لماذا "يستهدف" الحشد الشعبي حقول نفط كردستان العراق؟

"من يطلق المسيرات معروف ومكشوف، فهذا الاسلوب من الهجمات ليس جديدا"
منذ مطلع يوليو/ تموز 2025، يتعرّض إقليم كردستان العراق إلى هجمات غير مسبوقة بطائرات مسيرة مفخخة وصواريخ تستهدف المطارات والآبار النفطية، وذلك في وقت تشهد العلاقة بين أربيل وبغداد حالة من التوتر بسبب خلافات مالية أوقفت رواتب موظفي الإقليم.
وفي الوقت الذي لم تعلن أي جهة تبنيها للهجمات، اتهمت السلطات في كردستان العراق مليشيات تابعة لقوات الحشد الشعبي، بالوقوف وراءها، واصفة موقف بغداد بـ"التستر والتهرّب" من المسؤولية تجاه "التجاوزات الأمنية" التي تستهدف المنشآت والآبار بالإقليم.
لكن الحكومة في بغداد رفضت توجيه أربيل الاتهامات للحشد الشعبي، مؤكدة أن "ما صدر من داخلية الإقليم أمر مرفوض ومدان وغير مسموح تحت أي ذريعة كانت، خاصة أنه صدر مع غياب الدليل الذي نطالب بتقديمه إن وجد للجهات الحكومية الرسمية".

هجمات متواصلة
رغم أن إقليم كردستان يتعرض بين الحين والآخر في السنوات السابقة إلى ضربات بطائرات مسيرة، لكن المختلف في الهجمات الحالية أنها متواصلة بشكل شبه يومي منذ 2 يوليو، وآخرها استهداف حقلي "طاوكي" و"بشكابير" النفطيين بمحافظة دهوك في 16 من الشهر ذاته.
وخلال هذه المدة من 2 إلى 16 يوليو تعرضت مناطق إقليم كردستان العراق (أربيل، دهوك، السليمانية) إلى 17 هجوما نالت مطار أربيل لثلاث مرات، وحقل خورمالا النفطي في المحافظة ذاتها، إضافة إلى حقل "سرسنك" في محافظة دهوك.
وفي 2 يوليو، تعرض مقر القوة 70 التابعة لقوات البيشمركة الكردية في منطقة طاسلوجة بمحافظة السليمانية، إلى هجوم بطائرتين مسيّرتين، والذي عدّته السلطات في إقليم كردستان أنه "عمل إجرامي يستهدف سيادة العراق وأمن مواطنيه".
وأعلنت وزارة الثروات الطبيعية في حكومة إقليم كردستان، في 16 يوليو، أن طائرة مسيّرة مفخخة استهدفت حقل "هانت أويل" الأميركي في منطقة باعدري بمحافظة دهوك، وذلك للمرة الثانية خلال أيام.
ودانت الوزارة بشدة خلال بيان لها "هذه العمليات التي وصفتها بالإرهابية"، مطالبة الحكومة الاتحادية والمجتمع الدولي بـ"التدخل العاجل لحماية البنية التحتية ومنشآت الطاقة في إقليم كردستان ومنع تكرار مثل هذه الهجمات".
وأشارت إلى أن الهجمات بالطائرات المسيّرة خلال الأيام الماضية استهدفت منشآت نفطية في مناطق خورملة وسرسنك وفيشخابور وعين سفني ضمن محافظتي أربيل ودهوك وإدارة زاخو المستقلة، ما تسبب في أضرار مادية كبيرة وأثر سلبا على مستوى إنتاج النفط".
وختمت وزارة الثروات الطبيعية بيانها بالتأكيد على "ضرورة أن تتحمل الحكومة الاتحادية مسؤولياتها الكاملة في حماية المنشآت الحيوية في الإقليم ووقف هذه الاعتداءات المتكررة".
وأعربت السفارة الأميركية في العراق خلال بيان لها في 16 يوليو عن غضبها من هجمات الطائرات المسيرة، وحثّت الحكومة العراقية في التحقيق بالموضوع و"على فرض سلطتها لمنع الهجمات المسلحة".
وقالت السفارة، إنها "تدين الولايات المتحدة الهجمات الأخيرة بالطائرات المُسيّرة في جميع أنحاء العراق، بما في ذلك هجمات 14 و 15 يوليو على البُنى التحتية الحيوية في حقلي خورمالا وسرسنك النفطيين في إقليم كردستان العراق".
وأضافت: "يجب على الحكومة العراقية أن تمارس سلطتها لمنع الجهات المسلحة من شن هذه الهجمات على مواقع داخل أراضيها، بما في ذلك المواقع التي استثمرت فيها شركات عراقية ودولية لدعم مستقبل العراق".
