عبر هجوم الحبتور.. أي رسائل أرادت الإمارات إيصالها إلى نظام السيسي؟

"تأتي رسالة الإمارات كنوع من الضغوط على مصر، في سياق الخلافات بشأن ملفي ليبيا والسودان"
كانت مفارقة غير متوقعة أن يُكذب مجلس الوزراء المصري، رجل الأعمال الإماراتي خلف الحبتور، بشأن ما ذكره حول زيادة رئيس الحكومة مصطفي مدبولي سعر أرضٍ كان ينوي شراءها بالساحل الشمالي من 10 ملايين دولار إلى 30 مليوناً.
ثم يتراجع الحبتور عما قاله، بعد تكذيب مجلس الوزراء له، ويشيد بالحكومة المصرية وشفافيتها، وسط أزمة ثقة واضحة، حاول الطرفان التغطية عليها.
حضور أزمة "الحبتور" مع الحكومة المصرية، بالتزامن مع تصريحه أنه سبق أن نصح رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي عدة مرات ألا يقترض من الخارج، كي لا تُكبله المؤسسات الدولية، ما يشير لرفض السيسي نصائحه.
ومواكبتها لحالة فتور في العلاقات بين القاهرة وأبو ظبي، على خلفية خلافات في ملفات السودان وليبيا، أثار تساؤلات حول ما يدور في الخلفية.
ورغم التسهيلات التي يحظى بها رجال الأعمال الإماراتيون، لم ينفذ الحبتور أيًا من وعوده بالاستثمار في مصر منذ عام 2015، رغم أن السيسي استقبله عدة مرات شخصيًا، بحسب رصد "الاستقلال".
ومنذ أول لقاء له بالسيسي عام 2015، أعربت مجموعة الحبتور، ومقرها دبي، عن اهتمامها بتطوير مشاريع كبرى في مصر، بيد أنه لم يدخل في أي مشروع استثماري جدي في مصر حتى الآن.
وبعد كل مرة كان يتحدث فيها عن مشاريع ضخمة ستنقل مصر نقلة نوعية، كانت تمر هذه التصريحات دون أن يستثمر دولارا واحدا.
وعلى العكس افتتح مركزا مشبوها للأبحاث بطابع سياسي وأمني، ما أثار تساؤلات حول أهداف المركز، ولماذا ينشئ رجل أعمال مركز أبحاث لا مراكز استثمارية مالية، خاصة أنه أحد أبواق التطبيع؟
ويُعرف الحبتور بأنه ملك الخمور وداعية التطبيع وذراع رئيس الإمارات محمد بن زايد في إسرائيل، ويلعب دورا مشبوها لصالح دعم الكيان والتطبيع.
وسبق أن سعى أيضا للحديث عن الاستثمار في لبنان، ولكن بدلا من ذلك أنشأ قناة فضائية في لبنان مطلع مايو/ أيار 2024 بحجة "نشر السعادة والترفيه"، ثم تبين أنها للتطبيع.
وقد عرقلها حزب الله، فتخلى الحبتور عن الفكرة، واتهم حكومة بيروت بأنها لا ترحب بالمستثمرين، وسحب بعض استثماراته هناك.
لماذا انقلبوا عليه؟
رغم أن أزمة الحبتور الإماراتي مع نظام السيسي، كشفت من يملك الثروة في مصر، واحتمالات وجود عمليات "سمسرة" تجرى في صفقات بيع الأراضي، فقد أظهرت وجود روائح خلافات سياسية بين النظامين.
بدأت الأزمة حين زعم الحبتور، في حوار مع شبكة "سي إن إن" الاقتصادية، في 7 يوليو/تموز 2025، أن حكومة مصر رفعت سعر قطعة أرض في منطقة الساحل الشمالي كان ينوي شراءها لثلاثة أضعاف.
قال: إن السعر المبدئي المُقترح كان 10 ملايين دولار، لكن تم رفع السعر إلى 30 مليون دولار، بعد تدخل رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي.
وبعد 3 أيام من تصريحه ردت الحكومة المصرية، يوم 10 يوليو، نافية ما قاله وأكدت أنها "لم تتلق أي طلبات من رجل الأعمال الإماراتي للحصول على أي أراض في تلك المنطقة"، فكيف تدخل "مدبولي" لرفع السعر عليه؟!
وفي نفس اليوم، تراجع الحبتور، وأشاد ببيان الحكومة، وحاول الإيحاء أن قصة رفع سعر الأرض نُقلت إليه بالخطأ، وأشاد بمصر ووصفها بأنها "دولة مؤسسات تحرص على الشفافية وتوفير بيئة استثمارية عادلة".
حديث الحبتور، وهو يشكو مصر في صفقة عقارية، كان من الواضح أن له بُعد سياسي واضح، أي خلفيات قديمة، وربما رسائل سياسية من أبو ظبي تشير لخلافات مع القاهرة.
