مجلة أميركية تحذر: مشروع الغرب لتقسيم إيران وهم خطير سيُشعل المنطقة

منذ ٤ ساعات

12

طباعة

مشاركة

تتمتع مؤسسة السياسة الخارجية في واشنطن بميل خطير نحو تفكيك الدول التي تعدها معادية، والآن، تُروّج مراكز أبحاث المحافظين الجدد، مثل "مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات" (FDD) ومقرها واشنطن، وشركاؤها في البرلمان الأوروبي، علنا لتقسيم إيران.

لكن هذه الإستراتيجية المتهورة -وفق وصف مجلة "ريسبونسبل ستيتكرافت" الأميركية- قد تؤدي إلى مزيد من زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط، وتفجير أزمات إنسانية كارثية، كما ستواجه مقاومة عنيفة من الإيرانيين وحلفاء الولايات المتحدة على حد سواء.

وفي مقال كتبه إلدار محمدوف، الباحث في "معهد كوينسي" التابع للمجلة، قال: "في البداية، كان الهدف تغيير النظام، والآن يريدون تفكيك إيران"، مؤكدا أن هذه "الخيالات المتهورة تُسيء فهم القومية الإيرانية وتُنذر بعواقب كارثية".

أذربيجان الإيرانية

فمع تبادل إسرائيل وإيران الضربات (13 - 24 يونيو/حزيران)، حاججت الباحثة في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات بريندا شافير، بأن التركيبة متعددة الأعراق في الجمهورية الإسلامية تشكل نقطة ضعف يمكن استغلالها.

وقد عُرفت شافير بدعمها العلني لأذربيجان في وسائل الإعلام الأميركية الرئيسة، رغم إغفالها المتكرر الكشف عن علاقاتها مع شركة النفط الحكومية الأذربيجانية "سوكار".

ولعدة سنوات، دافعت شافير عن تقسيم إيران على أساس عرقي، مشبهة الأمر بانهيار يوغوسلافيا السابقة.

 وركزت جهودها على دعم انفصال "أذربيجان الإيرانية"؛ حيث يشكل الأذريون أكبر مجموعة غير فارسية في إيران.

وتتوافق آراء شافير مع مقال افتتاحي نُشر أخيرا في صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية، والذي دعا الرئيس الأميركي دونالد ترامب -وسط نشوة الضربات الإسرائيلية الأولية في الحرب ضد إيران- إلى تقبّل فكرة تقسيمها علنا.

وطالبت الافتتاحية بتشكيل "تحالف شرق أوسطي لتقسيم إيران" وتوفير "ضمانات أمنية للمناطق السنية والكردية والبلوشية المستعدة للانفصال".

ودعت الصحيفة نفسها سابقا إسرائيل وأميركا إلى دعم انفصال ما تسميه "أذربيجان الجنوبية"، المناطق ذات الأغلبية الأذرية شمال غرب إيران.

وفي الوقت نفسه، عقدت متحدثة الشؤون الخارجية لمجموعة وسطية ليبرالية في البرلمان الأوروبي اجتماعا حول "مستقبل إيران"، بهدف مناقشة احتمالات اندلاع "ثورة ناجحة" ضد الجمهورية الإسلامية.

وقد اتضح من خلال مشاركة المتحدثين الإيرانيين الوحيدين -وهما من الانفصاليين العرقيين في منطقتي أذربيجان والأحواز- أن لديها أجندة محددة.

ومنذ أن قطع البرلمان الأوروبي علاقاته بشكل أحادي مع الجهات الرسمية الإيرانية في 2022، أصبح الملعب مهيئا لمجموعات معارضة راديكالية في المنفى، مثل الملكيين، و"منظمة مجاهدي خلق" (MEK) ذات الطابع الطائفي، والانفصاليين العرقيين.

