"فلسطين أكشن".. الكف العاري يواجه قنابل التحالف البريطاني الإسرائيلي

داود علي | منذ ٥ ساعات

12

طباعة

مشاركة

في قلب واحدة من أكثر الدول الأوروبية انخراطا في دعم الاحتلال الإسرائيلي عسكريا وسياسيا، برزت حركة "فلسطين أكشن" كأحد أبرز وجوه المقاومة المدنية المناهضة للاحتلال. 

وتسلحت منذ البداية بالاحتجاج الميداني المباشر، والعمل المنظم ضد الشركات التي تغذي آلة الحرب الإسرائيلية، وعلى رأسها عملاق الصناعات الدفاعية "إلبيت سيستمز".

وانطلقت الحركة في المملكة المتحدة عام 2020، ونجحت خلال فترة قصيرة في تحويل الاحتجاجات التقليدية إلى نمط من "العصيان الأخلاقي المنظم"، من خلال اقتحام منشآت عسكرية، وتعطيل مصانع إنتاج الأسلحة.

إضافة إلى تشويه واجهات الشركات الداعمة لإسرائيل بطلاء الدماء والرموز الفلسطينية، في مشاهد حظيت بتغطية إعلامية دولية واسعة، وأربكت المؤسسات الأمنية البريطانية.

لكن هذا المسار الجريء لم يكن بلا ثمن، فمع تصاعد زخم الحملة الشعبية للحركة، ونجاحها في كسب تأييد أوساط جامعية ونقابية وحقوقية داخل بريطانيا وخارجها، كثفت السلطات حملات الاعتقال، والملاحقات القضائية. 

وصولا إلى الحظر الكامل الذي فرض عليها أخيرا بموجب قوانين مكافحة الإرهاب، وهو قرار مثل، في نظر كثيرين، محاولة خنق سياسي لحراك لا يحمل السلاح، بل يفضح صفقات السلاح.

وفي مواجهة هذه التحديات، وجدت "فلسطين أكشن" نفسها تخوض معركة متعددة الجبهات، في الشارع وساحات القضاء والإعلام. 

ورغم القمع، فإن الحركة واصلت رسالتها الأساسية، كسر الصمت عن التواطؤ البريطاني مع الاحتلال الإسرائيلي، وإعادة تعريف التضامن مع فلسطين كفعل مقاومة لا مجرد شعارات.

تطور لافت

وفي تطور قضائي لافت، منحت المحكمة العليا ببريطانيا في 30 يوليو/ تموز 2025، الضوء الأخضر للناشطة هدى عموري، المؤسسة المشاركة في حركة "فلسطين أكشن"، لتقديم طعن قانوني شامل ضد قرار الحكومة تصنيف الحركة "منظمة إرهابية".

وكان القرار قد صدر في 28 يونيو/ حزيران 2025، وعد حينها خطوة تصعيدية غير مسبوقة، تهدف إلى تجريم واحدة من أكثر الحركات المؤثرة في مناهضة الاحتلال الإسرائيلي على الساحة الأوروبية.

وجاء حكم القاضي مارتن تشامبرلين ليؤكد أن القضية "جديرة بالنقاش الكامل"، نظرا لتضمنها ملفات دستورية جوهرية تتعلق بحرية التعبير، والحق في التظاهر، والتنظيم السلمي. 

وأشار القاضي إلى أن الحظر الحكومي ربما يمثل تدخلا غير متناسب في الحقوق الأساسية التي يكفلها القانون البريطاني.

ويأتي هذا التطور القضائي في وقت تشهد فيه بريطانيا توترا متصاعدا بين السلطات الأمنية وحركات التضامن مع فلسطين. 

خاصة بعد أن نظمت "فلسطين أكشن" احتجاجات حاشدة في لندن عقب قرار الحظر، رفعت خلالها الكوفيات واللافتات المؤيدة للمقاومة الفلسطينية، مما أسفر عن اعتقال 55 شخصا بتهم تتعلق بدعم "منظمة محظورة".