وعدت السفارة "هذه الهجمات غير مقبولة حيث أنها تُقوّض سيادة العراق وتُضرّ بجهوده في جذب الاستثمارات الأجنبية"، مطالبة الحكومة العراقية بـ"التحقيق في هذه الهجمات ومحاسبة من يقف خلفها".

"إفشال التقارب"
وبخصوص الجهات التي تقصف الإقليم، قال المحلل السياسي من كردستان العراق، ياسين عزيز، إن "من يطلق المسيرات معروف ومكشوف، فهذا الأسلوب من الهجمات ليس جديدا، كونه حصل سابقا، لكن الاختلاف هذه المرة هي أنها موجهة ضد المنشآت النفطية بشكل مركز".
وأضاف عزيز لـ"الاستقلال" أنه "في قراءة بسيطة لجغرافيا المنطقة التي تنطلق منها المسيرات المفخخة تكشف لنا الأطراف التي تقف وراءها هي جماعات أو ملشيات تستفيد من مسميات رسمية".
وأشار الخبير إلى أن "الهجمات لها علاقة مباشرة بعدم إفساح المجال لأي تقارب يحدث في وجهات النظر بين أربيل وبغداد"، لافتا إلى أن "الأطراف المهاجمة التي تحصل على غطاء سياسي في العراق من أجل إدامة المشاكل وعدم الاستقرار في علاقات الإقليم بالحكومة الاتحادية".
وأكد عزيز أن "الأطراف المهاجمة تخدم أجندات إقليمية لا تريد الأمن والاستقرار للعراق وتحاول أن يبقي البلد تحت هيمنته لاستخدامه كورقة سواء ضاغطة أو اقتصادية".
وعن خيارات الإقليم لمواجهة الهجمات، قال عزيز: إنه "ليس لديه سوى الضغط على الحكومة الاتحادية ومؤسساتها الأمنية والعسكرية لكشف المتورطين بهذه الهجمات والتعامل معهم بحسم وحزم".
وتابع: "وكذلك، الطلب من التحالف الدولي دعم الإقليم من حيث توفير مضادات جوية لمنع تكرار و استمرار هذه الهجمات التي باتت تشتد كلما لم يكن هناك ردة فعل قوية تجاهها".
واتهم القيادي الكردي ووزير الخارجية العراقي الأسبق، هوشيار زيباري، عبر تدوينة على منصة "أكس" في 15 يوليو، المليشيات الموالية لإيران بشن هذه الهجمات بالتزامن مع أزمة قطع رواتب الإقليم، مشددا على أن "هذا عدوان صارخ علينا من قوى اللادولة".
وتوترت العلاقة بين أربيل وبغداد، بسبب قطع الأخيرة رواتب الموظفين في إقليم كردستان منذ شهر مايو 2025، وذلك بسبب عدم تسليم حكومة كردستان العراق عائدات بيع النفط، والتي تقدر بنحو 280 ألف برميل يوميا.
وفي 16 يوليو، ذكرت صحيفة "الزمان" العراقية أن "بغداد وأربيل توصلا إلى اتفاق رسمي لإنهاء الأزمة، وذلك بتسليم الإقليم حصة مالية محددة مقابل التزامه بتوريد جزء من صادراته النفطية وإيراداته المحلية إلى خزينة الدولة".
وأوضحت الصحيفة أن "الاتفاق ينص على تسليم الإقليم مبلغ 240 مليار دينار (الدولار الأميركي يعادل1400 دينار) كعائدات شهري مايو ويونيو، بمعدل 120 مليار دينار شهريا، إلى جانب تسليم 230 ألف برميل من النفط يوميا لبغداد، مقابل إرسال رواتب موظفي الإقليم لهذين الشهرين".
وأضاف أن "حكومة الإقليم ستبدأ فعليا بإجراءات تسليم الإيرادات المحلية من المنافذ الحدودية، إلى جانب الكمية المتفق عليها من النفط الخام، في إطار تطبيق بنود الاتفاق الجديد".

هجمات سياسية
وفي السياق ذاته، قال الكاتب والباحث العراقي، فراس إلياس: إن "هناك طابعا سياسيا تحمله هجمات الطائرات المسيَّرة على مواقع حيوية ونفطية في إقليم كردستان في ظل تصاعد الأزمة بين بغداد وأربيل حول كثير من القضايا وفي مقدمتها رواتب الموظفين في الإقليم".
وتوقع إلياس في حديث لموقع "وردنا" العراقي في 15 يوليو، أن "الرسائل المسيرة تتزامن مع تلويح أربيل بإمكانية الانسحاب من العملية السياسية وهذا يعني تراكم المشكلات مع بغداد وتراجع إمكانية حلها، خصوصا فيما يتعلق بملف النفط بشكل عام وقضية رواتب الموظفين في الإقليم".
