"من ضرب راداراتنا العسكرية؟".. سؤال العراقيين الذي تتهرب حكومتهم من إجابته

"الاستهدافات تقف وراءه أهداف استراتيجية تبدأ من خلط الأوراق ونشر الفوضى"
أثارت نتائج اللجنة التحقيق بقصف رادارات عسكرية في العراق ردود فعل غاضبة بين العراقيين، كونها اكتفت بالحديث عن أن الطائرات المسيرة انطلقت من داخل البلاد، ولم تفصح عن الجهة التي تقف وراءها، رغم أنها أكدت توصلها إليها خلال التحقيقيات.
وفي 24 يونيو/ حزيران 2025، استهدفت طائرات مسيرة انتحارية منظومة رادارات عسكرية في معسكر التاجي بالعاصمة بغداد، وآخر في قاعدة "الإمام علي" في محافظة ذي قار الجنوبية، في حين استهدف هجوم ثالث قاعدة تضم رادارا قرب مطار بغداد الدولي.
وجاءت الاعتداءات الثلاثة بالتزامن مع إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران، بعد حرب بين الطرفين بدأت في 13 يونيو استمرت 12 يوما.

نتائج التحقيق
وفي بيان أعلنه الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة في العراق صباح النعمان أنه بعد جهود أمنية واستخبارية وفنية دقيقة ومكثفة، أسفرت التحقيقات الخاصة باستهداف عدد من مواقع الرادارات عن التوصّل إلى نتائج مهمة وحاسمة.
وأوضح النعمان في بيانه الذي نقلته وكالة الأنباء العراقية الرسمية في 18 يوليو أن نتائج التحقيقات حددت منشأ الطائرات المسيّرة المستخدمة في الهجمات، والتي تبيّن أنها تحمل رؤوسا حربية بأوزان مختلفة ومُصنّعة خارج العراق.
وأضاف المتحدث أنه "جرى رصد أماكن انطلاق تلك الطائرات بدقة، وقد ثبت أنها انطلقت من مواقع محددة داخل الأراضي العراقية. وجرى الكشف عن الجهات المتورطة في تنفيذ وتنسيق هذه العمليات العدائية".
وأكد النعمان أنه "تم إجراء تحليل فني شامل لمنظومات التحكم والاتصال المستخدمة في تسيير الطائرات، ما مكّن الجهات الاستخبارية من جمع بيانات دقيقة دعمت نتائج التحقيق".
وتابع: "تأكيد اللجنة أن جميع الطائرات المسيّرة الانتحارية المستخدمة في الاستهداف هي من النوع نفسه، ما يدل بوضوح على أن الجهة المنفّذة واحدة"، مؤكدا أنه "سيتم اتخاذ الإجراءات القانونية بحق جميع المتورطين، وإحالتهم إلى القضاء العراقي العادل، لينالوا جزاءهم وفقا للقانون".
لكن تقريرا نشرته صحيفة "العالم الجديد" العراقية في 19 يوليو، تحدث عن أن اللجنة الأولى التي شكلها رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، في 24 يونيو، التي كانت تضم كبار الضباط في وزارة الدفاع، أعطت "معلومات مغلوطة عن الجهة التي تقف وراء تلك الاستهدافات".
وأوضحت الصحيفة أن "اللجنة الأولى حمّلت إسرائيل المسؤولية وراء تلك الهجمات، لكن السوداني حين تسلم تقريرها، أبدى امتعاضه وعدم قناعته، ووصفه بالبائس، لأنه كان يعلم بالحقيقة".
وأشارت إلى أن "ذلك دفع السوداني إلى إنهاء عمل اللجنة المذكورة وإحالة الضباط الأعضاء فيها بكتاب واحد إلى أمرة المحاربين (في مديرية شؤون المحاربين المرتبطة بوزارة الدفاع)، لتعمدهم التضليل".
وشكّل السوداني- وفقا للصحيفة- لجنة أخرى توصلت إلى أن "الجهة التي تقف وراء تلك الهجمات هي جهة سياسية تمتلك جناحا عسكريا مهما ومؤثرا في الداخل العراقي".
