"شروط تعجيزية".. لماذا تعرقل "قسد" مسار الاندماج الكامل مع سوريا الجديدة؟

مصعب المجبل | منذ ٩ ساعات

12

طباعة

مشاركة

تواصل قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، تعنتها في مسألة الانخراط في الدولة السورية الجديدة، وتسليم مناطقها لدمشق، في مراهنة واضحة على "المشاريع الانفصالية".

فقد كشفت جولة جديدة من المفاوضات بين الحكومة السورية الجديدة و "قسد" برعاية أميركية في العاصمة دمشق، في 9 يوليو/ تموز 2025 عدم جدية "قسد" بتطبيق الاتفاق الذي وقعه الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع وقائد "قسد" مظلوم عبدي، في 11 مارس/آذار من نفس العام.

ويقضي الاتفاق بدمج كافة المؤسسات المدنية والعسكرية التابعة للإدارة الذاتية الكردية في إطار الدولة السورية "بما فيها المعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز".

مباحثات "قسد" ودمشق

وأفادت وكالة "هاور" المقربة من "الإدارة الذاتية" الكردية، بأن جولة جديدة من المفاوضات في دمشق عقدت، بين الحكومة السورية وممثلين عن "قسد".

وحضر من جانب الحكومة السورية وزير الخارجية، أسعد الشيباني، وزير الداخلية أنس خطاب، وزير الدفاع مرهف أبو قصرة ورئيس جهاز الاستخبارات حسين سلامة.

بينما حضر من جانب "الإدارة الذاتية" و"قسد" قائد القوات، مظلوم عبدي، وعضوي الرئاسة المشتركة للوفد المفاوض، فوزة يوسف وعبد حامد المهباش، إلى جانب رئيسة دائرة العلاقات الخارجية في “الإدارة” إلهام أحمد.

وبحسب مصدر لوكالة "هاور"، لم تسمه، ناقش المجتمعون آليات تطبيق بنود الاتفاق الذي تم توقيعه بين الشرع وعبدي، والعمل على إزالة العقبات والتحديات التي تواجه تطبيق الاتفاق.

المجتمعون ناقشوا ملف المعابر الحدودية، وكيفية دمج المؤسسات في شمال شرقي سوريا مع المؤسسات الحكومية، متطرفين إلى التنسيق الأمني والعسكري بين الطرفين.

وقالت وسائل إعلام مقربة من "قسد": إن الاجتماع بدأ بمشاركة المبعوث الأميركي إلى سوريا، توماس باراك، وممثلين عن الحكومة الفرنسية.

إلا أن باراك، أشار عقب اللقاء، إلى استمرار الخلافات بين الطرفين، لا سيما بشأن مستقبل "قسد" داخل هيكلية الجيش السوري.

وشدد باراك بالقول، إن هناك طريقا واحدا أمام قوات سوريا الديمقراطية وهو الطريق إلى دمشق، موضحا أن "الفيدرالية لا تعمل في سوريا".

وأضاف باراك، لوكالة "روداو"، أن الحكومة السورية أبدت حماسا بشكل لا يُصدق لضم "قسد" إلى مؤسساتها ضمن مبدأ دولة واحدة، أمة واحدة، جيش واحد، حكومة واحدة.

كما لفت المبعوث الأميركي إلى أن "قسد" بطيئة في الاستجابة والتفاوض والمضي قدما في هذا المسار.

وقد ذكرت مصدر لـ تلفزيون سوريا، في 10 يوليو 2025 أنّ الحكومة السورية رفضت مقترحات "قسد" خلال اجتماع بدمشق وحذرت من الالتفاف على اتفاق مارس 2025.

وبحسب المصادر ذاتها، فإنّ وفد "قسد" أصرّ على الحفاظ على هيكليته العسكرية الخاصة، وكذلك الانضمام إلى الجيش السوري كقوة مستقلة تحت اسم قوات سوريا الديمقراطية.

كما طالبت "الإدارة الذاتية بتكريس نظام حكم لا مركزي يمنحها سلطات إدارية وأمنية واسعة في شمال شرقي سوريا".

إلا أنَّ الحكومة السورية شددت على أن شمال شرقي سوريا “يجب أن يخضع إداريا وأمنيا للسلطة المركزية في دمشق”. وفق المصادر.

وطالبت الحكومة السورية وفد "قسد" بالتوقف عن المماطلة والالتزام الجاد بتنفيذ بنود اتفاق مارس 2025.

"شروط تعجيزية"

وحذَّرت الحكومة السورية من تداعيات خطيرة لاستمرار تضييع الوقت ومحاولات الالتفاف على الاتفاق"، بينما طلب وفد "قسد" "تمديد الفترة الزمنية المحددة مسبقا لتنفيذ اتفاق مارس 2025".

وفي بيان رسمي شددت الحكومة السورية على أن "الجيش السوري يُعدّ المؤسسة الوطنية الجامعة لكل أبناء الوطن"، مرحّبة بانضمام المقاتلين السوريين من "قسد" إلى صفوفه ضمن الأطر الدستورية والقانونية المعتمدة.

وأكَّد البيان الذي نقلته وكالة الأنباء السورية "سانا"، في 9 يوليو 2025 أن الدولة السورية ترفض "رفضا قاطعا أي شكل من أشكال التقسيم أو الفدرلة التي تتعارض مع سيادة الجمهورية العربية السورية ووحدة ترابها"، وترى أن "الرهان على المشاريع الانفصالية أو الأجندات الخارجية هو رهان خاسر".

