اعتقالات ومداهمات.. سر التصعيد المتبادل بين روسيا وأذربيجان

منذ ٣ ساعات

12

طباعة

مشاركة

بصورة لافتة، تصاعد أخيرا مستوى التوتر بين أذربيجان وروسيا، على خلفية عمليات التوقيف التي نالت أفرادا من الجالية الأذربيجانية في مدينة يكاترينبورغ عاصمة مقاطعة سفيردلوفسك الروسية.

في المقابل، ردّت أذربيجان بإلغاء جميع الفعاليات الثقافية الروسية بعد مداهمات قامت بها الأجهزة الأمنية، كما جرى تفتيش مكاتب وكالة "سبوتنيك أذربيجان".

في الوقت ذاته، بدأت حملة إعلامية صاخبة مناهضة لروسيا في وسائل الإعلام الأذربيجانية.

في هذا السياق، تسلط صحيفة  "إزفيستيا" الروسية الضوء على تفاصيل التصعيد المتبادل بين الطرفين، ومآلاته على مستقبل العلاقة بينهما.

جرائم مترابطة

نفذت السلطات الروسية في 27 يونيو/ حزيران 2025، عمليات تفتيش وتوقيفات استهدفت أفرادا من الجالية الأذربيجانية في يكاترينبورغ، التي تعد مركزا للجالية الأذربيجانية في روسيا.

ووفقا لوسائل إعلام محلية، اقتيد نحو 50 شخصا إلى مراكز الشرطة، وجاء في بيان صادر عن إدارة التحقيقات في لجنة التحقيق بإقليم سفيردلوفسك: "أدلى عدد من المشتبه بهم باعترافات، ويتعاونون مع جهات التحقيق، وقد أجريت عمليات تفتيش في أماكن إقامتهم".

وأفادت المتحدثة الرسمية باسم لجنة التحقيق الروسية، سفيتلانا بيترينكو، بأن "المتهمين يشتبه في تورطهم بتشكيل منظمة إجرامية عرقية".

وذكرت أنه "من بين الجرائم المنسوبة إليهم جريمة قتل مواطن أذربيجاني يدعى يونس باشاييف في عام 2001، والذي توفي متأثرا بجروح طعنية".

كما "سُجل في عام 2010 محاولة اغتيال رجل الأعمال فخروز شيرينوف، وفي عام 2011، قُتل إكرام حاجييف، مالك إحدى أكبر مستودعات الخضراوات".

ونقلت "إزفيستيا" عن صحف محلية في المقاطعة قولها: "إن هذه الجرائم، على الأرجح، مترابطة".

وتابعت: "وفقا للمعلومات المنشورة، كان يونس باشاييف يعمل في تجارة الملابس في السوق، ويُزعم أنه رفض دفع رسوم (الحماية) لأفراد من جنسيته، مما أدى إلى قتله".

"بعد ذلك، بدأ المسؤولون عن (الحماية) بملاحقة أصدقائه المقربين كذلك". وفق الصحيفة.

وذكرت أنه "وفقا للجنة التحقيق الروسية، أُجريت 14 عملية تفتيش خلال المداهمات الأخيرة، وتمَّ استجواب 10 شهود".

وقد أسفرت العمليات عن توقيف 6 أشخاص، من بينهم 4 أفراد من عائلة تحمل اسم "سافاروف".

وأضافت الصحيفة: "وفي سياق التحقيقات، توفي شخصان: أحدهما بسبب قصور في القلب، بينما تُجرى التحقيقات لتحديد أسباب وفاة الثاني".

على الجانب الآخر، أوضحت الصحيفة أن أذربيجان "ردت بعنف على الأحداث الأخيرة"؛ حيث أصدرت وزارة الخارجية الأذربيجانية بيانا أعربت فيه عن بالغ قلقها إزاء تصرفات قوات الأمن الروسية.

وأكد البيان أن من بين المعتقلين في يكاترينبورغ من سقطوا قتلى ومصابين، وطالبت الوزارة بمحاسبة "المتورطين في أعمال العنف". 

كما استدعت وزارة الخارجية الأذربيجانية القائم بالأعمال في السفارة الروسية، بيوتر فولكوفيخ.

علاوة على ذلك، أعلنت الحكومة الأذربيجانية في وقت لاحق عن إلغاء جميع الفعاليات الثقافية المرتبطة بروسيا داخل البلاد، بما في ذلك الحفلات الموسيقية والمهرجانات والمعارض والعروض المسرحية.

وأضافت الصحيفة: "وفي البرلمان الأذربيجاني، أعلن النواب عن إلغاء اللقاء الذي كان مقررًا مسبقا مع أعضاء من مجلس الاتحاد ومجلس الدوما الروسي في موسكو".

إلى جانب ذلك، "أفادت وسائل إعلام أذربيجانية بأن باكو ألغت الزيارة التي كان من المقرر أن يجريها نائب رئيس الوزراء الروسي أليكسي أوفرشوك إلى البلاد، في نهاية شهر يونيو/ حزيران 2025". 

