مخطط إسرائيلي.. هل تنفصل إمارة "الخليل" عن فلسطين وتنضم لاتفاقيات أبراهام؟

إسماعيل يوسف | منذ ساعتين

12

طباعة

مشاركة

بالتزامن مع خطط استيلاء الاحتلال الإسرائيلي على أراض فلسطينية في الضفة الغربية والقدس وتهويدها وبناء مزيد من المستوطنات وطرد السكان، برزت محاولة مشبوهة لمخطط جديد للسيطرة على الضفة عبر مؤامرات داخلية.

انفصاليون ينتسبون لعشائر في بعض مدن الضفة، على صلة بالاحتلال، اقترحوا الخروج من السلطة الفلسطينية وتشكيل "إمارة" مستقلة في مدينة الخليل، والانضمام لاتفاقيات إبراهام.

صحف "وول ستريت جورنال" و"جيروزاليم بوست"، نشرت تفاصيل المخطط  وأجرت لقاءات مع شخص مشبوه من الخليل، ادعى أن جماعته تريد التعايش مع إسرائيل، والاعتراف بها والانضمام لاتفاقيات "أبراهام". 

توقيت إعلان أن "إمارة الخليل" المستقلة ستعترف بـإسرائيل وتنضم إلى "اتفاقات أبراهام، مثير للشبهات، لأنه يواكب خططا يقودها وزير مالية الاحتلال سموتريتش لتهويد الضفة وتهجير سكانها، ودعوة أميركا للاعتراف بضمها لإسرائيل رسميا.

تقديرات فلسطينية أكدت أن ما نشرته الصحف الغربية والإسرائيلية عن هذه المجموعة الانفصالية جزء من مخطط إسرائيلي وتسريبات لتلميع شخصيات مشبوهة في الضفة، على غرار ما يجري مع مجموعة الخائن "ياسر أبو شباب" في غزة.

ما القصة؟

بعد تصدي العشائر في قطاع غزة لعصابات اللصوص المدعومة من الاحتلال في قطاع غزة، عادت لتتصدى لعصابات الخونة ومخططات التطبيع في الضفة الغربية.

بدأت القصة المثيرة للجدل حين أعلن "الشيخ وديع الجعبري"، هو وأربعة من شيوخ الخليل توقيع "رسالة" يتعهدون فيها بالسلام والاعتراف الكامل بإسرائيل كدولة يهودية، والانفصال عن سلطة رام الله، والانضمام لـ"اتفاقيات أبراهام".

وذلك مقابل أن "تعترف دولة إسرائيل بإمارة الخليل كممثلة للسكان العرب في قضاء الخليل".

صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، استضافت 5 يوليو/تموز 2025، وديع الجعبري، للحديث عن هذا "العرض الفلسطيني الجديد للسلام"، وفق زعمها، وهو الخروج من السلطة الفلسطينية والانضمام لاتفاقيات أبراهام.

نقلت عن "الجعبري"، المعروف بأبو سند، من خيمته في الخليل، أكبر مدن الضفة الغربية الواقعة جنوب القدس قوله: "نريد التعايش". 

كما نقلت عنه قوله: "أخطط لعزل السلطة الفلسطينية، إنها لا تمثل الفلسطينيين"، مؤكدا أن العشائر حكمت مناطقها لمئات السنين، قبل أن تقرر إسرائيل إحضار منظمة التحرير الفلسطينية لتحكمنا، وفق اتفاقية أوسلو.

وفي لقاء آخر مع صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية، 6 يوليو/تموز 2025، قال الجعبري: إنه كان على استعداد لإجراء هذا التحول الضخم مقابل دعم إسرائيل في إزالة السلطة الفلسطينية من المنطقة.

وأضاف "ومقابل استعادة تصاريح العمل التي تم تعليقها بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وبناء مناطق عمل صناعية إسرائيلية فلسطينية مشتركة جديدة، وفي بعض أجزاء المنطقة (ج) من اتفاق أوسلو".

وألمح الجعبري للصحيفة أنه إذا دعمته إسرائيل، فإنه يستطيع هزيمة السلطة الفلسطينية في الخليل في ساعات أو أيام دون إراقة الكثير من الدماء؛ لأن العديد من ضباطها هم في الواقع جزء من عشيرته.

وقال: إن كلمته هي القانون في منطقة الخليل، ووعد بأنه قادر على جلب الهدوء التام والشامل إلى منطقة كانت قبل عقد من الزمان من بين الأسوأ والأكثر فوضوية.