ومع ذلك، فإن إيران ليست دولة هشة على وشك الانهيار، بل أمةٌ قوامها 90 مليون نسمة، تتمتع بشعورٍ عميقٍ بالهوية التاريخية والثقافية، بحسب تعبير محمدوف.

وتابع: "بينما يُحبّ أنصار البلقنة التركيز على التنوع العرقي في إيران -الأذريون والأكراد والبلوش والعرب- فإنهم يستهينون دوما بالقوة المُوحِّدة للقومية الإيرانية".

وكما أشار الباحث شرفين مالك زاده أخيرا في صحيفة "لوس أنجلوس تايمز"، فإن "هناك إجماعا قويا بين الباحثين على أن السياسة الإيرانية تنطلق من فكرة أن إيران كشعب يمتلك تاريخا متواصلا لم ينقطع، وأمة تنبع من ماضٍ سحيق". 

وقال محمدوف: إن "القومية تمثّل الساحة السياسية الواسعة التي تتنافس فيها الجماعات والأيديولوجيات المختلفة في إيران على السلطة والنفوذ، سواءً أكانت ملكيةً أم إسلاميةً أم يساريةً".

وأضاف: "عقود من الضغوط الأجنبية، من عقوبات إلى عمليات سرية وحروب، لم تؤد إلا إلى تعزيز هذا التماسك الداخلي".

وأكد أن "فكرة إثارة المشاعر الانفصالية لتفكيك إيران وهم خطير، يتجاهل عمدا كيف أن المخططات التي دبّرها، في معظمها، المحافظون الجدد الداعمون لإسرائيل، قد أتت بنتائج عكسية في العراق وسوريا، مخلّفة وراءها الفوضى".

انحطاط أخلاقي

وتكشف هذه الإستراتيجية أيضا عن جهل مُؤيديها العميق بالحقائق على الأرض. وفق المقال.

فقد ذهبت شافير -بطلة النزعة الأذربيجانية التوسعية- إلى حدّ تشجيع الغارات الجوية الإسرائيلية على تبريز، القلب الثقافي والاقتصادي لأذربيجان الإيرانية.

وقال محمدوف: إن “هذا الطرح لا يتسم فقط بالانحطاط الأخلاقي، بل يقوم أيضا على سوء فهم عميق للديناميكيات الداخلية في إيران”؛ إذ "تتوقع شيفر ومن يشاركونها الرؤية أن يؤدي الضغط الخارجي على طهران إلى انتفاضة من الأذريين وأقليات أخرى ضد الدولة المركزية".

"لكن، كما حدث في باقي أنحاء إيران، فإن الهجوم الإسرائيلي الأخير أسفر عن تأثير عكسي تماما؛ إذ عزز مشاعر التلاحم الوطني".

فالأذريون الإيرانيون مندمجون بعمق في النسيج الوطني، ويكفي أن أعلى مسؤولين في البلاد -المرشد الأعلى علي خامنئي والرئيس مسعود بزشكيان- كلاهما من أصل أذري.

واستطرد محمدوف قائلا: إنه قبل شهر فقط، تجول في شوارع تبريز، المدينة العريقة في التاريخ والهوية الإيرانية، مؤكدا أنها ليست بؤرة انفصالية كما يدّعي البعض، بل شاهد حي على الوحدة الراسخة في إيران.

وأكد أن فكرة أن تبريز -أو أي مدينة إيرانية كبرى ذات غالبية أذرية- قد تنتفض استجابة لتحريض من واشنطن أو تل أبيب، ليست سوى وهم.

فالأذريون الإيرانيون ليسوا أقلية مضطهدة تنتظر التحرير، بل إنهم ازدهروا داخل الجمهورية الإسلامية.

كما أن معظم الناشطين الأذريين الناقدين في الداخل لا يرفعون مطالب انفصالية، بل يطالبون بحقوق ثقافية داخل إطار الدولة الإيرانية".

