اتساع الفجوة.. هل تعود إيران إلى طاولة مفاوضات النووي أم يتجدد التصعيد؟

"إذا لم تتحقق الانتظارات فإن المنطقة ستكون على أعتاب نزاع جديد"
أدت تجربة الحرب التي استمرت 12 يوما مع الاحتلال الإسرائيلي، في خضم المفاوضات غير المباشرة بين طهران وواشنطن في مسقط، إلى تقويض ثقة إيران بالعملية الدبلوماسية بشكل كبير.
ووفق موقع "الدبلوماسية الإيرانية"، فإن "هذا التصعيد العسكري، الذي بدأ بهجوم إسرائيلي في 13 يونيو/ حزيران 2025، وتلاه تدخل أميركي مباشر ضد منشآت نووية إيرانية، يعكس هشاشة وقف إطلاق النار القائم وتعقيدات العودة إلى طاولة المفاوضات".
وفي هذا السياق، استعرض الموقع سيناريوهات التفاوض المستقبلية مع الولايات المتحدة في ظل انعدام الثقة بالرئيس الأميركي دونالد ترامب، ومطالبة طهران بضمانات قوية قبل العودة للمسار الدبلوماسي.
شرط رئيس
وأشار إلى أن "التصريحات الأخيرة لكل من وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، ونائب وزير الخارجية مجيد تخت روانجي، سلطت الضوء على شرط رئيس من وجهة نظر طهران لاستئناف المحادثات مع واشنطن وهو (ضمان عدم تكرار أي عدوان عسكري خلال فترة التفاوض)".
ووفقا للموقع، "فإن هذا الشرط، بما يحمله من دلالات ومضامين، يعكس موقف إيران الراهن الذي يجمع بين استعدادها للانخراط في أي حوار دبلوماسي من جهة، وبين يقظتها التامة واستعدادها الكامل لمواجهة أي تهديد عسكري من جهة أخرى".
وأكد الموقع الفارسي على أن "الهجمات الأميركية المفاجئة أثناء الحرب قوضت ثقة إيران في العملية الدبلوماسية".
وبحسبه، "فقد زادت تصريحات ترامب من حدة التوتر، خصوصا بعد تهديده بتدمير كامل للمنشآت النووية الإيرانية ووعيده بتوجيه ضربات إضافية في حال واصلت طهران أنشطتها الخاصة بتخصيب اليورانيوم".
في المقابل، "شددت طهران على حقها في التخصيب السلمي، وأعلنت بشكل واضح أنها لن تعود إلى طاولة المفاوضات إلا بعد الحصول على ضمانات موثوقة تمنع تكرار أي عدوان عسكري".
وقدر موقع "الدبلوماسية الإيرانية" أن "حالة انعدام الثقة الناتجة عن تجربة الحرب الأخيرة، تمثل نذير شؤم للمستقبل".
وأوضح أن "هذه القناعة بعدم الثقة تعود إلى سجل واشنطن السابق، خصوصا الانسحاب الأحادي من الاتفاق النووي عام 2018، والهجمات الأميركية الأخيرة، حيث عمقت تلك التصرفات الفجوة وزادت من تردد طهران في استئناف الحوار".
في هذا السياق، قالت المتحدثة باسم الحكومة الإيرانية فاطمة مهاجراني: "بحسب ما ذكره وزير الخارجية، لم يحدد أي موعد للمفاوضات، ومن المحتمل ألا يكون ذلك في المستقبل القريب".
وأفادت مهاجراني خلال مؤتمر صحفي أن "طهران لا تزال متوجسة من النوايا الأميركية، رغم أنها لم تغلق باب التفاوض".
وأشارت في الوقت ذاته إلى أن "استمرار المفاوضات منذ الحكومة السابقة لم يكن يعني بالضرورة وجود ثقة متبادلة، لا سيما بعد وقوع الهجوم في منتصف المحادثات".
لكنها أكدت أن "إيران أثبتت خلال العقدين الماضيين تمسكها بالمسار الدبلوماسي".
وأردفت قائلة: "الجمهورية دولة تفاوض ودبلوماسية، كما أثبتت من خلال علاقاتها مع جيرانها ودول المنطقة، وقد نجحت في إنهاء الخلافات مع السعودية ومصر".
سياسة مزدوجة
وشدد الموقع الفارسي على أن "طهران لا تزال متمسكة بخطوطها الحمراء، رغم انفتاحها على الحلول الدبلوماسية".
وفي هذا السياق، وصف عراقجي البرنامج النووي السلمي الإيراني بأنه "مصدر فخر وطني"، مؤكدا أن "القصف لا يمكنه القضاء على المعرفة أو التكنولوجيا النووية، وأن إيران قادرة على تعويض الخسائر وإعادة بناء برنامجها عند الحاجة".
