إجماع نادر.. ما موقف الأحزاب التركية من السياسات التوسعية لإسرائيل؟

منذ ٣ أشهر

12

طباعة

مشاركة

في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 شكّل انطلاق عملية "طوفان الأقصى" من قبل فصائل المقاومة الفلسطينية منعطفا تاريخيا في مسار النضال الفلسطيني، ليس فقط على الصعيد الميداني، بل على مستوى الوعي العالمي بالقضية الفلسطينية.

فقد جاءت هذه العملية كاستجابة مباشرة لعقود طويلة من القمع والاحتلال والانتهاكات الجسيمة التي تعرّض لها الشعب الفلسطيني؛ من تهجير قسري واستيطان ممنهج وحصار خانق لا سيما في قطاع غزة.

وكانت العملية بمثابة بداية مرحلة جديدة في طبيعة الصراع؛ حيث كسرت نمطية التفوق الإسرائيلي غير المتكافئ، وأظهرت هشاشة الردع الإسرائيلي في مواجهة مقاومة شعبية منظمة.

تحديات جديدة

ومع ذلك، فقد جاءت ردود الفعل الإسرائيلية على هذه العملية في غاية العنف والدموية؛ إذ شنّت إسرائيل حملة عسكرية واسعة النطاق على غزة، شملت تدميرا متعمّدا للبنية التحتية المدنية، واستهدافا مباشرا للمدنيين، ومنعا للمساعدات الإنسانية. 

وهي ممارسات وثّقتها منظمات دولية ووصفتها بكونها ترتقي إلى "جرائم حرب" و"جرائم ضد الإنسانية".

وكشفت هذه الحرب عن البعد الأيديولوجي والإستراتيجي للسياسات الإسرائيلية، التي لا تنفصل عن عقيدة "أرض الميعاد"، والتي تسعى من خلالها إسرائيل إلى توسيع نفوذها الإقليمي عبر استخدام القوة العسكرية كأداة لتحقيق أهدافها الجيوسياسية.

وفي هذا السياق، نشر مركز "سيتا" التركي مقالا للكاتب، حسين أرسلان، سلط فيه الضوء على هذه التطورات الإقليمية ومواقف الحكومة والأحزاب التركية من الهجوم الإسرائيلي على إيران.

وأوضح أن “التصعيد العسكري الإسرائيلي تجاه إيران جاء لاحقا ليؤكد مجددا نزعتها التوسعية، ورغبتها في إعادة رسم خارطة النفوذ في الشرق الأوسط”.

ولفت إلى أن “مواقف القوى الغربية، خصوصا الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، سلّطت الضوء على التناقض الصارخ بين الخطاب السياسي المعلن لهذه الدول، والذي يدّعي الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، وبين دعمها الصريح أو الضمني للعدوان الإسرائيلي”.

واختارت العديد من هذه الدول تجاهل الانتهاكات الإسرائيلية المتكررة، ما أعاد إلى الواجهة الاتهامات القديمة حول "ازدواجية المعايير" في السياسة الدولية، واستخدام القيم المعيارية كأدوات لتحقيق مصالح ضيقة، بدلا من الالتزام الحقيقي بها.

ولم تؤثر تطورات "ما بعد طوفان الأقصى" على ديناميكيات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي فحسب، بل نالت كذلك توازنات القوى العالمية والهندسة الأمنية الإقليمية. 

فقد جاء الهجوم الإسرائيلي على إيران، بعد ارتكاب المجازر في غزة، ليكشف مجددا عن الطموحات الإقليمية للكيان المحتل، يؤكد الكاتب أرسلان.

واستطرد: “كما أعاد تشكيل بعض التحالفات الإقليمية، وفرض تحديات جديدة أمام مشاريع التطبيع التي كانت قد بدأت بالتوسع في السنوات الأخيرة”.

تصور إستراتيجي

وقال الكاتب التركي: إن "الهجمات الإسرائيلية على إيران في 13 يونيو/حزيران 2025 أعادت خلط الأوراق في الشرق الأوسط، وأثارت سلسلة من ردود الأفعال المتباينة إقليميا ودوليا". 

واستدرك: "غير أن الساحة السياسية التركية شهدت إجماعا نادرا بين الحكومة والمعارضة في رفضها القاطع لهذا التصعيد الإسرائيلي، وعده تهديدا مباشرا للأمن الإقليمي ولسيادة القانون الدولي، بل ولأمن تركيا الداخلي أيضا".

وأشار إلى أنه "في صلب هذا المشهد، تأتي مواقف الحكومة التركية واضحة وحاسمة، فقد عبّر الرئيس رجب طيب أردوغان خلال كلمته في الدورة 51 لاجتماع وزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي عن رفضه القاطع للعدوان الإسرائيلي.

