نظرة استعلائية وتفاعلات غاضبة.. كيف أهان ترامب زعماء 5 دول إفريقية؟

منذ ٤ ساعات

12

طباعة

مشاركة

حالة من الاستنكار والاستهجان خلّفها الرئيس الأميركي دونالد ترامب عبر منصات التواصل ووسائل الإعلام، وذلك جراء مواقفه وطريقته المهينة لضيوفه من رؤساء دول إفريقية استدعاهم للبيت الأبيض.

ويتعلق الأمر برؤساء ليبيريا والسنغال وموريتانيا وغينيا بيساو والغابون؛ حيث ركز اللقاء الذي عقد في 9 يوليو/ تموز 2025 بالعاصمة واشنطن على قضايا التجارة والاستثمار والأمن.

أبرز الانتقادات الموجهة لترامب جاءت بسبب سلوكه مع الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني؛ حيث قاطعه طالبا منه الانتهاء من حديثه سريعا، بعدما بدا عليه الملل والانزعاج من حديثه.

وبعدها، توجه بالحديث إلى باقي الرؤساء، طالبا منهم ذكر أسمائهم وأسماء بلدانهم، وهو ما حدا بوسائل الإعلام إلى القول إن "ترامب كان يجري مقابلة توظيف مع الرؤساء الأفارقة".

سلوك مكرر

سلوك ترامب غير جديد؛ إذ سبق أن طالب سفراء 54 دولة إفريقية بالأمم المتحدة في 12 يناير/ كانون الثاني 2018 عبر بيان شديد اللهجة، الرئيس الأميركي بـ"التراجع" و"الاعتذار" عن تصريحات مهينة لإفريقيا.

وجاءت الدعوة بعد تصريحات منسوبة لترامب تناقلتها وسائل إعلام وتضمنت عبارات مسيئة حول الهجرة، والتي وصف فيها البلدان التي ينحدر منها المهاجرون بأنها "حثالة".

وبالعودة إلى لقاء البيت الأبيض، أبدى ترامب دهشته من إجادة الرئيس الليبيري جوزيف بواكاي للغة الإنجليزية، رغم أن ليبيريا تعتمدها لغة رسمية منذ ما يقارب قرنين من الزمن.

وسأل ترامب بواكاي قائلا: “إنجليزيتك رائعة، إنها جميلة.. أين تعلمت التحدث بهذه الروعة؟”

ليجيب بواكاي بأنه تلقى تعليمه في ليبيريا، الأمر الذي فاجأ ترامب، فرد قائلا: "هذا مثير جدا للاهتمام، لدي أشخاص على هذه الطاولة لا يتحدثون بهذه الطلاقة".

وفي هذا الصدد، قال المدافع عن حقوق الشباب الليبيري أرشي تاميل هاريس: "شعرتُ بالإهانة لأن بلدنا دولة ناطقة باللغة الإنجليزية".

وأضاف هاريس لموقع "سي إن إن" في 9 يوليو، أن “يطرح هذا السؤال، لا أعده مجاملة، أشعر أن الرئيس الأميركي والغرب ما زالوا ينظرون إلى الأفارقة كأشخاص يعيشون في قرى غير متعلمين”.

في المقابل، دافع المكتب الصحفي للبيت الأبيض عن تصريح الرئيس الأميركي، حيث قال كبير مستشاري إدارة ترامب لشؤون إفريقيا، مسعد بولس: "كنتُ حاضرا في الاجتماع، وكان الجميع ممتنا للغاية لوقت الرئيس وجهوده، لم يسبق لقارة إفريقيا أن حظيت بصديق في البيت الأبيض مثل ترامب".

بدورها، قالت نائبة السكرتير الصحفي للبيت الأبيض، آنا كيلي: إن تعليق ترامب كان "إطراء صادقا"، وإنه "يجب على الصحفيين أن يدركوا أن الرئيس قد بذل جهودا كبرى لاستعادة الاستقرار العالمي والنهوض بالدول في إفريقيا وحول العالم مما بذله جو بايدن خلال أربع سنوات".

