"اغتيال الإطار التنسيقي وتشكيل حكومة إنقاذ وطني".. ماذا يحدث في العراق؟

"القبانجي يخشى خروج الحكم من يد الشيعة في العراق وعودته إلى السنة"
أثار إمام وخطيب النجف في العراق، صدر الدين القبانجي، جدلا واسعا بعد حديثه خلال خطبة الجمعة في 11 يوليو/ تموز 2025، عن وجود “مخطط إسرائيلي” لاغتيال جميع قادة الإطار التنسيقي الشيعي الحاكم، ثم الذهاب بعدها إلى تشكيل حكومة إنقاذ وطني.
ورغم أن تصريحات القبانجي التي نسبها إلى جهات عليا (لم يسمها)، تناقلتها وسائل إعلام محلية وإقليمية، إضافة إلى ناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، لكن الإطار التنسيقي والحكومة العراقية، لم يصدر عنهما أي تعليق بخصوصها حتى 14 يوليو.
"مؤشرات وتسريبات"
وفي التفاصيل، قال القبانجي: إن "بعض المؤشرات وتسريب الأسرار من جهات عليا تقول: إن هناك مخططا إسرائيليا هدفه، أولا: تصفية جميع قادة الإطار التنسيقي، وثانيا: إعلان حكومة الإنقاذ الوطني".
القبانجي، إضافة إلى أنه رجل دين شيعي، فهو قيادي في المجلس الأعلى الإسلامي في العراق الذي تأسس في إيران عام 1982، وقاتل إلى جانب الحرس الثوري الإيراني في الحرب الإيرانية العراقية التي اندلعت عام 1980 واستمرت ثمان سنوات.
وأوضح القبانجي، أن "استهداف جميع قادة الإطار التنسيقي يكون أثناء اجتماع لهم فهم يعلمون أي مكانهم وفي أي ساعة يجتمعون، وهذا الأمر جدا سهل، لأن سماء بغداد مخترقة، وعندها لا تكون هناك حكومة، ويجرى تشكيل حكومة إنقاذ وطني".
وشدد القبانجي على أن "هذا الكلام ليس خياليا، وإنما هنالك مؤشرات، وتجربة إيران أمامنا بما فعلته إسرائيل، والتي أرادت فيها القضاء على الحكم هناك بتصفية القادة أولا ثم ملء الفراغ السياسي والحكومي بطريقة أخرى".
تأتي هذه التصريحات، بعدما حذر ممثل المرجع الشيعي علي السيستاني في كربلاء، عبد المهدي الكربلائي، من أن "العراق ليس بمنأى عن الأحداث التي تمر بها المنطقة، بعد معركة بين جبهة الحق والعدالة وجبهة الظلم والطغيان". مشيرا إلى أن "الظروف الحالية بالغة الخطورة".
وأضاف الكربلائي خلال تصريحات نقلها موقع "العتبة الكربلائية" في 26 يونيو، أن "الشعب العراقي ليس بمنأى عن تداعيات الصراع القائم في المنطقة، وعلى العراقيين التسلح بالوعي والبصيرة، وندعو إلى بناء البلد على أسس صحيحة".
وخاطب المسؤولين الحكوميين والسياسيين، قائلا: "اتقوا الله وراعوا مصلحة البلد والشعب، ويجب الحفاظ على المكتسبات بكل قوة وعدم الرجوع إلى عهود الظلم والقهر، رغم الإخفاقات والسلبيات المتراكمة".
وشدد ممثل السيستاني على ضرورة "تصحيح المسار وتدارك ما فات، ومنع التدخلات الخارجية بمختلف وجوهها"، داعيا إلى "حصر السلاح بيد الدولة ومكافحة الفساد".

"فقدان الظهير"
وبخصوص حقيقة “التسريبات” التي تحدث عنها القبانجي، رأى الباحث العراقي، علي المساري، أن "رغب القوى الشيعية في العراق وحديثهم عن سيناريوهات محتملة، سببه تقهقر الظهير الإيراني في المنطقة، وخشية تركهم لوحدهم في بحر سني".
وأوضح المساري لـ"الاستقلال" أن "تصريحات القبانجي، تعكس الخوف من أي تغيير قادم، إضافة إلى التحفيز الانتخابي للمجتمع الشيعي، وليس لهم غير هذا الأسلوب، لأن القوى التي جاءت بعد عام 2003، لا إنجازات لهم على الأرض، وإنما فساد مستشر، واقتصاد متراجع، وغياب للخدمات".
وبحسب الباحث، فإن "إخافة المجتمع الشيعي ودفعهم نحو الانتخابات لم يعد مجديا؛ لأن غالبية الجمهور غير مقتنع بما يصدر عن هؤلاء، إضافة إلى الكثير منهم يتمنى إزاحتهم عن المشهد، وما احتجاجات تشرين (أكتوبر) 2019، إلا دليلا على هذا الرفض".
في أكتوبر/ تشرين الأول عام 2019، تفجرت احتجاجات شعبية هي الأكبر في تاريخ العراق الحديث، كانت مادتها الأساسية طلاب الجامعات والثانويات في بغداد ومحافظات الوسط والجنوب، طالبت بمحاكمة جميع الأحزاب التي تولت السلطة منذ عام 2003 وحتى اليوم.
لكن هذه الاحتجاجات- وبحجة أنها مدعومة أميركيا- جوبهت بقمع شديد من الأجهزة الأمنية والمليشيات الموالية لإيران عبر غرفة عمليات كان يديرها قائد فيلق القدس الإيراني السابق، قاسم سليماني، ما أسفر عن مقتل نحو 800 متظاهر، وإصابة أكثر من 25 ألفا.
ولفت إلى أن تصريحات القبانجي دائما تثير الجدل، فهو يخشى خروج الحكم من يد الشيعة في العراق وعودته إلى السنة، وهو يحاول إثارة فزع الشيعة من هذا الأمر وسبق أن صرح بذلك قبل أشهر عدة.
وفي 30 مايو، عد القبانجي، إقبال السكان في المحافظات الغربية ذات الغالبية السنية على تحديث بطاقة الناخب، أكثر من مناطق الوسط والجنوب، وهذا معناه أمر مبيت بليل، فهم يريدون أخذ الحكم من الشيعة في العراق.
ومن المقرر أن تُجرى الانتخابات البرلمانية في العراق يوم 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2025، وهي أول انتخابات تجرى بعد تراجع المحور الإيراني في المنطقة عقب أحداث السابع من أكتوبر 2023.
واستبعد المساري وجود أي مخطط لاغتيال كل قادة الإطار التنسيقي، وتشكيل حكومة إنقاذ وطني، لأن "العراق الضعيف ليس من أولويات إسرائيل حاليا، فإن مشكلاته الداخلية وتحطيمه باحتلال أميركي عام 2003، جعله غير مؤثر ولم يعد يشكل أي تهديد لها".
ولفت إلى أن "إسرائيل والولايات المتحدة والغرب بشكل عام هدفه في الوقت الحالي إضعاف إيران وجعلها لا تشكل أي تهديد على مصالحهم بالمنطقة، لكن ربما من هذا الباب تستهدف رؤوس أذرعها في العراق أو اليمن، بعد إنهاء نظام الأسد في سوريا وإضعاف حزب الله في لبنان".