ويعتقد الموقع أن هذا التصريح "يظهر تمسك إيران بالاكتفاء الذاتي النووي، وإصرارها على مقاومة الضغوط الخارجية".
في غضون ذلك، ذكر أن "كلا من عراقجي وروانجي شددا على استعداد إيران الكامل للدفاع ضد أي اعتداء خارجي".
ويرى أن "هذا التوجه يعكس السياسة المزدوجة لطهران وهي (استعداد للحوار مع يقظة عسكرية دائمة)".
وأكد على ذلك تصريح نائب وزير الخارجية للشؤون السياسية: "إيران لا تسعى للحرب، لكنها ستبقى حذرة ومستعدة لتفادي المفاجآت".
في هذا السياق، يرى الموقع أن "التصريحات المتضاربة لترامب، بين الإعراب عن رغبته في استئناف المفاوضات والتهديد بتوجيه ضربات عسكرية إضافية؛ أسهمت في تعميق الشكوك الإيرانية وزادت من صعوبة استعادة الثقة".
ويرى أن هذه التناقضات تعكس إستراتيجية "الضغط الأقصى" التي ينتهجها ترامب لإجبار إيران على القبول بشروط أكثر تشددا.
بالتوازي مع ذلك، تدعم الولايات المتحدة إسرائيل عسكريا، حيث أفاد الموقع بأن واشنطن "أعلنت عن صفقة أسلحة لإسرائيل بقيمة 510 ملايين دولار، تتضمن معدات لتوجيه القنابل من طراز JDAM والمخصصة للقنابل الخارقة للتحصينات".
واستطرد: "وهو ما يعزز قدرة إسرائيل على استهداف المنشآت النووية الواقعة تحت الأرض".
تهديد مباشر
وبحسب الموقع، "تعد هذه الصفقة تهديدا مباشرا لأي مسار تفاوضي جدي، وتزيد من انعدام ثقة طهران في نوايا واشنطن".
وأردف: "هكذا، ورغم استمرار واشنطن في إرسال إشارات عبر وسطاء، لا سيما من دول الخليج العربي مثل قطر، بشأن استئناف المحادثات، فإن غياب الشفافية الأميركية حيال إنهاء الأعمال العدائية العسكرية يُضعف الثقة الإيرانية".
وشدد الموقع على أن "الحرب التي ألحقت أضرارا مادية جسيمة بالبنية التحتية الإيرانية فاقمت فقدان الثقة بإدارة ترامب، إلى حد أنها زعزعت المسارات الدبلوماسية الموازية نفسها".
وتابع: "فقد استهدفت الغارات منشآت مدنية، من بينها مستشفيات وسجن إيفين، ما أسفر عن سقوط عدد كبير من المدنيين، وأثار موجة غضب شعبية دفعت باتجاه التمسك بالبرنامج النووي".
وأوضح أنه "ردا على ما وصفته طهران بـ(تقارير منحازة) من قبل مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي، علقت إيران تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية".
مما يكشف -وفقا للموقع- عن "تصاعد مستوى انعدام الثقة حتى في المؤسسات الدولية، كالأمم المتحدة ومجلس الأمن".
لذلك، يعتقد أن "وقف إطلاق النار الحالي يظل هشا بسبب عدم وجود التزام واضح من الولايات المتحدة وإسرائيل بوقف الهجمات".
وأضاف الموقع: "تزداد هشاشة هذا الهدوء الهش مع تزايد صفقات السلاح الأميركية الموجهة إلى إسرائيل، إلى جانب الخطابات التصعيدية التي يلقيها ترامب، ما يضع مستقبل أي حوار دبلوماسي محتمل على المحك".
اتساع الفجوة
"وفي ظل الغموض السائد والمستقبل غير الواضح، يعد الشرط الإيراني المرتبط بالحصول على ضمانات بعدم وقوع أي اعتداء عسكري أثناء المحادثات، تحديا جوهريا للولايات المتحدة"، وفقا لموقع "الدبلوماسية الإيرانية".
في هذا الصدد، أكد روانجي، في جزء من مقابلته مع "بي بي سي"، أن على واشنطن أن تتعامل مع هذا الملف بـ "شفافية كاملة".
فيما يرى الموقع أنه "من دون الضمانات الأميركية، لا ترى إيران أي مبرر للعودة إلى طاولة المفاوضات، لا سيما بعد التجربة المرة لمحادثات مسقط التي توقفت بفعل هجمات مفاجئة".