الجعبري أرجع ذلك "لأن الخليل لا تزال تحت إدارة العشائر القبلية في المقام الأول، ويمكنه اتخاذ إجراءات سريعة، وإذا لزم الأمر، إجراءات قاتلة ضد أي شخص ينتهك أوامره".

وذكرت "وول ستريت" أن الجعبري وأربعة من شيوخ الخليل البارزين وقعوا الرسالة التي تتضمن الانفصال بالخليل عن السلطة الفلسطينية، وإنشاء "إمارة" خاصة بها، تنضم إلى اتفاقيات أبراهام.

وتتعهد رسالة شيوخ العشيرة بـ "عدم التسامح مطلقًا" مع إرهاب العمال، في إشارة لقيام فلسطينيين يعملون في الداخل الإسرائيلي بعمليات استشهادية.

ونقلت عن الجعبري، البالغ من العمر 48 عامًا، قوله: "لن تكون هناك دولة فلسطينية ولا حتى بعد ألف عام، وبعد 7 أكتوبر، لن تقبل إسرائيل هذه الدولة". 

كما نقلت عن "شيخ بارز آخر من الخليل"، وقع على البيان "إن التفكير فقط في إقامة دولة فلسطينية سيقودنا جميعًا إلى كارثة"!

ويقول مراسل "وول ستريت جورنال": إنه اطلع على وثائق تُفصل الخطة التي وضعها متمردو العشيرة، وتتضمن إنشاء منطقة اقتصادية مشتركة على مساحة تزيد عن 1000 فدان قرب السياج الأمني بين الخليل وإسرائيل.

وتحدث عن "وثيقة باللغة العبرية" يقول فيها شيوخ منطقة الخليل الذين انضموا إلى مبادرة الإمارة: إن الدائرة الأولى لهذه الإمارة الانفصالية في الخليل تضم ثمانية شيوخ رئيسين يقودون 204 آلاف نسمة من سكان المنطقة.

وتضم الدائرة الثانية 13 شيخا آخر، يقودون 350 ألف نسمة آخرين، وهذا يُشكل أغلبية سكان المنطقة الذين يزيد عددهم عن 700 ألف نسمة. 

"وقد بايعت كلتا الدائرتين الشيخ الجعبري في هذه القضية، وفقًا لما شهد به أحد المقربين الإسرائيليين للشيخ"، وفق وول ستريت.

وفي الوثيقة التي كتبت باللغة العربية وأرسلت إلى مسؤولين في الحكومة الإسرائيلية، حول فكرة "إمارة الخليل"، تظهر قائمة من ثمانية شيوخ يدعون تمثيل نحو 204 آلاف فلسطيني، وإلى جانبهم 13 شيخا إضافيا يدعون أنهم يمثلون 350 ألف فلسطيني آخر. 

وبناءً على المعطيات، فإن الشيوخ عمليا يدعون تمثيل غالبية الفلسطينيين في منطقة الخليل البالغ عددهم أكثر من 700 ألف فلسطيني. وبحسب ما كتب في الوثيقة، فإن جميع الشيوخ "يدينون بالولاء للجعبري".

وعلى الرغم من أن جميع الشيوخ يحيون في مناطق تديرها السلطة الفلسطينية، تقدر المنظومة الأمنية الإسرائيلية أن ولاءهم للعشيرة وليس للسلطة.

حتى إن الشيوخ أنفسهم تعهدوا إذا ما مُنحوا شرعية سياسية، فإن بإمكانهم “إخراج السلطة الفلسطينية من الخليل في غضون أيام قليلة”

إغراء مادي

وفي مايو/أيار 2025، كتب رئيس تحرير صحيفة "جيروزاليم بوست"، زفيكا كلاين، مقال رأي بعد اجتماعه مع الوزير الإسرائيلي من أصل عربي "نير بركات"، لمناقشة هذه المبادرة.

أوضح أن "بركات أبقى بنيامين نتنياهو على اطلاع على هذه التطورات، ولكن رئيس الوزراء، الذي يخشى المخاطرة، ظل خارج الأمر بشكل مباشر حتى الآن ليرى إلى أي اتجاه ستهب الرياح".

وتتضمن الصفقة التي تفاوض عليها الجعبري مع بركات إدخال 1000 عامل فلسطيني جديد إلى إسرائيل من الخليل، يليهم 5 آلاف بعد فترة تجريبية.

