فرصة نهائية.. ماذا وراء تحديد الترويكا الأوروبية مهلة لإيران قبل "كبح الزناد"؟

"الدول الأوروبية اتفقت مع واشنطن على إمهال إيران حتى نهاية أغسطس"
حددت الترويكا الأوروبية بالاتفاق مع الولايات المتحدة، نهاية أغسطس/ آب 2025 موعدا نهائيا لإعادة تطبيق آلية "كبح الزناد" على إيران، ما لم تُظهر الأخيرة تعاونا مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية وترجع إلى المسار الدبلوماسي.
ويأتي التهديد بتفعيل آلية "سناب باك" أو "كبح الزناد"، التي تعني إعادة فرض العقوبات الأممية على إيران، بعد يوم واحد من انتهاء جولة محادثات بين وفد إيراني وآخر يمثل دول الترويكا الأوروبية، والتي عُقِدت بمدينة إسطنبول في 26 يوليو/ تموز 2025.
اتفاق مشترك
المهلة المحددة لإيران من الترويكا الأوروبية جاءت باتفاق بين رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والمستشار الألماني فريدريش ميرتس، وذلك باتفاق مسبق جرى بين هذه الدول والولايات المتحدة.
وقال مكتب ستارمر عبر بيان في 26 يوليو: إن "هذا الاتفاق تم خلال اتصال هاتفي جرى بين رئيس الوزراء وماكرون وميرتس". لافتا إلى أن المحادثات بين قادة "الترويكا" الأوروبية تناولت ملفات إيران وغزة وأوكرانيا.
وفي 16 يوليو نقل موقع "أكسيوس" الأميركي عن ثلاثة مصادر مطّلعة (لم يسمها) أن وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، ونظراءه من فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة، اتفقوا خلال مكالمة هاتفية على تحديد نهاية أغسطس 2025 كموعد نهائي للتوصل إلى اتفاق نووي مع إيران.
وبحسب المصادر جرت هذه المكالمة في 14 يوليو 2025، بهدف تنسيق المواقف بين الدول الأربع بشأن تفعيل آلية "كبح الزناد"، وبحث مستقبل المسار الدبلوماسي مع إيران.
وأفاد الموقع بأن الدول الأوروبية الثلاث تعتزم تفعيل آلية "كبح الزناد" في حال عدم التوصل إلى اتفاق بحلول نهاية أغسطس، وهو ما سيؤدي إلى العودة التلقائية لجميع العقوبات الدولية التي فرضها مجلس الأمن الدولي على إيران قبل توقيع الاتفاق النووي عام 2015.
وفي 18 أكتوبر/ تشرين الأول 2025، تنتهي صلاحية “كبح الزناد” التي أُدرجت ضمن نص الاتفاق النووي للتعامل مع انتهاكات إيران المحتملة. وبما أن تفعيلها يتطلب نحو 30 يوما، تسعى دول أوروبا لإكمال الإجراء قبل أن تتولى روسيا رئاسة مجلس الأمن مطلع أكتوبر.
وعلى ضوء الضربات الإسرائيلية والأميركية التي استهدفت منشآتها النووية خلال حرب الـ12 يوما في يونيو/حزيران 2025، علّقت إيران تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وبالتوازي مع استئناف الاتصالات مع الترويكا الأوروبية، أبدت إيران استعدادها لاستئناف المفاوضات مع الولايات المتحدة بشرط ضمان حقها في تخصيب اليورانيوم على أراضيها.
وسبق أن هددت طهران الدول الأوربية والولايات المتحدة بالانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي التي تضمن الاستخدام السلمي للطاقة الذرية، إذا ما أعاد الأوروبيون فرض العقوبات الأممية عليها.
ووقعت طهران الاتفاق النووي عام 2015، مع الدول الخمس دائمة العضوية بمجلس الأمن، الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا والصين وروسيا، إضافة إلى ألمانيا، لكن واشنطن انسحبت من جانب واحد عام 2018، وبدأت فرض عقوبات اقتصادية على إيران.