وكان الرئيس الأميركي قد ركز على اللغة الإنجليزية كجزء من منصته "أميركا أولا"، وخلال مناظرة رئاسية عام 2015، أكد ترامب أن الولايات المتحدة "بلد نتحدث فيه الإنجليزية".

وفي مارس/آذار 2025، وقّع أمرا تنفيذيا يجعل اللغة الإنجليزية اللغة الرسمية للولايات المتحدة.

صفاقة الرئيس

تفاعلا مع الحدث، قال الناشط الحزبي والسياسي الموريتاني نور الدين محمدي، إنه "بعيدا عن سخرية بعض الغوغاء أو تطبيل بعض المتملقين، وكموريتاني وعربي وإفريقي، آلمتني جدا الجلافة والصفاقة والصلافة التي قاطع بها ترامب الرئيس الموريتاني في إحدى أحسن مداخلاته في الخارج".

وأضاف محمدي لـ"الاستقلال"، أن "ولد الغزواني ضيف على ترامب، أتى من بعيد بدعوة منه، ولذلك ما كان ليلتقي به أبدا لولا صروف الدهر، وقد لا يلتقيان بعدها أبدا، ورأينا كيف تحدث لدقائق فقط، وقاطعه".

وأردف "هذا ليس لقاء بين مدير شركة تجارية وعماله، ولذلك لا يُقاطع الرئيس المضيف الرؤساء الضيوف من أجل ربح أو بسبب خسارة دقائق من الأجندة أو جدول الزمن؛ إذ يُفترض أن حديثهم في تلك الدقائق أهم من ربح دقائق إضافية أو خسارتها".

ورأى محمدي أن "إدارة ترامب للاجتماعات تبدو كارثية"، مردفا: "ربما كان على الرئيس الغزواني أن يطلب منه بقوة ضرورة إكمال فكرته بدل الامتثال الفوري لرعونته".

وخلص إلى أن "هذا الحدث عارض وشكلي، لكن الرمزية السياسية والمقام السيادي له مهم جدا وله خلفيات".

بدوره، قال الناشط السياسي الكاميروني شانس ليون، إنه "من المروع أن نرى بعض رؤساء الدول الأفارقة يقبلون برضا عن الذات أن يتم استقبالهم كقطيع من قبل ترامب".

وأضاف ليون لـ"الاستقلال"، أن "هذا الموقف المهين يدل على قلة فخر وخضوع غير مقبول لدولة تنهب موارد إفريقية منذ عقود، ولا تقدم أي شيء سوى عدم الاستقرار والوعود الفارغة".

واسترسل: "لم تمول الولايات المتحدة أبدا مشروعا تنمويا كبيرا في أي دولة إفريقية، لا طرقات لا مستشفيات لا سدود لا جسور، لا طرق سريعة، لا سكك حديد، لا مدارس أو جامعات، لا شيء سوى نهب إفريقيا، خاصة في شرق الكونغو والسودان والصومال وليبيا والساحل وأخيرا موزمبيق".

وذكر ليون أن "ترامب استقدم خمسة رؤساء دول أفارقة مرة أخرى واحتقرهم، استدعاهم بشكل جماعي، كما لو أنهم لا يستحقون الاهتمام الفردي، بينما تستقبل روسيا والصين بشكل منهجي القادة الأفارقة وجها لوجه، مع تقديرهم بشكل لائق".

وأردف الناشط السياسي، "اجتمع هؤلاء القادة في مجموعات مثل قطيع من إفريقيا لجلسة استماع مع ترامب، وتم التعامل معهم بلا مبالاة صادمة، وتقلصوا إلى مجرد إضافات في المواجهة".

"مشهد سياسي غير محترم"، يقول ليون في وصفه لما جرى، مسترسلا: "والأسوأ من ذلك أنه قلل من زيارتهم إلى صورة جماعية بسيطة في المكتب البيضاوي السيئ السمعة، وكأنهم مجرد إضافات في مشهده السياسي".

وأضاف: "الاحترام لا يُستجدى، بل يُنتزع، فكيف نتوقع أن يتم احترامنا عندما نظهر في مجموعة، مثل الطلاب الذين ينتظرون نعمة المعلم؟ في الوقت نفسه تضاعف بكين وموسكو الاستثمارات الهيكلية وعلامات التقدير الدبلوماسي".

