: "في الوضع الراهن، لا نية لشن أي رد انتقامي قبل غرة أغسطس".