رغم سقوط الأسد.. لماذا يماطل لبنان في حل ملف السوريين بسجن رومية؟

منذ ٤ أشهر

12

طباعة

مشاركة

على الرغم من إعلان الدولة السورية الجديدة اتخاذها خطوات عملية لمعالجة أوضاع المعتقلين السوريين في سجن رومية المركزي سيئ الصيت شرق بيروت، فإن المعطيات تشير إلى تدهور أوضاعهم بشكل متزايد.

ففي حادثة ليست بالجديدة، أقدم الشاب السوري محمد فواز الأشرف (40 عاما)، على إنهاء حياته شنقا داخل سجن رومية شرق العاصمة اللبنانية بيروت، وفقا لما أكّدته مصادر من داخل السجن.

ملف سجن رومية

وأفادت المصادر ذاتها في 4 يوليو/تموز 2025 أن الأشرف كان يعاني من مرض الصدفية، ولم يُسمح له بإدخال الدواء اللازم للعلاج، الأمر الذي أدى إلى تدهور حالته الصحية والنفسية ووقوع الحادثة.

وينحدر الأشرف من محافظة حمص، وكان قد أُوقف منذ عامين ونصف العام، دون أن تُعقد له أي جلسات محاكمة، ما أسهم في تدهور حالته النفسية.

وجاءت الحادثة، بعدما أعلن وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، في 19 مايو/أيار 2025 أنه بحث مع رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام سبل تسريع إنهاء معاناة السجناء السوريين في سجن رومية اللبناني.

وأوضح الشيباني، حينها أنه توصل مع سلام إلى اتفاق على خطوات عملية بهذا الخصوص، مؤكدا حرص الحكومة السورية الكامل على إنهاء هذا الملف في أقرب وقت ممكن.

وتابع قائلا: "بعض تداعيات الحرب قد تستمر لفترة من الزمن، لكن ما يمكن ضمانه هو أن السوريين والسوريات سيبقون دائما على رأس قائمة أولوياتنا".

وتأتي وفاة سجين سوري جديد داخل سجن رومية عقب سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024، لتؤكد على مدى الإهمال الطبي الذي يتعرضون له، علاوة على انكشاف مدى عجز دمشق وبيروت على البدء باتخاذ آليات سريعة وعاجلة لحل ملفهم وتمتعهم بالحرية من جديد.

لا سيما أن عدد السجناء السوريين في سجن رومية يقدر بنحو 2200؛ تختلف أنواع التهم الموجهة إليهم من المشاركة في الثورة السورية أو حتى لأسباب تتعلق باللجوء إلى لبنان.

وسمحت سطوة نظام الأسد البائد على لبنان آنذاك في الزجّ بهؤلاء في سجن رومية بعد أن جرى اعتقالهم في هذا البلد على خلفية مشاركتهم بالثورة السورية.

وقد وثقت منظمات حقوقية مقتل نحو 29 مسجونا سوريا في سجن رومية، خلال السنوات السابقة؛ بسبب الإهمال الطبي بينهم سوري بقي يعاني من أمراض القلب لثلاثة أشهر قبل أن يموت داخل السجن.

 "ابتزاز سياسي"

ويشير مراقبون إلى وجود "ابتزاز سياسي" يعيق إخلاء سبيل المعتقلين السوريين الذين مضى على سجن بعضهم أكثر من عشر سنوات دون توجيه أي تهم لهم.

وضمن هذا السياق قال الباحث في مركز "جسور" للدراسات، وائل علوان لـ "الاستقلال": إن "ملف  المعتقلين السوريين في سجن رومية المركزي يعد من الأمور العالقة والشائكة رغم حالة الانفتاح الجديدة بين سوريا ولبنان عقب سقوط بشار الأسد".

وأضاف علوان: "هناك جهود تبذلها الحكومة السورية للتعاون مع نظيرتها اللبنانية من أجل حل ملف السجناء السوريين في سجن رومية".

ورأى أن "ما يعرقل حل الملف بطرق سريعة مرتبط بأن الحكومة اللبنانية الحالية ناشئة ولديها تحديات داخلية كبيرة".

واستدرك أن "تكرار مثل هذه الحوادث المؤسفة والتي تعرض حياة السجناء للخطر يدعو إلى اتخاذ بيروت إجراءات أكثر سرعة لحل ملفهم".

ويأتي هذا الانتحار المأساوي بعد فتح الحكومة السورية الجديدة، حوارا جديا مع السلطات اللبنانية لإيجاد صيغة لتسلم السجناء ومحاكمتهم داخل سوريا.

وهنا يشير الكاتب السوري أحمد سليمان إلى أن “مسار حل ملف سجناء سجن رومية تعطل لأسباب سياسية أبرزها تدخل مليشيا حزب الله التي تتحكم فعليا في إدارة السجن وتمنع تسوية الملفات”.