لكن هذه الأعداد ضئيلة مقارنة بأعداد العمال الفلسطينيين في إسرائيل قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول والتي بلغت 210 آلاف عامل.

وأصر الجعبري على أن بركات وإسرائيل سيمنحون الخليل وحدها 50 ألف دولار خلال فترة قصيرة من الزمن.

وقال لصحيفة "جيروزاليم بوست"، إن جميع الخدمات المحلية الأساسية لا تزال في أيدي مجلس الشيوخ، وأن كل ما تفعله السلطة الفلسطينية هو جمع الضرائب، وهي طريقة للاستيلاء على الأموال المحلية لتلبية احتياجاتها "الأجنبية" الفاسدة.

وبعبارة أخرى، يرى الجعبري أن السلطة الفلسطينية مجرد كائن طفيلي، ويريد استعادة السيطرة الكاملة على المنطقة، التي كانت موجودة منذ مئات السنين قبل اتفاقيات أوسلو، وفق قوله.

وتقول الصحيفة الإسرائيلية إنه من غير الواضح ما إذا كان الرئيس الأميركي دونالد ترامب سيتدخل في هذه القضية ويحاول التأثير على العالم لقبولها، خاصة إذا كانت إسرائيل نفسها لم تحسم موقفها بعد.

وإذا بدأ نتنياهو في الحديث عن الخطة بجدية في العلن، فهل سيكون ذلك لأنه كان ينوي تنفيذها بالفعل أم لاستخدامها كخدعة للضغط على السعوديين للتطبيع بسعر أقل مقابل ما قد يحتاج إلى تقديمه للسلطة الفلسطينية؟

وقالت صحيفة "معاريف" العبري، 5 يوليو 2025، أن إسرائيل شرعت في محادثات مع شيوخ وعشائر أخرى في أنحاء الضفة الغربية لهذا الغرض.

وطبقاً لما نقلته معاريف عن مصادر إسرائيلية، فإن السيناريو الممكن هو اعتراف سياسي بـ"الإمارات المحلية"، التي ستعترف بدورها بإسرائيل، مقابل أن تفرض الأخيرة سيطرتها الكاملة على المناطق ج، والمساحات غير المأهولة في المناطق ب.

ولفتت الصحيفة إلى أن اليمين السياسي الحاكم في إسرائيل يعتبر أن هذه المبادرة فرصة لتفكيك السلطة الفلسطينية تدريجياً من دون إحداث فراغ سلطوي، ودون الحاجة إلى "التنازل عن مناطق نفوذ" من جانب إسرائيل.

ويبدو أن بعض اليمين الإسرائيلي متحمس لهذه المبادرة لأنها ستسمح لهم بالاحتفاظ بالقدس والاستيلاء على أجزاء أكبر من المنطقة (ج)، في حين سيدعمها الشيوخ المحليين أيضاً لإبعاد السلطة الفلسطينية عن ظهورهم.

لكن مصادر فلسطينية ترى أن هذا قد يكون هذا مجرد حلم غير واقعي لمجموعة من الشيوخ المحليين والإسرائيليين اليمينيين في مواجهة قوى أكبر بكثير داخل شعبهم وعلى مستوى العالم، خاصة عقب نفي عشائر الخليل صلتها بهذه المبادرة المشبوهة.

العشائر تتبرأ

فقد تبرأت عائلة الجعبري في الخليل من مزاعم صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية حول تقديم "شيوخ" الخليل مبادرة سياسية للانفصال عن الحكومة الفلسطينية وإقامة "إمارة الخليل".

وصدرت بيانات من أبناء عشيرة الجعبري في الخليل تتبرأ فيها من الدعوة للتطبيع مع إسرائيل ومن مقترح "إمارة عشائرية" في المحافظة، مؤكدة تمسكها بحق الشعب الفلسطيني في دولة مستقلة عاصمتها القدس.

ففي مؤتمر صحفي بمكتب المحافظة، 6 يوليو/تموز 2025، تحدث خلاله ممثل عشائر الخليل نافذ الجعبري، قال إن "الشعب الفلسطيني شعب واعٍ، ولا يمكنه التفريط بقضيته". 

أكد: "إننا كعشيرة آل الجعبري نعلن براءتنا التامة واستنكارنا واستهجاننا لما أقدم عليه أحد أفراد العائلة غير المعروف لدى العشيرة، وليس من سكان خليل الرحمن".