"بعبع جديد"
ما صدر عن خطيب جمعة النجف من تصريحات، أثارا ردودا كثيرة على مواقع التواصل الاجتماعي؛ حيث عدها ناشطون عراقيون عبر تدوينات على منصة "إكس" في 11 يوليو، بأنها ليست حقيقة وإنما يسعى إلى تحقيق أهداف أخرى من إطلاقها.
وتساءل الكاتب والباحث العراقي، مجاهد الطائي، قائلا: "هل لديه معلومات أم يحاول إخافة الجمهور ببعبع جديد بعدما فشلت بعبع داعش والبعث وتشرين (احتجاجات) والجولاني (الرئيس السوري أحمد الشرع)؟".
وفي السياق ذاته، تساءل المحلل السياسي العراقي، رعد هاشم، قائلا: “من يلقنّه بهذه المعلومات؟” متهكما على ما طرحه القبانجي بالقول: "هل يندرج ترويجه ضمن المحتوى الخابط"، في إشارة إلى المحتوى الهابط الذي يحاسب عليه القانون في العراق.
من جهته، علق الكاتب، شاهو القرةداغي، قائلا: "هل هو رئيس جهة استخبارية او امنية حتى يمتلك هكذا معلومات؟ أو الهدف الإثارة فقط كالعادة".
وخاطب الناشط العراقي، جمال الدوري، رجل الدين صدر الدين القبانجي، متسائلا: “كيف تمكنت من معرفة هذه المعلومات؟ هل إسرائيل بلغتك أو أنت مخترقهم ؟ متى تكفون عن خطب الإثارة وإشغال الناس؟”
وكتبت الناشطة صاحبة حساب "العراقية البصراوية"، قائلة: "لم أشاهد أو أسمع ولو لمرة واحدة معمم (شيعي) يلقي على العامة موضوع يخص الدين أو تعاليمه. خطب سياسة وتخويف الناس من التغيير أو حثهم على الانتخابات والحفاظ على المكاسب".
وقبل الحرب على إيران، وتحديدا في 4 أبريل، هدد القبانجي، بضرب "خمس قواعد عسكرية أميركية مكشوفة في العراق، لأن إيران لديها ألف صاروخ تخزنه تحت الأرض وموجه نحو دول العالم".
وتابع: "هذه القواعد الأميركية الخمسة في العراق، ستنتهي خلال اللحظات الأولى، وذلك بفعل المدفعية الإيرانية، بل بمدافع شبابنا (الفصائل المسلحة بالعراق) لأنهم لن يسكتوا".
وحذر القبانجي رئيس الولايات المتحدة الأميركية، قائلا: "ننصح ترامب بعدم التهور بالحرب أو التهديد ضد إيران، لأننا نفرح بالحرب إذا قامت للدفاع عن ديننا".
وطيلة الحرب الإيرانية الإسرائيلية، التي استمرت 12 يوما بدءا من 13 يوليو، لم تشارك الفصائل العراقية فيها، بل تحولت سماء العراق إلى ممر لعبور الطائرات الحربية التابعة للاحتلال وأخرى المسيرة والصواريخ بعيدة المدى التي تطلقها طهران على الأراضي المحتلة.
ويرجع عدم انخراط هذه الفصائل في الدفاع عن إيران إلى تهديدات إسرائيلية سابقة بشن هجمات على العراق، والتي تدخلت الولايات المتحدة للحيلولة دون تنفيذها، حسبما أكد وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين.
وقال حسين في 18 مارس/آذار 2025، إن قادة الفصائل المسلحة تعهدوا للسوداني (رئيس الوزراء العراقي) بعدم القيام بأي تحرك قد يتسبّب في رد فعل قوي ضد العراق.
وقبل أن تتدخل الولايات المتحدة وتمنع استهداف إسرائيل للفصائل العراقية، شنت الأخيرة هجمات صاروخية وأخرى بطائرات مسيرة مفخخة على الأراضي الفلسطينية المحتلة، وذلك مساندة للمقاومة في قطاع غزة بعد أحداث السابع من أكتوبر 2023.