وبحسب الصحيفة، فإنّ سبب الإلغاء يعود إلى "أحداث يكاترينبورغ التي أثارت ردود فعل غاضبة لدى الرأي العام".

مضيفة: "ترى باكو أن الظروف الحالية لا تسمح باستضافة مسؤولين روس رسميين".

لهجة شديدة

وفي سياق متصل، ذكرت الصحيفة أنّ وسائل إعلام أذربيجانية "نشرت مقالات شديدة اللهجة تنتقد السياسات الداخلية والخارجية الروسية".

"فقد نشرت وكالة الأنباء الرسمية (أذرتاج) تقريرا يشير إلى أن روسيا تمارس ما وصفته بـ(الاضطهاد ضد المهاجرين والأقليات القومية)". تقول الصحيفة.

وتضيف: "كما بثت القناة التلفزيونية الكبرى AzTV تقريرا تناول (قلق موسكو من تحوّل أذربيجان إلى دولة إقليمية قوية)".

وفي تطور وصفته "إزفيستيا" بالمفاجئ، داهمت قوات الأمن ظهر يوم 30 يونيو/ حزيران مقر وكالة "سبوتنيك أذربيجان" في العاصمة باكو. 

وذكرت أن "ممثلين عن السفارة الروسية وصلوا إلى المكان، لكن مُنعوا من الدخول".

كما نقلت عن عدة وسائل إعلام أذربيجانية، قولهم: إن "العملية أسفرت عن توقيف عميلين تابعين لجهاز الأمن الفيدرالي الروسي".

من جانبها، رأت الصحيفة أن رد روسيا على إجراءات أذربيجان كان "حذرا وهادئا".

وقالت: "أعلنت لجنة التحقيق الروسية أن الأسباب الدقيقة لوفاة الشخصين اللذين فارقا الحياة أثناء التحقيقات في يكاترينبورغ، ستحدّد عقب الانتهاء من فحوصات الطب الشرعي".

في هذه الأثناء، ذكرت الصحيفة أن مفوضة حقوق الإنسان في روسيا، تاتيانا موسكالكوفا، طالبت النيابة العامة بالتحقيق في "مدى قانونية ومشروعية عملية المداهمة التي نُفذت في يكاترينبورغ".

من جانبها، أعربت المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، عن قلقها إزاء انقطاع الاتصال مع الصحفيين الروس العاملين في باكو.

وفي السياق ذاته، "صرّح المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، أن موسكو تأسف للقرارات التي اتُخذت في باكو".

مؤكدا في الوقت ذاته على "اهتمام موسكو بمواصلة تطوير العلاقة الطيبة مع أذربيجان".

في غضون ذلك، قالت الصحيفة إنّه "في وقت لاحق من ظهر يوم 30 يونيو/ حزيران 2025، أعلنت الخارجية الروسية عن استدعاء سفير أذربيجان إلى مقر الوزارة في موسكو".

رسالة للغرب

ويرى نيكولاي سيلاييف، الباحث البارز في مركز قضايا القوقاز والأمن الإقليمي في معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية، أن أذربيجان "تتعمد تصعيد الأزمة".

مضيفا: "من حيث المنطق، كان من الأسهل معالجة وضع الموقوفين في أجواء من الهدوء في الغرف المغلقة دون إثارة ضجة".

وأردف: "لكن اختيرت إستراتيجية المواجهة العلنية، لماذا؟ أعتقد أن ذلك بمثابة رسالة موجهة إلى الدول الغربية، وكأن باكو تقول إنها مستعدة للتعاون في ملفات مختلفة".

واستطرد: "من جهة أخرى، هناك نوع من النشوة والانبهار بالنجاحات الأخيرة بعد استعادة السيطرة على كاراباخ". 

وهذا -بحسبه- "يجعل من الصعب عليهم التوقف والتفكير بموضوعية في ما يقولونه وكيف يعبرون عنه".

أما فاديم موخانوف، رئيس قسم شؤون القوقاز في معهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية التابع للأكاديمية الروسية للعلوم، فيرى أن العلاقات بين روسيا وأذربيجان "لن تشهد تغيرا جذريا نتيجة هذه الأحداث".

وأوضح أن "هذه ليست أول مرة تشهد فيها باكو انفجارا غاضبا". مؤكدا على "أن ما نراه الآن، هو مجرد موجة جديدة".

واستدرك: "لكن في العمق، كلا الطرفين حريص على بناء علاقات حسن جوار".

وأكمل: "فبالنسبة لأذربيجان، يعد هذا الأمر ضروريا في ظل الأزمة المتصاعدة في الشرق الأوسط وحالة عدم الاستقرار العالمية".

كما أن “موسكو بدورها تولي أهمية كبيرة لهذه العلاقات، لا سيما وأنها تعتمد حاليا على جيرانها في دعم وتسهيل حركة النقل والترانزيت”. حسب قوله.

واختتم بالقول: "في نهاية المطاف، ستتراجع حدة التوتر، وسيهدأ الطرفان ويعودان إلى طاولة الحوار".