لماذا غضبت أميركا من زيارة لاريجاني إلى العراق؟

يوسف العلي | منذ ٤ ساعات

12

طباعة

مشاركة

بعد أيام من تصريحات إيرانية رافضة لحلّ “الحشد الشعبي”، حل أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي لاريجاني، في بغداد ضمن زيارة استمرت ثلاثة أيام بدءا من 11 أغسطس/ آب 2025، هدفت لتوقيع مذكرة أمنية مشتركة.

زيارة لاريجاني رأى البعض أنها أحرجت الحكومة العراقية، كما فعل من قبله قائد فيلق القدس الايراني الجنرال إسماعيل قاآني، عندما قدِم إلى العراق قبيل انعقاد القمة العربية ببغداد في 17 مايو/ أيار 2025 ليتسبب في خفض مستوى التمثيل العربي، لا سيما الخليجي. 

"مذكرة تفاهم"

على الصعيد الرسمي المعلن، وقع لاريجاني في زيارته مع نظيره العراقي، قاسم الأعرجي، على مذكرة تفاهم أمنية تركزت على التنسيق الأمني بشأن الحدود المشتركة بين البلدين، إضافة إلى عقده اجتماعات بشكل منفصل مع رؤساء الجمهورية والحكومة والبرلمان في البلاد.

ونقلت وكالة الأنباء العراقية الرسمية "واع" عن لاريجاني  في 11 أغسطس/آب 2025، قوله: إن "توقيع مذكرة تفاهم أمنية مع العراق (لم يذكر تفاصيلها) هدفها عدم ترك مجال للآخرين للإخلال بأمن البلدين"، لافتا إلى أن بلاده "تفكر بأمن المنطقة كافة".

وفي إشارة للضغوط الأميركية على حكومة العراق لحل الحشد الشعبي، قال لاريجاني، إن "الشعب العراقي شجاع وليس بحاجة إلى فرض إملاءات"، مضيفا، أنه أجرى لقاءات متعددة في بغداد، جرى التطرق خلالها إلى موضوعات إقليمية.

زيارة لاريجاني وتوقيعه مذكرة تفاهم أمنية، تأتي بعد ثلاثة أيام فقط من إعلان علي أكبر ولايتي مستشار المرشد الإيراني علي خامنئي، رفض بلاده المخطط الأميركي لحل الحشد الشعبي ونزع سلاحه، وذلك في اتصال مع زعيم ائتلاف "دولة القانون" نوري المالكي، وفق وكالة "إرنا".

من جهته، أصدر مكتب مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي، بيانا في 13 أغسطس، تحدث فيه عن تفاصل مذكرة التفاهم الموقعة، نافيا في الوقت ذاته أن تكون بمثابة اتفاقية أمنية بين العراق وإيران.

وأوضح الأعرجي أن "العراق لديه محضر أمني مع إيران (وليس اتفاقية)، جرى توقيعه في 19 مارس/ آذار 2023، عرف بالاتفاق الأمني المشترك الخاص بأمن الحدود والإجراءات الخاصة بتحييد المعارضة الكردية الإيرانية المتواجدة في الإقليم (كردستان)".

وأشار البيان إلى أنه جرى التنسيق لتحويل هذا المحضر الأمني لنفس المحتوى الخاص بأمن الحدود والتعاون الأمني وما يخص المعارضة الإيرانية الكردية بأحزابها الخمسة، في إشارة إلى مضمون الاتفاقية التي وقعت بين البلدين عام 2023.

ففي 19 مارس 2023، وقع أمين مجلس الأمن القومي الإيراني الأسبق، علي شمخاني، اتفاقا مع نظيره العراقي، قاسم الأعرجي، تعهد العراق بموجبه بعدم السماح للجماعات المسلحة الإيرانية المعارضة باستخدام أراضي إقليم كردستان لشن أي هجوم على إيران.

وتوجد على أراضي العراق أحزاب كردية إيرانية معارضة، هي: كادحي كردستان، ومنظمة خبات الثورية بكردستان إيران، والحياة الحرة (البيجاك)، لكن الأبرز هما: الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني "حدك"، وحزب عصبة الكادحين الثوريين الإيراني "كومله".

ولفت بيان الأعرجي إلى أن مذكرة التفاهم أخذت وقتها الكافي وعُرضت في مجلس الوزراء وأقرت بقرار منه وبقيت تنتظر التوقيع، مؤكدا أنه كان مقررا زيارة علي أكبر أحمديان (أمين عام لمجلس الأمن القومي السابق)، قبل تعيين لاريجاني في 5 أغسطس، خلفا له.