وبحسب إلياس، فإنه "كلما حاولت أربيل زيادة ضغوطها باتجاه بغداد، تصاعدت مثل هذه الهجمات. يبدو أن هناك توجهات في بغداد تسعى لاحتواء أي تحركات سياسية من الإقليم من شأنها أن تصب في مصلحته، خصوصا مع الدعم الأميركي المباشر لأربيل، ونحن نلاحظ الدور الفعال الذي يلعبه القائم بأعمال السفارة الأميركية ستيفن فاغن في هذا الاتجاه".
وشدد على أن "رد فعل القيادة الكردية خصوصا في أربيل قد يحدد مستوى الهجمات المسيرة من عدمه، ومن الواضح أن الهجمات تقف خلفها فصائل مسلحة تستخدم الطائرات المسيرة المصنعة إيرانيا".
وفي 13 يوليو، أعلن مقر زعيم الحزب "الديمقراطي الكردستاني"، مسعود بارزاني، منح الحكومة الاتحادية في بغداد "فرصة أخيرة" لإنهاء مشكلة رواتب موظفي إقليم كردستان. الأمر الذي عده مراقبون تهديدا واضحا لانسحاب القوى الكردية من حكومة وبرلمان العراق.
وفي السياق ذاته، حذّر الخبير في الشؤون الاقتصادية رشيد السعدي، من خطورة استمرار استهداف حقول النفط في إقليم كردستان، واصفا الأمر بـ"التهديد الاقتصادي بالغ الخطورة"، حسبما نقلت وكالة "الجبال" العراقية في 16 يوليو.
وقال السعدي: إن "استمرار استهداف حقوق النفط في كردستان يشكّل تهديدا مباشرا على استقرار الاقتصاد العراقي ككل، لأن الإقليم جزء أساسي من المنظومة النفطية للعراق، ويُسهم بشكل فعّال في إجمالي الإنتاج والصادرات النفطية".
ولفت الخبير الاقتصادي إلى أن "المساس بحقوق إقليم كردستان النفطية يُضعف مناخ الاستثمار، ويؤدي إلى تعطيل عقود الشراكة مع الشركات الأجنبية، ما ينعكس سلبا على الثقة في الاقتصاد العراقي ويقلّل من الإيرادات العامة للدولة".
وأكد الخبير أن "هذه السياسات تؤدي إلى تعميق الانقسامات الداخلية وخلق أزمات اقتصادية محلية، ما يهدد الاستقرار العام في البلاد، كما أن استمرار استهداف حقوق النفط الدستورية لإقليم كوردستان لا يمثل مجرد نزاع قانوني أو سياسي".
وشدد السعدي على أن "استهداف الإقليم يُربك أسواق الطاقة، ويُعرّض العقود الدولية القائمة لمخاطر قانونية وتعويضات مالية باهظة، وأن زعزعة استقرار إيرادات إقليم كردستان تُنذر بأزمات مالية واجتماعية، ويهدد بتوقف المشاريع والخدمات، ما يفتح الباب أمام توتّرات اقتصادية قد تمتد إلى باقي المحافظات".
وخلص الخبير الاقتصادي إلى أن "التراجع عن التزامات التصدير وتقويض بيئة الاستثمار يضرب مصداقية العراق أمام الشركات الدولية، ويُعرّض البلد لعزلة اقتصادية تدريجية في وقت نحن فيه بأمسّ الحاجة إلى تدفقات استثمارية وإيرادات مستقرة".
المصادر
- هجوم بمسيرات على حقول نفط بكردستان العراق لليوم الثالث على التوالي
- وزارة الثروات بإقليم كردستان بعد استهداف حقل "هانت أويل": نطالب بتدخل عاجل
- هجمات المسيّرات على إقليم كردستان.. ضغط سياسي أم استهداف مباشر للبنية الاقتصادية؟
- استهداف جديد لحقول نفط كردستان يؤجج الأزمة بين اربيل وبغداد
- الولايات المتحدة تدين استهداف طائرات مسيرة لحقول نفط في إقليم كردستان العراق
- خبير يحذّر من استهداف حقول النفط في كوردستان: تهديد اقتصادي بالغ الخطورة على العراق
- الاتحاد الوطني الكردستاني يدين الهجوم على مقر قوات البيشمركة السليمانية
- إتفاق بغداد وأربيل يدخل التنفيذ بعد فك عقدة الرواتب وإيرادات النفط
- واشنطن غاضبة من "مسيَّرات" تهاجم مواقع حيوية في العراق
- بارزاني يمهل بغداد «فرصة أخيرة» لإنهاء مشكلة رواتب الموظفين