إعادة دمج قطاع المصارف السوري في النظام العالمي.. هل اقترب من "سويفت"؟

مصعب المجبل | منذ ٤ ساعات

12

طباعة

مشاركة

مع إبداء المجتمع الدولي "مرونة كبيرة" في مساعدة سوريا الجديدة على النهوض الاقتصادي، تركز دمشق على عودة العلاقة بين المصارف السورية والأجنبية.

وهذه الخطوة مهمة لبدء إنعاش الاقتصاد السوري، ففي حال تحقيقها، ستبدأ مرحلة الاستقرار المالي وثبات سعر صرف الليرة السورية مما يعطي دفعة كبيرة لانطلاق الاستثمارات في البلاد. وفق الخبراء.

القطاع المصرفي 

وتوقع حاكم مصرف سوريا المركزي، عبد القادر حصرية، أن تستأنف المصارف المحلية علاقاتها مع نظيرتها الأجنبية في غضون أسابيع، بعد أن عانت من عزلة ونبذ خلال سنين طويلة بعيدا عن النظام المالي العالمي.

وقال حصرية لصحيفة "ذا ناشيونال" الإماراتية في 25 يونيو/حزيران 2025: "المصارف المحلية عموما سيصبح لديها بنوك مراسلة في غضون أسابيع".

وحول إعادة دمج القطاع المصرفي السوري في النظام المالي العالمي، لفت حصرية إلى أن هذه العملية بدأت بالفعل، وتتمثل المرحلة الأولى منها في رفع العقوبات، تليها إقامة علاقات مصرفية مع البنوك المراسلة، ومنح التراخيص لمؤسسات مالية جديدة.

وقال حصرية "هذه ليست عملية تحدث مرة واحدة، بل تأتي ضمن مسار مستمر ومُتدرّج يهدف إلى إعادة دمج سوريا بشكل كامل في النظام المالي العالمي".

ولفت إلى أن المصرف يخطط لتعديل التشريعات ذات الصلة التي تعزز استقلاليته، “فهذا الأمر فيه ضمانة لجميع الأطراف المعنية، ومحافظة على الاستقرار المالي والنقدي”.

وأشار حصرية إلى أن استعادة الثقة في القطاع المصرفي تمثل أولوية قصوى، وهي تعني تحرير هذا القطاع من السياسات السابقة، وعودة دوره في استقطاب الودائع من الشركات والقطاع الأهلي، وكذلك دوره في تمويل قطاع الأعمال.

وأكَّد أن المصرف المركزي لا ينوي في هذه المرحلة الحصول على قروض من صندوق النقد أو البنك الدوليين.

والعمليات المصرفية بالمراسلة بين مصرف محلي وآخر أجنبي تلعب دور وسيط بالنسبة للحوالات الخارجية.

وهي خطوة مهمة بالنسبة لعملية إجراء التحويلات المالية من سوريا وإليها، بعد أن توقفت كليا تقريبا عقب اندلاع الثورة عام 2011.

وخلال 14 عاما بسوريا، لم تجر سوى بعض عمليات التحويل المحدودة المتعلقة بالأمم المتحدة، ومع ذلك خضعت لقوانين وقيود صارمة بسبب العقوبات الأميركية والأوروبية.

ويعد رفع العقوبات الأوروبية والأميركية عن سوريا في مايو/أيار 2025 خطوة مهمة في مسار استعادة العلاقات الاقتصادية والمالية الطبيعية بين دمشق والمجتمع الدولي.

وقد تبع ذلك قرار سويسرا في يونيو 2025 رفع العقوبات عن البنك المركزي السوري؛ حيث كان للأخير في الماضي علاقات مصرفية وثيقة مع عدد من المصارف السويسرية.

ويلعب المصرف المركزي السوري دورا محوريا في إدارة استثمارات احتياطي الدولة، ودعم التبادلات التجارية والمالية مع الجانب السويسري.

بدورها قررت الحكومة اليابانية في 30 مايو 2025 رفع جزء من العقوبات المفروضة على سوريا، بهدف دعم العملية الانتقالية السلمية وجهود الحكومة السورية في إعادة إعمار البلاد.

وأوضح تلفزيون "إن إتش كي" الياباني حينها، أن القرار الذي اتخذ خلال جلسة للحكومة اليابانية، يشمل إخراج أربعة بنوك سورية من قائمة تجميد الأصول.