اصطفاف ثلاثي
على الصعيد الداخلي الإيراني، فقد أخذت التهديدات الغربية بالعودة للعقوبات، مساحة واسعة في الصحافة والتي وصفها البعض منها بأنها "بلطجة سياسية" جرت في أجواء من التهديد والابتزاز السياسي، محذّرة من "الاصطفاف الثلاثي" المتمثل في إسرائيل وأميركا وأوروبا.
وقال الكاتب الإيراني محمد صفري: إن "آلية الزناد التي تلوّح بها الترويكا الأوروبية لا تمتلك أي وجاهة قانونية". مؤكدا أن العودة إلى العقوبات الأممية استنادا إلى هذه الآلية هو نوع من "البلطجة السياسية" التي تهدف إلى فرض الإملاءات الغربية على إيران.
وتساءل صفري خلال مقال نشرته صحيفة "سياست روز" المحافظة في 26 يوليو، عن جدوى التجارب السابقة في التفاوض مع الغرب، وعلى رأسها الاتفاق النووي الذي لم يجنِ منه الإيرانيون سوى النكث بالعهود من الطرف المقابل. على حد تعبيره.
وأشار صفري إلى أن "إيران التزمت بجميع بنود الاتفاق النووي، بينما انسحب منه الأميركيون ولم تلتزم أوروبا بتعهداتها، ومع ذلك، يتم اليوم استخدام آلية الزناد كورقة ضغط على طهران، رغم أنها فاقدة لأي أساس قانوني بعد انسحاب واشنطن".
ولفت إلى أن “الدول الأوروبية الثلاث (بريطانيا، فرنسا وألمانيا) تهدّد بتفعيل آليّة الزناد في حال لم تستجب إيران لمطالبها، وهو ما تم طرحه خلال مفاوضات إسطنبول الأخيرة، التي جرت في أجواء من التهديد والابتزاز السياسي، وليس في إطار قانوني نزيه”.
وخلص صفري إلى أن "آلية الزناد مجرّد وسيلة للابتزاز ولا أساس قانونيا لها في ظل الظروف الحالية للاتفاق النووي"، لافتا إلى أن "أوروبا تسعى لكسب الوقت وتأخير دفن هذه الآلية مع انتهاء صلاحية الاتفاق النووي في أكتوبر 2025".
في السياق ذاته، رأى المحلّل السياسي الإيراني مرتضی مكي، أن التحوّل اللافت في جولة المفاوضات التي عُقِدت في إسطنبول، هو أن الدول الأوروبية لم تَعُد تلعب دور الوسيط كما في السابق، بل أصبحت تطرح المطالب الأميركية والإسرائيلية ذاتها، مما يعني أن هناك اصطفافا ثلاثيا واضحا ضد إيران.
وأوضح خلال مقال نشرته صحيفة "آرمان ملى" الإصلاحية، في 26 يوليو، أن "طهران تسعى لاستغلال كل فرصة تفاوضية لتفادي تفعيل آليّة الزناد، ولهذا رحّبت بمسار الحوار مع الأوروبيين، رغم إدراكها أن الجولة الأولى لن تُثمر عن نتائج ملموسة، فقد تم الاتفاق فقط على مهلة تنتهي نهاية أغسطس، ولم تصدر أي مواقف أوروبية عن نتائجها".
ولفت مكي إلى أن "أي توافق مع الأوروبيين قد يفتح الباب أمام اتفاق أوسع مع واشنطن"، داعيا إلى "ترك مساحة تحرك للدبلوماسيين في المرحلة القادمة، لتفادي آلية الزناد التي ستؤدي إلى إعادة العقوبات الدولية، وهو ما سيصعّب الوضع السياسي والاقتصادي لإيران بشكل كبير".
"مناورة محتملة"
في المقابل، رأى الكاتب العراقي محمد الخزاعي، أن "المدة التي حددتها الدول الأوروبية ليست رقما عشوائيا بل تستند إلى تقديرات عدة، واحدة منها، قد تكون مهلة لغرض الاستعداد العسكري الإسرائيلي الأميركي لتنفيذ ضربة مباغتة لإيران".
ورأى الخزاعي، في مقال نشرته صحيفة "المواطن" العراقية في 22 يوليو، أن “أهداف ومؤشرات نية المباغتة هي واحد من احتمالين، الأول: ممارسة ضغط سياسي لانتزاع تنازل من إيران”.
