حرب إسرائيل وإيران تفجر انقساما في البيت الشيعي العراقي.. ما أبرز المواقف؟

منذ ٣ ساعات

12

طباعة

مشاركة

أسهمت الحرب الأخيرة بين إيران وإسرائيل التي استمرت 12 يوما، في زيادة الانقسام الطائفي والسياسي بالعراق، البلد الذي يضم مليشيات مدعومة من طهران.

وقال مركز أورسام التركي لدراسات الشرق الأوسط: إن المواجهة شكلت نقطة تحول خطيرة في الشرق الأوسط، وانعكست بوضوح على الداخل العراقي. 

وأوضح الكاتب التركي "فيز الله تونا أيجول"، أن ضرب إسرائيل منشآت نووية واغتيال قادة عسكريين وعلماء نويين في إيران، تحول عنيف ترك أثرا بالغا في العراق، البلد الذي يتوسط التوترات الجيوسياسية ويعاني أصلا من هشاشة داخلية. 

فقد أثار الهجوم ردود فعل متباينة بين القوى العراقية، حيث عبرت الفصائل الشيعية القريبة من إيران، مثل "عصائب أهل الحق" و"كتائب حزب الله" و"حركة النجباء"، عن موقف حاد، وعدت ما يجري "تصفية حسابات كبرى في العصر الحديث". 

في المقابل، تبنت شخصيات وتيارات شيعية أخرى، على غرار المرجع الأعلى السيد علي السيستاني و"التيار الصدري" و"تيار الحكمة"، خطابا أكثر عقلانية، داعين إلى حماية العراق من تداعيات التصعيد الإقليمي.

أما الحكومة العراقية، بقيادة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني ورئيس الجمهورية عبد اللطيف رشيد، فقد أدانا خرق إسرائيل للأجواء العراقية وطالبا الأمم المتحدة بالتدخل، بينما عقد البرلمان جلسة طارئة للتأكيد على حماية السيادة العراقية.

من جهة أخرى، اتسم موقف الكتل السنية بالتحفظ دون إبداء موقف صريح تجاه ما يحدث، وهو ما يُفسر بامتداد المواقف التاريخية المتحفظة تجاه النفوذ الإيراني. 

كل هذا بدوره يعكس حجم الانقسام السياسي والمذهبي داخل العراق، والذي يبدو مرشحا للتفاقم مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية المقررة في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2025.

انقسام هوياتي 

واستدرك الكاتب التركي: لم يقتصر تأثير تصاعد التوتر بين إيران وإسرائيل على البعد الإقليمي فحسب، بل امتدت تداعياته لتلامس عمق الداخل العراقي؛ حيث كشف عن تصدعات بنيوية في الهوية الوطنية العراقية.

فعلى الرغم من أن المشهد السياسي العراقي قد يبدو للوهلة الأولى وكأنه حافظ على توازن مكوناته، فإن ردود الفعل المتباينة بين الأطراف المختلفة كشفت عن ميل متزايد نحو الانقسام الداخلي، لا سيما على أسس مذهبية ومتعلّقة بالهويّة.

فما حدث لم يُفسَّر في العراق على أنه تطورٌ في السياسة الخارجية فحسب، بل جرى التعامل معه كلحظة فاصلة أعادت من خلالها القوى المذهبية والإثنية والسياسية تعريف مواقفها وتموضعها الهوياتي.

ولعل أكثر ما يلفت الانتباه هو الانقسام داخل المجتمع الشيعي، والذي اتخذ طابعا مزدوجا، وفق الكاتب.

فمن جهة، أبدت الفصائل المقرّبة من إيران مواقف حادة، رأت في الهجوم الإسرائيلي تهديدا مباشرا لهويتها ومصالحها، وترى أن الحرب مشروعة بسبب "الهوية المشتركة" مع إيران. 

ومن جهة أخرى، ظهرت أطراف شيعية أخرى ترفع شعار "العراق أولاً"، واعتمدت خطاباً حذراً يركّز على السيادة الوطنية ورفض التورط بالصراع الإقليمي.

ويرى الكاتب أن هذا الانقسام لا يمكن اختزاله في بعد سياسي فقط، بل يُظهر أيضا تباينا لاهوتيا وجيليا متناميا. 

فظهور جيل شاب وعلماني منذ احتجاجات 2019 أبدى مواقف ناقدة للنفوذ الإيراني، أمر يعكس تحوّلاً عميقاً في بنية المجتمع الشيعي، ويشير إلى بداية تآكل في الانسجام الداخلي لهذه الجماعة، والذي يمكن أن يرقى إلى ما يمكن وصفه بتفكك بنيوي لا مجرد انقسام أيديولوجي.