وفي بيان أصدرته، 6 يوليو/تموز 2025، نفت العشائر أيضا صلتها بمبادرة من يُسمى "وديع الجعبري"، ووصفتها بأنها مشروع على غرار "روابط القرى"، داعية من وصفتهم بـ"المأجورين" إلى أن "عودوا إلى رشدكم". 

وحول تاريخ "الجعبري"، قالت "جيروزاليم بوست"، إن "والد الجعبري كان قد عقد اجتماعات عديدة مع مسؤولين إسرائيليين، في محاولة للمضي قدماً بمبادرات التعايش التي لا تشمل السلطة الفلسطينية".

ولكن ما يميز هذه المبادرة الأخيرة هو أنها حدثت في عالم ما بعد اتفاقيات إبراهام وما بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول.

ضم الضفة

وترجح مصادر فلسطينية أن تكون خطة "الجعبري" تمت بالتنسيق مع سلطات الاحتلال الإسرائيلي؛ لأنها جاءت بالتزامن مع خطة وزراء الليكود الذي طالبوا نتنياهو، مطلع يوليو/تموز 2025، بالمصادقة الفورية على ضم الضفة الغربية المحتلة.

وفي رسالة رسمية موقعة باسم جميع وزراء الليكود، طالب الوزراء نتنياهو بالمصادقة الفورية على قرار حكومي لفرض "السيادة الإسرائيلية" على الضفة الغربية.

طالبوه بالمصادقة على "فرض السيادة الإسرائيلية والقانون الإسرائيلي على يهودا والسامرة"، التسمية التوراتية التي تستخدمها إسرائيل للإشارة إلى الضفة الغربية المحتلة.

وزعموا أن "الظرف الإستراتيجي والدعم الأميركي يشكلان فرصة تاريخية" لاستكمال ما وصفوه بـ"المهمة القومية" المتمثلة بضم الضفة المحتلة.

ورأى الوزراء أن "الشراكة الإستراتيجية، والدعم، والمساندة من الولايات المتحدة والرئيس دونالد ترامب، توفّر فرصة مواتية للمضي بهذه الخطوة الآن، وضمان أمن إسرائيل لأجيال".

ويقول الحقوقي الفلسطيني "مصطفى إبراهيم": إن "إمارة الخليل ليست مشروعا واقعيا، بل أداة دعائية ضمن حملة لتعطيل أي تقدم نحو حل الدولتين".

وأوضح، في تحليل نشره بموقع "درج" 8 يوليو/تموز 2025، أن "المستفيد هو نتنياهو، الذي ينجح مرة أخرى في تسويق وهم الحلول البديلة لتأجيل التسوية الحقيقية".

شدَّد على أن هذا الطرح انطلق من مكتب بنيامين نتنياهو، ضمن حملة منظمة ومنسقة، ويستهدف الجمهور الأميركي من الإنجيليين والمحافظين، بالتزامن مع زيارته واشنطن، رغم أنه يبدو وكأنه مبادرة محلية.

ذكر أن قصة "زعماء بعض  العشائر في الخليل" ليست جديدة، بل معروفة منذ عقود، لكن إعادة تدويرها الآن، وبهذا الشكل، لا يخلو من البعد السياسي.

والهدف "إعادة تشكيل السردية الفلسطينية لتفريغها من أي طابع وطني شامل، وتحويلها إلى كتل عشائرية قابلة للتفاوض الفردي!".

وقال: إن نتنياهو يرى في أي مسار يؤدي إلى حل الدولتين تهديدا لمشروعه السياسي، ويحاول الآن ترويج بدائل مصطنعة تستهوي الرئيس الأميركي دونالد ترامب واليمين الأميركي، لعلمه أن ترامب يعشق فكرة السلام عبر الصفقات، ومن هنا، تأتي فكرة إمارة الخليل كنموذج جديد قابل للتسويق.

ففكرة وجود زعماء محليين بعباءات وعمائم، يحكمون منطقتهم بترتيب اقتصادي وأمني، فكرة تستهوي خيال ترامب، وتختزل الصراع الفلسطيني إلى إدارة محلية لا تهدد المصالح الإسرائيلية.

ونتنياهو يسابق الزمن لتقويض ما قد يكون مبادرة جديدة لترامب، لإحياء حل الدولتين ضمن اتفاق سلام ثلاثي مع السعودية، ويدرك أن غياب حماس، وتوحيد الضفة وغزة تحت راية السلطة الفلسطينية، قد يجعل من هذا الطرح مقبولا دوليا.