ففي حواره مع "سي إن إن"، وجه الحبتور انتقادات ضمنية للسيسي، حين قال إنه نصحه بشكل مباشر: "لا تقترضوا من صندوق النقد، القروض تستعبدكم".
وتحدث عن أراضٍ مملوكة للجيش والحكومة يمكن بيعها بالمليارات، وهي من الأمور المحرم النقاش حولها.
وأضاف: “عرضت عليه بيع أراضٍ خالية تابعة للحكومة في منطقة صلاح سالم، وأخرى تابعة للجيش (الكلية الحربية)، في القاهرة بمئات المليارات من الدولارات، لكن القرار كان بيد الرئيس والحكومة المصرية”.
ويري محللون مصريون أن هذه الرواية عن القروض تتوافق مع حملة خليجية تشارك فيها السعودية أيضا ضد السيسي، تتهمه بالاستمرار في الاقتراض وطلب المال دون استثمارها في مشاريع مفيدة، ما يزيد الفقر وعدم الاستقرار في مصر وقد يؤثر على الخليج.
ويشيرون إلى أن تصريحات الحبتور بشأن نصيحته للسيسي بعدم التوسع في الاقتراض من الخارج، ربما هي السبب في الغضب المصري عليه، بتقدير ما قاله "رسالة إماراتية"، ضمن حملة خليجية تتخوف من تأثير عدم الاستقرار في مصر عليهم.
وارتفع الدين الخارجي لمصر 1.6 مليار دولار خلال الربع الأول من العام الحالي 2025، ليسجل 156.7 مليار دولار مقابل 155.1 مليار دولار بنهاية 2024، بحسب بيانات وزارة التخطيط المصرية.
ويوم 7 يوليو 2025، كشف البنك المركزي المصري أن التزامات مصر الخارجية الواجب سدادها خلال عام يبدأ من مايو 2025، تبلغ 40.7 مليار دولار.
وتشمل 37.3 مليار دولار قروضا ونحو 1.9 مليار دولار مدفوعات متعلقة باتفاقية بيع مع التزام بإعادة الشراء، بخلاف 1.3 مليار دولار، المراكز المكشوفة في العقود الآجلة والمستقبلية بالعملات الأجنبية مقابل الجنيه المصري.

أيضا تأتي رسالة الإمارات كنوع من الضغوط على مصر، في سياق الخلافات بشأن ملفي ليبيا والسودان.
وتتهم مصر الإمارات بأنها وراء دعم هجمات قوات الدعم السريع بقيادة عبد الرحيم دقلو (حميدتي) على المثلث الحدودي بين مصر والسودان وليبيا، وأنها أوعزت لخليفة حفتر قائد شرق ليبيا، الموالي لها، بإسناد قوات حميدتي بالقوات والسلاح.
وسبق أن حذرت مصر مليشيا الدعم من إرسال مدرعات مصفحة وطائرات مسيرة حديثة لمنطقة المثلث الحدودية، وترددت أنباء عن قصف مصري سوداني مشترك لمليشيا حميدتي المدعومة من مرتزقة حفتر في "المثلث".
وأكدت مصادر دبلوماسية مصرية لـ "الاستقلال" أن الملف الأساسي الذي من أجله استدعى السيسي حفتر إلى لقائه يوم 30 يونيو/حزيران 2025، هو أزمة المثلث الحدودي.
أوضحت أن السيسي طالب حفتر بوضوح بعدم دعم ميليشيا حميدتي بالسلاح أو المرتزقة بعدما كشفت الخرطوم دخول قوات حميدتي المرتزقة للمثلث الحدودي والسيطرة عليه بدعم قوات حفتر قبل أن تنسحب بعد تهديدات مصرية.
وتصاعدت هجمات خليجيين عبر مواقع التواصل على السيسي في الآونة الأخيرة، وظهرت معالم تدهور في العلاقة بين السيسي ومحمد بن سلمان من جهة وبينه وبين حاكم الإمارات محمد بن زايد على خلفية دعم الأخير للمتمرد السوداني حميدتي بما يضر بمصر.
وأشار محللون أن هذه إشارات تصل حد التهديد للسيسي من عدة أطراف بينها واشنطن أنه بات عبئا على مصر والمنطقة ويجب التخلص منه، قبل أن تشتعل ثورة غضب في مصر تضر مصالح أنظمة الخليج والغرب وإسرائيل.
وردت أجهزة أمن وإعلاميي السيسي على ذلك بالحديث عن “مؤامرة” تُحاك ضد السيسي والدولة المصرية، مثلما ردد الصحفي والبرلماني الموالي للسلطة مصطفي بكري.
