"خطوة متقدمة".. لماذا بادر جنبلاط بتسليم سلاح حزبه إلى الدولة اللبنانية؟

منذ ٦ ساعات

12

طباعة

مشاركة

فجّر الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط، مفاجئة من "العيار الثقيل" بإعلانه تسليم سلاح "الحزب التقدمي الاشتراكي" إلى الدولة، في "خطوة تشجيعية" لباقي الأحزاب لحصر السلاح بيد سلطات بيروت.

وفي توقيت حساس، كشف جنبلاط الرئيس السابق لـ"الحزب التقدمي الاشتراكي"، خلال مؤتمر صحفي في 26 يونيو/حزيران 2025 أنه انتهى قبل ثلاثة أسابيع من تسليم الدولة السلاح الخفيف والمتوسط وبعض الرشاشات الثقيلة.

ورأى أن “صفحة جديدة فتحت في الشرق الأوسط، وأساليب المواجهة السابقة لم تعد صالحة”.

حصر السلاح

وشدد جنبلاط على أهمية حصر السلاح بيد الدولة، داعيا كل الأحزاب اللبنانية وغير اللبنانية أن تحذو حذو "الاشتراكي".

وقال جنبلاط الذي جلس إلى جانب ابنه تيمور وهو رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي": إنه في "جولة اليوم انتصرت إسرائيل والغرب بالتحالف مع أميركا وما من شيء يدوم".

وتتصاعد ضغوط دولية على لبنان لنزع سلاح "حزب الله"، منذ أن بدأ سريان اتفاق لوقف إطلاق النار بين الحزب وإسرائيل في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024.

ونص الاتفاق كذلك على تطبيق القرار الأممي 1701، وحصر السلاح بيد الدولة اللبنانية.

وعام 2006، اعتُمد القرار 1701 بالإجماع في الأمم المتحدة بهدف وقف الأعمال العدائية بين "حزب الله" وإسرائيل، ودعا مجلس الأمن إلى وقف دائم لإطلاق النار على أساس إنشاء منطقة عازلة.

إن حزب الله على لسان زعيمه نعيم قاسم قال في خطاب بثته قناة "المنار" التلفزيونية في أبريل/ نيسان 2025: "نحن لن نسمح لأحد أن ينزع سلاح حزب الله أو ينزع سلاح المقاومة، فكرة نزع السلاح يجب أن تحذفوها من القاموس".

إذ ما يزال حزب الله يتشدد في مسألة سحب سلاحه، رغم أن المعركة الأخيرة مع إسرائيل "لمساندة غزة" في 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023 أضعفت نفوذه العسكري والسياسي في لبنان.

ودفع اتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل حزب الله للانسحاب من معظم مواقعه جنوب لبنان إلى شمال نهر الليطاني على بُعد 30 كيلومترا من الحدود مع فلسطين المحتلة وتفكيك ما تبقى من بِنْيته التحتية في الجنوب وانتشار الجيش فيها.

ويؤكد مسؤولون لبنانيون يتقدمهم رئيس الجمهورية جوزيف عون العمل على "حصر السلاح بيد الدولة" وبسط سلطتها على كامل أراضيها، خصوصا في مناطق جنوب البلاد المحاذية للحدود مع إسرائيل.

وقال عون، في تصريحات صحفية منتصف أبريل 2025  إنه يسعى لأن تكون سنة 2025 "عاما لحصر السلاح بيد الدولة".

وأمام ذلك، فإن خطوة جنبلاط تشكل إيحاء مباشرا إلى بقية الأحزاب لسلوك ذات الخطوة في تسليم السلاح للدولة.

وهذا السلاح الذي تتفاوت نسبته ونوعيته لدى بعض الأحزاب، هو من بقايا الحرب الأهلية التي انتهت عام 1990، حينما شكّل اتفاق الطائف خريطة طريق لإعادة بناء مؤسسات الدولة، وعلى رأسها المؤسسة العسكرية، وأكد على ضرورة نزع سلاح جميع الفصائل، لبنانية وغير لبنانية. 

ويومها كانت عملية دمج مقاتلي الأحزاب المشاركة في الحرب ضمن الجيش واحدة من أهم الخطوات في تلك المرحلة، كجزء من مشروع توحيد القوى الأمنية تحت مظلة الدولة.

وبموجب قانون صدر عام 1991، وضعت آلية لحل "المليشيات" وتسريح عناصرها، ومن ثم انتقاء عدد محدد منهم للالتحاق بالجيش أو قوى الأمن الداخلي بعد سحب السلاح.

ولذلك، فقد شكل المؤتمر الصحفي الذي عقده جنبلاط، وكشف فيه تسليم الحزب التقدمي الاشتراكي أسلحة كانت موجودة في المختارة منذ سنوات، رسالة بالغة الأهمية والأثر في موضوع تسليم جميع الأحزاب والقوى اللبنانية وغير اللبنانية الأسلحة للجيش.

عباءة الدولة

هذه الخطوة سبقها إيعاز جنبلاط بجمع السلاح من المناطق اللبنانية ذات الغالبية الدرزية والذي تراكم مجددا فيها عقب اجتياح حزب الله وحلفائه لبيروت في 7 مايو/ أيار 2008 والتي كانت بداية "لاختطاف الدولة بقوة السلاح الإيراني".