"خطة إصلاح شاملة"

وأعلن أمين عام اتحاد المصارف العربية وسام فتوح في فبراير/شباط 2025 عزم الاتحاد طرح مشروع لإعادة هيكلة القطاع المصرفي السوري بشراكة أوروبية.

وأكد لصحيفة الاقتصادية السعودية وجود خطط جادة لتنفيذ المشروع وسط تواصل مستمر مع مسؤولي البنك المركزي السوري لبحث سبل التنفيذ، موضحا أن النظام البائد خلف تركة اقتصادية ثقيلة ستواجه الحكومة الجديدة في المرحلة المقبلة.

ولفت فتوح إلى أن المشروع يمتد على مدار 3 سنوات ويشمل تطوير البنية التحتية للقطاع المصرفي وتدريب وتأهيل كوادره بالتعاون مع البنك المركزي الألماني.

وأشار إلى ضرورة وجود إستراتيجيات فعالة لمعالجة الديون عبر إنشاء شركات متخصصة في إدارة الأصول المتعثرة، وهو نموذج استخدمته دول أخرى مثل الولايات المتحدة وماليزيا.

واتحاد المصارف المذكور، منظمة مسؤولة عن تعزيز التعاون وتنمية الأعمال المالية بين البنوك العربية.

وأضاف فتوح أن أحد الحلول المحتملة تخصيص جزء من الديون غير القابلة للتحصيل لشركات إدارة الأصول المتعثرة، ما يساعد على تقليص آثار الأزمة المالية.

وذكر أن القطاع المصرفي السوري يحتاج إلى تعزيز رأس المال لتمكينه من تحمل المخاطر المتزايدة، مع التوجه إلى خصخصة المصارف العامة تدريجياً لتحسين الكفاءة وزيادة الثقة.

وشدد فتوح على ضرورة تحسين آليات الامتثال الداخلي وتعزيز الشمول المالي باستخدام التقنيات المصرفية الرقمية، مشيرا إلى وجود تحديات كبيرة تواجه سوريا في مجال مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب في ظل استمرار العقوبات الدولية.

وعقب ذلك، طرح وزير المالية السوري محمد يسر برنية، في 24 يونيو 2025 خطة إصلاح شاملة وعميقة للمصارف العامة، وذلك خلال اجتماعه مع المديرين العامين بها.

وناقش برنية مع المديرين المذكورين أداء المصارف العامة رغم الفساد والتشوهات التي خلفها نظام بشار الأسد المخلوع فيها.

وأوضح أن خطة إصلاح المصارف التي جرى طرحها وضعت بالتعاون مع مصرف سوريا المركزي وبقية الأجهزة الرقابية، بعد تدقيق ومراجعة مهنية.

وأكد وزير المالية السوري أن خطة الإصلاح تهدف إلى تحديث المصارف العامة بسوريا، وتطوير خدماتها، وتعزيز تنافسيتها، ودورها في التنمية.

وفي خضمّ جهود تنشيط المنظومة المصرفية المحلية، نفذت سوريا الجديدة منتصف يونيو 2025 أول تحويل مصرفي دولي مباشر عبر نظام سويفت للمدفوعات الدولية.

 "خطوة سياسية"

 وفي هذا السياق، قال الأكاديمي والخبير الاقتصادي السوري، فراس شعبو: إن “المصارف تعد العمود الفقري للاقتصاد السوري وهي شريان حياة”.

وأضاف لـ"الاستقلال" أنه “بدون عملها وإجراء التحويلات الدولية عبر نظام سويفت، لا يمكن القول إن هناك عملية جذب للاستثمارات الخارجية وإنعاش الحالة النقدية وإعادة سوريا إلى الوضع الطبيعي للاقتصاد”.

 ولفت إلى أن "البلاد بدأت بالعودة رويدا رويدا إلى المؤسسات المالية الدولية من خلال منح البنك الدولي الداعمة للطاقة في سوريا وكذلك تخفيف بعض العقوبات، وهو جزء من التعافي المبكر المطلوب في هذه المرحلة".

وأضاف شعبو إلى أن "عودة عمل المصارف يسهل عمليات فتح الاعتمادات المستندية لمن يريد الاستيراد أو التصدير من وإلى سوريا وكذلك تقليل الاعتماد على السوق السوداء".

