"مطاردة ملايين الأسد".. كيف يمكن لدمشق استرداد الأموال السورية المجمدة؟

مصعب المجبل | منذ ٦ ساعات

12

طباعة

مشاركة

في خطوة عملية، بدأت الدولة السورية الجديدة، حملة بحث عالمية عن مليارات الدولارات نقدا وأصولا التي نهبتها عائلة بشار الأسد وأذرعه طوال سنوات، وخبأتها في دول متعددة بطرق سرية أو رسمية وجرى تجميدها عقب الثورة.

وأعلن حاكم مصرف سوريا، عبد القادر الحصرية، أن المصرف سيبدأ بالتحرك على المستوى الدولي لاسترداد الأموال المجمّدة، وذلك في أعقاب رفع العقوبات الأميركية والأوروبية عن البلاد، مؤكدا أن "المبالغ ليست كبيرة، لكن استعادتها تُعدّ خطوة ضرورية".

استرداد الأموال

وأوضح الحُصرية في لقاء مع قناة “الجزيرة مباشر” مطلع يوليو/ تموز 2025 أن رفع العقوبات سيسمح لسوريا بإعادة التواصل المباشر مع نظام "سويفت" المالي العالمي.

وأكد أن قرار رفع العقوبات من شأنه أن يسهم في استقرار أسعار صرف الليرة السورية أمام العملات الأجنبية، مشيرا إلى أن المصرف المركزي يعمل حاليا على تشجيع المصارف للدخول في اتفاقات مع الشركات العالمية.

ولا يُعرف الحجم الدقيق لثروة بشار الأسد وعائلته التي حكمت سوريا منذ عام 1971 حينما تسلم والده حافظ السلطة حينها عبر انقلاب عسكري.

ومنذ ذلك الحين، تغولت عائلة الأسد في السلطة وأدارت اقتصاد سوريا عبر تسخير كل مقدرات البلاد لتضخيم ثرواتها وتوسيع الشركات والمشاريع التي تعمل لصالحها عبر وكلاء.

إلا أن اندلاع الثورة السورية في مارس/ آذار 2011، دفع الحكومات الغربية إلى تجميد مئات الملايين من الدولارات من الأصول السورية.

ومع ذلك، بقي الحجم الدقيق وموقع هذه الأصول غير واضحين؛ الأمر الذي يزيد من الأعباء على الدولة الجديدة في رحلة استرداد هذه الأموال المنهوبة. 

ووفقا لبعض التقديرات، تبلغ ثروة بشار الأسد الصافية حوالي ملياري دولار، ولكن من الممكن أن تكون أكبر من ذلك بكثير.

هذا المبلغ الهائل في حال استعادته سيسهم في تخفيف العبء عن وزارة الخزانة السورية المُستنزفة والبنك المركزي اللذين يسعيان لإعادة بناء بلد ممزق اقتصاديا  يعيش 90 بالمئة من سكانه تحت خط الفقر، ويعاني من نقص التمويل وخلو رصيد الخزينة العامة من الأموال.

فقد فر الأسد من دمشق في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول 2024، تاركا خلفه دمارا كبيرا في البنية التحتية والأحياء واقتصادا منهارا.

وقد عثر في خزائن المصرف المركزي عقب سقوط الأسد على نحو 26 طنا من الذهب بقيمة 2.2 مليار دولار بأسعار السوق الحالية، وهي الكمية نفسها التي كانت موجودة فيها عند اندلاع الثورة عام 2011.

ونقلت وكالة “رويترز” عن مصادر سورية قولها في 16 ديسمبر 2024، إن هناك نحو 200 مليون دولار متبقية في خزائن البنك المركزي.

وقدر صندوق النقد الدولي احتياطات سوريا من الدولار عام 2010 قبل اندلاع الثورة، بنحو 18.5 مليار دولار.

وفي تقرير صادر عن الخارجية الأميركية عام 2022، قُدرت قيمة الشركات والأصول المرتبطة بعائلة الأسد بما يقارب 12 مليار دولار.

وتشير تقارير إعلامية، منها تقرير صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، إلى أن نظام الأسد المخلوع نقل نحو 250 مليون دولار نقدا إلى موسكو بين عامي 2018 و2019.

