رغم أنه بلا صلاحيات.. سر المنافسة المحتدمة بين أحزاب السيسي على مقاعد "الشيوخ"

إسماعيل يوسف | منذ ٥ ساعات

12

طباعة

مشاركة

رغم أن صلاحيات "مجلس الشيوخ"، الذي أنشأه النظام المصري بديلاً عن مجلس الشورى السابق عام 2019، تكاد تكون معدومة، وغير مُلزمة للسلطات، إلا أن انتخابات ثاني مجلس في أغسطس/آب 2025، تثير ضجة في مصر. 

وانتهت مدة المجلس الأول الذي انعقد عام 2020، في يونيو/حزيران 2025، وكانت تسيطر عليه أحزاب السلطة، التي أنشأتها أجهزة الأمن والاستخبارات.

وهذه المرة، تشتد المنافسة للهيمنة عليه أيضا من جانب نفس هذه الأحزاب، مضافا إليها حزب "الجبهة الوطنية"، لصاحبه رجل أعمال بيزنس الجيش القَبَلي إبراهيم العرجاني، المرشح ليكون حزب السلطة الأول.

حيث سعى هذا الحزب إلى تشكيل تحالف من 13 حزبا من الموالاة والمستقلين، ضمن ما يسمى "القائمة الوطنية من أجل مصر" لضمان الفوز بكل مقاعد مجلس الشيوخ التي سيتم الاقتراع عليها (200 مقعد).

هذا الاهتمام المبالغ فيه للتنافس على مقاعد مجلس بلا صلاحيات ولا قيمة تشريعية، من جانب أحزاب السلطة، وسط إبعاد المعارضة الفعلية المؤثرة قتلا وسجنا وإبعادا، يثير تساؤلات من قبيل:

هل الهدف هو تدشين قيادة الحزب الحاكم الجديد (الجبهة الوطنية) لأغلبية المجلس بدلا من "مستقبل وطن"؟ أم هو ساحة لاستعراض القوة التنظيمية لأحزاب الموالاة والمتحالفين معها؟

أم أن هناك هدفا آخر أكبر وأهم هو ترتيب أوضاع مجلسي النواب (انتخاباته في نوفمبر/ تشرين الثاني 2025) والشيوخ (أغسطس 2025) تمهيدا للعبهما دورا في تعديل الدستور المرتقب.

وذلك لتمديد فترة رئاسة رئيس النظام عبد الفتاح السيسي مجددا، بعدما بدأ إعلاميو السلطة يتجهون للتمهيد لذلك مبكرا بصورة مريبة؟

وتنتهي فترة رئاسة السيسي في 2030، بعدما تم تعديل الدستور خصيصا له عام 2019 كي يشارك في الانتخابات الرئاسية، رغم انتهاء فترته الرئاسية بصورة نهائية في عام 2022، وتم مد فترة الرئاسة له لتصبح 6 سنوات.

انتخابات بلا جمهور

كعادة الانتخابات المصرية، منذ انقلاب السيسي عام 2013، وسعيه لتأميم السياسية وإبعاد أي معارض، والتي تتم عبر "هندسة" المجالس النيابية من جانب الأجهزة الأمنية، هناك فتور من جانب المصريين تجاه هذه الانتخابات.

ولا يهتم بالانتخابات من الجمهور سوى الباحثين عن مزايا مالية وعينية في صورة طرود سلع غذائية يوزعها المرشحون، أو 200 جنية (4 دولار) مقابل أصواتهم.

لذا فهي بلا جمهور حقيقي، ولا يعرف المصريون أن هناك انتخابات فعلية، والهدف منها تحصيل الفائز مكاسب شخصية من وراء عضوية المجلس.

ويتكون "الشيوخ" من 300 عضو، 100 منهم يجري انتخابهم وفق نظام القائمة المغلقة التي تعني فوز أعضائها بالكامل حال تحقيقها أعلى الأصوات، و100 بالنظام الفردي، بالإضافة إلى 100 آخرين يختارهم السيسي.

وخلال فترة عمله منذ 2020 حتى 23 يونيو 2025، لم يكن هناك أي دور تشريعي أو سياسي معروف لمجلس الشيوخ، ومجرد واجهة للنفوذ.

