الهند في شرق البحر المتوسط.. تحالفات جديدة ورسائل موجهة لأنقرة

منذ ٤ ساعات

12

طباعة

مشاركة

في ظل تصاعد التوترات الإقليمية في شرق البحر الأبيض المتوسط، برزت الهند كلاعب جديد يسعى لإعادة تشكيل موازين القوى في المنطقة عبر تعزيز تحالفاته مع خصوم أنقرة التقليديين، وفق تحليل معمق لمعهد تحليل العلاقات الدولية الإيطالي. 

فمع تدهور علاقاتها مع تركيا، كثفت نيودلهي تعاونها السياسي والعسكري مع كل من قبرص واليونان وإسرائيل، مدفوعة بتقاطع المصالح الجيوسياسية والنزاعات الإقليمية المشتركة. 

كما أولت أهمية متزايدة لتوطيد علاقتها بمصر، مستفيدة من موقعها الإستراتيجي كبوابة إلى الشرق الأوسط وأوروبا، وفي موازاة ذلك، تبلورت مشاريع اقتصادية كبرى، مثل "الممر الهندي-الشرق أوسطي-الأوروبي"، لتكرس التوجه الهندي نحو لعب دور إقليمي فاعل، مقابل تهميش متزايد لتركيا. 

هذا التقرير يستعرض أبعاد هذا التحول الهندي وأدواته، وسياقاته الإقليمية والدولية المتشابكة.

خصوم تركيا

وفي هذا السياق، قال التقرير: إن تدهور العلاقات بين الهند وتركيا، بالتوازي مع تقارب نيودلهي المتزايد مع خصوم أنقرة الإقليميين، بات في صلب الديناميات الجيوسياسية في شرق البحر الأبيض المتوسط.

وأشار إلى أن رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي قام، في يومي 15 و16 يونيو/ حزيران 2025، بزيارة إلى قبرص، أحرزت خلالها نتائج وصفت بـ "المهمة" لتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين.

وأفاد بأن مودي والرئيس القبرصي اليوناني نيكوس خريستودوليدس اتفقا على وضع خطة عمل للفترة 2025-2029 لتنظيم مستقبل العلاقات، كما وقعا على "إعلان تنفيذ الشراكة الشاملة".

وأضاف التقرير أن الإعلان تضمن عشر نقاط رئيسة، من أبرزها فتح الموانئ القبرصية اليونانية أمام السفن العسكرية الهندية، والتخطيط لإجراء تدريبات بحرية مشتركة.

وتابع التقرير أن "الجانبين ناقشا كذلك احتمال فتح مفاوضات تمهيدا لإبرام برنامج تعاون دفاعي ثنائي، يهدف إلى تعزيز التعاون في مجالي الدفاع والصناعات العسكرية". 

وذكر أن "قبرص كانت قد وقعت اتفاقات مماثلة في السابق مع كل من الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا وإسرائيل".

وأشار إلى أنه "في جميع هذه الحالات، شهدت واردات الأسلحة إلى قبرص ارتفاعا ملحوظا"، ما يدل، وفقا لمصادر التقرير، على أن "الهند تسعى هي الأخرى للدخول إلى هذا السوق الواعد".

وأوضح التقرير أن محادثات مودي وخريستودوليدس أكدت على "الدعم المتبادل بين الهند وقبرص في ما يتعلق بالنزاعات الإقليمية، التي تضع كلا منهما في مواجهة مباشرة مع جاره، باكستان بالنسبة للهند، وتركيا بالنسبة لقبرص".

وذكر أن نيودلهي أعربت عن اعترافها الكامل بسيادة جمهورية قبرص على كامل الجزيرة، بما في ذلك الشطر الشمالي الذي تُديره إدارة قبرصية تركية مدعومة حصريا من أنقرة. 

وفي المقابل، عبرت نيقوسيا عن دعمها لسيادة الهند على إقليم كشمير بأكمله، بما في ذلك المناطق التي تسيطر عليها إسلام آباد.

جدير بالذكر أن جزيرة قبرص تعيش حالة انقسام منذ عام 1974، حين سيطرت تركيا على الشطر الشمالي وأقامت فيه إدارة قبرصية تركية. 

وأوضح التقرير أن "هذه الخطوة أدت إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بين أنقرة ونيقوسيا، كما تسببت في أزمة حادة مع اليونان، التي تُعد من أبرز داعمي الإدارة القبرصية اليونانية، لا سيما أن غالبية سكان الجنوب ينتمون للعرق اليوناني".

