الرواتب أول خطوة.. هكذا تعمل واشنطن على تفكيك "الحشد الشعبي" في العراق

واشنطن طالبت المؤسسات المالية العراقية بالالتزام بمعرفة عملائها وانتماءاتهم
تتوالى الضغوطات الأميركية على قوات الحشد الشعبي في العراق، حتى وصل الأمر إلى عرقلة دفع رواتب عناصره، وهو ما فجرّ جدلا واسعا في البلاد عن الهدف من هذه الخطوة، التي بررتها الجهات الرسمية العراقية بأنها مجرّد "خلل فني"، ويجرى العمل على حلها.
لأول مرة منذ تأسيسه عام 2014 تجمّع عناصر الحشد الشعبي في طوابير لتسلم رواتبهم لشهر يونيو/ حزيران 2025، جرّاء امتناع شركة بطاقات الدفع الإلكتروني "كي كارد" عن صرفها، قبل أن يتمكن عدد منهم بعد 10 أيام من الحصول على تلك الأموال، بعدما صُرفت لهم نقدا.
ضغوط أميركية
وعلى وقع الأزمة، اتهم عضو اللجنة المالية في البرلمان العراقي، معين الكاظمي، الولايات المتحدة بممارسة ضغوط سياسية واقتصادية على الحكومة والبنك المركزي والمصارف بالعراق، وأنها شملت أخيرا شركات الدفع الإلكتروني، ما أثر سلبا على صرف رواتب الحشد الشعبي.
وأضاف الكاظمي في تصريح نقلته وكالة "شفق نيوز" العراقية في 29 يونيو 2025، أن "رواتب منتسبي الحشد الشعبي كانت تُصرف شهرياً عبر مصرف الرافدين ومن خلال شركة كي كارد، إلا أن ضغوطا أميركية كبيرة تمارس حاليا على المصرف والشركة، الأمر الذي تسبب في عرقلة صرفها".
وفي السياق ذاته، كشف عضو البرلمان العراقي، النائب ماجد شنكالي، أن السبب الحقيقي وراء تأخر منح رواتب موظفي الحشد الشعبي يرجع إلى الرغبة الأميركية في تشديد الرقابة على آلية صرف موازنتهم والبالغة 2.7 مليار دولار.
وأوضح شنكالي خلال مقابلة تلفزيونية في 29 يونيو، أن “موضوع تأخر صرف الرواتب موضوع مصرفي بحت”، وأن "الجانب الأميركي يرى أن تلك المبالغ يذهب القسم الكبير منها إلى جيوب متنفذين فاسدين مقربين من إيران".
لكن "هيئة الحشد الشعبي" أصدرت بيانا، نفت فيه ما تردد عن عقوبات قد تفرضها وزارة الخزانة أو البنك الفيدرالي الأميركيان على الوسيط المصرفي الذي يدير رواتب عناصرها، وأكدت “حرصها الكامل على ضمان صرف رواتب جميع المجاهدين المنتسبين إليها”. وفق وصفها.
وتحدث بيان "الحشد" في 29 يونيو، عن مباشرة الجهات المعنية بعملية صرف الرواتب، واستمرار ذلك لمدة أسبوع، بما في ذلك العطل الرسمية ودون انقطاع، مشيرا إلى "زيادة عدد منافذ الدفع لتسهيل عملية التوزيع" خلال الساعات والأيام المقبلة.
وفي أعقاب ذلك، علقت السفارة الأميركية في بغداد على الموضوع، بتأكيدها ضرورة التزام جميع المؤسسات المالية العراقية بـ"معرفة عملائها وانتماءاتهم"، وفقا للمعايير الدولية.
وأوضح مستشار الشؤون الإعلامية في السفارة الأميركية ببغداد، آندي هالوس، في تصريح نقلته شبكة "رووداو" العراقية في 2 يوليو/ تموز 2025، أن جميع المؤسسات المالية "لديها التزام، وفقا للمعايير الدولية، بمعرفة عملائها وانتماءاتهم".