وتابع: "من المُسلّم به أن المظالم المحلية قد تكون أكثر وضوحا في المناطق الكردية والبلوشية، خاصة في الأخيرة، النائية والفقيرة والسنية، ولكن حتى هنا، لا يوجد دليل على وجود دعم شعبي قوي للانفصال".

استعداء تركيا وباكستان

"علاوة على ذلك، فإن محاولة استغلال أي استياء قد يكون موجودا ستضع الولايات المتحدة في مسار تصادمي مع حلفائها وشركائها في المنطقة"، بحسب المقال.

وقال: "تركيا، الحليف الرئيس لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، لن تتسامح أبدا مع الدعم الأميركي لانفصال الأكراد في إيران، نظرا لحربها المستمرة منذ عقود مع حزب العمال الكردستاني".

وقد رحّب "حزب الحياة الحرة الكردستاني" (PJAK)، الذي يُعد الجناح الإيراني لحزب العمال الكردستاني، بالهجمات الإسرائيلية على إيران.

وبالمثل، ستعد باكستان -التي تواجه بالفعل تمردا بلوشيا لديها- التدخل الغربي في بلوشستان الإيرانية تهديدا مباشرا لسلامة أراضيها.

وعلى هذا، يؤكد محمدوف أن استعداء هؤلاء الحلفاء سعيا وراء مناورة فاشلة لتغيير النظام سيُشكل خطأ فادحا في السياسة الخارجية.

علاوة على ذلك، لطالما ادّعت روسيا والصين أن واشنطن تسعى لتفكيك خصومها، من يوغوسلافيا إلى العراق.

ولذلك فإن “أي محاولة لدفع إيران نحو التقسيم لن تؤكد هذه الشكوك فحسب، بل ستدفع موسكو وبكين إلى تشديد قمعهما الداخلي ضد الأقليات، وتسريع خطواتهما نحو بناء تحالف مناهض للغرب”، وفق المقال.

"أما الهند، التي تسعى واشنطن لاستقطابها كحليف رئيس، فلن تتردد بدورها في رفض مثل هذه السياسات؛ لأنها ستقوض مشاريع نيودلهي الإستراتيجية في التجارة واللوجستيات، مثل تطوير ميناء تشابهار في إيران، نقطة دخول الهند إلى أفغانستان وآسيا الوسطى متجاوزةً باكستان".

وحذّر من أنه إذا مضت واشنطن وحلفاؤها الأوروبيون في الدفع نحو تقسيم إيران، فإن تداعيات ذلك لن تقتصر على الشرق الأوسط، بل ستكون وخيمة على أوروبا ذاتها.

وعلل ذلك بأن زعزعة استقرار إيران قد تطلق موجة هجرة ضخمة، تتجاوز بكثير أزمة اللاجئين السوريين في عام 2015.

كما أنها قد تهيئ الأرضية لنشاط الجماعات الإرهابية، بما فيها تنظيم الدولة، الذي تنشط إحدى فروعه، "ولاية خراسان"، داخل إيران بالفعل، وقد نفذ هجمات انتحارية في مدينة كرمان عام 2024.

ويضيف المقال أنه إذا أقدمت طهران على إغلاق مضيق هرمز، فإنّ الصدمة التي ستصيب أسواق الطاقة العالمية ستكون هائلة، ما يجعل أوروبا في مواجهة كارثة من صنع يديها.

ويحذّر محمدوف من أن مهندسي هذا الطرح -من صقور "مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات" وحلفائهم الأوروبيين والإسرائيليين- يلعبون بالنار، وأن محاولات تفكيك إيران ستؤدي إلى نتائج عكسية كارثية، وستطلق العنان لفوضى لن تقف عند حدودها.

وبدلا من الانغماس فيما وصفها بـ "أوهام التفتيت"، شدَّد الباحث أن على الغرب أن يسلك طريقا براغماتيا مع طهران، فالبديل على الأرجح هو حربٌ أخرى لا نهاية لها، حربٌ لا تملك لا الولايات المتحدة ولا أوروبا ترف خوضها.