“وبالتالي هناك فائدة مالية كبيرة لخزينة الدولة الجديدة بعودة التحويلات إلى شكلها الرسمي وبطرق نظامية عبر المصارف الحكومية بالنقد الأجنبي”.

وحتى على مستوى تحويلات المنظمات الدولية التي ترى في سوريا هدفا كبيرا في توجيه خططها ومشاريعها لدعم هذا البلد للنهوض من جديد في مجال البنى التحتية والمدارس والتعليم والصحة وغيرها وهي بحاجة لتحويل أموال. وفق تقديره.

ولفت شعبو إلى أن "عودة العلاقة بين المصارف السورية والأجنبية في هذا التوقيت سيسهل تبرير المساعدات الدولية عبر القنوات الرسمية.

وهو في نهاية الأمر خطوة سياسية تحسن سمعة المصارف السورية ومؤشر على الاعتراف بالنظام السياسي القائم مما يعطي حافزا أمام المستثمرين المحليين والخارجيين للبدء بالاستثمار، بحسب شعبو. 

وألمح إلى أن “المصارف السورية بحاجة إلى إعادة هيكلة سواء الحكومية أو الخاصة”، منوها إلى ضرورة الاستفادة من الفرصة والرغبة الدولية لمساعدة سوريا على النهوض وتحقيق الاستقرار.

 وخاصة أن “الواقع المعيشي بسوريا يضغط على الحكومة لتحسين الأوضاع عبر تأمين المصارف السورية القطع الأجنبي”.

وبين أن “العودة إلى نظام سويفت يعني الانتقال من مرحلة إلى أخرى وربط النظام المصرفي السوري بالعالم”.

وذهب شعبو للقول: "إن نجاح ربط المصارف السورية والأجنبية ليس بالسهل وفي حال تحقيقه فسيشكل ذلك مدخلا للإصلاح الاقتصادي بعد فرض القيود السابقة على البلاد نتيجة قمع نظام الأسد المخلوع للثورة".

ويتألف القطاع المصرفي العام في سوريا من 6 مصارف مملوكة للدولة، أقدمها المصرف الزراعي التعاوني الذي أُسس عام 1888، إلى جانب 3 مصارف حديثة تجاري وصناعي وعقاري ومصرفين للإقراض والتسليف الشخصي.

يضاف إلى ذلك 11 مصرفا خاصا و4 مصارف إسلامية أُسست في المدة الواقعة بين عامي 2004-2023.

إلا أن فصل نظام "سويفت" عن سوريا عقب عام 2011 أثر بشكل سلبي على التجار الحقيقيين والمواطنين في البلاد؛ إذ أصبح إجراء التحويلات المالية أكثر كلفة وتتم بطرق غير رسمية، كما كانت تديرها شبكة من التجار الفاسدين لها ارتباطات وشراكة مع نظام الأسد المخلوع.

وضمن هذه الجزئية، يرى الباحث والمحلل الاقتصادي، رضوان الدبس، أن “هناك بعدا إستراتيجيا واقتصاديا لعودة العلاقة بين المصارف السورية والأجنبية من ناحية تسهيل الحوالات المالية إلى الداخل السوري بأسعار مقبولة ومضمونة”.

وكذلك "تشجيع التجارة وإجراء عمليات الاستيراد والتصدير، وإعادة تدوير الاستثمارات في سوريا؛ لأن المستثمر يهتم بوجود قنوات نظامية للتحويل المالي إلى داخل أو خارج البلد بشكل نظامي وطرق قانونية".

وأضاف الدبس لـ "الاستقلال" أن “عودة العلاقة بين المصارف السورية والأجنبية يؤثر على سعر العملة والقطع الأجنبي سواء في التصدير أو الاستيراد؛ حيث يوفر سيولة نقدية من العملات الأجنبية”.

وهو "ما يعني وجود ملاءة مالية لديها لتحافظ على أسعار صرف العملة السورية بسبب توفر القطع الأجنبي بشكل نظامي كما أنه لن يكون هناك حاجة للسوق السوداء". 

ورأى الدبس أن "سوريا اليوم بحاجة لعودة العلاقة بين المصارف السورية إلى المنظومة العالمية بعد عزلة طويلة، فضلا عن كون ذلك حاجة حكومية ومطلبا شعبيا لتحقيق نوع من الاستقرار المالي والاجتماعي والسياسي وخلق بيئة وفرص عمل جديدة".