وذكر البيان أنه “بعد تعيين لاريجاني وزيارته لبغداد تم توقيع مذكرة تفاهم أمنية بإشراف وحضور رئيس مجلس الوزراء (محمد شياع السوداني)”.

ونوه إلى أن مذكرة التفاهم الأمنية التي وقعت أعدت قبل العدوان الإسرائيلي على إيران (13 - 24 يونيو/حزيران 2025)، وأخذت وقتها الكافي ووقعت عند تحقق الزيارة. 

وأكدت مستشارية الأمن القومي العراقي أنه "لا توجد اتفاقية أمنية بين البلدين، بل مذكرة تفاهم أمنية. وعلى وسائل الإعلام والقنوات الفضائية توخي الدقة في نقل الأخبار أمام الجمهور ومن مصادرها الرسمية".

"إحراج بغداد"

وبخصوص توقيت زيارة لاريجاني التي جاءت في ظل ضغوط أميركية على العراق لحل الحشد الشعبي، رأى الباحث في الشأن العراقي، لطيف المهداوي، أن "الهدف من قدوم المسؤول الإيراني إلى بغداد في ظل هذه الأجواء المشحونة يحرج الحكومة العراقية".

وأوضح المهداوي لـ"الاستقلال" أن “إيران تعرف متى وأين تضع قدمها، فهي أرادت- عبر زيارة لاريجاني- إرسال رسائل للخارج والداخل أنها لا تزال متنفذة في الشأن العراقي، لكنها تسببت بمشكلة لبغداد مع واشنطن”.

وأردف أن "هذا بدا واضحا عبر تصريحات وتحركات المسؤولين الأميركيين الرافضة للاتفاق المبرم بين إيران والعراق".

وأكد الباحث أن "لاريجاني بما يحمله من رمزية رسمية، إضافة إلى كونه مقربا من المرشد الإيراني، أحرج العراق بقدومه إلى بغداد، ولو كانت شخصية أخرى مكانه لما كان هذا الرفض من واشنطن للمذكرة الموقعة، والتي سبق أن وقعها أيضا سلفه الأسبق علي شمخاني، في 19 مارس 2023".

ولفت إلى أن "إيران تتعمد إحراج بغداد في كل سياسة تقدم عليها الحكومة العراقية ولا تتفق معها طهران، وهذا ما حصل في القمة العربية التي عقدت ببغداد قبل ثلاثة أشهر، فجأة أرسلت قاآني واستقبله علنا الأعرجي ونشرت صوره وسائل الإعلام، رغم أن كل زياراته غير معلومة".

واستدرك: "إيران أرادت العبث بالقمة العربية، خصوصا بعد حديث فادي الشمري مستشار رئيس الوزراء العراقي، عن تأكيد سعودي لحضور ولي العهد محمد بن سلمان، وآخرين كثر"، مضيفا: "لكن الذي حصل كان تخلف كل القادة باستثناء زعماء مصر، قطر، الصومال، فلسطين، اليمن". 

وعلى الصعيد ذاته، قالت وكالة "شفق نيوز" العراقية في 11 أغسطس، إن "زيارة لاريجاني جاءت من أجل لملمة ما يعرف بمحور المقاومة في المنطقة، وإعادة ترتيب أوراقه مجددا، إلى جانب الدور السياسي للعراق في تهدئة الاوضاع بالمنطقة خلال المرحلة  المقبلة".

وأضافت أن "مهمة لاريجاني الجديدة تتطلب إعادة ترتيب الأوراق، لا سيما بعدما تضعضعت قيادة المحور في المنطقة، إلى جانب توظيف الأدوات وإعادة خطة توزيع المهام بعد انسحاب القوات الأميركية من العراق المقرر في نهاية سبتمبر/ أيلول".

وذكرت الوكالة أن "لاريجاني ناقش مع المسؤولين العراقيين، الملف السياسي وتشكيل الحكومة سريعا بعد الانتخابات البرلمانية المقبلة في 11 نوفمبر (تشرين الثاني) 2025، بشكل يحقق الاستقرار داخليا وبالمنطقة، إلى جانب أهمية تحقيق التوازن في العملية السياسية لأن الظرف الدولي يتطلب ذلك".

