رغم افتقاره للمؤهلات.. لماذا يرغب العراق بإنشاء مدينة ذهب عالمية ببغداد؟

يوسف العلي | منذ ٥ ساعات

12

طباعة

مشاركة

في خطوة "إستراتيجية" تهدف إلى تحويل بغداد لمركز إقليمي، قررت الحكومة العراقية إنشاء "مدينة الذهب العالمية"، توطّن فيه صناعة المعدن الأصفر والمجوهرات داخل البلاد وتعزيز إنتاجه، بالشكل الذي ينافس دولا إقليمية يستورد منها اليوم بمليارات الدولارات.

قرار الحكومة العراقية بإنشاء مدينة للذهب في بغداد، طرح جملة من التساؤلات عن مدى جاهزية البلاد لمنافسة دول الإقليم، خصوصا الإمارات وتركيا، أم أن المشروع سيبقى حبرا على ورق فقط، وذلك على تقدير البلد لا يصنّف ضمن البلدان المستقرة سياسيا وأمنيا؟

"مركز إقليمي"

مشروع إنشاء مدينة للذهب تقدّمت به وزارة التجارة العراقية، ووافق عليه المجلس الوزاري للاقتصاد، لتوطين صناعة الذهب والمجوهرات داخل العراق، انسجاما مع أهداف البرنامج الحكومي في دعم التنمية الصناعية وتوفير فرص العمل، وفقا لبيان رسمي في 23 يوليو/ تموز 2025.

وقالت الوزارة: إن "المشروع يمثل نقلة نوعية في مسار تطوير الصناعات الوطنية". مشيرة إلى أن "المدينة ستضم منظومة متكاملة تشمل وحدات صناعية متخصصة، ومراكز تدريب متطورة لصياغة الذهب وفق المعايير العالمية، فضلا عن أسواق وبورصة متقدمة للذهب والمجوهرات".

وفي البيان نفسه، أوضح مدير عام دائرة العلاقات الاقتصادية الخارجية، رياض فاخر الهاشمي، أن "المشروع يهدف إلى دعم القطاع الخاص وتوسيع مساهمته في الاقتصاد الوطني".

ولفت المسؤول العراقي إلى أن "المدينة ستقام ضمن المدينة الاقتصادية المتكاملة في بغداد، وبما يسهم في تحويل العاصمة إلى مركز إقليمي لصناعة وتجارة الذهب".

من جهته، أكد المستشار المالي لرئيس الوزراء العراقي، مظهر محمد صالح، أن مشروع مدينة الذهب العالمية في بغداد، يعد نقلة نوعية في رؤية العراق الاقتصادية.

ونقلت وكالة الأنباء العراقية (واع) الرسمية في 26 يوليو عن صالح، قوله: "مدينة الذهب العالمية في بغداد تعد منصة تنموية لتعظيم القيمة وتحريك الاقتصاد، إذ يمثل مشروع مدينة الذهب العالمية في بغداد نقلة نوعية في رؤية العراق الاقتصادية".

ولفت إلى أن "المشروع لا يقتصر على البُعدين الجمالي أو التجاري، بل يُعد محركا تنمويا إستراتيجيا في إطار توجه وطني اشتمل لتنويع مصادر الدخل وتعزيز موقع العراق في سلاسل القيمة الإقليمية، لا سيما في الصناعات الحرفية عالية الربحية".

واوضح أن "المجلس الوزاري للاقتصاد أقر أخيرًا المشروع، بوصفه مبادرة تهدف إلى تحويل العاصمة بغداد إلى مركز إقليمي لصناعة وتجارة الذهب والمجوهرات، مستندًا إلى ما يمتلكه العراق من موقع جغرافي محوري، وإرث تاريخي غني في الصناعات اليدوية والمعادن الثمينة".

وأضاف صالح أن "المشروع سيسهم في تنظيم السوق، وحوكمة التبادل التجاري، وحماية الثروة الوطنية من التهريب وفقدان القيمة، وأنه سيتيح للعراق التحول من مجرد سوق استهلاك للذهب إلى مركز إنتاج وتصدير ذي قيمة مضافة".

