إيران والانتخابات العراقية.. حسابات الربح والخسارة

منذ ٤ ساعات

12

طباعة

مشاركة

باهتمام بالغ، تترقب إيران الانتخابات البرلمانية العراقية المقررة في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2025؛ إذ يُتوقع أن تشكّل نتائجها منعطفا مهما ليس فقط في مستقبل العراق السياسي، بل أيضا في موازين القوى الإقليمية. 

ونشر مركز الدراسات الإيرانية “إيرام” مقالا للكاتب تشاغتاي بالجي، ذكر فيه أن "العراق بالنسبة لطهران لم يعد مجرد جار تجمعه به حدود تمتد لأكثر من 1600 كيلومتر، بل أصبح ساحة نفوذ إستراتيجية تمسّ عمق مصالحها الأمنية والاقتصادية والإقليمية".

وأضاف أنه "يمكن القول إن هذه الانتخابات بالنسبة إلى طهران تمثّل نقطة تحول حاسمة؛ حيث سيكون لها أثر مباشر في إستراتيجيتها الإقليمية خلال المرحلة المقبلة".

إستراتيجية جديدة

وقال الكاتب التركي: إنه "بعد انهيار نظام بشار الأسد في ديسمبر/ كانون الأول 2024، وتراجع نفوذ حزب الله في لبنان منذ أكتوبر/ تشرين الأول من العام نفسه، تعرض ما تسميه إيران بـ(محور المقاومة) لهزة عميقة أفقدت طهران العديد من ركائزها الإقليمية". 

واستطرد: “في ظل هذا التراجع، بات العراق يمثّل العمود الفقري المتبقي لإستراتيجية إيران الإقليمية، وموقعا حيويا لتعويض خسائرها في الجبهات الأخرى”.

ورأى بالجي أن “اللقاءات رفيعة المستوى الأخيرة بين البلدين تشير إلى سعي طهران لتأمين موقعها في المعادلة السياسية العراقية المقبلة”. 

وأشار إلى “زيارة أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي لاريجاني إلى بغداد، ثم زيارة كل من زعيم تيار الحكمة عمار الحكيم ومستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي إلى طهران، لتؤكد أن التنسيق بين الجانبين في الملفات الأمنية والسياسية لا يزال متواصلا بوتيرة عالية”.

ولفت إلى أن "تراجع النفوذ الإيراني في المنطقة خلال السنوات الخمس الأخيرة، لا سيما بعد تآكل شبكاتها في سوريا وتراجع قوة حزب الله، أدى إلى إعادة صياغة سياسة طهران تجاه العراق". 

وشدد بالجي على أن “العراق اليوم يمثل العمق الجيوسياسي الحيوي الذي لا يمكن لإيران الاستغناء عنه إذا أرادت الحفاظ على نفوذها الإقليمي”. 

واستدرك: “رغم أن نفوذها في العراق من غير المرجح أن يختفي بالكامل، فإن نتائج الانتخابات المقبلة ستحدد مدى قدرتها على الاحتفاظ بنفوذها في مجالات الثقافة والاقتصاد والأمن والطاقة”.

فمنذ مقتل قاسم سليماني عام 2020 تبنت طهران نهجا أكثر حذرا في إدارة أدوات نفوذها، واتّجهت نحو إستراتيجية "النفوذ المنخفض لكن الفعّال"، معتمدة على الحشد الشعبي كذراع رئيسة. 

إلا أن هذه الإستراتيجية تواجه ضغوطا أميركية متصاعدة، إذ تبنت واشنطن نهجا يهدف إلى نزع سلاح الفصائل الموالية لإيران على غرار تعاملها مع حزب الله. 

وفي مارس/ آذار 2025، طرح الكونغرس الأميركي مشروع قانون "تحرير العراق من إيران"، وقد أتبعت إدارة دونالد ترامب ذلك في أكتوبر 2025 بفرض عقوبات على جماعات عراقية، مثل حركة النجباء وكتائب سيد الشهداء وأنصار الله الأوفياء وكتائب الإمام علي، وذلك بعد إدراجها في قوائم الإرهاب. 

وقد شكّلت هذه الخطوة ضربة مباشرة لمحاولات إيران دمج الحشد الشعبي في مؤسسات الدولة، وأضعفت شرعيته داخليا ودوليا.

على إثر ذلك عبّر رئيس الوزراء محمد شياع السوداني عن مخاوفه من تبعات العقوبات الأميركية، قائلا: إن "العقوبات القاسية قد تدمر العراق"، وهو تصريح يعكس حجم القلق داخل بغداد من الانعكاسات الاقتصادية والأمنية المحتملة.

بالتوازي مع ذلك، تخشى طهران من تحوّل الأراضي العراقية إلى ساحة محتملة لضرباتها أو لضرب الفصائل الموالية لها من قبل الولايات المتحدة أو إسرائيل، خصوصا بعد تقارير تحدثت عن استخدام المجال الجوي العراقي في هجمات ضد إيران خلال التصعيد العسكري الأخير.

اختبار حاسم

وقال الكاتب: إن “طهران تدرك أن التدخل المباشر في الانتخابات لم يعد مجديا كما في السابق، فالوضع الراهن الذي تواجهه إيران في العراق، في ظل التحديات الداخلية والإقليمية المتزايدة، يدفعها إلى اتباع مقاربة أكثر حذرا وواقعية في إدارة العملية الانتخابية”. 

وأوضح أنه “لم تلجأ إيران بعد إلى فرض مرشحين بأعينهم أو التدخل المباشر في المسار السياسي، بل ركزت على تقوية الكتل البرلمانية القادرة على حماية مصالحها داخل البرلمان العراقي”. 

