شركات أجنبية تنسحب في ظل نتائج استكشاف مخيبة.. هل يتبخر حلم المغرب النفطي؟

منذ ٧ ساعات

12

طباعة

مشاركة

"هل ما زال بإمكان المغرب أن يحلم بأن يصبح كنزا نفطيا وغازيا؟"، هذا السؤال هو ما طرحته مجلة "جون أفريك" الفرنسية، في ضوء تراجع اهتمام الشركات الكبرى في قطاع النفط والغاز بالمغرب، رغم الآمال التي كانت معلقة على ثرواته الباطنية. 

فرغم الحوافز الجبائية المغرية والاحتياطات النظرية الواعدة، يشهد القطاع انسحابا متتاليا لعدد من الشركات، في ظل نتائج استكشاف مخيبة وتحديات بنيوية. 

ويستعرض التقرير واقع الاستثمارات، ومواقف المكتب الوطني للهيدروكربورات، والعقبات التي تعرقل تحول الطموحات إلى اكتشافات فعلية.

نزوح الشركات النفطية

وفي بداية التقرير، أفادت المجلة بأن "شركات عالمية كبرى مثل ENI وBP وChevron وRepsol وKosmos أبدت في السابق اهتماما واضحا بالاستثمار في باطن الأرض المغربية". 

وتابعت: "إلا أن الواقع اليوم تغير، وأصبح المغرب الذي يعد رائدا عالميا في إنتاج الفوسفات ويسعى لتنويع موارده الاستخراجية، يواجه تحديا في جذب الاستثمارات في قطاع المحروقات".

وأضافت المجلة أن "المغرب، رغم تقديمه لحوافز ضريبية مغرية، لا يزال يشهد انسحابا تدريجيا للشركات النفطية القليلة التي تنشط فيه، وهي غالبا ما تفتقر إلى حضور قوي في السوق العالمي".

وفي المقابل، يواصل المكتب الوطني للهيدروكربورات والمعادن الترويج لما يصفه بفرص واعدة مستندة إلى تركيبة جيولوجية مواتية، تحتوي على العديد من الأحواض الرسوبية الغنية بالموارد. 

ومع ذلك، أشارت المجلة إلى أن "غياب الاستثمارات الكبرى في مجالي التنقيب والحفر، سواء في المناطق البرية أو البحرية، يجعل من هذه الوعود النظرية مجرد آمال لم تتحقق بعد على أرض الواقع".

وفي هذا السياق، قال التقرير: إن "الأشهر الأخيرة شهدت انسحاب ثلاث شركات بريطانية -جميعها متوسطة أو صغيرة الحجم- من مشاريع استكشاف النفط والغاز في المغرب، وهي: Sound Energy، وEnergean، وGenel Energy". 

موضحا أن "شركة Sound Energy أنهت، في ديسمبر/ كانون الأول 2024، عملية بيع فرعها المغربي إلى مجموعة (مناجم) المغربية، مقابل 45.2 مليون دولار، في محاولة للحد من خسائرها وتحسين وضعها المالي". 

لكن هذه الخطوة -حسب المجلة الفرنسية- كانت "دون جدوى"؛ إذ أغلقت الشركة العام 2024 بخسارة صافية بلغت 122 مليون جنيه إسترليني، رغم أن معظم أنشطتها كانت تتركز في المغرب.

أما شركة Energean، التي لم يمضِ سوى عام واحد على دخولها السوق المغربية، فقد قررت في مايو/ أيار 2025 التخلي عن حصصها في المشاريع البحرية لصالح شركة بريطانية أخرى هي Chariot، وذلك بعد نتائج حفر مخيبة للآمال، حسب التقرير. 

وذكر التقرير أن "شركة Energean باتت تركز على منطقة غرب إفريقيا، التي تعدها منطقة ذات إمكانيات نمو كبيرة".

وتابع: "وبالنسبة لشركة Chariot، فقد عززت من وجودها في المملكة بعد استحواذها على تلك الحصص، لكنها أعلنت أنها ستقوم بـ (تكييف خطة تطويرها بناء على الموارد المؤكدة فقط)".

وأردف: "أما شركة Genel Energy، الحاصلة على رخصة استكشاف في الحوض البحري قبالة شاطئ (الكزيرة) جنوب سيدي إفني، فقد أنهت أعمالها الاستكشافية في يونيو/ حزيران 2025، وقررت عدم تمديد نشاطها في المغرب". 

وعلى الرغم من عدم صدور توضيحات رسمية حول أسباب انسحابها، إلا أن مراقبين رجحوا أن المجموعة قررت توجيه استثماراتها إلى مناطق تعد أكثر أفقا وجدوى من حيث العائد الاقتصادي.

إمكانات محدودة

كما أشار التقرير إلى أن "المغرب، رغم عقود من حملات الاستكشاف، لم ينجح بعد في تحقيق أي اكتشاف نفطي أو غازي كبير". 