رفض أميركي

وفي أول ردة فعل من واشنطن تجاه مذكرة التفاهم الأمنية التي وقعتها بغداد مع طهران، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية عن رفضها لأي تشريع يتقاطع مع أهداف الولايات المتحدة، ويتناقض مع جهود تعزيز المؤسسات الأمنية القائمة في العراق.

وفي ردها على سؤال، عمّا إذا كان لدى واشنطن مخاوف من الاتّفاق، لا سيما أنها عبّرت عن قلقها بشأن قانون الحشد الشعبي، قالت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية، تامي بروس: "ندعم السيادة العراقية الحقيقية، لا التشريعات التي من شأنها تحويل العراق إلى دولة تابعة لإيران".

وتابعت بروس خلال مؤتمر صحفي في 12 أغسطس، بالقول: "الولايات المتحدة كانت واضحة في هذه الحالة تحديدا، وفي غيرها، بأن مستقبل الدول يجب أن يكون بيد شعوبها، ومؤكدين التزامنا هنا كما أوضحنا، بأن هذا المسار بالتحديد يتعارض مع ما نصبو إليه".

ومنذ نحو شهر تحولت مطالبات واشنطن بحل الحشد الشعبي من الرسائل إلى التصريحات العلنية، خصوصا عندما عبّر وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، لرئيس الوزراء العراقي محمد السوداني، عن مخاوف بلاده بشأن مشروع القانون الذي ما يزال قيد المناقشة في البرلمان.

وشدَّد الوزير الأميركي خلال بيان رسمي في 22 يوليو/تموز، على أن "تشريع هذا النوع من القوانين سيؤدي إلى ترسيخ النفوذ الإيراني والجماعات المسلحة الإرهابية التي تقوض سيادة العراق".

ويُعد مشروع القانون الجديد تعديلا لقانون هيئة الحشد الشعبي رقم 40 لسنة 2016، ويهدف إلى دمج المليشيا ضمن المنظومة العسكرية الرسمية، مع منحها صلاحيات تنظيمية وأمنية واسعة.

ويقضي القانون بعَدّ الحشد الشعبي جزءا من القوات النظامية، ويرتبط مباشرة بالقائد العام، وهو ما ترفضه الدول الغربية؛ لأن من شأنه أن يُرسخ النفوذ الإيراني والجماعات المسلحة، مما يقوّض سيادة العراق.

في المقابل، أصدرت سفارة بغداد بواشنطن تصريحا في 13 أغسطس، ردت فيه على تصريحات الخارجية الأميركية، قائلة: "العراق دولة ذات سيادة كاملة، وله الحق في إبرام الاتفاقيات ومذكرات التفاهم وفقا لأحكام دستوره وقوانينه الوطنية، وبما ينسجم مع مصالحه العليا".

وأكد البيان نقلا عن مسؤول في وزارة الخارجية العراقية (لم يسمه) أنّ "العراق لا يسعى لاستفزاز واشنطن من خلال مذكرته الأمنية مع طهران"، مضيفا أن "إيران تضغط باتجاه تعزيز التعاون الأمني، ولا ترغب بغداد أن تخسر أيا من الطرفين".

ولم تكتف الولايات المتحدة بحديث تامي توماس فقط، وإنما التقى القائم بأعمال السفير في العراق، ستيفن فاجن، مع قاسم الأعرجي، في 16 أغسطس، للاستفهام عن المذكرة التي وقعها مع نظيره لاريجاني.

وفي الوقت الذي لم يصدر شيء عن سفارة واشنطن ببغداد، أكد مكتب الأعرجي أن الأخير استقبل السفير فاجن، وجرى استعراض "تفاصيل مذكرة التفاهم الأمنية الموقعة بين العراق وإيران، بشأن ضبط الحدود، بما يسهم في دعم أمن واستقرار المنطقة، ومنع التهريب والتسلل".

وبحسب بيان رسمي، أكد الأعرجي أن "العراق ينطلق في سياساته من مصالحه الوطنية العليا، ويتصرف كدولة مستقلة ذات سيادة"، مشددا على أن "الحكومة العراقية تنتهج علاقات متوازنة مع دول المنطقة والعالم، وتمضي في سياسة الانفتاح الدبلوماسي على الدول الصديقة والشقيقة".

ونقل بيان مستشارية الأمن القومي العراقي عن فاجن، تجديده "دعم الولايات المتحدة الأميركية لسياسات الحكومة العراقية المتوازنة في علاقاتها الداخلية والخارجية".