ومن خلال دعم تحالفات شيعية مثل "تحالف الفتح" و"الإطار التنسيقي"، تسعى طهران إلى ضمان موقع مؤثر في مرحلة ما بعد الانتخابات، خصوصا خلال مفاوضات تشكيل الحكومة وتوزيع الحقائب الوزارية. 

وإنّ الوزارات السيادية مثل الداخلية والدفاع والطاقة تمثّل أولوية خاصة لإيران، إذ تعدها مفاتيح لضمان استمرار نفوذها السياسي والأمني في العراق.

غير أن نجاح هذه الإستراتيجية يواجه تحديات داخلية متنامية، فبعد احتجاجات أكتوبر 2019، تصاعدت النزعة الوطنية العراقية الرافضة للتدخلات الخارجية، وازدادت الانتقادات الشعبية للنفوذ الإيراني، خصوصا بين فئة الشباب والطبقة الوسطى.

كما أن صعود التيارات المدنية والتكنوقراطية في البرلمان قد يحدّ من قدرة طهران على فرض أجندتها عبر القنوات السياسية التقليدية.

وأضاف الكاتب: “لا تقتصر أهمية الانتخابات بالنسبة إلى طهران على البعد السياسي فحسب، بل تمتد أيضا إلى المجالين الاقتصادي والطاقوي، وهما مجالان يشكلان حجر الأساس في العلاقات الثنائية بين البلدين”. 

وأوضح أن “حجم التبادل التجاري بين العراق وإيران تجاوز 10 مليارات دولار سنويا بحلول عام 2024، في حين عمّقت صادرات الغاز والكهرباء، إضافة إلى تجارة المواد الغذائية، حالة الاعتماد الاقتصادي المتبادل بين الجانبين”. 

لذلك فإن إيران "تدرك أن الحفاظ على هذا الترابط الاقتصادي يمثل وسيلة فعالة لتعزيز نفوذها السياسي، لذلك تعمل على استخدام أدوات الاقتصاد والطاقة والاستثمار في مشاريع البنية التحتية كقنوات للتأثير في المزاج الشعبي والقرار السياسي العراقي، خصوصا في المناطق الشيعية والحدودية". 

وتابع الكاتب: "تأتي هذه التحركات في وقت يواصل فيه العراق، بقيادة محمد شياع السوداني، مسارا تدريجيا نحو الاستقرار السياسي والاقتصادي منذ عام 2022".

أهداف إستراتيجية

وشهد العراق خلال العامين الماضيين تطورا في علاقاتها الداخلية والخارجية، على نحو يعكس رغبة حقيقية في ترسيخ مفهوم الدولة المتوازنة. 

وتشمل هذه التطورات تحسين العلاقات بين الحكومة الاتحادية في بغداد وحكومة إقليم كردستان، وإطلاق مشاريع تنموية إستراتيجية مثل مشروع "طريق التنمية"، الذي يهدف إلى تعزيز التكامل الإقليمي فضلا عن توثيق العلاقات الاقتصادية مع تركيا. 

بالإضافة إلى ذلك، فقد كان هناك توقيع لاتفاقيات أمنية تاريخية لمكافحة تنظيم "حزب العمال الكردستاني" (بي كا كا)، إلى جانب توسيع مجالات التعاون الدبلوماسي مع الولايات المتحدة ودول الخليج العربي. 

هذه المؤشرات مجتمعة تعكس انتقال العراق نحو مرحلة جديدة من الاستقرار النسبي، ما يجعل الانتخابات المقبلة اختبارا لاستدامة هذا المسار، بحسب بالجي.

ورغم ذلك، فإن السياسة الخارجية الإيرانية تجاه العراق تظل محكومة برغبة واضحة في حماية مصالحها الوطنية والحفاظ على نطاق نفوذها الإقليمي.

ومن هذا المنطلق، تنظر طهران بعين الريبة إلى بعض خطوات بغداد في مجال التنمية والانفتاح الدبلوماسي؛ إذ ترى فيها إمكانية لتقليص مساحة نفوذها أو تقويض بعض أهدافها الإستراتيجية. 

والعلاقات المتنامية بين العراق والغرب، إضافة إلى توثيق التعاون مع دول الخليج، تمثل بالنسبة إلى إيران تحديا حقيقيا قد يغير موازين القوى في المنطقة. 

ومع ذلك، يبدو أن طهران تدرك خطورة الانخراط في ضغوط مباشرة على الحكومة العراقية، لذلك فهي تتبنى مقاربة أكثر حذرا، معتمدة على النفوذ غير المباشر عبر شبكات محلية من الحلفاء والأطراف السياسية الموالية لها، بدلا من المواجهة العلنية التي قد تؤدي إلى نتائج عكسية.

وعليه، فإن نتائج الانتخابات البرلمانية العراقية المقبلة ستشكل لحظة حاسمة بالنسبة إلى إيران، ليس فقط من حيث تحديد مدى قدرتها على الحفاظ على نفوذها داخل العراق، بل أيضا فيما يتعلق بفاعلية إستراتيجيتها الإقليمية في مواجهة التحولات الجيوسياسية السريعة في الشرق الأوسط. 

وختم بالجي مقاله بالقول: “العراق بالنسبة إلى طهران لم يعد مجرد جارٍ ذي أهمية جغرافية، بل أصبح ساحة حيوية لتوازن القوى ومفتاحا لمعادلة النفوذ الإيراني في المنطقة بأكملها”.