وبحسب الصحيفة، فإن "اللجنة أكدت أن الطائرات الثلاث والتي قصفت الرادارات هي مِن صُنع واحد وتابعة لمصدر وجهة واحدة"، مبينة أنه "بحسب خط سير تلك الطائرات فإنها انطلقت من منطقة جرف الصخر التابعة لمحافظة بابل".
وأكدت الصحيفة العراقية أن "السوداني أبدى إصرارا هذه المرة على محاسبة المتورطين، رغم رفض الجهة المتهمة لذلك تحت ذريعة مشاركتها في عمليات التحرير، وتضحياتها في دحر الإرهاب، وتقديم الشهداء في سبيل تحرير البلاد من تنظيم الدولة عام 2017".

"قضية حساسة"
وبخصوص أسباب عدم تسمية الجهة التي تقف وراء الاستهدافات، قال الخبير الأمني العراقي سيف رعد، إن "حديث اللجنة أن الطائرات المستخدمة مُصنّعة خارج العراق، يشير إلى تورط جهات لديها إمكانيات تكنولوجية متقدمة أو لديها القدرة للوصول إلى أسواق دولية للأسلحة".
ونقلت منصة "جبال" العراقية في 18 يوليو عن الخبير سيف رعد قوله: "تأكيد انطلاق الطائرات المسيرة من داخل العراق يعني أن الجهة المنفذة لديها قواعد تشغيلية ومواقع داخل البلاد سواء كانت فصائل محلية أو خلايا تابعة لجهات خارجية".
ورأى الخبير الأمني أن "الاستهدافات تقف وراءه أهداف إستراتيجية تبدأ من خلط الأوراق ونشر الفوضى، وهذا يقلل من احتمالية أن تكون الهجمات عشوائية أو منفصلة، بل يدعم فرضية تورط جهة واحدة تعمل بشكل منظم، وبالتالي تقف خلفها خلايا مدعومة من جهاز مخابرات أجنبي".
وأكد رعد أن "البيان تجنب ذكر الجهة المنفذة بشكل صريح بسبب حساسية المعلومات؛ مثل الكشف عن جهة مثل الموساد أو فصائل موالية لإيران قد يثير توترات داخلية أو إقليمية خاصة في ظل الوضع السياسي الهش في العراق، وقد تكون إستراتيجية أمنية".
ولفت إلى أن "إبقاء الجهة المنفذة غامضة قد يكون لمنع ردود فعل مباشرة أو تصعيد غير محسوب في الداخل، وهذا ما قد تسعى إليه تلك الهجمات، ويجب الأخذ في الحسبان بأن الأجهزة الأمنية تحتاج بعض الوقت لإكمال التحقيقات بشكل كامل".
وكان المحلل السياسي، والمقرب من الإطار والمليشيات الموالية لإيران، عباس العرداوي، قد ألمح عبر تدوينة نشرها على "إكس" في 24 يوليو، إلى أن استهداف رادار معسكر التاجي كان من قبل بعض الفصائل، لمساعدته بالحرب ضد إيران مع إسرائيل.
وكتب العرداوي في حينها قبل أن يحذف تغريدته: "لا يوجد شيء، فقط رادار فرنسي بقاعدة التاجي قدّم خدماته بالعدوان الإسرائيلي، وتم إحالته للسكراب"، في إشارة إلى إخراجه عن الخدمة.
وفي اليوم التالي أعلنت وزارة الدفاع اعتقال العرداوي، بتهمة التحريض والإساءة والتشهير بالمؤسسة الأمنية والإضرار بالأمن القومي، و"تعمده توجيه اتهامات خطيرة إلى الدولة والتشهير بمؤسساتها القانونية"، لكن أفرج عنه بعد خمسة أيام فقط لأسباب مجهولة.
وتسلّم الجيش العراقي عام 2022 رادار “نو TPS-77” أميركي الصنع، وعدة رادارات من طراز “Ground Master 400” وفق صفقة مع شركة “تاليس” الفرنسية كانت قد وُقّعت عام 2020.
ويعد رادار “نو TPS-77” الذي استهدف في معسكر التاجي من الرادارات الإستراتيجية بعيدة المدى من صنع العملاق الأميركي “لوكهيد مارتن” لمسح وتغطية مساحات شاسعة لفترة عمل طويلة.