وفي المجلس الأول، الذي تم انتخابه في 2019، كافأ السيسي إعلاميي السلطة والسياسيين الموالين له بتعيينهم ضمن الـ 100 الذين من حقه تعيينهم من 300 مقعد، لتصبح تشكيلة المجلس كلها موالية للسلطة باختيار الأجهزة الأمنية.

أيضا تمت مكافأة الأقباط الذين يدعمون نظام السيسي بالحصول على 24 مقعداً لأول مرة في تاريخ الغرفة الثانية للبرلمان (مجلس الشيوخ)، في سياق مكافأة السيسي للكنيسة لوقوفها معه خلال انقلاب 2013 وما بعده.

أما المقاعد الـ 200 المخصصة للمنافسة الانتخابية، فقد تمت هندستها مسبقا.

ومنذ تولي السيسي السلطة عقب انقلاب 2013، تعمد السلطة قبل كل انتخابات برلمانية لتشكيل كيان سياسي لخوض الانتخابات بقائمة موحدة للموالاة.

وفي مشهد مكرر منذ وصول السيسي إلى الحكم، اجتمعت الأحزاب الموالاة الرئيسة مع عدد من الأحزاب المحسوبة على المعارضة، لتشكيل قائمة واحدة لخوض انتخابات مجلس الشيوخ المقررة إقامتها في أغسطس/آب 2025.

حيث أسست السلطة قائمة تحمل اسم "في حب مصر" في انتخابات 2015، و"القائمة الوطنية من أجل مصر التي قادها حزب “مستقبل وطن” في انتخابات 2020، وحاليا قائمة يقودها حزب الجبهة الوطنية.

وعلى مدار الخمس سنوات من عمر المجلس الأول، ظل يعمل كغرفة صورية ثانية للبرلمان، ولم يصدر عنه أي رأي أو اقتراح، لأن بياناته أو أراءه "غير ملزمة"، وليس من حقه نظر أي مشاريع قوانين إلا ما يحيله له السيسي فقط أو مجلس النواب.

بل إن صلاحيات مجلس الشيوخ الحالي أقل من مجلس الشورى في عهد الرئيس الراحل حسني مبارك.

فقد ألزم دستور 1971 بعرض القوانين المكملة للدستور على مجلس الشورى، بينما المادة 249 من دستور 2014 الحالي، فتجعل عرض القوانين عليه اختيارياً.

“فيلم درامي”

ووصف الحقوقي جمال عيد الانتخابات ساخرا، بأنها "فيلم درامي أكشن كله عبر واستوعاظ، فيه ضرب وقصة، فيه مناظر ومطاردات، فيه حبكة وفيه مفاجآت، فيه ضحك وفيه عياط".

وضمت القائمة الجديدة لأحزاب السلطة والموالاة في انتخابات الشيوخ 13 حزبا سياسيا أبرزها " مستقبل وطن" الذي يمثل الغالبية في البرلمان، و"الجبهة الوطنية" الذي خرج من رحم اتحاد القبائل العربية الذي أسسه رجل الأعمال السيناوي إبراهيم العرجاني.

وعدد من أحزاب المعارضة المستأنسة مثل حزب الوفد الليبرالي والتجمع اليساري والجيل، وهي أحزاب دخلت البرلمان الحالي من باب التنسيق مع القوائم التي تعدها الأجهزة الأمنية.

وشهد اجتماع تأسيس "القائمة الوطنية من أجل مصر"، حضور ممثلين عن عدد من أحزاب المعارضة بينها 3 أحزاب سبق أن أعلنت تجميد عضويتها في "الحركة المدنية الديمقراطية" التي تضم أحزابا معارضة، وهي: "العدل"، و"المصري الديمقراطي الاجتماعي"، و"الإصلاح والتنمية".

وأعلن حزب «الجبهة الوطنية» الانضمام رسميًا للقائمة الوطنية في انتخابات مجلس الشيوخ، بدعوى أن هذا التحالف الانتخابي يأتي في مرحلة حرجة من عمر مصر التي تحتاج إلى التكاتف والتوافق أكثر من التناحر والانشقاق، وفق بيان.