إلى جانب ذلك، أفاد صالح بأن "المشروع يُعد خطوة إستراتيجية نحو تقليل الاعتماد على النفط، وتنويع القاعدة الإنتاجية الوطنية، عبر استثمار الإمكانات الكامنة في الصناعات الصغيرة والمتوسطة ذات الطابع الحرفي والثقافي، المرتبطين بجذور حضارية عميقة".

وخلص صالح إلى أن "مشروع مدينة الذهب العالمية يعد في سياق رؤية الحكومة العراقية وبرنامجها الاقتصادي، لتنشيط القطاع الخاص وتحفيز التصنيع المحلي وتكامل الاقتصاد العراقي مع بيئته الإقليمية والدولية، بما يعزز الاستقرار المالي".

"خطوة استعراضية"

وعن مدى قدرة العراق على إنجار مدينة للذهب، استبعد الباحث في الشأن الاقتصادي العراقي، غانم الجميلي، أن "تطبق الحكومة العراقية ما طرحته من مشروع يحتاج إلى موثوقية وسمعة ورصيد وتداول وتعامل دولي، فضلا عن الاستقرار السياسي والأمني، وكل هذه غير متوفرة".

وأضاف الجميلي لـ"الاستقلال" قائلا: "في مقارنة بسيطة مع البيئة التي توفرها دولة الإمارات أو تركيا لإنشاء مثل هذه الصناعة، وبين البيئة الحالية في العراق، والتي تشهد بين الحين والآخر نزاعات سياسية تصل إلى حد الصدام المسلح، وهذا طارد للاستثمارات".

وبحسب الباحث، فإن "مثل هذه المشاريع ليست صناعات اعتيادية؛ لأننا نتحدث عن إنتاج معادن ومجوهرات ثمينة عالميا، بالتالي تحتاج أمورا لوجستية والأمان والثقة بالمعايير كل ذلك يجب مراعاته".

وتابع: "كذلك، فإن العراق يعاني من أزمات كثيرة ومن أبرزها النقص الحاد في الطاقة الكهربائية، والتي تُعد من نقاط ضعف البلد، إضافة إلى المحسوبية والفساد والسلاح المنفلت، وكذلك الحاجة إلى التعدين حتى يصبح لدى البلد مورد وطني وليس الاعتماد فقط على شراء السبائك".

وعلى نحو مشابه، قالت الخبيرة الاقتصادية العراقية سهام يوسف، إن “المشروع يحمل إمكانات للنهوض بصناعة متخصصة قد توفر فرص عمل وتزيد من عائداته الاقتصادية، لكن هل يمثل أولوية في بلد يعاني من شلل شبه كامل في القطاعات الصناعية الأساسية؟”

وأوضحت أن "سلسلة التوريد الوطنية معطلة، والعراق لا يزال يعتمد بشكل كبير على الاستيراد، سواء للسلع الغذائية أو الدوائية أو الصناعية، مع استيراد أكثر من 60 بالمئة من حاجاته الغذائية و20-25 بالمئة من الدواء، ما يعكس ضعفا في البنية الصناعية الوطنية".

وتابعت الخبيرة عبر تدوينة نشرها حساب "شبكة الاقتصاديين العراقيين" على "فيسبوك" في 24 يوليو، قائلة: "كذلك، يعاني المواطن العراقي من أزمات متفاقمة في الخدمات الأساسية: انقطاع الكهرباء المستمر، شح المياه بسبب الجفاف، تدهور البنى التحتية الزراعية، إضافة ضعف وتدهور الطرق وشبكات النقل". 

وتساءلت سهام اليوسف بالقول: “هل أصبح الذهب هو ما نحتاجه الآن؟ أم أن هناك خللا في البوصلة الاقتصادية يجعلنا نهرول نحو البريق ونغض الطرف عن الخراب؟”

ورأت الخبيرة الاقتصادية أن " إنشاء مدينة ذهب، قد يحمل طابعا استعراضيا، وكأنه مشروع لتجميل الصورة لا لحل جوهر المشكلة. فهو يبدو وكأنه يراد القول: انظروا ماذا أنجزنا، بينما الناس تقول: نريد ماء وكهرباء ووظيفة لا ذهب".