معركة قانونية

ورغم فشل طلب عموري في وقف مؤقت لتنفيذ الحظر، إلا أن قبول المحكمة العليا للنظر في الطعن يفتح الباب أمام معركة قانونية قد تعيد تعريف حدود استخدام قوانين "مكافحة الإرهاب" في بريطانيا، خصوصا عندما تستخدم ضد حركات تنشط في قضايا حقوق الإنسان والقانون الدولي.

المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، فولكر تورك، كان من بين أبرز الأصوات الدولية التي انتقدت الحظر، معتبرا أنه "إساءة مقلقة" لتشريعات مكافحة الإرهاب، ومشددا على أن القرار "غير ضروري ويقيد الحقوق الأساسية لمئات النشطاء السلميين".

وتعليقا على القرار، رأت حركة "فلسطين أكشن" أن الحظر "استبدادي وخطير"، وأكدت عزمها مواصلة الكفاح القانوني والشعبي لفضح تورط الحكومة البريطانية في دعم نظام الفصل العنصري الإسرائيلي. 

لا سيما عبر شراكاتها مع شركات السلاح مثل "إلبيت سيستمز" التي تزود الاحتلال بتقنيات تستخدم بشكل مباشر في استهداف المدنيين في غزة والضفة الغربية.

يذكر أن الحكومة البريطانية لجأت إلى قرار الحظر بعد عملية نوعية نفذها نشطاء "فلسطين أكشن" داخل منشأة تابعة لسلاح الجو الملكي، ألحقوا خلالها أضرارا بطائرات تستخدم في الدعم اللوجستي العسكري. 

في خطوة رمزية لرفض الشراكة العسكرية مع الاحتلال الإسرائيلي خلال عدوانه المتواصل على غزة، والذي أوقع أكثر من 206 آلاف شهيد وجريح منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، غالبيتهم من النساء والأطفال.

تاريخ الحركة

وتأسست حركة "فلسطين أكشن" رسميا في 30 يوليو 2020، إثر أول عملية ميدانية جريئة تمثلت في اقتحام ناشطين مقر شركة "إلبيت سيستمز" في لندن.

وقاموا برش الطلاء على جدران المقر من الداخل، في رسالة مباشرة ضد تورط هذه الشركة في تسليح الاحتلال الإسرائيلي. 

منذ ذلك الحين، تحولت الحركة من مجموعة ناشطين إلى واحدة من أبرز الحركات الاحتجاجية المنظمة في أوروبا التي تستهدف رأس المال العسكري الإسرائيلي وشبكاته في الغرب.

شارك في تأسيس الحركة كل من هدى عموري، وهي ناشطة بريطانية من أصول فلسطينية وعراقية، وريتشارد برنارد، وهو ناشط يساري معروف في أوساط العمل التضامني والحركات المناهضة للرأسمالية.

وخلال خمسة أعوام من النشاط المكثف، نظمت "فلسطين أكشن" عشرات الاقتحامات والاعتصامات داخل مواقع عسكرية ومقرات شركات متورطة في دعم إسرائيل، وحققت تأثيرا ماديا وإعلاميا ملموسا. 

لكن الحدث الأبرز جاء في يونيو/ حزيران 2025، عندما اقتحم نشطاء من الحركة قاعدة "بريز نورتون" الجوية الملكية، ونجحوا في تعطيل طائرتين عسكريتين مخصصتين للتزود بالوقود من طراز "A330 MRTT" عبر رش الطلاء على محركاتها.

أثار هذا الحدث ضجة سياسية وإعلامية دفعت وزارة الداخلية البريطانية إلى إعلان نيتها تصنيف "فلسطين أكشن" منظمة إرهابية. 

وفي مطلع يوليو، صوت مجلس العموم بأغلبية كبيرة (385 صوتا مقابل 26) لصالح الحظر، وهو ما أقره مجلس اللوردات في اليوم التالي.

ومنذ الخامس من يوليو 2025، بات الانضمام إلى الحركة، أو حتى التعبير عن تأييدها أو جمع التبرعات لها، يعد جريمة يعاقب عليها قانون الإرهاب البريطاني لعام 2000، بعقوبات تصل إلى 14 عاما من السجن.

