ساحة ساخنة.. لماذا يتصارع المرشحون على الرقم واحد في الانتخابات العراقية؟

ثمانية من أبرز القيادات السياسية تحمل الرقم واحد في العاصمة بغداد
تشهد القوائم الانتخابية العراقية صراعا محتدما لا يقل شراسة عن التنافس على مقاعد البرلمان، حيث تدور معارك مبكرة داخل التحالفات السياسية على المركز الأول في قوائم الترشيح.
ويحتد هذا التنافس على وجه الخصوص في العاصمة بغداد، التي تُعدّ ساحة ساخنة للرموز السياسية الطامحة إلى نيل الحصة الأكبر من أصوات الناخبين.
ومن المقرر أن تُجرى الانتخابات البرلمانية في العراق يوم 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2025، وسط استعدادات مبكرة لأكثر من 400 حزب سياسي، ينطلقون بحملاتهم الانتخابية قبل شهرين من الموعد.
ويسعى هؤلاء لاستقطاب نحو 28 مليون ناخب من أصل 46 هم عدد سكان البلاد، سعياً للفوز بـ329 مقعدًا في مجلس النواب.

"رقم مميز"
وتحوّل التسلسل الأول في قائمة التحالفات الانتخابية إلى عقدة تنافسية تتجاوز الأهمية الرمزية إلى صراع صامت على الزعامة، والتمثيل، ومَن يقود المرحلة المقبلة، مما خلق بؤرة توتر داخل الكواليس السياسية.
وعلى ضوء ذلك يحتدم الجدل داخل القوائم الانتخابية، خصوصا في العاصمة بغداد، بشأن من يُدرج أولا في تسلسل المرشحين، ذلك أنها مسألة تتجاوز أهمية الترتيب، وتحمل العديد من الدلالات.
ومنذ أول انتخابات جرت بعد الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، ظهرت أهمية الترتيب في أوراق الاقتراع كأداة تعبئة انتخابية وتنافس معنوي، خاصة في القوائم الكبرى التي تضم زعامات أو تيارات متعددة.
وقد سُجّلت حالات عديدة فاز فيها مرشحون من التسلسل الثاني أو الثالث، إلا أن التمسك بالرقم الأول ظل حاسمًا في رسم خريطة النفوذ داخل الكتل، سواء خلال الحملة أو في المفاوضات التي تلي الاقتراع.
ظاهريا لا يبدو ترتيب الاسم في ورقة الاقتراع أكثر من تفصيل إداري، لكن في الواقع الانتخابي، يشكّل التسلسل الأول عنوانا يخفي وراءه صراعا على القيادة، فهو الرقم الذي يشغله رمز القائمة وواجهتها، وثقلها الدعائي، كونه يرسم صورة الكيان أمام الجمهور.
ويرى الباحث في الشأن العراقي، لطيف المهداوي، أن "التنافس على الرقم الأول في تسلسل القائمة يدفع بعض المرشحين إلى الشعور بأنه الرمز الأول للمكون الفلاني في هذه المحافظة، إضافة إلى أن الناخبين يعدونه قائد القائمة التي ينتخبونها، وبالتالي يصوتون له".
وأوضح المهداوي لـ"الاستقلال" أن "البعض يتحدث عن أن القائمة تضيف للمرشح الأول أصوات باقي المرشحين الأقل تصويتا، ثم تنتقل إلى التسلسل الذي يليه وليس للأعلى أصواتا فيها".
ولفت إلى أن "المرشح رقم واحد يعني أنه رهان القائمة الأول الذي تعول على صعوده إلى قبة البرلمان، بالتالي إذا لم يكن هو زعيم القائمة، فإنه الشخص الأكثر تركيزا عليه في الحملات الدعائية".
وأوضح المهداوي أن “صاحب الرقم الأول يعطى حصة أكبر من أموال القائمة للترويج لنفسه بين الفئات التي يستهدفها سواء عشيرته أو بيئة سكنه وعمله”.