وفي تعليق على حادثة الوفاة في سجن رومية عبر مقال له نشر في موقع “نشطاء الرأي”، ذكر سليمان أن "حزب الله (حليف نظام الأسد البائد) يحاول على ما يبدو استخدام المعتقلين كورقة ضغط سياسي أو تفاوض مع الدولة السورية".

وبحسب تقارير من داخل السجن، فإن ظروف الاعتقال قاسية في سجن رومية؛ حيث يتعرض السوريون للإهمال الطبي المتعمد، ويحرمون من أبسط حقوقهم في النظافة والطعام والرعاية الصحية.

وخلال السنوات الماضية عمل عدد من المحامين على متابعة ملفات هؤلاء السجناء، وتخفيف الأحكام عليهم، إلا أن كل هذه الجهود لم تفلح في حل ملفهم.

وسجن رومية هو أكبر السجون اللبنانية، بُنِي في ستينيات القرن العشرين، وافتتح عام 1970؛ إذ تبلغ طاقة استيعابه 5500 نزيل، وتؤكد وسائل إعلام لبنانية أنه يشهد حاليا اكتظاظا غير مسبوق.

ويتوزع السجناء على خمسة مبانٍ هي، مبنى المحكومين ومبنى الأحداث (يضم الجناح "و" التأديبي)، والمبنى "د" والمبنى "ب" والمبنى "ج" الذي جرى إنشاؤه أخيرا.

"متاجرة مستمرة"

وعقب سقوط نظام الأسد، دخل عشرات السجناء السوريين في رومية معركة إضراب عن الطعام وذلك في 11 فبراير/ شباط 2025 من أجل تحقيق مطلبهم في تسليمهم إلى الحكومة السورية الجديدة، إلا أن هذا الإضراب فشل بعد فقدان السجناء الأمل في أي تحرك رسمي لإنهاء معاناتهم.

واللافت أن الدولة السورية الجديدة ولبنان، أعلنا بدء صفحة جديدة من العلاقات التي كانت متوترة بين البلدين منذ زمن حافظ الأسد؛ إذ أجرى نواف سلام زيارة إلى العاصمة دمشق، في 14 أبريل/نيسان 2025، كانت الأولى لمسؤول رفيع المستوى في الحكومة اللبنانية الجديدة إلى دمشق.

وأجرى سلام مباحثات مع الرئيس السوري أحمد الشرع، تناولت ملفات عدة أهمها الوضع الأمني على الحدود بين البلدين، وملفُ المفقودين اللبنانيين في سوريا، وأوضاع اللاجئين السوريين في لبنان.

وقد طالب حقوقيون سوريون ولبنانيون بتسريع حل ملف سجناء سجن رومية كونه إنسانيا بحتا، وتوفير العناية الطبية لهم بشكل عاجل، ونقل ملفهم إلى الحكومة السورية بشكل كامل.

وخاصة أن المحامين الذين زاروا سجن رومية، بتكليف من أهالي المعتقلين لمتابعة ملفاتهم، قالوا: إنه نسخة مصغرة من سجن صيدنايا قرب دمشق الذي وصفته منظمة العفو الدولية بـ“المسلخ البشري” وقتل فيه الآلاف من المعتقلين السوريين تحت التعذيب على يد نظام بشار الأسد المخلوع.

وضمن هذا السياق، أكد المحامي اللبناني محمد صبلوح، لـ "الاستقلال" أن "حل ملف سجناء رومية، بيد الرئيس اللبناني جوزيف عون؛ حيث يمكن أن يدعم خطوة العفو العام عنهم في خطوة تحتاج لإقرار من قبل المجلس النيابي ضمن الاتفاقيات الدولية".

وأضاف صبلوح أن "هناك متاجرة واضحة من قبل لبنان بملف سجناء رومية منذ الحكومات السابقة، لكن اليوم لم يعد هناك مبرر لترك الأمر مهملا دون اتخاذ الخطوات العملية والقضائية لحله، خاصة مع ادعاء السلطات في لبنان سابقا بوجود اكتظاظ بالسجون اللبنانية".

وأشار إلى أن "عملية الانتحار التي جرت في مبنى (ج) بسجن رومية جاءت بسبب عدم احترام حقوق الإنسان وسوء المعاملة وعدم تأمين الدواء للشاب السوري".

ونوَّه صبلوح إلى أن "الغريب هو عدم فتح قوى الأمن الداخلي اللبنانية تحقيقا في حادثة انتحار الشاب السوري، التي تضاف إلى 32 حالة وفاة سابقة في السجن".

وذهب للقول: إن “استمرار اعتقال هؤلاء يعني ترك مصيرهم للموت بطرق مختلفة، وعدهم أرقاما دون تقدير لأي قيمة إنسانية لهم ولذويهم، ما يجعل السجون اللبنانية في حالة انفجار”.