وشدد أرسلان على “ضرورة تجاوز الانقسامات القومية والمذهبية داخل العالم الإسلامي، وتوحيد الصفوف ضد التهديدات المشتركة”. 

وأكّد أن “مصير المسلمين جميعا من الأتراك والعرب والفرس ومن السنة والشيعة والعلويين واحد، تماما كما قبلتهم واحدة”. 

ودعا إلى التكاتف، مستشهدا بحديث نبوي يحض على الوحدة والتعاون.

وقال أرسلان: إن "هذه الرؤية التي تقدمها الحكومة تتجاوز حدود الموقف السياسي العابر، لتعبّر عن تصور إستراتيجي يرى في السياسات الإسرائيلية خطرا طويل الأمد على الأمن الإقليمي وعلى تركيا ذاتها". 

فإسرائيل، وفق هذا التصور، لا تستهدف إيران فحسب، بل تسعى إلى إعادة رسم خريطة المنطقة عبر الفوضى، وإضعاف الدول القوية وذات السيادة.

أما المعارضة التركية فلم تتأخر في التعبير عن مواقفها الرافضة للهجوم؛ حيث أدان حزب الشعب الجمهوري المعارض الهجوم بشدة، مطالبا الحكومة التركية باتخاذ كافة الإجراءات اللازمة للرد على هذا التصعيد. 

ورغم انتقاد الحزب للنظام الإيراني، إلا أنه شدد على أن “أي تغيير سياسي في طهران يجب أن يأتي من داخل الشعب نفسه، لا عبر تدخل خارجي”.

مؤشر خطير

وفي السياق ذاته، حذّر حزب "الجيد" من التداعيات غير المباشرة للهجوم الإسرائيلي، مشيرا إلى أن “الفوضى التي تسعى إسرائيل إشاعتها في إيران قد تمتد آثارها إلى تركيا نفسها”. 

وأردف الكاتب بأن “رئيس حزب الحركة القومية، دولت باهشلي، صرّح بأن الهجوم الذي شنّته إسرائيل على إيران يحمل في طياته مخاطر كبيرة تهدد الاستقرار الإقليمي”.

وحذّر من أن فقدان السيطرة على هذا التصعيد "قد يؤدي إلى نشوب صراع قد يتطور إلى حرب عالمية ثالثة".

أما حزب "المساواة والديمقراطية الشعبية" فعد الهجوم الإسرائيلي “خطرا عالميا وليس إقليميا فقط”، محذرا من اندلاع حرب عالمية جديدة "إن لم تُعط الأولوية للحلول الدبلوماسية". 

أما حزب "السعادة" بدوره رأى أن ما يحدث ليس صراعا ثنائيا بين إسرائيل وإيران، بل جزءا من مشروع أوسع يهدف إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة بأسرها، وخصوصا في تركيا. 

من جهة أخرى، ذهبت "حركة الرفاه من جديد" إلى الربط بين الهجمات وبين مشروع الشرق الأوسط الكبير، مؤكدة أن “إسرائيل تسعى إلى خلق فوضى شاملة تخدم مخططاتها الإستراتيجية”. 

وانتقد الحزب موقف الغرب الذي يدعم إسرائيل، متهما إياه بـ"ازدواجية المعايير وتجاهل القانون الدولي وحقوق الإنسان من أجل مصالحه الخاصة".

وقال الكاتب: إن "الهجوم الإسرائيلي على إيران يتضح أنه لم يُعد يُنظر إليه من قبل تركيا كأزمة إقليمية معزولة، بل كمؤشر خطير على محاولات إعادة تشكيل الشرق الأوسط بالقوة". 

ورأى أن "هذا الإدراك المشترك رغم التباينات الأيديولوجية بين الحكومة والمعارضة، يعكس شعورا متناميا بأن أمن تركيا لم يعد مفصولا عن الصراعات التي تجري في جوارها".

ويرى أرسلان أن "دعم إسرائيل لتنظيمات مثل حزب (الحياة الحرة الكردستاني بإيران) يحمل في طياته تهديدات جدية، قد ترتقي إلى مستوى تحدّ مباشر لإستراتيجية (تركيا الخالية من الإرهاب)، مما يجعل التعاطي السياسي مع هذه المسألة مسألة تمسّ صميم الأمن القومي التركي".

وتابع: “وعليه، فإن الأصوات المتصاعدة في الداخل التركي تدعو اليوم، أكثر من أي وقت مضى، إلى وحدة الموقف الإسلامي في مواجهة السياسات الإسرائيلية، دفاعا عن فلسطين ولكن أيضا دفاعا عن استقرار الإقليم وهويته”.