وأشار إلى أن "مرشحي القائمة ثلاث فئات (أي، بي، سي) وفئة أي هي من يُركز عليها أكثر للفوز، وتضم غالبا التسلسلات الأولى".
وبحسب قانون الانتخابات العراقي، فإن تصويت الناخبين يتم للقائمة ثم لرقم المرشح، ويصح للقائمة فقط من دون التأشير على تسلسل المرشح، لكن إذا حصل العكس فإن الورقة تعد باطلة.

"حرب باردة"
وفي وقتٍ يبحث فيه الناخب عن مشروع لا عن لقب، وعن تغيير لا عن موقع على الورق، فإن المعركة بين قيادات التحالفات السياسية والقوائم الانتخابية تنطلق من الصراع على رأس القائمة الذي يمثله الرقم واحد.
ومن الشواهد التي تشير إلى هذا الصراع، انسحاب ليث الدليمي المرشح عن تحالف "الحسم" السني برئاسة وزير الدفاع الحالي ثابت العباسي، والانتقال إلى قائمة أخرى بقيادة النائب الحالي، زياد الجنابي، بسبب عدم وضع اسمه على رأس القائمة (رقم واحد) ببغداد.
وذكر ناشطون على مواقع التواصل في 27 يونيو، أن زعيم تحالف "الحسم" أسند رقم واحد في بغداد إلى المرشح فلاح سعيد جرمط الدليمي، وهو السبب الذي دعا النائب السابق ليث الدليمي إلى الانسحاب، واتهام قيادة التحالف بأنها من خارج بغداد.
وفي هذا الصدد، رأى المحلل السياسي العراقي رعد التميمي، أن "الرقم واحد بات يمثل أزمة داخلية فعلية لدى العديد من التحالفات التي تضم أطرافا متباينة في الرؤية والمصالح، لكنها اجتمعت ظرفيًا لغايات انتخابية"، واصفا ما يجري بأنه "حرب باردة".
ونقلت وكالة "بغداد اليوم" عن التميمي في 26 يونيو، قوله: "هناك ما لا يقل عن ست أو سبع قوائم تتصارع بهدوء، وتخوض نزاعا رمزيا حول أحقية من يتصدر القائمة"، مؤكدا أن "الرقم واحد لا يضمن الفوز دائما، لكنه يمثّل الهيمنة الرمزية داخل التحالف".
وعلى الصعيد ذاته، قالت النائب السابق في البرلمان العراقي، إقبال اللهيبي، إنه "رغم الطابع الصامت لهذا الصراع، لكن آثاره بدأت تطفو على سطح التحالفات المشتركة".
ورأت اللهيبي خلال تصريح نقلته وكالة "شفقنا نيوز" العراقي، في 27 يونيو، أن "السباق على صدارة القوائم خلق توترات فعلية، لكنها ما زالت تحت السيطرة، ولن تتحول إلى خلافات مدمّرة".
وأشارت السياسية العراقية إلى أن "الرقم واحد يُمنح لصاحب النفوذ السياسي أو الحضور الشعبي الأقوى، وغالبا ما يُستخدم كرسالة للناخب بأن هذا المرشح هو واجهة القائمة".
وبحسب اللهيبي، فإن "بعض القوى تدفع بكل ثقلها للفوز بهذا الموقع ليس فقط من أجل حسابات انتخابية، بل لغرض فرض رؤيتها على إدارة الحملة وتشكيل الكابينة لاحقًا".

"صراع القيادات"
ودفعت أغلب القوائم والتحالفات السياسية بقادتها إلى خوض المنافسة في العاصمة العراقية، فقد رشح معظم القادة البارزين أنفسهم في محافظة بغداد، رغم أنهم ينحدرون من محافظات أخرى.
ويعزو النائب السابق، كاظم الصيادي، ذلك إلى أن "بغداد فيها 69 مقعدا نيابيا، وبالتالي هي تعادل خمس محافظات من الوسط والجنوب، لذلك العمل فيها يكون مركزا"، حسبما نقلت وكالة "الشفق نيوز" في 26 يونيو.