في المقابل، اختارت القوى السنية موقفا أكثر تحفظا، امتنعت من خلاله عن إعلان تأييد صريح لأي من الطرفين، وفضّلت الترويج للتهدئة وعدم الانجرار إلى التصعيد. 

غير أن هذا الحياد النسبي قد يُفسَّر من قبل بعض الجماعات الشيعية الموالية لإيران على أنه نوع من التمايز أو حتى التخلي، مما قد يفتح الباب أمام تجدد التوتر الطائفي، خصوصا إذا ترافق مع ضغط من المليشيات المسلحة.

وأضاف الكاتب: تكشف هذه التطورات أن التوازن الهش بين مكونات الهوية العراقية يمر بمنعطف خطير. 

فعلى الرغم من أن هذا التوازن يبدو محفوظا على السطح، فإن التفاعلات الداخلية توحي بتشكل خطوط صدع جديدة، سواء داخل الطيف الشيعي نفسه، أو بين الشيعة والسنة. 

ويُتوقع أن تكون لهذه الانقسامات انعكاسات حاسمة ليس فقط على المواقف من السياسة الإقليمية، بل أيضا على شكل وبنية النظام السياسي العراقي في المستقبل.

ومع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية، يتوقع الكاتب أن يؤدي هذا المناخ المتوتر إلى تعميق الاستقطاب السياسي القائم على الهُوية، ما قد يُعرض العراق لمزيد من الانقسامات والتحديات في طريقه نحو بناء دولة مستقرة وموحّدة.

تحولات داخلية

وأردف: منذ عام 2003 تشكّل النظام السياسي في العراق على أساس تقاسم السلطة بين المكونات الهوياتية، ما جعل البلاد عرضة بشكل كبير للتأثر بالأزمات الإقليمية. 

وفي هذا السياق، مثّلت الهجمات الإسرائيلية الأخيرة على إيران اختبار جديدا لبنية العراق الداخلية، ليس فقط على صعيد السياسة الخارجية، بل أيضا في توازناته الوطنية الهشة.

فالمشهد العراقي الحالي يشهد تحولات متسارعة، لا تقتصر على الانقسام التقليدي بين الشيعة والسنة، بل تمتد إلى داخل المكون الشيعي ذاته؛ حيث بدأت تظهر تباينات عميقة بين الأجيال والتيارات، وبين القوى الموالية لإيران وتلك التي ترفع شعار "العراق أولاً".

 هذا التباين في المواقف لا يعكس فقط اختلافا في التوجهات السياسية، بل ينبئ بتفكك بنيوي يتجاوز الانقسام الأيديولوجي، ويؤثر مباشرة في آليات صنع القرار داخل الدولة، وفق الكاتب.

وذكر أن هذه الانقسامات الداخلية تعد عاملا مقلقا في بلد يقوم نظامه على توزيع المناصب بناءً على الانتماء الطائفي والعرقي، ما يعني أن كل شرخ جديد يحمل في طياته إمكانية نشوء صراعات إضافية داخل مؤسسات الدولة. 

في هذا السياق، يُتوقّع أن تلعب الانتخابات البرلمانية المقررة في نوفمبر 2025، دورا مفصليا في إعادة رسم خريطة التوازنات داخل العراق، وربما تعمق من حدة الانقسامات القائمة.

كما أن مستقبل بعض الكيانات المؤثرة مثل "الحشد الشعبي" سيكون موضع جدل كبير، خاصة في ظل تزايد الضغوط على الحكومة العراقية للحفاظ على "سياسة التوازن" بين علاقاتها مع إيران من جهة، ومع محيطها العربي والدولي من جهة أخرى. 

ورغم محاولات بعض الفاعلين السياسيين الدفع نحو خطاب وطني جامع، فإن الانقسامات الداخلية المتولدة عن تأثيرات خارجية قد تُصعّب من قدرة الحكومة على إدارة هذا التوازن.

وختم الكاتب مقاله قائلاً: تبدو الانقسامات داخل العراق غير محصورة في الصراع بين الطوائف المختلفة، بل تمتد إلى داخل الطائفة الواحدة في ظل تحولات اجتماعية وجيلية عميقة. 

وإذا ما فشلت النخبة السياسية في التعامل مع هذه التحولات بحكمة، فقد تدخل البلاد في دورة جديدة من عدم الاستقرار. 

ومع ذلك، لا يزال هناك أمل بأن تسهم إستراتيجية التوازن، إذا ما أُديرت بشكل فعّال، في بناء عراق أكثر استقراراً وتماسكاً، رغم التحديات الإقليمية المتصاعدة، يخلص الكاتب.