مناطق حيوية.. كيف نقلت إيران مصانع السلاح إلى خارج حدودها؟

يوسف العلي | منذ ٤ ساعات

12

طباعة

مشاركة

على مدار عقود من الزمن، عملت إيران على نقل أجزاء من برنامج الصناعات العسكرية، خصوصا تصنيع وتطوير الصواريخ والطائرات المسيّرة، إلى العديد من البلدان العربية، قبل أن تدخل المنطقة في وضع جديد على ضوء أحداث السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023.

وتعرّض النفوذ الإيراني بعد عملية “طوفان الأقصى” التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، إلى تراجع كبير خصوصا في سوريا ولبنان، الأمر الذي طرح تساؤلات عن مصير مصانع السلاح والأسلحة التي نقلتها إيران إلى دول عربية منذ ثمانينيات القرن العشرين.

ومع وصول روح الله الخميني إلى السلطة، وتنصيبه مرشدا للثورة عام 1979، وتبنيه نظام ولاية الفقيه (الحكم للمرجع الديني) عقب الإطاحة بالنظام الملكي، أعلن الأخير العمل على تصدير "الثورة" إلى المنطقة، والتي بدأها بدعم وتسليح “حزب الله” اللبناني.

اليمن

على وقع حرب الـ12 يوما بين إسرائيل والاحتلال الإسرائيلي، والتي انتهت في 24 يونيو/ حزيران 2025، أطلقت الحكومة الشرعية في اليمن (معترف بها دوليا) تحذيرات من محاولة إيران "توطين الصناعات العسكرية في مناطق سيطرة الحوثيين".

وكتب وزير الإعلام اليمني، معن الإرياني عبر "إكس" في 26 يونيو، قائلا: "نحذر من التوجه الإيراني نحو توطين أجزاء من برنامج الصناعات العسكرية، لا سيما تصنيع وتطوير الصواريخ والطائرات المسيّرة، في مناطق سيطرة الحوثيين وتحديدا صعدة، وحجة، وأرياف صنعاء".

يأتي ذلك في “أعقاب الضربات الدقيقة التي استهدفت البنية التحتية للصناعات الصاروخية والمسيرات داخل إيران، والضغوط المتصاعدة دوليا لتقييد برنامجها النووي والصاروخي ضمن تسوية مستقبلية، واستعداد الحوثيين لتوفير البيئة المناسبة لتلك المنشآت”. وفقا للإرياني.

وشدّد الإرياني على أن "التهاون الدولي أمام هذه المؤشرات سيكلف المنطقة والعالم الكثير، ويمنح إيران فرصة لترسيخ واقع خطير عبر تحويل اليمن إلى ورشة خلفية لتطوير برامجها المحظورة، وقاعدة صاروخية متقدمة للحرس الثوري، ومنصة لانطلاق التهديدات ضد الأمن الإقليمي".

ومطلع يناير/ كانون الثاني 2024، أكد تقرير فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة حول اليمن، أن ميناء "بندر عباس" الإيراني هو نقطة الانطلاق الرئيسة لتهريب الأسلحة إلى الحوثيين.

وأضاف التقرير أن عمليات التهريب يشرف عليها "فيلق القدس" الإيراني، ويتم نقل الشحنات بداية عبر سفن مدنية، ثم تُفرغ في عرض البحر إلى قوارب صغيرة، من هناك تبدأ الرحلة السرية عبر مضيق هرمز، نزولا بمحاذاة سواحل سلطنة عمان، ثم إلى خليج عدن.

وتصل الشحنات إلى سواحل لا تخضع لرقابة مشددة في اليمن، عبر ثلاثة مسارات، الأول نحو ميناء الحديدة، والثاني عبر المهرة ثم داخل اليمن، والثالث مرورا بالصومال؛ إذ تتولى "حركة الشباب" نقلها للحوثيين، ومعظم السفن لا ترفع أعلام دول، وغالبا ما تغلق أنظمة تتبعها.

وأشار التقرير إلى أنّ الجزء الأخطر يبدأ عند الاقتراب من الشواطئ اليمنية؛ حيث تُنقل الشحنات إلى قوارب أصغر أو تُخزَّن مؤقتا في جزر نائية، ثم توزع برا باتجاه صعدة والحديدة وصنعاء.

ومطلع فبراير/ شباط 2021، اعترضت البحرية الأميركية سفينة تحمل 30 ألف بندقية هجومية من طراز (AK-47) متجهة للحوثيين. 