كما قدرت نشرة "تقرير سوريا" في أبريل/ نيسان 2025 وجود 163.2 مليون جنيه إسترليني (205.76 مليون دولار) من الأصول المجمدة في المملكة المتحدة.

وقالت الحكومة السورية الجديدة: إنها تتوقع استعادة ما يصل إلى 400 مليون دولار من الأصول المجمدة في الخارج للمساعدة في تمويل بعض الإصلاحات، بما في ذلك زيادات الرواتب بنسبة 400 بالمئة لبعض موظفي القطاع العام.

وعقب سقوط الأسد بأسبوع،  قالت الحكومة السويسرية، إن هناك أصولا سورية مجمدة في بلادها تبلغ قيمتها 99 مليون فرنك سويسري (112 مليون دولار) معظمها مجمد منذ سنوات.

وقالت وزارة الدولة للشؤون الاقتصادية السويسرية: إن الجزء الأكبر من إجمالي الأموال تم تجميده منذ أن تبنت سويسرا عقوبات الاتحاد الأوروبي ضد سوريا في مايو/أيار 2011.

بينما ذكرت صحيفة "نويه تسورشر تسايتونج" التي تتخذ من زيورخ مقرا لها، أن المؤسسات المالية السويسرية كانت تحتفظ في السابق بأصول سورية مجمدة بقيمة 130 مليون فرنك سويسري (147 مليون دولار).

آلية قانونية

ولكن مع ذلك، يُعتقد أن ديكتاتور سوريا قد نهب مليارات الدولارات من الاقتصاد السوري، ويرجح الخبراء أن الأسد دبر هروبه لسنوات، مُخفيا كميات هائلة من الأموال والأصول.

وتملك عائلة الأسد عقارات في دبي وموسكو ولندن، ولديها عشرات الحسابات المصرفية السرية.

على سبيل المثال، ذكرت وسائل إعلام بريطانية أنه عندما اندلعت الثورة السورية، جمدت السلطات في المملكة المتحدة حساب بشار الأسد الذي يحتوي على 40 مليون جنيه إسترليني (50 مليون دولار) في فرع لندن للبنك الدولي "إتش إس بي سي".

وعقب فراره إلى روسيا، تحدث صحفيون روس عن أن عائلة الأسد اشترت ما لا يقل عن 19 شقة في مختلف أنحاء موسكو عبر فترات متفرقة، وكان سعر الشقة العادية في أبراج مدينة موسكو حوالي 2 مليون دولار في ذلك الوقت.

وفي عام 2017، صادرت السلطات الإسبانية والفرنسية ممتلكات تُقدر قيمتها بنحو 600 مليون يورو تعود إلى عم بشار، رفعت الأسد المعروف بـ"جزار حماة" وشملت هذه الممتلكات فنادق ومطاعم وعقارات أخرى.

ووفق كثير من الخبراء والمراقبين، فإن "مطاردة ملايين الأسد" من قبل الدولة السورية الجديدة ليست بالمهمة السهلة.

إلا أنه يوجد في الاتحاد الأوروبي وسويسرا قوانين وبرامج لاسترداد الأصول، مما يوفر الإطار القانوني لتجميد وإعادة توظيف الأصول غير المشروعة.

وضمن هذا السياق، أكد عبد الحكيم حسين المصري، وزير المالية والاقتصاد السابق في الحكومة السورية المؤقتة (التابعة للمعارضة) التي حلت عقب سقوط نظام الأسد، أن "قضية حصر الأموال المجمدة في الخارج لاستردادها عملية ليست بالسهلة والتي راكمها نظام الأسد عبر عقود من الزمن في دول عديدة، وخاصة أن الإحصائيات تتراوح بين مليار و12 مليار دولار".

وأوضح المصري لـ"الاستقلال" أن "صعوبة عملية الحصر لهذه الأموال تأتي من استخدام نظام الأسد البائد لشركات وشخصيات غير معاقبة في إدارتها والتلاعب بها". 

وأشار إلى أنه “في هذه المرحلة من سوريا الجديدة فإنه من المهم البدء بالعمل مبدئيا على حصر الأموال التي يمكن جردها وتقديم وثائق ودلائل ومستندات وإثباتات للدول الموجودة فيها على أن هذه الأموال هي منهوبة من الشعب”.