وسبق أن أعلن الحزب عن أهداف هلامية، حددها عضو لجنته التأسيسية، ضياء رشوان، بأن الحزب لا يسعى إلى الحكم أو تشكيل حكومة خلال الفترة المقبلة، و"يهدف إلى إعادة التقدير للسياسة المصرية".

ويدور الحديث هذه المرة عن حلول حزب رجل القبائل وبيزنس الجيش إبراهيم العرجاني (الجبهة الوطنية) محل أحزاب السلطة الأخرى وقيادته له في أوركسترا جديدة من النشاز السياسي، وسط تساؤلات عن الهدف من وراء ذلك.

وفي 25 يونيو، نشر موقع "القاهرة 24" تقريرا مثيرا، بعنوان: "كيف هندس الأمن غرفة البرلمان الثانية (مجلس الشيوخ) ؟! كواليس المفاوضات" وبعد ساعات قام برفع التقرير وحذفه من الموقع، بعد تدخل الجهات الأمنية.

انتهاء دور حزب النور

قبل الإعلان عن مرشحي "القائمة الوطنية الموحدة" لخوض انتخابات مجلس الشيوخ المصري (الغرفة الثانية للبرلمان)، انتقدت أحزاب مصرية، أبرزها حزب النور السلفي، والمصريين الأحرار، إقصاءها عن القائمة، رغم ترحيبها بالمشاركة فيها، ومشاركتها في الحوار الوطني.

وحاول محمد إبراهيم منصور رئيس حزب النور التقارب مع حزب الجبهة الوطنية الصاعد بقوة سياسيا والتلويح بأن السلفيين يرحبون بالتعاون معه للخروج بالعملية الانتخابية بشكل مشرف لتمثل كل الفئات، لكن جاءت الضربة قوية باستبعاد حزب النور من التحالف الذي يخوض الانتخابات من 13 حزبا.

وترى دوائر سياسية أن رفض التحالف مع حزب النور يمهد لإقصاء تام للسلفيين من البرلمان بغرفتيه، الشيوخ والنواب، بحسب موقع "العرب" الذي تموله الإمارات، 5 يوليو/تموز 2025.

وأكدت أن خوض الانتخابات بشكل منفرد بعيدا عن الدخول في تحالف مع أحزاب كبرى "مهمة تبدو مستحيلة وفق الطريقة التي تُدار بها العملية الانتخابية، ما يعني أن حزب النور سوف يخرج من المعادلة بلا مقاعد".

وتقول الصحيفة المعادية للتيار الإسلامي، وتسير على خطى الإمارات، "يؤشر هذا الوضع على تمسك دوائر فاعلة داخل النظام الحاكم بإقصاء كل ما يرتبط بالإسلام السياسي من المشهد".

وذلك "رغم مساعي السلفيين على مدار سنوات مضت للتقارب مع أحزاب كبيرة موالية للسلطة في مصر أو قريبة منها، والسير على هوى الحكومة ودعم تصوراتها بهدف جني مكاسب سياسية مستقبلية في الانتخابات البرلمانية".

ويرى سياسيون مصريون لـ "الاستقلال" أن إقصاء حزب النور عن هذا الائتلاف الانتخابي الذي يستهدف الهيمنة على مقاعد البرلمان الـ 200 المخصصة للانتخاب، وتوزيعها على الأحزاب الـ 13 مؤشر لانتهاء دور الحزب الذي استعان به السيسي لإقصاء الإخوان من الحياة السياسية.

ودعم حزب النور، السيسي في كل الانتخابات الرئاسية فحشد أنصاره للدعاية له أملا في الإبقاء عليه ونيل جزء من كعكة مقاعد البرلمان، بيد أن الانتخابات المتوالية أظهرت سعي السلطة لإقصائه تدريجيا وتقليص مقاعده لتصل الى الصفر.

ففي انتخابات 2015، حصل الحزب على 15 مقعدا في مجلس النواب، تقلصت إلى 7 مقاعد في انتخابات 2020، ويتوقع تراجعه أكثر في انتخابات نوفمبر 2025.

أما في انتخابات مجلس الشيوخ الأولي عام 2020 والتي شارك فيها بـ 16 مرشحا فرديا، فحصل على "صفر" مقاعد، وعين السيسي اثنين منهم ضمن كوتة الـ 100 المخصصة له مقابل دعمهم له في انتخابات الرئاسة.

