7 أكتوبر.. كيف منح تايوان ذريعة ذهبية لتطوير علاقاتها مع إسرائيل؟

حافظت تايوان على موقف ثابت في دعمها لإسرائيل
أتاحت أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 وما تلاها من عدوان إسرائيلي على قطاع غزة وتغول في عدد من دول المنطقة، ذريعة ذهبية لتايوان من أجل تعزيز علاقاتها مع تل أبيب.
وأوضح معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي (INSS) أن بيان تايوان الأول في وقت مبكر من ظهر السابع من أكتوبر كان قويا جدا في إدانة عملية طوفان الأقصى، حتى مقارنة بتصريحات الدعم الصادرة عن حلفاء إسرائيل الآخرين.
وأصدرت وزارة الخارجية التايوانية وقتها بيانا، جاء فيه: "تدين تايوان بشدة الهجمات العشوائية ضد الإسرائيليين التي نفذتها (حركة المقاومة الإسلامية) حماس".
وأردف: “نعلن تضامننا مع إسرائيل وندين جميع أشكال الإرهاب. قلوبنا مع الضحايا وعائلاتهم في هذه اللحظة المأساوية”، وفق وصفه.
ومنذ ذلك الحين حافظت تايوان على موقف ثابت في دعمها لإسرائيل، وشهدت العلاقات الثنائية بين الجانبين تقاربا ملحوظا، وأصبحت أكثر علانية مما كانت عليه في السابق، وغالبا بمبادرة من تايبيه نفسها.
حتى خلال الحرب مع طهران، عبّرت تايبيه عن دعمها تل أبيب من خلال زيارات تضامنية أجراها ممثلوها إلى مواقع سقوط الصواريخ داخل إسرائيل، وتأكيدهم العلني على "الوقوف إلى جانب الشعب الإسرائيلي".

علاقات مقيَّدة
وقالت الباحثة في المعهد الإسرائيلي أوفر ديان: إنه "بالنسبة لتايوان، شكّلت هذه المرحلة محاولة للعودة إلى الوضع الطبيعي الذي كان قائما قبل كورونا، بعد القيود التي فرضتها الجائحة وأثّرت بشكل كبير على الأنشطة المشتركة مع إسرائيل".
كما أتاحت الحرب بين إسرائيل وإيران فرصة لـ "تايبيه" لتجديد التزامها تجاه تل أبيب وتعزيز جهودها الدبلوماسية معها، و"هو ما انعكس في مبادرات التعاون والزيارات المتبادلة، وكذلك في توطيد العلاقات مع دول أخرى تُعد متشابهة في التفكير".
وأضافت ديان -التي خدمت في وحدة المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي- أن "تايوان تُفسّر دعمها لإسرائيل، وكذلك لأوكرانيا في حربها ضد روسيا، على أنه انعكاس لقيم مشتركة مثل الديمقراطية والليبرالية، في مواجهة الأنظمة الاستبدادية غير الليبرالية في الصين وإيران وروسيا"، وفق تقديرها.
لكن بموجب سياسة "الصين الواحدة" التي تعترف بها إسرائيل رسميا، لا يمكن لأي دولة تحتفظ بعلاقات دبلوماسية مع بكين أن تقيم علاقات مع تايبيه. ونتيجة لذلك، تقتصر العلاقة على الروابط الاقتصادية والثقافية التي تبقى دون مستوى التمثيل الدبلوماسي الرسمي.
وتأمل تايوان من جانبها أن يُترجم دعمها للديمقراطيات، مثل إسرائيل وأوكرانيا، إلى دعم مماثل في حال واجهت عدوانا عسكريا صينيا، وفق الباحثة.
ومنذ اندلاع الحرب بغزة، بُذلت جهود لا سيما من الجانب التايواني لتعزيز العلاقة، وقد حَظِيت مبادراتها بدعم إسرائيلي، وأثارت أحيانا اعتراضات من الصين.
ومع ذلك، لا تزال العلاقة بين الطرفين تُدار عبر قنوات متوسطة المستوى، وتقتصر غالبا على مجالات ناعمة مثل الاقتصاد والابتكار والزراعة والثقافة.
وتود تايوان، الاستفادة من الخبرة الإسرائيلية في مجالات مثل الطائرات المسيّرة والروبوتات، لكن إسرائيل تفرض قيودا على هذه المبادرات.
ومن منظور إسرائيلي، تُعدّ تايوان قوة رائدة في صناعة أشباه الموصلات، وهو مجال تسعى تل أبيب لتعزيز التعاون فيه.