وأردف "الاحترام لا يكتسب بإرسال ابتسامات منافقة لواشنطن بل بفرض كرامتها، خاصة أن الولايات المتحدة لم تتردد أبدا في إذلال إفريقيا بينما تستغل ثرواتها".

وذكر ليون أنه "بينما يعامل ترامب القادة الأفارقة بتنازل، واصلت الشركات الأميركية المتعددة الجنسيات امتصاص معادن القارة ونفطها وأراضيها النادرة، دون أي مقابل عادل".

وشدد على أن "إفريقيا تستحق أفضل من المصافحة المهينة والخطابات الأبوية، تستحق شركاء يعاملونها على قدم المساواة".

وخلص ليون إلى أن القادة الأفارقة إذا أرادوا حقا خدمة شعوبهم، فعليهم التوقف عن التصرف كالمتسولين، والمطالبة بالاحترام الذي تستحقه قارتنا، وإلا فلن يكونوا أبدا مجرد إضافات في مسرح الهيمنة الغربية.

إطراء إفريقي

ورغم ما وقع، توقف موقع "فينانسيال إكسبريس" الأميركي في 10 يوليو، عند إغداق الرؤساء الخمس للرئيس ترامب بكلمات الإطراء المعسولة، محاولين إقناعه بالاستثمار في بلدانهم.

وقال الموقع: "بينما كان كل من حضر إلى الطاولة يشكر الرئيس الأميركي على الدعوة، أجاب: لم أكن أعلم أنني سألقى هذه المعاملة الطيبة، هذا رائع، يمكننا أن نفعل هذا طوال اليوم".

وأشار إلى أن استقبال ترامب ضيوفا أفارقة مختارين بعناية في البيت الأبيض، يأتي بعد فترة رئاسته السابقة التي اتُهم فيها من قِبَل البعض بـ"تجاهله" لإفريقيا.

وتابع: "اليوم، في ولايته الرئاسية الثانية، يُركّز ترامب على الثروة المعدنية في القارة بهدف تحدي وصول الصين إليها في المنطقة".

ومع ذلك، يردف الموقع، "لا يسع المرء إلا أن يلاحظ كيف يحدث كل هذا في ظل استهداف ترامب لكتلة البريكس، التي تُعد جنوب إفريقيا عضوا فيها".

وأشار إلى أن رئيس حملة "لنجعل أميركا عظيمة مجددا" أصدر تحذيرا صارما ضد الدول المعنية، مشيرا إلى أنه سيفرض عليها رسوما جمركية إضافية بنسبة 10 بالمئة "إذا ما فكرت ولو للحظة" في استبدال الدولار الأميركي بعملة جديدة من عملات البريكس.

من جانبه، ذكر موقع "تايم" الأميركي في 10 يوليو، أن ما قام به ترامب تجاه ضيوفه الخمسة بالبيت الأبيض، يغذي الانتقادات الموجهة له منذ بداية ولايته الثانية.

وتابع: "ذلك أنه تعرض لانتقادات بسبب دفاعه عن مزاعم كاذبة حول (الإبادة الجماعية البيضاء) في جنوب إفريقيا، ومنح امتيازات اللاجئين للأفارقة البيض، في حين نفذ قيود سفر جديدة يبدو أنها تستهدف بشكل غير مفهوم العديد من الدول الإفريقية ذات الأغلبية السوداء".

وأوضح الموقع أن "ترامب قلّص المساعدات الإنسانية المُقدّمة للقارة، في وقت كانت إفريقيا من أكبر المتلقّين للدعم من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، ولذلك من المتوقّع أن يُودي تفكيك الوكالة بحياة ملايين الأفارقة".

وبالنسبة لكثيرين، يقول الموقع، "بدت هذه التحركات انعكاسا لتجاهل ترامب الواضح للقارة".

وخلص إلى أن إفريقيا "تحظى باعتراف متزايد بصفتها الوجهة التالية للنمو الاقتصادي العالمي، فإمكاناتها هائلة، وتتميز بتنوع مواردها الطبيعية، وتزايد أعداد الشباب فيها، وابتكارات غير مستغلة".