فيما ضبطت في نهاية ديسمبر/ كانون الأول 2022، شحنة طائرات مسيرة إيرانية كانت مطابقة لتلك التي استُخدمت في هجمات على السعودية.

وأفاد تقرير مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية (CSIS) لعام 2023، بأن  "تهريب السلاح للحوثيين بات جزءا راسخا من إستراتيجية إيران الإقليمية، ويبدأ دائما من ميناء بندر عباس".

العراق

وفي مرحلة اجتياح “تنظيم الدولة” للعراق عام 2014، وجدت إيران فيه منطقة حيوية في تصنيع وتخزين بعض الأسلحة، والتي كانت من هناك ترسل إلى أذرعها في لبنان وسوريا، قبل الإطاحة بنظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024.

وتتخذ إيران من مدينة "جرف الصخر" في شمال محافظة بابل العراقية، والتي تسيطر عليها فصائل موالية لها، مقرا لها لصناعة الأسلحة سواء الصواريخ وحتى الطائرات المسيّرة.

وترتبط جرف الصخر بجغرافية مفتوحة مع محافظة الأنبار، وتتصل ببغداد وكربلاء، وهي قريبة من الحدود السعودية، هُجّر أهلها (السُنة) البالغ عددهم نحو 250 ألفا على يد الفصائل الموالية لإيران بعد استعادتها من تنظيم الدولة الذي سيطر عليها لمدة أربعة أشهر عام 2014.

وخلال مقابلة تلفزيونية في 16 أبريل/ نيسان 2021، قال رئيس الوزراء العراقي الأسبق إياد علاوي: إن "جرف الصخر أصبحت منطقة مستقلة فيها مصانع بعد تهجير 60 ألف عائلة من أهالي المنطقة".

وأضاف أن "نائب رئيس الحشد الشعبي السابق، أبو مهدي المهندس، قال لي: إنه لن يعيد جرف الصخر لأي أحد، وأبلغني أيضا بأنهم يصنعون فيها طائرات مسيرة ولديهم مصانع لذلك، وأن المنطقة أمرها بيد إيران".

وقالت وكالة "رويترز" البريطانية خلال تقرير لها عام 2018: إن "أزمة جرف الصخر لم تعد مسألة نازحين وإشكالية إعادتهم لمنازلهم، بل تحول الناحية إلى منطقة عسكرية معزولة".

ونقلت الوكالة تصريحات عن ثلاثة مسؤولين إيرانيين ومصدرين في المخابرات العراقية ومصدرين بمخابرات غربية (لم تكشف هويتهم)، أكدوا فيها أن إيران نقلت صواريخ باليستية قصيرة المدى لحلفائها في العراق.

وقال خمسة من المسؤولين للوكالة: إن خبراء في الحرس الثوري الإيراني يساعدون تلك الجماعات على البدء في صنع الصواريخ ضمن خطة بديلة حال تعرضت طهران للهجوم.

والصواريخ المعنية هي "زلزال وفاتح وذو الفقار" ويتراوح مداها بين 200 و700 كيلومتر.

وأكّدت الوكالة نقلا عن المصادر أن "هذه الصواريخ جرى تخزينها في منشآت ومعسكرات بمنطقة الزعفرانية شرقي بغداد وجرف الصخر شمالي بابل، وهو نشاط وتدفق صاروخي يتم بعلم الحكومة العراقية رغم نفيها".

من جهته، أفاد "معهد واشنطن" لسياسات الشرق الأوسط، خلال تقرير له عام 2019 بأن "مقرات مليشيا حزب الله في العراق أصبحت مضيفا للصواريخ البالستية الإيرانية ومنها منطقة جرف الصخر".

وتعرضت جرف الصخر إلى هجمات أميركية عدة، كان آخرها في 30 يوليو/ تموز 2024، استهدفت “الحشد الشعبي”، الأمر الذي أدى إلى مقتل أربعة من عناصر التشكيل العسكري وإصابة آخرين بجروح، حسب بيان صادر عن "الحشد".

سوريا 

مع اندلاع الثورة السورية ضد حكم بشار الأسد عام 2011، زجّت إيران بقواتها وأذرعها في العراق ولبنان للدفاع عن النظام، حتى أصبحت تشكل رقما صعبا في المعادلة الأمنية هناك مع القوات الروسية والأميركية والفرنسية الموجودة على أرض سوريا.

وأنشأت إيران أماكن لصناعة وتخزين السلاح في سوريا، والتي كانت تتعرّض بين الحين والآخر إلى هجمات إسرائيلية عنيفة، طيلة وجود نظام الأسد في السلطة، وحتى الأيام التي أعقبت رحيله.