في هذا السياق، لا تزال هناك الكثير من الإمكانات غير المستغلة، فاقتصادا الطرفين يُكملان بعضهما؛ إذ تتفوّق إسرائيل في تصميم المنتجات، فيما تقود تايوان في التصنيع، وفق الباحثة.
وفي الوقت الحالي، "توفر الشركات الإسرائيلية حلولا تكنولوجية محددة للشركات التايوانية، لكن ذلك لم يؤدِّ إلى دخول واسع النطاق للسوق التايوانية".
وترى أن ذلك يرجع أساسا إلى القيود التي تفرضها إسرائيل على المبادرات التجارية التي قد تُفهم على أنها مرتبطة بالمجال العسكري أو الأمني.
وأفادت الباحثة بأن المكتب الاقتصادي والثقافي التايواني بإسرائيل يتمتع بنشاط كبير، وتترأسه “يا-بينغ (آبي) لي” منذ يناير/كانون الثاني 2022.
فمنذ بدء ولايتها خاصة بعد اندلاع حرب غزة، ركز المكتب على 3 مجالات رئيسة: تبادل المعرفة مع الجهات الإسرائيلية المعنية، وتقديم الدعم للمنظمات المحلية غير الحكومية، وتطوير العلاقات مع أعضاء الكنيست (البرلمان الإسرائيلي)، إلى جانب جهود تسويقية واسعة وناجحة.
ورغم ذلك، كشف استطلاع أجراه "معهد دراسات الأمن القومي" الإسرائيلي، في مايو/أيار 2024، أن غالبية الإسرائيليين غير مطلعين على طبيعة العلاقات مع تايوان؛ إذ قال 56 بالمئة من المشاركين إنهم لا يستطيعون تقييمها.
ويجرى اختيار المنظمات الإسرائيلية التي تتلقى تبرعات من تايوان بالتنسيق مع أعضاء كنيست يتعاونون مع المكتب التايواني في إسرائيل.
ويرأس مجموعة الصداقة البرلمانية بين إسرائيل وتايوان عضو الكنيست بوعاز توبوروفسكي، عن حزب "يش عتيد" بزعامة يائير لابيد.

رسالة حادة
وقد قاد “بوعاز ” منذ اندلاع الحرب وفدين من أعضاء الكنيست إلى الجزيرة، من دون أن يُصنَّف أي منهما كزيارة برلمانية رسمية.
وأثناء تلك الزيارات وبعدها، وصف عدد من أعضاء الكنيست تايوان بأنها "دولة"، وهو توصيف يُمكن عده خروجا عن سياسة "الصين الواحدة" التي تعترف بها إسرائيل.
ورغم أن ذلك لا يُعد انتهاكا رسميا للسياسة المذكورة -وفق الباحثة- نظرا لصدوره عن نواب برلمان لا عن مسؤولين حكوميين، فقد أثارت هذه التصريحات انتقادات من جانب الصين.
وردا على زيارة توبوروفسكي وما صاحبها من تصريحات، أصدر السفير الصيني في إسرائيل (شياو جيون تشنغ) إدانة شديدة اللهجة، نشرها أيضا على حسابه في منصة "إكس".
وصرح بأن تصرفات توبوروفسكي "تنتهك بشكل خطير مبدأ الصين الواحدة وتقوض الأساس السياسي للعلاقات بين الصين وإسرائيل"، مضيفا أن السفارة قدمت احتجاجا رسميا إلى الجانب الإسرائيلي.
كما اقترح السفير الصيني أن "يقضي عضو الكنيست بعض الوقت في دراسة التاريخ الصيني"، وأن "يزور مقاطعة فوجيان"؛ حيث يعيش أشخاص تجمعهم صلات عائلية بمقيمين في تايوان، لِفَهْم السبب، من وجهة نظره، في أن الجزيرة جزء من الصين.
وقد دفعت هذه التصريحات توبوروفسكي إلى الرد؛ حيث أشار -مستشهدا برئيس مجلس الأمن القومي التايواني- إلى أن الصين تدعم أعداء إسرائيل.
ووقعت مواجهة مباشرة أخرى في حفل أقامته منظمة "ياد عزر لافر" (Yad Ezer L’Haver) في حيفا، التي تربطها علاقات واسعة بالمكتب التمثيلي التايواني.
وفي حفل إحياء ذكرى الهولوكوست عام 2024، دُعي ممثل تايوان في إسرائيل لإلقاء كلمة، مما دفع الوفد الدبلوماسي الصيني الحاضر إلى الانسحاب.