وذكر الصيادي، أن "معركة الانتخابات في بغداد هي 10 بالمئة قضية تشريع وقوانين، والبقية عبارة عن استغلال السلطة والمال وشراء الأصوات والذمم حتى وصل سعر البطاقة الانتخابية الواحدة إلى مليون دينار (763 دولارا أميركيا)، وفي بعض المناطق إلى 300 دولار أميركي".
ومن أبرز القادة الذين رشحوا أنفسهم للانتخابات البرلمانية في بغداد، رغم أنهم ليسوا من سكانها: رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني، ورئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، والأمين العام لمنظمة "بدر" هادي العامري، ورئيس حزب "تقدم" محمد الحلبوسي.
وكذلك من الأسماء التي تتنافس على مقاعد بغداد: رئيس البرلمان العراقي الحالي محمود المشهداني، ونائبه الأول محسن المندلاوي، إضافة إلى وزير التعليم العالي الحالي نعيم العبودي، وأمين العاصمة عمار موسى.
وقالت المتحدثة باسم المفوضية العليا للانتخابات في العراق، جمانة الغلاي، إنه "من الطبيعي أن يكون شخص من محافظة ويرشح نفسه في محافظة أخرى"، حسبما نقلت شبكة "رووداو" العراقية في 28 يونيو.
وأضافت الغلاي: "صحيح أن معظم هؤلاء الأشخاص ليسوا من أهالي بغداد، لكنهم يسكنون في العاصمة".
وتتجه أنظار القوائم الانتخابية بشكل كبير إلى محافظتي نينوى شمالا 36 مقعدا، والبصرة جنوبا 25 مقعدا، إضافة إلى العاصمة بغداد، والتي تبلغ حصتها 71 مقعدا، كون هذه المحافظات تشكل أعلى نسب في المقاعد.
يتألف البرلمان العراقي من 329 مقعدا؛ 320 مقعدا عاما، وتسعة مقاعد كوتا للأقليات الدينية في البلاد (المسيحيون، الصابئة، الشبك)، إضافة إلى أنه يجب أن يكون ما لا يقل عن 83 مقعدا برلمانيا للنساء.
وفي 26 يونيو، أغلقت مفوضية الانتخابات باب تسجيل المرشحين، بعد أن رفضت تمديد الفترة، لتبدأ بعد ذلك الإجراءات الرسمية التي تخص المرشحين للانتخابات.
وقالت جمانة الغلاي لوكالة الأنباء العراقية الرسمية "واع"، إن "رحلة تقديم قوائم المرشحين للانتخابات البرلمانية قد انتهت"، لافتة الى أن "المفوضية بدأت الآن عملية التدقيق التي تتطلب وقتا؛ نظرا لأعداد المرشحين الكبيرة في عموم محافظات العراق".
وأوضحت أن "التدقيق ضروري لضمان صحة البيانات قبل إرسالها إلى الجهات المختصة للتحقق من أهلية المرشحين"، مبينة أن "فترة تحديث بيانات الناخبين أُغلقت في 20 يونيو، بعد أن انطلقت منذ 25 مارس (آذار) 2025".
المصادر
- "واحد بغداد" يتوسع.. 8 زعماء يتنافسون على العاصمة
- السوداني والمالكي والعامري والحلبوسي أبرز المتنافسين عن بغداد في الانتخابات المقبلة
- تشظي القوائم السنية وقلق الإقصاء.. هل تعصف الانتخابات بوحدة المكون؟
- "الرقم واحد" والزوايا المظلمة.. صراع "الرمزية والزعامة" في قوائم انتخابات تشرين 2025- عاجل
- التحالفات الانتخابية العراقية على صفيح ساخن.. صراع صامت على الرقم واحد
- أعداد الناخبين العراقيين في الانتخابات النيابية المقبلة (وثيقة)
- المفوضية تعلن قرب المباشرة بتدقيق قوائم المرشحين للانتخابات البرلمانية