وأردفت: “نعم، المشروع قد يخلق فرص عمل محدودة في قطاع متخصص، لكن، كم عاملا في الصناعات الثقيلة كان يمكن توظيفهم بنفس حجم الاستثمار؟ وكم معملا مغلقا كان يمكن إحياؤه؟”

وأكدت الخبيرة في ختام حديثها، قائلة: "نحن لا نستهين بأي مشروع يخلق فرص عمل أو يدعم الاقتصاد، لكن مشروعا بهذا الحجم في هذا التوقيت بالذات، يبدو أقرب إلى ترف سياسي منه إلى أولوية اقتصادية حقيقية".

"هامش الصناعة"

وفي المقابل، رأى الخبير الاقتصادي العراقي، نبيل التميمي، أن "وزارة التجارة تحاول إعادة توطين صناعة الذهب في العراق والتي كانت مشهورة في الأسواق العراقية منذ أيام الحرف اليدوية".

وأضاف التميمي خلال مقابلة تلفزيونية في 24 يوليو، أنه "مع تطور هذه الصناعة ابتعد الصانع العراقي، وأصبحت هناك فجوة، خصوصا خلال حقبة الحصار الاقتصادي على البلد في تسعينيات القرن العشرين، والتي عانى من عزلة تجارية مع دول العالم".

وبخصوص مدى امتلاك العراق حاليا كفاءات ومنظومة لصياغة وتجارة الذهب بمعايير عالمية، قال التميمي: إنه "على مستوى الصناعة اليدوية، فإنها تلقى رواجا عند بعض تجار الذهب لما يمتلكه العراق من إرث كبير، لكن بما يتعلق بالصناعة التي تستخدم فيها التكنولوجيا، فهذا الأمر قد يكون جديدا".

وأردف: "لكن بإمكان التجار والصناعيين العراقيين استقدام المعدات والتكنولوجيا والعُمال المهرة إلى البلاد، وبالتالي من ممكن أن يواكبوا صناعة الذهب حول العالم، وهذا ليس بالتحدي الصعب".

وعن التحديات الإدارية واللوجستية، أوضح التميمي أنه "في عموم الاستثمارات تحاول الحكومة العراقية تقليل العقبات أمام المستثمرين، لذلك نرى نموا في حجم الاستثمارات الأجنبية الموعودة المتعاقد عليها مع الجهات الحكومية خلال الأربع سنوات المقبلة، والتي تقدر بنحو 88 مليار دولار، وهذا مؤشر جيد".

ولفت التميمي إلى أن "العراق يستهدف أولا من خلال توطين صناعة الذهب، الهامش الربحي من صناعة الذهب أو ما يُعْرَف محليا (أجور الصياغة)، وهذا يمكن تقديره بنحو 500 مليون دولار، والهدف الثاني أن يكون البلد سوقا إقليمية؛ لأنه اليوم السوق الإقليمية في الإمارات وتركيا".

وتابع: "تحاول بغداد أن تكون ملتقى آخر في المنطقة لتجار وصنّاع الذهب،  وقد تسهم هذه الخطوة في استثمار المواد المتعلقة بالذهب وتحسين الاقتصاد العراقي، أما على مستوى العالمي فإنها خطوة أبعد مرتبطة بقضايا سياسية واقتصادية وأمنية ومصرفية".

في 11يناير/ كانون الثاني 2025، كشفت وزارة التخطيط العراقية، أن البلاد تستورد يوميا ما بين 50 و75 كيلوغراما من الذهب عبر المنافذ الرسمية المعتمدة، وبقيمة 2.5 مليار دولار سنويا، وتحديدا من دول الإمارات وتركيا والهند.

وبحسب بيانات صندوق النقد الدولي، ارتفعت حيازة العراق من الذهب إلى 145.661 طنا بنهاية عام 2024، ليحتل المرتبة الـ28 عالميا، والرابعة عربيا بعد السعودية ولبنان والجزائر، وفق تصنيف المجلس العالمي للذهب.

كما أكّد المجلس أن البنك المركزي العراقي كان الأول عربيا والسابع عالميا من حيث كمية الذهب التي اشتراها خلال عام 2024، فيما أعلن محافظ البنك علي العلاق في 11 مارس 2025، أن العراق يمتلك واحدا من أعلى احتياطيات الذهب على مستوى الدول العربية بواقع 162 طنا.