إضافةً إلى ذلك، تناول السفير الصيني المسألة بشكل مباشر في مقالاته في صحيفتي "إسرائيل هيوم" و"جيروزاليم بوست"، زعم فيها أن تايوان تحاول تقويض الشراكة التكنولوجية بين تل أبيب وبكين.
كما أثار القضية في خطاب ألقاه خلال احتفالات رأس السنة الصينية، بحضور عدد من كبار المسؤولين الإسرائيليين.

مجموعات معادية
وفي تايوان، أعربت بعض الأصوات عن استيائها من تحسن العلاقات مع إسرائيل، ففي الأشهر الأولى، حظيت الحرب في غزة بتغطية إعلامية واسعة في وسائل الإعلام المحلية، إلا أن هذا التوجه خفت حدته في السنة الثانية.
ونتيجةً لذلك، ركز المكتب الاقتصادي والثقافي الإسرائيلي في تايبيه، على الدبلوماسية العامة، مسلطا الضوء على هجوم 7 أكتوبر، ومبررات الإجراءات الإسرائيلية اللاحقة.
أخيرا، وتماشيا مع اتجاهات الرأي العام في دول أخرى، ظهرت في الجزيرة خمس مجموعات معادية لإسرائيل بهدف معلن هو إنهاء تعاون تايوان مع إسرائيل.
ورغم أن هذه المجموعات تمثل أقلية صغيرة وهامشية، فإنها صامدة ومثابرة؛ حيث تنظم احتجاجات أسبوعية وتضغط على المشرّعين والشخصيات العامة والشركات لقطع العلاقات مع إسرائيل والشركات الإسرائيلية.
وأخيرا، تعرضت شركة الشحن التايوانية "إيفرغرين" لانتقادات بسبب تسليمها الحديد الصلب إلى إسرائيل.
وترى الباحثة أنه "على الرغم من أن هذه الجهود لم تُثمر بعد، فإنها تُحدث تأثيرا مُخيفا على صناع القرار في تايوان".
ومن بين الأمور المُقلقة للغاية، حادثةٌ تورط فيها ناشطٌ بارز من حزب الكومينتانغ (KMT) ذي الأغلبية؛ حيث ارتدى شارة نازية وحمل علنا نسخة من كتاب "كفاحي" للزعيم النازي أدولف هتلر.
وعلى هذا، ترى "ديان" أن المواقف المعادية لإسرائيل لدى أقلية من التايوانيين، الذين يُعربون باستمرار عن استيائهم من تعزيز العلاقات، قد تؤدي، في حال تفاقمها، إلى إعادة تقييم بعض مبادرات التعاون المشتركة أو تقليص نطاقها.
وختمت الباحثة بإيراد بعض التوصيات لصانع القرار الإسرائيلي، منها، تعميق التعاون الاقتصادي عبر السعي للاندماج في قطاع أشباه الموصلات في تايوان، وغيرها من الصناعات، بما في ذلك مجال تخزين المياه الذي يشهد تزايدا في الطلب على التقنيات المبتكرة.
وأيضا دعت إلى إقامة تبادل معرفي في مجال الطوارئ المدنية، والاستعداد للكوارث، مع تجنب الانخراط في المجالات ذات الطابع العسكري أو الأمني.
كما تحدثت عن ضرورة الاستفادة من تجربة تايوان في المجالات المدنية مثل رعاية المسنين، والتصدي للتدخلات الأجنبية وحملات التأثير.
وأيضا الاستمرار في الالتزام بسياسة "الصين الواحدة"، مع حفاظ إسرائيل على علاقات مع جانبي المضيق، مع كل من بكين وتايبيه.
وأشارت إلى ضرورة "الحفاظ على الحوار مع تايوان بشكل مرن وشبه رسمي بالتوازي مع العلاقات القائمة".
ودعت الباحثة إلى رصد بوادر تصاعد المشاعر المعادية لإسرائيل في تايوان، وإطلاق نقاشات مع الأحزاب والقطاعات المختلفة حول استخدام الرموز النازية، وتوضيح جوهر المشكلة، والنظر في دعم تشريعات ذات صلة كما حصل في دول أخرى.
كما يتعين مواصلة الجهود لبناء صورة إيجابية لإسرائيل داخل المجتمع التايواني، خاصة لدى صناع القرار والفئات المؤثرة، لتقليص مخاطر ردود الفعل السلبية مستقبلا، وفق قولها.