بالمقابل، وخلال الانتخابات الحرة الأولى من نوعها في تاريخ مصر عام 2012، نجح حزب النور السلفي في الحصول على 96 مقعدا محتلا بذلك المرتبة الثانية بعد حزب الحرية والعدالة (الإخوان المسلمون) الذي حصل على 127 مقعدا في انتخابات البرلمان 2012.

وشارك في انتخابات مجلس الشورى (الذي أصبح الشيوخ) بالعام نفسه وحصل على المركز الثاني مرة أخرى بعد حزب الحرية والعدالة من حيث عدد المقاعد بعدد 45 مقعدا، فيما في ظل حكم السيسي حصد "صفر" مقاعد"، وهو نفس الرقم المتوقع له في انتخابات أغسطس 2025.

لعبة تقسيم الدوائر

كانت التعديلات التي قدمتها أحزاب الموالاة بشأن قوانين الانتخابات لمجلسي النواب والشيوخ وتقسيم الدوائر الانتخابية، وأقرها مجلس النواب في مايو 2025 مؤشرا واضحا على نوايا السلطة بشأن المزيد من "تأميم مقاعد البرلمان".

وذلك لصالح مرشحي السلطة فقط، وعدم تفويت أي مقعد لأي معارض، على غرار ما حاول أن يفعله الحزب الوطني السابق في آخر انتخابات قبل ثورة 2011.

فقد أدخل مشروع القانون الذي قدمه نواب من أحزاب الموالاة، تعديلات على القانون رقم (174) لسنة 2020 بشأن تقسيم دوائر مجلس النواب، بما يخدم قوائم أحزاب السلطة.

وتضمن مشروع قانون تعديل مجلس الشيوخ إعادة توزيع مقاعد القوائم على أربع دوائر بواقع 13 مقعدًا لدائرتين، و37 مقعدًا للدائرتين الأخريين، ليصل إجمالي مقاعد القوائم إلى 100 مقعد.

وجاء توزيع مقاعد القوائم على أربع دوائر، بواقع 13 مقعدًا لدائرتين، بدلًا من 15، و37 مقعدًا لكل دائرتين.

وفي 24 مايو 2025، وافق مجلس الشيوخ على قانون انتخاب أعضائه، والذي ينص على تقسيم مصر إلى 27 دائرة انتخابية بالنظام الفردي، و4 دوائر بنظام القوائم.

منها دائرتان يخصص لكل منها 13 مقعداً على أن يكون بكل قائمة 3 نساء على الأقل، ودائرتان تضم كل منها 37 مقعداً على أن يكون بكل قائمة 7 نساء على الأقل.

وذلك بإجمالي 100 مقعد للقوائم، مقابل 200 مقعد للنظام الفردي، ليحتفظ المجلس بعدد المقاعد البالغة 300 مقعد.

وفي يوليو 2023 شهد الحوار الوطني خلافًا بشأن النظام الانتخابي، وطالبت المعارضة بتطبيق نظام القائمة النسبية وتمسكت أحزاب جنرالات السلطة (مستقبل وطن وحماة الوطن والشعب الجمهوري) بنظام القائمة المغلقة.

وقالت "الحركة المدنية الديمقراطية"، التي تضم قوى يسارية وليبرالية، إن “الإصرار على تطبيق نظام الأغلبية يهدر أصوات الناخبين ويحرمهم حق التمثيل”.

ورأت أن توسيع الدوائر "يعزز فلسفة الاحتكار، ويؤكد أن العملية الانتخابية تُدار بالكامل من قبل أجهزة الدولة"، أي السلطات الأمنية.

وتصف الحركة قانون الانتخابات، الذي يجمع بين النظام الفردي والقائمة المغلقة المطلقة، بأنه يمثل "نكسة ديمقراطية" و"تأميمًا للحياة السياسية"

وترى أن الهدف من ذلك هو "خلق مؤسسات تشريعية شرفية انتفاعية، بمشاركة محدودة للغاية من المواطنين، وفي غياب كامل لإرادتهم وخياراتهم"، لذا وصفت الانتخابات المقبلة بأنها "انتخابات ميتة".