ولهذا فقد بدت مبادرة جنبلاط أشبه برمي حجر كبير في الجمود الداخلي، لجهة تقديمه نموذجا حيا عمليا في تسليم أسلحة من بلدة المختارة التي تشكل رمزية كبيرة لزعامته الدرزية، الأمر الذي أسبغ على مبادرته بعداً ودلالات كبيرة.

ويبدو واضحا وفق المراقبين أن كثيرا من الأحزاب تريد تسليم سلاحها للدولة اللبنانية كخطوة متقدمة لإحراج حزب الله والتخلي عن "تعنته في تسليم سلاحه للدولة اللبنانية".

إذ إنه بينما يتخلى حزب الله عن مواقع عسكرية كان يتمركز فيها جنوب لبنان لعقود خلت، تبدو مسألة نزع سلاحه ودمج عناصره في الجيش اللبناني أحد أبرز التحديات التي تواجهه في هذا البلد بعدما تراجعت قوته بعد المواجهة الأخيرة مع إسرائيل.

وتربط مصادر لتلفزيون "إم تي في" اللبناني خطوة بدء تسليم السلاح من “الاشتراكي” لوجود ورقة من واشنطن تتضمن جملة من المشاريع في الأمن والاقتصاد والاستثمارات بما يشمل رؤية للتعاطي مع إسرائيل على قاعدة خطوة مقابل أخرى أي أن يحصل الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب بالتزامن مع خطوات مطلوبة من حزب الله بتسليم سلاحه.

كما رأت مصادر سياسية لموقع "نداء الوطن" المحلي، أن "جنبلاط قرأ جيدا مسار الأمور في الشرق الأوسط، خصوصا بعد الحرب الإسرائيلية الإيرانية الخاطفة، وفهم جدية الموقف الأميركي حيال لبنان، فحاول بموقفه من السلاح، دعوة الأطراف الأخرى، ولا سيما حزب الله والفصائل الفلسطينية للبقاء تحت عباءة الدولة وحدها، لأن ذلك هو السبيل الوحيد لإبعاد شبح الحرب والعقوبات عن لبنان".

خطوة رمزية

وضمن هذه الجزئية، يشير الكاتب والباحث السياسي اللبناني، أسعد بشارة، إلى أن خطوة "جنبلاط بشأن تسليم سلاح حزبه أشبه بالخطوة الرمزية أراد منها توجيه رسالة إلى حزب الله بضرورة تسليم سلاحه إلى الدولة اللبنانية؛ لأن هذا السلاح أصبح يفقد آخر ما تبقى من الغطاء اللبناني".

وأضاف بشارة لـ"الاستقلال" قائلا: "لا سيما أن الدولة تطالب حزب الله بتسليم سلاحه إلى جانب معظم الأطراف السياسية في لبنان الذين يحذون حذو الدولة في هذه المطالبة".

ورأى أن "تمسك حزب الله بالسلاح بات أشبه بعزلة سياسية وهو أمر قد يبدو في المستقبل القريب مطلبا عاما في لبنان، رغم محاولات حزب الله الإبقاء على سلاحه بيده كي يستعمله في المعادلة الداخلية وهذا لم يعد له مكان بعد النتائج التي أفرزتها الحرب".

وأردف "إن نزع سلاح حزب الله لم يعد مطلبا داخليا فحسب، بل أصبح شرطا دوليا لإنقاذ لبنان. ومن دونه، سيبقى البلد رهينة منطق القوة، وسيُحرم شعبه من أبسط مقومات الحياة".

وختم بالقول: "لهذا فإنه على الحكومة اللبنانية أن تحسم خياراتها إمّا أن تسلك طريق الدولة والمؤسسات، أو أن تبقى تحت سطوة السلاح الخارج عن الشرعية، وتتحمّل نتائج الانهيار الشامل".

ويرى مراقبون في قراءة سياسية، أن جنبلاط أراد إعطاء الحزب التقدمي الاشتراكي بقيادة ابنه النائب تيمور دفعة سياسية نحو الأمام وتطبيق رؤية الدولة في منع وجود سلاح خارج شرعيتها، وعلى رأسهم سلاح حزب الله.

ويشير موقع "جنوبية" المحلي إلى أن "حركة جنبلاط تشير إلى محاولة توفير غطاء داخلي لحزب الله يتيح له القبول بمخرج مشرّف من عبء السلاح، في ظل متغيرات ما بعد الحرب الإسرائيلية–الإيرانية التي خلفت تآكلا واضحا في القدرات النوعية للحزب، واستنزافا تدريجيا بفعل الغارات الإسرائيلية المتكررة على مواقع تابعة له في الجنوب والبقاع والضاحية".

ورأى أنه "لا يمكن فصل المبادرة عن التحرك الأميركي المتصاعد عبر الموفد الخاص توم باراك، الذي زار بيروت مرتين خلال شهر، وطرح تصورا عمليا لحل أزمة السلاح من أربع مراحل، تبدأ بحصره جنوب الليطاني، وتنتهي بإخراجه التدريجي، مقابل حوافز أمنية للحزب".

ولفت "جنوبية" كذلك إلى أن "مبادرة جنبلاط  تُقرأ كرغبة وطنية في تفادي السيناريو الدموي، ومحاولة لفتح باب تفاوض داخلي، قبل أن تُفرض الشروط من الخارج".