واستطرد: "فالمهلة قد تكون جزءا من مناورة (حافة الهاوية) والتي تعني الضغط الشديد لدفع الأخيرة على تقديم تنازل كبير (تسليم اليورانيوم، وقف التخصيب، فتح المواقع أمام لجان التفتيش) بدون الحاجة إلى حرب".
ولفت إلى أن "هذا النوع من التهديد يستخدم كثيرا قبيل عمليات المباغتة مثلما حدث قبيل غزو العراق عام 2003 حين أعطيت لصدام حسين (الرئيس الراحل) مهلة لتسليم أسلحة مزعومة".
أما الاحتمال الثاني، يرى الخزاعي، أنه "تمهيد لعمل عسكري إن لم تستجب إيران خلال المهلة، فإن الحديث عن عودة العقوبات الأممية تلقائيا (كبح الزناد) قد يكون الغطاء السياسي والشرعي في نظر الغرب لتوجيه ضربة عسكرية محدودة، وأن إسرائيل تُعرف بسياستها الاستباقية في توجيه الضربات".
وعلى الوتيرة ذاتها، أشار “المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات”، إلى أن "التطورات في ملف إيران النووي تظهر تصاعدا في التحديات التي تواجه أوروبا، لا سيما في ظل انعدام الثقة بين طهران والعواصم الأوروبية، وتدهور قدرة الاتحاد الأوروبي على ممارسة نفوذ فعّال".
وشدّد تقرير المركز المنشور في 21 يوليو على أن "السياق الجيوسياسي الجديد، الذي يتسم بتصعيد عسكري تقوده إسرائيل بدعم أميركي، يُقوّض فرص التوصل إلى تسوية دبلوماسية. رغم محاولات الترويكا الأوروبية لإحياء الحوار مع إيران".
وأكَّد التقرير أن “أوروبا أصبحت أسيرة الانقسامات الداخلية، وضعف الإرادة السياسية والارتهان للسياسات الأميركية، خاصة في ظل عودة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي ينتهج نهجا أحاديا ويقلل من شأن العمل الجماعي الأوروبي”.
واستطرد: "في المقابل، لا ترى طهران أوروبا شريكا موثوقا، ما يدفعها لتقوية تحالفاتها الشرقية".
ورجح المركز أن "تستمر أوروبا في أداء دور هامشي، ما لم تُراجع إستراتيجيتها تجاه الشرق الأوسط، وتبني استقلالية دبلوماسية واقعية، أما إعادة فرض العقوبات فلن تفضي سوى إلى مزيد من الجمود، ما لم تُرافقها مسارات تفاوضية جديدة تشمل ضمانات أمنية واقتصادية حقيقية لإيران".
ونوَّه إلى أن مستقبل الاتفاق النووي يبقى مرهونا بإرادة سياسية غائبة، وتحولات إقليمية قد تُجبر الأطراف على التفاوض مجددا تحت ضغط الأزمات؛ لذلك ينبغي على الاتحاد الأوروبي والدول الأوروبية بناء استقلالية دبلوماسية حقيقية بعيدا عن الولايات المتحدة".
وخلص المركز الأوروبي إلى ضرورة "تجاوز الانقسامات داخل الاتحاد بشأن قضايا الشرق الأوسط، وتبنّي موقف موحد وفعال، كما أنه من الضروري أن تُعيد أوروبا تصميم إطار التفاوض، ليشمل قضايا أوسع تتعلق بالأمن الإقليمي".
المصادر
- قادة بريطانيا وفرنسا وألمانيا يهددون بتفعيل "آلية الزناد" ضد إيران بنهاية أغسطس
- أميركا والترويكا الأوروبية تحدد نهاية أغسطس للتوصل إلى اتفاق نووي مع إيران
- إمهال إيران حتى نهاية آب / اغسطس 2025 مناورة سياسية - عسكرية
- أمن دولي ـ الاتفاق النووي، هل تنجح ” الترويكا” الأوروبية في إعادة إيران إلى طاولة المفاوضات؟
- مانشيت إيران: طهران والترويكا الأوروبية.. التهديد بآلية الزناد لا يُسقط خيار التفاوض