مركز الحبتور للأبحاث
رغم أنه رجل أعمال ومجاله هو العقارات والسيارات، ولم يُشيد أي مشروع في مصر، فقد أسس "مركز الحبتور للأبحاث"، لإصدار تقديرات إستراتيجية ودوريات، وهي مجالات لا علاقة لها بطبيعة مشاريعه.
وزاد الغموض أن المركز لم يعلن الهدف منه واكتفي – في تعريف نفسه- بذكر مناقب الحبتور الاقتصادية ومشاريعه في العالم من فنادق وعقارات وتوكيلات سيارات، وبيزنس.
ولا تُقدم أبحاث المركز جديدا في الظاهر، حيث تركز على مستقبل النووي الإيراني وأحدث أميركا وأوروبا، ولا تتطرق للموضوعات والصراعات الساخنة الأخرى التي تتورط فيها الإمارات خصوصا مثل السودان أو مصر أو ليبيا.
وقد أثيرت علامات استفهام حول المركز والهدف منه، حيث يضم في تشكيلة مجلس الأمناء اثنين من أعداء ثورة يناير 2011، وهما الدكتور مصطفى الفقي، والإعلامي عبد اللطيف المناوي، وقد أشيع أن الحبتور أوكل دورا مهما بالمركز للصحفي إبراهيم عيسى، بيد أنه لم يتم تأكيد ذلك.
وعقب الحملة على الحبتور، أصدر السياسي المصري، الدكتور مصطفى الفقي، أحد أعضاء مجلس أمناء المركز، تصريحا يؤكد فيه أنه لا يمارس أي نشاط لمؤسسة الحبتور، وأن علاقته بها تقتصر على حضور احتفال سنوي عام بمشاركة مجموعة كبيرة من المثقفين والمسؤولين والإعلاميين.
ويضم مجلس الأمناء، أيضا، اللبناني أحمد دلال، رئيس الجامعة الأميركية بالقاهرة، الذي سمح للأمن بقمع المظاهرات الطلابية بالجامعة ضد العدوان الإسرائيلي على غزة.
"وترك الأمن يتعامل مع الطلبة والأساتذة واختيار عمداء الكليات ورؤساء الأقسام شأن باقي جامعات مصر"، وتخلى عن دعمه السابق لـ "المقاطعة"، بعدما رضي بالعمل في مركز يديره مؤيد لإسرائيل، بحسب الإعلامي حافظ المرازي.
وقد تساءل باحثون مصريون عن سر تأسيس الحبتور مركزاً للأبحاث السياسية والاقتصادية والاجتماعية في مصر وطلب شركته توظيف باحثين مصريين لخدمة أهداف المركز، بينما هو مقاول عقاري؟!
وتساءل السفير المصري السابق محمد مرسي: "ما الهدف الحقيقي لهذا المركز؟ وما الفائدة التي ستعود علينا من إنشائه خاصة وأن لدينا العشرات والمئات من المراكز المشابهة لهذا المركز؟".
"ولمن ستوجه المعلومات التي سيتم تجميعها عن مصر بكل أريحية وبشكل رسمي؟ وكيف ستستخدم؟".
أيضا تساءلت الصحفية المصرية "منال أحمد" عن سر تأسيس رجل أعمال، أساس استثماراته وأعماله هو العقارات، مركز للدراسات السياسية والأمنية في عاصمة دولة أخرى، بدلًا من تأسيسه في وطنه؟
قالت: “على أي أساس يتعامل معه صحفيون وباحثون مصريون؟، وما هي طبيعة الأبحاث التي يصدرونها، ولمن تذهب؟”
ونبهت لسبق منع بريطانيا شراء الإمارات صحيفة "تليغراف" أو زيادة حصتها في شركة فودافون البريطانية، واعتبار البريطانيين ذلك تهديدًا للأمن القومي، بينما مصر سمحت للحبتور بمركز أبحاث إماراتي أمني سياسي غير معروف الغرض منه.
أيضا تساءل الناشط المصري سامح أبو عرايس، عما يفعله الحبتور في مصر، مثيرا الشبهات حوله.
حيث وصفه بأنه "شخصية مريبة جدا"، و"يفتتح مكتب لشركته في تل أبيب"، و"إنشاء مركز أبحاث سياسية واجتماعية في مصر"، ويحاول الاستحواذ على أرض الكلية الحربية"، ووجه له سؤالا: “أنت واجهة لمن؟!”
وخلال افتتاحه بالقاهرة، قال الحبتور، أنه "سيكون نواة لدعم كل الشباب العربي والحكومات ومتخذي القرار عبر الاستفادة من الأبحاث والدراسات التي يقدمها المركز، وكذلك فتح الفرصة لتدريب وتأهيل جيل جديد من الباحثين".
وذكر بيان للمركز أنه "يهدف إلى دعم صانعي القرار، ورفع الوعي، وتعزيز الحوار العام المفتوح بشأن القضايا الشرق الأوسطية والعالمية على حد سواء".