وفي 12 سبتمبر/ أيلول 2024، كشف موقع "أكسيوس" الأميركي، نقلا عن ثلاثة مصادر مطلعة (لم يسمها) أن وحدة من قوات النخبة بالجيش الإسرائيلي شنّت غارة، دمرت خلالها مصنعا للصواريخ الدقيقة تحت الأرض في مدينة مصياف، جنوب غرب مدينة حماة في سوريا.

وبحسب "أكسيوس"، فإن عدم إعلان الحكومة الإسرائيلية مسؤوليتها عن الهجوم يأتي تجنبًا لإثارة ردود فعل انتقامية من إيران أو سوريا أو "حزب الله"، فيما امتنع المتحدثون باسم الجيش الإسرائيلي، بالإضافة إلى وزارة الدفاع، ومكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي عن التعليق.

وأفاد الموقع بأن الخطة الإيرانية كانت تهدف لإنتاج الصواريخ الدقيقة في هذه المنشأة المحمية قرب الحدود مع لبنان، حتى تتم عملية التسليم إلى "حزب الله" في لبنان بسرعة، وبأقل خطر من الغارات الجوية الإسرائيلية.

وبحسب المصادر، فقد اكتشفت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية عملية البناء، وراقبتها لأكثر من خمس سنوات تحت الاسم الرمزي "الطبقة العميقة"، وقال أحد المصادر: إن الإسرائيليين أدركوا أنهم لن يتمكنوا من تدمير المنشأة بغارة جوية، وسيحتاجون إلى عملية برية. 

ومن أبرز القواعد الإيرانية التي شيدتها عام 2018 في سوريا إبان نظام الأسد، هي قاعدة الإمام علي قرب مدينة البوكمال المحاذية للعراق، حيث كانت تشمل أنفاقا وقدرات تخزين صواريخ. 

القاعدة التي كانت تهدف إلى تعزيز قدرات إيران في سوريا وتخزين الأسلحة والصواريخ، استهدفت بغارات جوية مرات عدة من الجانب الإسرائيلي، مما يشير إلى أهميتها الإستراتيجية بالنسبة إلى طهران.

لبنان

وخلال المرحلة التي كانت توجد فيها إيران في سوريا وتشكل ما يسمى بـ"محور المقاومة" الذي يشمل العراق ولبنان، فإن طهران زودت وكلاءها في المنطقة بأسلحة متطورة، خصوصا “حزب الله” اللبناني، الذي كان يوصف بدرة التاج الإيراني بالمنطقة.

وفق تقارير غربية وعربية متقاطعة، فإن "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري لعب دورا محوريا في تنسيق شحنات السلاح إلى الفصائل الموالية  لطهران. 

ويستخدم "فيلق القدس" طرقا عدة لنقل الأسلحة، تشمل الطريق البري الذي يمتد من إيران عبر معابر شرق العراق (ديالى- مندلي)، ثم إلى سوريا عبر الأنبار، ومنها إلى لبنان (لحزب الله) أو إلى شمال اليمن (للحوثيين) عبر التهريب البحري.

أما الطريق الجوي، فكان يجرى عبر شحنات عسكرية تنقل على متن طائرات مدنية أو عبر "رحلات مساعدات"، خصوصا بين طهران ودمشق وبغداد، بينما يتم يتخذ التهريب البحري من خلال سفن شحن تنطلق من ميناء بندر عباس، وغالبا ما تُستخدم سفن تجارية لإخفاء الأسلحة المخبأة بين البضائع.

ويُعد "حزب الله" الحليف الأكثر أهمية لإيران في المنطقة، وقد تمكّن، عبر شبكات التهريب الممتدة من العراق وسوريا، من بناء ترسانة عسكرية ضخمة تتضمن صواريخ دقيقة، وطائرات مسيّرة، وحتى قدرات تصنيع داخلية.

لكن الحرب الطاحنة بين "حزب الله" وإسرائيل، التي تصاعدت وتيرتها منذ منتصف سبتمبر وحتى نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، شن الاحتلال الإسرائيلي هجمات واسعة استهدفت القدرات العسكرية للحزب اللبناني.

وفي الوقت الذي أشارت فيه التقديرات الإسرائيلية إلى تدمير نحو 70 بالمئة من صواريخ الجماعة اللبنانية، فإن تقديرات مسؤولين أميركيين تفيد بأن ضربات جيش الاحتلال نالت نحو 50 بالمئة من تلك القدرات، حسبما نقلت شبكة "سي إن إن" في 2 أكتوبر 2024.