وذكّر هالوس بأن "وجود ضوابط قوية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب (AML/CFT) يحمي الأنظمة المالية من الاستغلال"، لافتا إلى أن "الولايات المتحدة لطالما دعمت العراق وتعاونت معه، كما تفعل مع دول أخرى حول العالم، في تطبيق المعايير والأنظمة الدولية الفعّالة".
كما أن الولايات المتحدة، بحسب المتحدث، أعربت عن "قلقها العميق بشأن الجماعات المسلحة المدعومة من إيران والمصنفة إرهابية، والتي تهدد الأميركيين واستقرار العراق".

"رسالة تهديد"
وفي السياق ذاته، كشف الوزير والبرلماني العراقي السابق، وائل عبد اللطيف، عن توجيه الولايات المتحدة رسالة شديدة إلى الحشد الشعبي، أبلغتهم فيها بضرورة حل أنفسهم وتسليم السلاح، وإلا فإنهم سينفذون ذلك بالقوة.
وقال عبد اللطيف خلال مقابلة تلفزيونية في 29 يونيو: إن "الجانب الأميركي هددهم بإمكانية قصفهم بالطائرات، ولهذا فإن المرجعية الدينية (الشيعية) دعت إلى حصر السلاح بيد الدولة".
وفي 28 يونيو، كشف القيادي في الحشد ميثم الزيدي، الذي عُرف بانتقاداته الشديدة لبعض قيادات هذه المليشيا، عن أن "البنك الفيدرالي ووزارة الخزانة الأميركيين، أبلغا الهيئة ومصرف الرافدين بضرورة وقف الشركة المشرفة على توزيع مرتبات منتسبيها".
وأشار الزيدي عبر مقطع فيديو إلى أن المشكلة تقع على عاتق الإدارة المالية في هيئة "الحشد الشعبي"، وطالبها بـ"العمل بشكل سليم لمعالجة المشكلة".
ومع أول موقف لها عقب إعلان وقف النار بين إيران وإسرائيل في 24 يونيو، دعت مرجعية علي السيستاني في العراق إلى "حصر السلاح بيد الدولة"، وذلك بعد سبعة أشهر على دعوة مماثلة أطلقتها، لكنها لم تجد تجاوبا من الفصائل المسلحة التي توالي معظمها نظام الولي الفقيه في إيران.
وتأتي هذه الدعوة رغم أن فتوى "الجهاد الكفائي" التي أصدرها السيستاني عام 2014 لقتال تنظيم الدولة الذي اجتاح البلاد في حينها، وفرت الإطار الشرعي لتشكيل الحشد الشعبي، أبرز مليشيا في العراق.
لكن لا يمتلك المرجع الشيعي اليوم السيطرة الميدانية في أقل تقدير، على فصائل كثيرة كانت قد تأسست قبل الفتوى بسنوات انضمت لـ"الحشد"، ويقلد بعضها مرجعية المرشد الإيراني علي خامنئي.
وقال ممثل السيستاني في كربلاء، عبد المهدي الكربلائي، خلال تصريحات نقلها موقع "العتبة الكربلائية" في 26 يونيو: إن "العراق ليس بمنأى عن الأحداث التي تمر بها المنطقة". مشيرا إلى أن "الظروف الحالية بالغة الخطورة".
وشدَّد ممثل السيستاني على ضرورة "تصحيح المسار وتدارك ما فات، ومنع التدخلات الخارجية بمختلف وجوهها"، داعيا إلى "حصر السلاح بيد الدولة ومكافحة الفساد".
وفي 4 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، دعا السيستاني خلال استقباله ممثل الأمين العام للأمم المتحدة الجديد لدى بغداد العماني محمد الحسان، إلى "منع التدخلات الخارجية بمختلف وجوهها، وتحكيم سلطة القانون، وحصر السلاح بيد الدولة، ومكافحة الفساد على جميع المستويات".

