عقب انسحاب الصدر والكاظمي والعبادي.. ما مصير انتخابات العراق؟

"مقاطعون.. فمن شاء فليقاطع، ومن شاء فليتخذ شهوة السلطة سبيلا"
على بعد خمسة أشهر من إجراء الانتخابات البرلمانية في العراق، قررت قوى سياسية شيعية بارزة الانسحاب من السباق الانتخابي المقرر في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2025، الأمر الذي دفع أطرافا قريبة من إيران إلى مهاجمة بعض المنسحبين حتى شتمهم بسبب شروطهم.
توالي الانسحابات، أثار تساؤلات ملحة عن أسباب إعلان هذه القوى مقاطعتها للانتخابات ومدى تأثيرها، في وقت يشدد فيه البعض على أهمية المشاركة فيها، كونها الأولى بعد متغيرات شهدتها المنطقة، لا سيما تراجع المحور الإيراني، والذي يحسب عليه العراق.

أبرز المنسحبين
في ظل التكهنات الكثيرة عن عودة محتملة للتيار الصدري إلى العمل السياسي والمشاركة في هذه الانتخابات، جدد زعيم التيار رجل الدين الشيعي، مقتدى الصدر تأكيده على مقاطعته للعملية الانتخابية، مشترطا تسليم "السلاح المنفلت" و"حلّ المليشيات" مقابل مشاركته.
في بيان حمل توقيع "المقاطع مقتدى الصدر"، أصدره في 4 يوليو/ تموز 2025، قال زعيم التيار الصدر: "مقاطعون.. فمن شاء فليقاطع، ومن شاء فليتخذ شهوة السلطة سبيلا".
وأضاف: "لن يُقام الحق، ولن يُدفع الباطل، إلا بتسليم السلاح المنفلت إلى يد الدولة، وحلّ المليشيات، وتقوية الجيش والشرطة، وضمان استقلال العراق وعدم تبعيته، والسعي الجاد نحو الإصلاح ومحاسبة الفاسدين، وما خفي أعظم".
يأتي ذلك، بعد يوم من تقرير نشرته شبكة "رووداو" العراقية كشف عن "وجود قناة تواصل غير مباشرة بين قيادة التيار الصدري وقوى الإطار التنسيقي الشيعي (الحاكم)، تبحث إمكانية عودة التيار إلى الحياة السياسية، وتحديدا عبر المشاركة في الانتخابات المقبلة".
وبعد انتخابات 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، أمر الصدر كتلة التيار الصدري في البرلمان (73) بالاستقالة، والانسحاب من العملية السياسية في البلاد وعدم المشاركة في أي انتخابات مقبلة حتى لا يشترك مع الساسة "الفاسدين"، بعد عدم تمكنه من تشكيل حكومة أغلبية سياسية.
وفي تطور جديد، أعلن ائتلاف "النصر" بزعامة رئيس الوزراء العراقي الأسبق حيدر العبادي انسحابه من الانتخابات البرلمانية المقبلة، احتجاجا على ما وصفه دور "المال السياسي"، وغياب الضوابط المانعة لتوظيفه في هذه العملية الديمقراطية.
وأصدر “النصر” بيانا في 29 يونيو، أعلن فيه أنه "يرفض إشراك مرشحيه بانتخابات تقوم على المال السياسي، وتفتقد إلى الحزم بفرض الضوابط القانونية المانعة من التلاعب وشراء الأصوات، وتوظيف المال العام والمال الأجنبي، واستغلال موارد الدولة".
وقبل ذلك، أعلن رئيس الوزراء العراقي السابق، مصطفى الكاظمي، عدم المشاركة في الانتخابات البرلمانية المقبلة، مؤكدا أن قراره "نابع من قناعته بغياب الحد الأدنى من شروط التنافس السياسي السليم".
وأضاف الكاظمي خلال مقابلة تلفزيونية مطلع يونيو 2025، أن "العملية الانتخابية المرتقبة تفتقر إلى العدالة والنزاهة، وتخلو من المشاريع السياسية الحقيقية، في وقت تهيمن فيه الأموال السياسية والنفوذ المالي على المشهد الانتخابي".
وفي السياق ذاته، جدد السياسي العراقي، زعيم حركة "وعي" صلاح العرباوي، عبر "إكس" في 29 يونيو، إعلانه مقاطعته للانتخابات المقبلة، وذلك استمرارا لقراره السابق الذي اتخذه قبل عامين ونصف العام، مؤكدا أنه هو أول من رفع شعار (مقاطعون للانتخابات) في حينها.

هجوم لاذع
اشتراطات المنسحبين بتسليم السلاح وحلّ المليشيات المسلحة وإبعاد المال السياسي والفساد مقابل المشاركة في الانتخابات البرلمانية المقبلة، قابلتها جهات قريبة من إيران من الإطار التنسيقي الشيعي بهجوم لاذع، وصل إلى حد تشبيهه بـ"العاهر الذي يتحدث عن العفة والشرف".