ونقل عن جان-بيير فافينيك، الخبير في الجغرافيا السياسية، قوله: "منذ أكثر من 30 عاما، نفذت شركات نفطية دولية كبرى حملات استكشافية في المغرب، دون نتائج تُذكر". 

وتابع: "كانت هناك آمال ونجاحات صغيرة هنا وهناك، لكن لا شيء ملموس أو واعد بحق".

في المقابل، دافعت إدارة المكتب الوطني للهيدروكربورات والمعادن عن موقفها، موضحة أن "غياب اكتشافات كبيرة حتى الآن لا يعني أن المغرب يفتقر إلى الجاذبية أو إلى الإمكانات الجيولوجية، بل يعكس بالأحرى ضعف كثافة الحفر مقارنة بالمعايير الدولية". 

وأضافت أن "المغرب يسجل فقط 0.04 بئرا لكل 100 كلم مربع، في حين يبلغ المتوسط العالمي 10 آبار لنفس المساحة، ما يجعل فرص الاكتشاف محدودة إحصائيا".

وسلط التقرير الضوء على حالة شركة Europa Oil & Gas التي تنشط قبالة سواحل أكادير، حيث أعلنت في عام 2022 أنها حددت "كمية كبيرة من الموارد النفطية تفوق مليار برميل قابلة للاستخراج دون مخاطر". 

ومع ذلك، وبعد مرور ثلاث سنوات، لم تثبت هذه التقديرات ميدانيا بأي عملية حفر فعلية، حسب التقرير.

وادعى التقرير أن "تلك التصريحات التي أعلنت بهدف جذب المستثمرين وتأمين التمويل اللازم لأعمال التنقيب، أعادت إلى الأذهان ما حدث في قضية (تالسينت) مطلع الألفية". 

حيث أعلنت شركة Lone Star Energy، عن طريق الخطأ، اكتشاف حقل نفطي ضخم يحتوي على مليارات البراميل، ليتضح لاحقا أن الأمر كان مبالغا فيه ولا أساس له من الصحة.

الطريق لا يزال طويلا

وحسب ما ذكره فيليب سيبيل-لوبيز، مدير مركز "جيوبوليا" للدراسات، فإن  "المغرب، رغم استقراره السياسي وانفتاحه الاقتصادي، لا يزال يُعد (أرضا شبه بكر) من حيث إنتاج النفط والغاز".

مضيفا أن "الشركات العاملة في القطاع تستفيد من حوافز ضريبية كبيرة، من بينها الإعفاء الكامل من الضرائب لمدة عشر سنوات، والإعفاء من الرسوم الجمركية على المعدات، إضافة إلى تحديد مساهمة الدولة بنسبة لا تتجاوز 25 بالمئة". 

ومع ذلك، يرى التقرير أن "هذه الحوافز لم تعد كافية لجعل المغرب وجهة جاذبة بجدية في مجال (الذهب الأسود)".

ولمعالجة هذا الخلل، قال التقرير إن "المكتب الوطني للهيدروكربورات والمعادن شرع في اتخاذ سلسلة من الإجراءات. فقد بدأ بتحديث نظام المعلومات الجغرافية الخاص بالنفط، والذي من المفترض أن يدمج كل البيانات المتعلقة بالموارد البترولية في المملكة". 

وأضاف: "كما أعلن المكتب عن تقييم شامل لإمكانات الاستكشاف في البر والبحر، بميزانية بلغت 2.5 مليون درهم، تهدف إلى تحفيز عمليات البحث والتنقيب".

ونقل التقرير عن المكتب تأكيده أن "إمكانات باطن الأرض المغربية حقيقية، والجهود قائمة، ولدينا طموح واضح لتحقيق نتائج ملموسة خلال السنوات المقبلة، بفضل إستراتيجية استكشاف منظمة وصبورة ودقيقة، وبالشراكة مع جهات موثوقة". 

وذكر التقرير أن "هدف المكتب في المرحلة المقبلة هو رفع عدد عمليات الحفر، بعد المعدل المتواضع عام 2024، الذي لم يشهد سوى أربع عمليات فقط، ثلاث منها في اليابسة وواحدة في البحر، باستثمارات إجمالية بلغت 1.05 مليار درهم". 

وهي حصيلة عدها التقرير "ضعيفة"، مقارنة بعدد التراخيص الممنوحة في نفس العام، حيث أُصدرت 19 رخصة استكشاف برية، و34 رخصة بحرية، و3 تصاريح للاستطلاع، و10 امتيازات استغلال.

وفي ختام التقرير، أشار سيبيل-لوبيز إلى أن "أي اكتشاف كبير للنفط أو الغاز في المغرب لن يكون خاليا من التحديات"، موضحا أن "البنية التحتية اللازمة لمعالجة أو تصدير الإنتاج غير موجودة حتى الآن، وكل شيء لا يزال في طور التأسيس".

الكلمات المفتاحية