علاوة على ذلك، لفت الموقع إلى أن "بند الغروب" في الاتفاق النووي، يعد عاملا آخر يزيد من هشاشة الوضع.
وبند الغروب "Sunset Clause" هو مجموعة من القيود التقنية (مثل الحد الأقصى لنسبة التخصيب وعدد أجهزة الطرد المركزي ومخزون اليورانيوم)، التي تنتهي بشكل تدريجي بعد فترات تتراوح بين 8 و10 و15 عاما من الاتفاق الموقع عام 2015.
وأكمل: "مع اقتراب أكتوبر/ تشرين الأول 2025، وهو الموعد الذي ينتهي فيه العمل ببعض القيود المفروضة على برنامج إيران النووي بموجب الاتفاق، بدأت الضغوط الدولية تتصاعد".
من جانبها، تحذر طهران من احتمال لجوء الدول الأوروبية إلى تفعيل "آلية الزناد" التي من شأنها إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة، ما قد يؤدي إلى تفاقم التوترات بشكل حاد.
في هذا الإطار، انتقد روانجي بشدة مواقف القادة الأوروبيين الذين برروا الهجمات الأميركية والإسرائيلية بدلا من إدانتها، واصفا ذلك بـ "الموقف السخيف".
وعقب الموقع: "هذا النهج الغربي المزدوج في تطبيق المعايير زاد من اتساع فجوة انعدام الثقة بين طهران والدول الغربية".
وفي ظل استمرار هذا المشهد تبرز عدة سيناريوهات مستقبلية لعملية التفاوض بين طهران وواشنطن.
سيناريوهات مستقبلية
ويتمثل السيناريو الأول -بحسب الموقع- في "استمرار الجمود الدبلوماسي، حيث من المرجح أن تمتنع إيران عن خوض مفاوضات جديدة ما لم تحصل على الضمانات الأمنية المطلوبة".
في الوقت ذاته لم يستبعد الموقع أن "يترافق هذا الجمود مع تهديدات عسكرية متزايدة من جانب واشنطن وتل أبيب، لا سيما بعد أن عززت إسرائيل قدراتها العسكرية من خلال صفقات تسليحية حديثة".
أما السيناريو الثاني، وفقا للموقع الفارسي، فهو "تصعيد التوتر".
وأوضح: "فإذا شنت الولايات المتحدة أو إسرائيل هجمات جديدة، سترد إيران برد عسكري مماثل، على غرار العمليات الأخيرة".
ورجح الموقع "الذهاب لهذا السيناريو مع اقتراب موعد انتهاء بنود الاتفاق النووي".
أما السيناريو الثالث، فيتمثل -حسب الموقع- في "الدبلوماسية المشروطة".
وتابع: "حيث يمكن لإيران أن تعود إلى المحادثات غير المباشرة إذا قُدمت ضمانات موثوقة من واشنطن، من بينها تعهد واضح بعدم شن أي هجوم أثناء التفاوض".
واستطرد: "في هذا السياق، تلعب وساطة دول مثل قطر دورا محوريا في تهيئة الأرضية لإحياء الحوار".
"بصورة عامة، يُمكن القول إن مطالبة إيران بالحصول على ضمانات أمنية قبل استئناف المفاوضات مع الولايات المتحدة تُعد ردا منطقيا على تجربة الحرب التي استمرت اثني عشر يوما وعلى خروقات واشنطن المتكررة"، وفقا لرأي الموقع.
وأضاف: "رغم أن طهران لم تُغلق أبواب الدبلوماسية، إلا أن انعدام الثقة العميق بالولايات المتحدة، والدعم الأميركي اللامحدود لإسرائيل، إضافة إلى التصريحات التصعيدية لترامب؛ كلها عوامل تُلقي بظلال ثقيلة على مستقبل الحوار".
وأردف: "وفي حين يظل وقف إطلاق النار الحالي هشا وقابلا للانهيار في أي لحظة، فإن غياب خطوات جادة لبناء الثقة يعزز من احتمالات التصعيد".
ومن وجهة نظر الموقع، فإنه "ينبغي على الولايات المتحدة -لتفادي اندلاع جولة جديدة من المواجهات- أن تظهر شفافية واضحة والتزاما جديا بوقف أعمالها العسكرية".
وحذر من أنه "إذا لم يتحقق ذلك، فإن المنطقة ستكون على أعتاب نزاع جديد".
وختم مؤكدا على دور الوسطاء قائلا: "في هذا السياق، سيكون لدور الوسطاء الإقليميين والضغوط الدولية، لا سيما مع اقتراب موعد تطبيق (بند الغروب) في الاتفاق النووي، أهمية بالغة في تحديد المسار المقبل لهذه الأزمة".