وقال المسؤول الأمني لمليشيا "كتائب حزب الله"، أبو علي العسكري، عبر بيان له في 5 يوليو، إن سلاحهم لن يتم تسليمه، واصفا المطالبين بسحب السلاح من الفصائل بأنهم "متخاذلون"، وذلك بعد ساعات من بيان الصدر.
وشدد العسكري على أن "سلاح المقاومة لا يُسلم إلا بيد الإمام المهدي (الإمام الثاني عشر الغائب لدى الشيعية)"، مضيفا: "هناك متخاذلون ينساقون إلى صيحات الإجرام الصهيوأميركي، للتخلي عن سلاح المقاومة في المنطقة".
وعقب تدوينة العسكري، نشر الأمين العام لـ"كتائب سيد الشهداء" أبو آلاء الولائي وعضو الإطار التنسيقي، تدوينة مماثلة على منصة "إكس" يقول فيها: إن "إلقاء السلاح في مواقف الكرامة لن ينتج عنه، فيما بعد، إلا الذل والهوان والحسرة والندم".
وعلى الصعيد ذاته، حددت عالية نصيف البرلمانية العراقية القريبة من رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، شرطا واحدا لعدم إجراء الانتخابات المقبلة وهو "نشوب حرب عالمية"، مهاجمة المنسحبين من السباق الانتخابي، ووصفتهم بـ"المفلسين".
وقالت نصيف خلال مقابلة تلفزيونية في 30 يونيو، إن "الانتخابات النيابية ستجرى في موعدها المحدد في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2025، ولن يؤجلها سوى الحرب العالمية".
وأضافت: "المفلسون انتخابيا انسحبوا من السباق الانتخابي، والحجة دائما هو الفساد والمال السياسي"، مبينة أن "الجمهور العراقي معقد ويحتاج الكثير من الجهد والإنفاق، وأن قناعة المواطنين بالمشاركة في الانتخابات ازدادت".
من جانبه، دعا حليف العبادي السابق، عمار الحكيم، خلال احتفالية وسط بغداد في 27 يونيو، إلى مشاركة واسعة في الانتخابات، محذّرا في الوقت نفسه من "العودة إلى حكم الدكتاتورية".
وقال الحكيم، في أول استعراض لشعبيته قبل الانتخابات بمناسبة حلول شهر محرم، إن "تزامن هذه الانتخابات مع الأحداث الجارية في المنطقة (…) يتطلب منا أن نستثمر هذا الظرف الوطني الدقيق للتعبير عن حرصنا على مستقبل أجيالنا وسيادة الدولة من خلال المشاركة الواسعة".
وأضاف: “صناديق الاقتراع هي سلاحكم في البناء والإعمار، ولو تمت إدارة العراق من دون انتخابات نزيهة وشفافة، فكيف سيكون الحال؟ ما هو البديل عن ذلك سوى إعادة حكم الدكتاتورية؟”
وفي مطلع يونيو/ حزيران 2025، حذر "الإطار التنسيقي" رسميا، في اجتماع عقده التحالف بحضور رئيس الحكومة محمد السوداني، من استخدام "المال السياسي" في الانتخابات.

انعكاس للتغييرات
وبخصوص أسباب الانسحابات المتكررة من قوى شيعية، قال الباحث في الشأن السياسي العراقي، لطيف المهداوي: إن "المرحلة المقبلة عراقيا ستشهد تغيرا لصالح الولايات المتحدة الأميركية، ولكن ليس مئة بالمئة، وربما يكون 40 بالمئة بعدما كانت إيران هي المهيمنة".
وأكد المهداوي لـ"الاستقلال" أن "القوى الشيعية تشهد صراعات مستمرة بخصوص الهيمنة على السلطة، وأن الانسحابات اليوم هي بسبب امتلاك البعض السلاح والمال، وهذا يجعلهم يتصدرون النتائج، فيما يكون سببا لإبعاد آخرين من الفوز، بالتالي تكون الكفة غير متساوية في المنافسة".
ولفت إلى أن "المنسحبين هم أبعد عن إيران أقرب إلى الولايات المتحدة والغرب، باستثناء الصدر الذي يُصنف على أنه بعيد من الجانب الإيراني، لكنه قريب بشكل غير مباشر- خلافا للآخرين- من الجانب الأميركي والغربي بشكل عام، خصوصا أن عضو التيار وابن عم زعيمه، جعفر الصدر هو سفير العراق الحالي في بريطانيا".
وأكد الباحث أن "هذه الانتخابات سيتراجع فيها التأثير الإيراني جراء الضربات التي تلقاها محوره في المنطقة، لكنه سيبقى موجودا وبأكثر من صورة، ولكن سيتراجع عسكريا ولكن ثقافيا واقتصاديا سيبقى على الأرض".