وأضاف التقرير أن "زيارة رئيس الوزراء الهندي إلى نيقوسيا، فضلا عن اعترافه بسيادة الحكومة القبرصية اليونانية على كامل الجزيرة، يُنظر إليها على نطاق واسع كمحاولة لإرسال رسالة قوية إلى أنقرة".

وأوضح أن "تركيا، بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان، أصبحت في السنوات الأخيرة أحد الشركاء الرئيسين لباكستان، وأن أردوغان عبر مرارا عن دعمه لمطالب إسلام آباد في كشمير، بما في ذلك خلال المواجهات، التي شهدها شهر مايو/ أيار 2025، بين الجانبين الهندي والباكستاني".

وذكر التقرير أن "الهند، وفي إطار ردها على الدعم التركي لباكستان، خصوصا في المجال العسكري، سعت إلى تعزيز علاقاتها مع الخصوم الإقليميين لأنقرة في شرق البحر المتوسط، وعلى رأسهم قبرص واليونان".

مشيرا إلى أن "زيارة مودي إلى نيقوسيا لم تكن الأولى من نوعها أخيرا، بل جاءت بعد زيارة تاريخية قام بها إلى أثينا في أغسطس/ آب 2023، وهي الأولى لرئيس وزراء هندي إلى اليونان منذ أربعين عاما".

وخلال تلك الزيارة، أعلن مودي ونظيره اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس عن نية مشتركة لرفع مستوى العلاقات الدفاعية والأمنية، وذلك من خلال زيادة التنسيق بين القوات المسلحة لكلا البلدين، فضلا عن التعاون في مجال الصناعات العسكرية، وتطوير البنية التحتية والتكنولوجيا.

وأضاف أن زيارة ميتسوتاكيس إلى نيودلهي في فبراير/ شباط 2024، والتي جاءت بعد عدة أشهر، عكست حجم التقارب المتزايد بين الجانبين.

كما نوه التقرير إلى أن "الخلافات البحرية بين اليونان وقبرص من جهة، وتركيا من جهة أخرى، ما زالت تشكل ملفا شائكا"، مشيرا إلى أن "أصل الأزمة يعود إلى غياب اتفاق بشأن ترسيم حدود المناطق الاقتصادية الخالصة في شرق المتوسط، وهي مناطق حيوية لاستخراج الموارد الطاقية".

وأكد التقرير أن "الهند، كما هو متوقع، تدعم بشكل كامل المطالب اليونانية-القبرصية، وترى أن الادعاءات التركية لا تستند إلى أسس قانونية".

الطرف الإسرائيلي

من زاوية أخرى، أشار المعهد الإيطالي لتحليل العلاقات الدولية إلى أن "إسرائيل تمثل طرفا أساسيا في المعادلة الإقليمية، حيث تعد هي الأخرى من أبرز خصوم تركيا، خاصة في ظل تعقيدات المشهد الأوسع في الشرق الأوسط، والتي تلقي بظلالها أيضا على شرق المتوسط".

وذكر أن "إسرائيل شاركت في السنوات الأخيرة في آليات تعاون ثلاثي مع كل من أثينا ونيقوسيا، في مواجهة أنقرة".

وأضاف أن "العلاقات بين الهند وإسرائيل شهدت في المقابل تطورا لافتا، لا بسبب التقارب الأيديولوجي بين مودي ونتنياهو فحسب، بل كذلك لأسباب براغماتية". 

وتابع موضحا: "فإسرائيل تعد من أكبر مزودي نيودلهي بالسلاح، كما أن التعاون في مجال تبادل المعلومات الاستخباراتية ومكافحة الإرهاب يسهم في دفع العلاقات الثنائية نحو مزيد من التقدم".

من جانب آخر، لفت التقرير إلى أن "الهند أثبتت كذلك أنها شريك دبلوماسي مهم لإسرائيل؛ فبعد اندلاع الحرب على غزة، رفضت حكومة ناريندرا مودي مرارا إدانة أعمال تل أبيب صراحة في قطاع غزة وفي بقية أنحاء المنطقة الشرق أوسطية".

وأضاف أن "الهند، وحتى خلال الصراع الأخير بين إسرائيل وإيران، امتنعت عن إدانة القصف الإسرائيلي لأهداف داخل طهران ومدن أخرى، من ضمنها منشآت نووية، رغم احتفاظ نيودلهي بعلاقات ودية مع كلا البلدين".

وتابع التقرير أن "قمة جمعت قادة كل من اليونان وقبرص وإسرائيل في سبتمبر/ أيلول 2023، ناقش خلالها الرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليدس، ورئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إمكانية توجيه دعوة للهند للمشاركة في القمة التالية، التي كان يُفترض عقدها في عام 2024".