ودعت الحكومة السورية إلى "عودة مؤسسات الدولة الرسمية إلى شمال شرق البلاد، بما في ذلك مؤسسات الخدمات والصحة والتعليم والإدارة المحلية"، معتبرة أن ذلك يمثل "خطوة ضرورية لإنهاء حالة الفراغ الإداري وتعزيز الاستقرار المجتمعي".

وحذَّرت الحكومة السورية في الوقت نفسه من أن "أي تأخير في تنفيذ الاتفاقات الموقعة لا يخدم المصلحة الوطنية، بل يعقد المشهد، ويُعيق جهود إعادة الأمن والاستقرار".

وتسيطر قوات "قسد" على 90 بالمئة من حقول النفط، و45 بالمئة من إنتاج الغاز بسوريا والتي تتركز في محافظتي الحسكة ودير الزور.

وضمن هذا السياق، قال الخبير العسكري والإستراتيجي السوري، العقيد فايز الأسمر، لـ"الاستقلال": إن "شروط "قسد التعجيزية هي السبب في المماطلة للاندماج في الدولة السورية، فقيادات قسد تريد طلبات غير منطقية قبل أن تحظى بالقبول من حكومة دمشق وهذا مالا يقبل به أي مواطن سوري وطني".

 ولفت الأسمر إلى أن "قسد تطالب بكتلة عسكرية وأمنية مستقلة ومسؤولة عن شرقي الفرات وعن الحدود والمعابر، علاوة على  حكم لامركزي للدولة، وكذلك حصة من النفط وغيرها من المطالب".

ورأى أن"الدولة السورية إذ استمعت واستجابت لأي من مطالب قسد، فهذا سيدفع الدروز والعلويون والتركمان وإثنيات وطوائف أخرى لاحقا لمطالبات من مثل هذا النوع والتي تضعف الدولة بطبيعة الحال وتجعلها دولة مركبة".

ولفت الخبير الأسمر إلى أن "الدولة السورية إلى الآن لا تريد حلولا عسكرية هي قادرة على تنفيذها ولا تريد دماء تجري من أي طرف كان، ولكن إذا سدت الأبواب السلمية والتفاوضية ولم يبق هناك خيارات فإنَّ آخر الداء الكي".

"إفشال متعمد"

في الآونة الأخيرة كثف مسؤولون بارزون في "قسد" التصريحات الإعلامية المؤكدة على أنه "لا يمكن التنازل" عن مطلب التعددية اللامركزية في إدارة النظام السياسي في سوريا.

في المقابل، يرى سياسيون سوريون أن مطالب الأكراد بتبني نظام حكم لامركزي في مرحلة ما بعد الأسد، تشكل تهديدا للوحدة الوطنية.

كما تؤكد مصادر صحفية أن مسؤولين بحزب العمال الكردستاني يضغطون على قائد "قسد"، مظلوم عبدي، بهدف التماطل في تنفيذ بنود الاتفاق مع الحكومة السورية.

وهنا يشير الباحث السوري سامر الأحمد إلى أنه "في هذه الجولة الجديدة بين دمشق و"قسد" كان من المفترض أن يتم بحث الآليات التنفيذية لتطبيق الاتفاق المبرم في مارس 2025، لكن وفد "قسد" جاء بنوايا لإفشال الجلسة الجديدة".

وأضاف الأحمد في تسجيل مصور على حسابه في منصة "إكس" أن “الحكومة السورية طالبت بتفعيل اللجان لدمج المؤسسات العسكرية والخدمية بمناطق قسد مع الدولة السورية”.

واستدرك: "لكن وفد قسد ذهب إلى مناقشات أخرى من المطالبة بتعديل الإعلان الدستوري السوري وأن تعترف باللامركزية الفيدرالية الإدارية لها وأن يبقى لها حكم الثلاث محافظات الحسكة - الرقة - ديرالزور وتتبع شكلا لدمشق، فضلا عن دخول قسد ككتلة عسكرية موحدة ضمن الجيش السوري في نموذج يشبه ما حصل في كردستان العراق".

وأردف أن "هذه المطالبات دفعت الأجواء للتوتر ورفض دمشق مطالب قسد ودعت لتطبيق اتفاق مارس 2025، ما يعني أن الاتفاق فشل".

ولفت الأحمد إلى أن "تعنت قسد يهدف إلى تشكيل خطاب تعبوي للجماهير وخاصة بعد اجتماع الأحزاب الكردية مع قسد قبل شهرين الذي رفع سقف المطالب الكردية السياسية تجاه دمشق".

وراح يقول: إن "قسد حاولت أن تبين للجمهور بأنها طرف قوي لا تخضع للضغوط، وأنها قادرة على الضغط على حكومة دمشق".

وأشار الأحمد إلى أنَّ "دمشق وفي خطاب تصعيدي وجهت إشارة إلى واشنطن عبر المبعوث الأميركي بأن الفيدرالية غير ممكنة في سوريا".

وذهب للقول إنَّ "إفشال "قسد" جلساتها التفاوضية مع دمشق تريد منه استمرارها بالتعبئة الجماهيرية لسكان مناطقها بأنها لن تتنازل، وأنها لن تطبق الاتفاق مع دمشق إلا مجبرة عبر الضغط الأميركي".

وختم الأحمد بالقول "قسد تريد كسب الوقت عبر العرقلة الذي يكسبها كل يوم من عائدات النفط وتحصيل الضرائب والمعابر، إذ تكسب مليونين ونصف مليون دولار يوميا".