"بداية التفكيك"
وعن حقيقة وجود ضغوطات أميركية وأهدافها المستمرة وآخرها عرقلة الرواتب، رأى الباحث في الشأن العراقي، مهند الأعظمي، أن "الحشد الشعبي وفصائله المسلحة لا تزال تشكل تهديدا للتغيير الذي تسعى القوى الغربية وإسرائيل لإحداثه في الشرق الأوسط".
وأضاف الأعظمي لـ"الاستقلال" أن "الحشد الشعبي لا يعرف تعداده ففي مرحلة قتال تنظيم الدولة كان عددهم 50 ألف مقاتل، واليوم تتحدث البيانات الرسمية عن تعداد بلغ 250 ألفا، وهؤلاء معظمهم مقاتلون وهميون على الورق فقط، والقيادات هي من تتسلم رواتبهم".
ولفت الباحث إلى أن "الولايات المتحدة لن تبقِي هذه المنظومة المسلحة قائمة في العراق، كونها تعد ذراعا لإيران.
وبين أن طهران تحاول إضفاء الشرعية على جميع المليشيات التي تصنفها واشنطن على لوائح الإرهاب، وبالتالي تضغط الأخيرة من أجل تفكيكها.
من جهته، رأى السياسي العراقي، ومحافظ نينوى الأسبق أثيل النجيفي، أن ما يجري من تعطيل في صرف رواتب الحشد الشعبي يشير إلى بدء عملية التفكيك والدمج ضمن المؤسسات الأمنية، وذلك قبل موعد الانتخابات البرلمانية المقبلة (11 نوفمبر/تشرين الثاني 2025).
وقال النجيفي خلال منشور على "فيسبوك" في 5 يوليو: إن "من البدائل المطروحة إنشاء منصات جديدة لتوزيع الرواتب أو التوزيع النقدي المؤقت، ولكن هذه حلول غير منطقية؛ لأن الجهات التي ستموّل هذه المنصات كوزارة المالية أو البنك المركزي ستكون مهددة بالعقوبات الأميركية".
وبيّن السياسي العراقي، أن "الحل الوحيد يتمثل في تفكيك الفصائل واستبعاد الأشخاص المشمولين بالعقوبات، ودمج العناصر الأخرى ضمن الجيش والشرطة كأفراد لا مجموعات أو تشكيلات فصائلية".
وأكّد أن “هذه العملية تتسارع وتيرتها بالتزامن مع الانتخابات” وأن “البرلمان المقبل قد يشهد تراجعًا في نفوذ الفصائل المسلحة”.
وذكر أن "الحكومة العراقية تدرك هذا السيناريو، لكنها تفضل التزام الصمت بانتظار اقتناع قادة الفصائل بأن هذا هو الحل الأنسب والأكثر أمانا".
ودعت الولايات المتحدة الأميركية، الحكومة العراقية لتفكيك المليشيات المسلحة بنفسها أو أن الأمر "سيتم بالقوة"، حسبما كشف إبراهيم الصميدعي، المستشار السياسي لرئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، خلال مقابلة تلفزيونية في 16 ديسمبر/ كانون الأول 2024.
الأمر نفسه أكده رئيس البرلمان محمود المشهداني، خلال مقابلة تلفزيونية في 30 ديسمبر 2024، بالقول: إن “الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أكد لرئيس الوزراء العراقي ضرورة حصر السلاح بيد الدولة”. مشيرا إلى أن "الحكومة تعمل على ذلك".
المصادر
- النجيفي: أزمة رواتب الحشد بداية لتفكيك الفصائل ودمجها بالجيش والشرطة
- السفارة الأميركية لرووداو حول رواتب الحشد: على المؤسسات المالية معرفة عملائها وانتماءاتهم
- حل مؤقت لأزمة رواتب «الحشد» العراقي
- المالية النيابية: ضغوط أمريكية تعرقل صرف رواتب الحشد الشعبي
- بعد حرب الـ 12 يوما.. العراق عالق بين فتوى السيستاني وظل خامنئي
- تضييق أميركي على رواتب “الحشد الشعبي”.. لماذا الحكومة صامتة؟