"مبدأ التقية"
وعلى الصعيد ذاته، علق الكاتب والمحلل السياسي فلاح المشعل، قائلا: "تقرأ بيان الحكومة عن استهداف القواعد العسكرية وحقول النفط والغاز في كردستان، تشعر أنها بمؤسساتها الأمنية قد انتهجت مبدأ التقية، كما نفعل نحن الكتاب عندما نكتب أو نتحدث عن المليشيات أو الشخصيات السياسية الخطرة والخارجة عن القانون".
وتهكّم المشعل على بيان اللجنة الحكومية عبر تدوينته على "إكس" في 19 يوليو قائلا: "كان الله في عون الحكومة وهي تواجه الضغوط والتحديات من كل حدب وصوب".
وكتب الإعلامي عمر الجنابي على منصة "إكس" في 18 يوليو، قائلا: "الحكومة العراقية لا تريد الضرر بسمعة ومستقبل الجهة التي استهدفت رادارات الجيش، وقررت عدم الكشف عنها بعد معرفتها خلال التحقيقات".
وتابع: "ليس من السهل التحلي بهذا الخلق العظيم وترك المهاجم مع تأنيب الضمير".
من جهتها، قالت الناشطة نور العبيدي: إن "اللجنة الخاصة بالتحقيق في حادثة استهداف الرادار، توصلت لمكان انطلاق الطائرات من داخل العراق، وحددت الجهة التي أطلقتها، بل وتأكدت أن جميع الطائرات من منشأ واحد، ومع ذلك لم تجرؤ على إعلان اسم الجهة المنفذة".
وأضافت العبيدي خلال تدوينة على منصة "إكس" في 18 يوليو، أنه "في العراق، التحقيقات تنتهي دوما عند الباب الذي لا يُفتح".
وعلق الناشط أحمد الساعدي عبر "إكس" قائلا: "الجهة التي تمتلك المسيّرات في العراق واحدة، وهي المسؤولة والمخوّلة بتنفيذ الهجمات".
وبحسب مراقبين فإن المليشيات التي تحتل مدينة "جرف الصخر" شمال محافظة بابل منذ عام 2014، هي كتائب حزب الله الموالية لإيران، وأن الحكومة العراقية تخشى تسميتها خشية من مطالبة العراقيين لها بالإعلان عن محاسبة قادتها وإظهار نتائج التحقيق والأحكام التي تصدر بحقهم.
ورأى المراقبون أن قضية قصف الرادارات أريد لها أن تغلق بلا محاكمة ولا محاسبة للجناة، بالتالي لم تذكر الجهة التي استهدفتها، لأنها جزء من المنظومة السياسية التي تدير البلاد، على تقدير أن المليشيات الموالية لإيران جزء من الإطار التنسيقي الشيعي.
و"جرف الصخر" ترتبط بجغرافية مفتوحة مع محافظة الأنبار، وتتصل ببغداد وكربلاء، وهي قريبة من الحدود السعودية، هُجّر أهلها (السُنة) البالغ عددهم نحو 250 ألفا على يد الفصائل الموالية لإيران بعد استعادتها من تنظيم الدولة الذي سيطر عليها لمدة أربعة أشهر عام 2014.
وخلال مقابلة تلفزيونية في 16 أبريل/ نيسان 2021، قال رئيس الوزراء العراقي الأسبق إياد علاوي: إن "جرف الصخر أصبحت منطقة مستقلة فيها مصانع بعد تهجير 60 ألف عائلة من أهالي المنطقة".
وأضاف علاوي أن "نائب رئيس الحشد الشعبي السابق، أبو مهدي المهندس، قال لي: إنه لن يعيد جرف الصخر لأي أحد، وأبلغني أيضا بأنهم يصنعون فيها طائرات مسيرة ولديهم مصانع لذلك، وأن المنطقة أمرها بيد إيران".
المصادر
- العراق يخسر رادارات عسكرية في هجوم مسيّرات مجهولة
- خاص| ما التفسيرات الأمنية لبيان إعلان نتائج التحقيق بقصف الرادارات العراقية؟
- «العالم الجديد» تكشف هوية مفجر الرادارات.. والسوداني يعاقب لجنة ضللته
- الناطق باسم القائد العام يعلن نتائج التحقيقات الخاصة باستهداف مواقع للقوات المسلحة
- مناطق حيوية.. كيف نقلت إيران مصانع السلاح إلى خارج حدودها؟