وأوضح التقرير أن "هذه المبادرة لم تترجم فعليا إلى دعوة رسمية، بسبب الأحداث التي شهدتها إسرائيل بدءا من 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، إلا أن التعاون بين الدول الثلاث ونيودلهي لا يزال قائما ويتقدم بخطى ثابتة".

الفاعل المصري

وأشار التقرير إلى أن "هناك فاعلا إقليميا آخر غائبا عن الصورة؛ هو مصر، التي تعد بدورها لاعبا حاسما في توازنات المنطقة". 

وذكر أن "القاهرة توصلت في عام 2020 إلى اتفاق مع أثينا بشأن ترسيم المناطق الاقتصادية الخالصة في شرق البحر المتوسط". 

وهو اتفاق أسس لمرحلة جديدة من التعاون الثنائي، تطور لاحقا إلى تعاون ثلاثي بانضمام نيقوسيا، مع انعقاد قمة سنوية بين قادة مصر واليونان وقبرص.

وأضاف أن "العلاقات بين مصر وتركيا لا تزال معقدة". 

وأردف موضحا: "فبعد سنوات من القطيعة التي أعقبت الانقلاب العسكري في مصر عام 2013، والذي أوصل عبد الفتاح السيسي إلى السلطة، بدأ منذ العام الماضي مسار تقارب بين القاهرة وأنقرة، وذلك في سياق تحولات أوسع في توازنات المنطقة".

ومع ذلك، أكد التقرير أن "البلدين ما زالا على خلاف بشأن ترسيم الحدود البحرية في شرق المتوسط؛ حيث ترفض أنقرة الاعتراف باتفاق 2020 مع اليونان، وترى أنه يمس بمصالحها في منطقتها الاقتصادية الخالصة".

وأوضح التقرير أن "الهند عادت لتتداخل في هذا السياق، حيث سعت في السنوات الأخيرة إلى تعزيز علاقاتها مع القاهرة، توجت بزيارة تاريخية أجراها رئيس الوزراء مودي إلى مصر في يونيو/ حزيران 2023، جرى خلالها تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية".

وبين أن "الهند تسعى إلى الاستفادة من الموقع الإستراتيجي لمصر، الذي من شأنه أن يمكنها من الوصول بسهولة إلى الشرق الأوسط وشرق البحر المتوسط، خاصة من خلال قناة السويس".

الممر الاقتصادي

وفي سياق متصل، أشار التقرير إلى أن مشروع "الممر الاقتصادي الهند-الشرق الأوسط-أوروبا" (IMEC) يستحق وقفة تحليلية.

وهو مشروع أعلن عنه خلال قمة مجموعة العشرين التي عُقدت في نيودلهي عام 2023، ويهدف إلى تعزيز التنمية الاقتصادية وربط آسيا بالخليج وأوروبا.

وذكر التقرير أن "هذا الممر من المفترض أن يربط الهند بأوروبا عبر الإمارات والسعودية وإسرائيل وشرق المتوسط، بمشاركة اليونان وقبرص وإيطاليا". 

ما يعني، كما أشار، أن معظم الدول التي شملها التقرير حاضرة في المشروع، باستثناء غياب بارز لتركيا.

وأوضح أن "أنقرة تعد من أبرز معارضي مشروع الممر المشار إليه، حيث وجهت انتقادات لاذعة له". 

وردا على ذلك، أعلنت نيتها إنشاء طريق بديل يحمل اسم "مشروع طريق التنمية"، يربط الخليج بأوروبا مرورا بالعراق والإمارات وقطر وتركيا.

وأضاف أن مصر أيضا ليست عضوا في المشروع الهندي. 

واستدرك: "إلا أن الأشهر الأخيرة شهدت تزايد الحديث عن احتمال انضمامها، وإذا ما تحقق ذلك، فإن تركيا ستكون الدولة الكبرى الوحيدة المستبعدة نهائيا من المشروع".

وختم التقرير بالإشارة إلى أن "مشروع IMEC يكتسب أهمية إستراتيجية كبرى بالنسبة للهند، ليس فقط لأنه يتيح لها تسهيل الوصول إلى الشرق الأوسط وأوروبا، بل كذلك لأنه يشكل بديلا مدعوما من الولايات المتحدة لمبادرة (الحزام والطريق) الصينية".

وبناء على كل ما سبق، توقع التقرير أن "تواصل نيودلهي تعميق علاقاتها مع شركائها في شرق المتوسط خلال السنوات المقبلة، بهدف تحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب الاقتصادية، وتعزيز مكانتها السياسية الإقليمية والعالمية".

الكلمات المفتاحية