بعد أحداث السابع من أكتوبر 2023، والضربات الإسرائيلية التي استهدفت إيران في 13 يونيو 2025 واستمرت 12 يوما، وأودت بحياة العشرات من قادتها العسكريين وعلمائها النوويين، تعرض النفوذ الإيراني في منطقة الشرق الأوسط إلى تراجع كبير خصوصا في سوريا ولبنان.
وفي السياق ذاته، أعرب الباحث والأكاديمي العراقي، محمد نعناع، أن مفاجأة العبادي تُظهر وجود فريقين داخل "الإطار التنسيقي": فريق قرر مواجهة "المال السياسي" المهيمن على الانتخابات، والثاني تراجع.
ونقلت صحيفة "المدى" العراقية عن نعناع في 29 يونيو، قوله: إن عدم اشتراك حيدر العبادي فيه إشارات سلبية على العملية السياسية، وتعني أن "الكثير ممن يشتركون في الانتخابات غير مقتنعين بمنظومة الانتخابات".
ورأى الخبير العراقي أن مقاطعة العبادي "دلالة واضحة على أن الإطار منقسم؛ بين طرف واجه ويواجه المال السياسي، وهو نوري المالكي، زعيم دولة القانون، وطرف لا يستطيع أن يواجه أطراف المال السياسي فأعلن عدم المشاركة، مثل العبادي".
وبحسب المالكي، خلال مقابلة تلفزيونية في 28 مايو 2025، فإن الانتخابات البرلمانية المقبلة "انتخابات محكومة بالأموال، والتنافس فيها سيكون ماليا"، مضيفا: "كل العمليات الانتخابية السابقة لم نشهد فيها هذا البذخ في تمويل المرشحين".
وفي الوقت الذي أكد فيه عدم علمه بالتحديد حجم الأموال التي تنفق في الانتخابات البرلمانية، لكن المالكي ذكر أن "هناك من يُقدّر المبلغ بـ3 تريليونات دينار (الدولار الأميركي الواحد يعادل 1400 دينار عراقي)".
وعلى الوتيرة ذاتها، أكد الكاتب العراقي، أحمد فاتح محمد، أنّ "الحرب التي دارت رحاها بين إسرائيل وإيران، لا يمكن فصل آثارها عن النطاق الجيوسياسي العراقي ولا عن واقعه الداخلي المتشابك".
وأضاف فاتح خلال مقال نشرته صحيفة "العالم الجديد" العراقية في 5 يوليو، أن "إيران، بحكم موقعها الإقليمي وعقيدتها الدينية-السياسية، تملك تأثيرا مباشرا ونافذا في المشهد العراقي، إلى الحدّ الذي يجعل من تدخلها في مفاصل الحياة السياسية مسألة ماثلة لا جدال فيها وتحصيل حاصل لا يُبقي للاستغراب معنى".
وعن تأثير انسحاب الصدر، رأى فاتح أن "عدم مشاركة التيار الصدري في الانتخابات من شأنه أن يخل بمبدأ التوازن داخل البيت الشيعي ويفتح الباب أمام قوى أخرى، وعلى رأسها ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي، لتعزيز نفوذها وتوسيع حضورها في المؤسسة التشريعية ما قد يغيّر ملامح التوازنات السياسية التقليدية".
أما بخصوص العبادي، قال: إن "ابتعاده عن المشاركة يُعزز الانطباع بأن النظام السياسي الحالي لم يعد بيئة صالحة لبناء مشروع إصلاحي أو استعادة الثقة الشعبية؛ كما أن هذا الانسحاب يوجّه ضربة مباشرة لما تبقى من خط الاعتدال والوسطية داخل المكون الأكبر".
وبحسب الكاتب العراقي، فإن "انسحاب العبادي لا يخلو من رغبة دفينة لدى شخص الأخير بالعودة إلى الواجهة، لكن هذه المرة عبر بوابة ما يُسمى بـ (مرشح التسوية) كاسم وسطي يُطرح لرئاسة الحكومة المقبلة".
المصادر
- بعد الصدر... العبادي ينسحب من الانتخابات العراقية المقبلة
- سبب واحد يؤجل الانتخابات.. عالية نصيف تهاجم قوى سياسية: مفلسون انسحبوا من السباق
- الانتخابات العراقية بين الصراع الإقليمي والسيادة الوطنية
- الصدر يُجدد مقاطعته للانتخابات ويطالب بتسليم السلاح "المنفلت" وحل "الميليشيات"
- كتائب حزب الله العراقية رداً على مقتدى الصدر: لن نسلّم السلاح
- الكاظمي يقاطع الانتخابات المقبلة: لا أريد أن أكون شاهد زور
- "المال السياسي" يُقسّم "الإطار": العبادي يُقاطع اقتراع 2025
- عمار الحكيم يدعو إلى مشاركة واسعة في الانتخابات ويحذّر من "عودة الدكتاتورية"
- المالكي يهاجم البرلمان ومصدوم بكمية الأموال: سعر المقعد مليون دولار!