وتابع: "ووصلت بطرق غير قانونية لتلك الدول وعبر عمليات نقل بإشراف النظام المخلوع، ثم البدء بالدخول في محاكم مع الدول لاستعادتها بطرق قانونية سليمة إلى خزينة الدولة ".

ولفت المصري إلى أن "الأموال المسجلة باسم بشار وزوجته تكون عملية استردادها سهلة، بينما باقي الأموال المنهوبة على مدار عقود وموجودة في الخارج تحتاج لتعاون من قبل الدول خاصة التي كانت حليفة للأسد مثل روسيا، فضلا عن أطنان من الذهب التي هربت للخارج، وهذا يتطلب آليات قانونية لإثبات عائديتها للشعب السوري".

علاوة على “التركيز في هذا المضمار على استعادة الحكومة السورية الأموال العامة من رموز النظام السابق”، وفق المصري.

حملة تعقب

ويؤكد الخبراء أن بنوكا عدة في العالم قد تكون لديها معلومات عن مليارات الدولارات التي نهبتها عائلة الأسد، إذ يمكن لدمشق أن تتقدم بطلبات أمام قضاء بعض الدول التي يرجح أن توجد فيها أموال سورية تعود للنظام البائد.

لا سيما أن حملة العقوبات الأميركية والأوروبية المطولة على نظام الأسد في السنوات الأخيرة، أجبرت رجال أعماله على إخفاء ثرواتهم عبر الملاذات الضريبية.

ويعد استرداد الأموال في الملاذات الضريبية صعبا، حيث يحتاج المحققون إلى استصدار أوامر قضائية بتجميد الأصول ثم إنفاذ استردادها.

وضمن هذه الجزئية، سبق للمحامي توبي كادمان، وهو متخصص في حقوق الإنسان يعمل لدى غرفة العدل الدولية في غيرنيكا 37 ومقرها لندن، والذي حقق في أصول الأسد أن قال عقب سقوط النظام في تصريحات صحفية "كانت الأسرة الحاكمة خبيرة في العنف الإجرامي مثلما كانت خبيرة في الجرائم المالية".

ويرى المسؤول السابق في البيت الأبيض الذي عمل سابقا على تحديد أصول عائلة الأسد، أندرو تابلر، أن “هناك ضرورة وجود حملة دولية لتعقب أصول نظام الأسد”، وفق ما قال لصحيفة “وول ستريت جورنال” في 15 ديسمبر 2024.

وأردف تابلر "كان لديهم وقت طويل قبل الثورة لغسل أموالهم.. كانت لديهم دائما خطة بديلة، وهم جاهزون تماما للمنفى".

وأمام ذلك، فإن استعادة الأصول المسروقة من الدولة السورية تحتاج إلى مساعدة من لجنة العقوبات التابعة للأمم المتحدة، التي تمنح حق تقديم طلبات إلى لجنة العقوبات التابعة للأمم المتحدة، لاسترجاع الأموال المنهوبة.

كما يمكن تحويل أصول الأسد المجمدة والخاضعة للعقوبات إلى برامج تعويضات دولية لمساعدة سوريا الجديدة على النهوض من جديد ودعم المنظمات الأممية التي ما تزال تقدم خدمات بسوريا، وفق الخبراء.

ويعتقد مراقبون أن روسيا تحتل الصدارة في ترتيب الدول التي تحتفظ بالأموال السورية المنهوبة، خاصة أن شقيق بشار ماهر الذي كان يقود الفرقة الرابعة وهي إحدى فرق النظام البائد، كان يشرف على رجال أعمال يديرون مشاريع ضخمة بسوريا فر أيضا إلى موسكو ويرجح أن لديه أصولا مالية كبيرة هناك.

كذلك، فإن آل مخلوف وهم أخوال بشار، يعيش معظمهم في روسيا، لهم حسابات بنكية بأرصدة كبيرة في موسكو.

وبحسب تقرير صحيفة "التايمز" البريطانية نُشر عام 2020، فإن هناك 40 مليون دولار تحولت إلى عقارات في ناطحات سحاب فاخرة بالعاصمة موسكو، تعود لآل مخلوف.

ويعتقد الخبراء أن رامي مخلوف، ابن خال بشار، كان أغنى رجل في سوريا بعد بشار نفسه، إلى أن اختلف معه عام 2020 وجرى تهميشه، فيما تقدر ثروته ما بين 5 و10 مليارات دولار.