سجل حافل 

ورغم التصعيد الأمني، تواصلت عمليات "فلسطين أكشن" ضد شركات تصنيع السلاح وشبكات الدعم اللوجستي الإسرائيلي. 

ومن أبرز محطاتها، في مايو/ آيار 2021، أثناء العدوان الإسرائيلي على غزة، صعد مجموعة من النشطاء إلى سطح مصنع تابع لشركة "إلبيت" في ليستر، واحتلوه لستة أيام. 

اعتقل عشرة منهم لاحقا، لكن المحكمة برأتهم باستخدام بند "الضرورة" في القانون البريطاني.

بعدها نفذت الحركة عمليات مماثلة في مصانع الشركة في بريستول، وأولدهام، وتامورث، بالتعاون مع حركات بيئية وحقوقية.

وفي مارس 2025، هاجم أربعة ناشطين موقعا تابعا لـ"إلبيت" في أزتيك ويست مستخدمين رافعة ومطرقة حديدية، وألحقوا أضرارا بالمبنى، ما أدى إلى اتهامهم بالتخريب والاعتداء.

وفي مدينة "سومرست" البريطانية عام 2024، رش مبنى حكومي تابع للمقاطعة بالطلاء الأحمر احتجاجا على تأجيره لشركة "إلبيت".

ولم تقتصر عمليات "فلسطين أكشن" على شركة "إلبيت"، بل توسعت لتشمل، شركة "هيدروفيت" لتوريد المعدات الهيدروليكية. 

ففي يونيو 2023، استهدفت بمزاعم تورطها غير المباشر في دعم "إلبيت"، ما دفعها لاحقا إلى إعلان قطع علاقاتها مع الشركة، وفق بيان مسرّب.

كذلك ليوناردو (شركة أسلحة إيطالية)، استهدفت مقراتها في لندن و"كرو تول" برش الطلاء وتخريب الكابلات، احتجاجا على بيع مقاتلات لإسرائيل.

ومن ثم جامعة كامبريدج ومانشستر، التي استهدفت الحركة رموزا تاريخية تحتفي بها مثل تماثيل حاييم وايزمان، وصور آرثر بلفور، في إطار الضغط على الجامعات لقطع علاقاتها الاستثمارية مع شركات السلاح.

اجتماعات سرية

وفي سبتمبر/ أيلول 2024، استهدفت الحركة مقر شركة "أبكو" العالمية في لندن، والتي تقدم خدمات علاقات عامة لشركة "إلبيت"، عبر طلاء الواجهة باللون الأحمر وإغلاق الأبواب بالأقفال.

وتشير وثائق حصلت عليها الحركة بموجب قانون حرية المعلومات، إلى أن الحكومة البريطانية أجرت اجتماعات سرية لطمأنة شركة "إلبيت" بشأن حملات الحركة، وضغطت على الشرطة والمدعي العام لتشديد الإجراءات ضد النشطاء. 

بعض الوثائق حذفت بالكامل خوفا من الإضرار بالعلاقات البريطانية الإسرائيلية، كما يظهر تدخل النائب العام ووزارة الداخلية محاولات لاستخدام قوانين حديثة تقيد حرية التظاهر، لتجريم أعمال العصيان المدني التي تتبناها "فلسطين أكشن".

وبحسب تقرير "الغارديان" البريطانية في 29 أبريل/ نيسان 2025، فإن مساعي تصنيف "فلسطين أكشن" منظمة إرهابية لا يمكن فصله عن سياق أوسع يشهد تزايد الدعم الشعبي في بريطانيا لفلسطين، واحتدام النقاش حول مسؤولية الحكومات الغربية في تسليح الاحتلال الإسرائيلي خلال حربه المتواصلة على غزة. 

وبالنسبة للحركة، فإن الحظر لن يوقفها، بل سيمنحها "موقعا متقدما في معركة كشف التواطؤ الغربي"، كما جاء في أحد بياناتها.