عبر الوساطة الأميركية.. إلى أي مدى بإمكان سوريا وقف اعتداءات إسرائيل؟

"الحوار مع سوريا لم يعد مقتصرا على قنوات خلفية أو وسطاء بل أصبح تواصلا مباشرا ويوميا"
بصورة لافتة، تعمل الدولة السورية الجديدة دبلوماسيا على إلزام الكيان الإسرائيلي بتطبيق الاتفاقيات الدولية التي تحكم الحدود، متجنبة ضغوطه الهادفة لجر دمشق نحو التطبيع لوقف اعتداءاته وانتهاكاته المستمرة.
إذ أعلنت سوريا في 4 يوليو/ تموز 2025 عن استعدادها للتعاون مع الولايات المتحدة للعودة إلى اتفاق فضّ الاشتباك مع اسرائيل لعام 1974.
وبصورة شبه يومية، ينفذ جيش الاحتلال الإسرائيلي، توغلات برية داخل الأراضي السورية ويهاجم ويقصف مواقع سورية تسفر في كثير من الأحيان عن خسائر مادية وبشرية.
كما احتلت إسرائيل جبل الشيخ وأراضي وقرى بعمق يزيد عن 25 كم داخل سوريا، لتضاف إلى هضبة الجولان المُحتلة.
وجبل الشيخ أو "جبل حرمون" هو جبل يقع بين سوريا ولبنان يطل على الجولان المحتل ويمكن رؤيته من الأردن.
وخلال حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973 احتلت إسرائيل على جزء إضافي من هضبة الجولان تبلغ مساحته حوالى 510 كيلومترات مربعة، لكنها انسحبت منه في عام 1974 بموجب اتفاق فض اشتباك نص على إنشاء منطقة منزوعة السلاح تمتد على نحو 80 كيلومترا.

“فض الاشتباك”
وقالت الخارجية السورية في بيان: إن الوزير أسعد الشيباني أعرب خلال اتصال مع نظيره الأميركي ماركو روبيو عن "تطلع سوريا للتعاون مع الولايات المتحدة للعودة إلى اتفاق فض الاشتباك لعام 1974"، مشيرا إلى أن الجانبين ناقشا "الاعتداءات الاسرائيلية المتكررة على الجنوب السوري".
وتربط دمشق هدف المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل بالعودة إلى تطبيق اتفاقية فضّ الاشتباك لعام 1974 المُوقعة مع نظام حافظ الأسد (الأب)، لوقف الأعمال القتالية وإشراف قوة من الأمم المتحدة على المنطقة المنزوعة السلاح الفاصلة بين الطرفين.
ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن المبعوث الأميركي إلى سوريا توم باراك قوله في 3 يوليو: إن "سوريا وإسرائيل تجريان محادثات جدّية عبر وساطة الولايات المتحدة تهدف إلى استعادة الهدوء على حدودهما".
وأشار باراك إلى أن الإدارة الأميركية تسهل حوارا غير مباشر بين دمشق وتل أبيب، ضمن مسار دبلوماسي يهدف إلى تهدئة الحدود واستكشاف فرص انضمام سوريا إلى اتفاقيات أبراهام، التي أرست تطبيع العلاقات بين إسرائيل وعدد من الدول العربية، خلال ولاية الرئيس الأميركي، دونالد ترامب.
وشدد باراك على أن انخراط سوريا في هذه الاتفاقيات "لن يكون فوريا"؛ لأن الرئيس السوري أحمد الشرع، "قد يواجه مقاومة داخلية"، موضحا أنه "لا يمكن لشعبه أن يُجبره أو يُملي عليه توقيع اتفاقيات إبراهيم، لذلك عليه أن يتحرك ببطء".
من جانبه، صرح وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر في 30 يونيو/ حزيران بأن إسرائيل "مهتمة" بتطبيع العلاقات مع سوريا ولبنان.
وأضاف أن مرتفعات الجولان "ستبقى جزءًا من دولة إسرائيل" في أي اتفاق سلام مستقبلي.
إلا أن القناة الإخبارية السورية الرسمية، نقلت عن مسؤول سوري قوله في 2 يوليو: إن "التصريحات المتعلقة بتوقيع اتفاق سلام مع الاحتلال الإسرائيلي في هذا الوقت تعد سابقة لأوانها".
وأضاف المسؤول السوري من دون ذكر اسمه أن إمكانية التفاوض على اتفاق سلام جديد لن تكون ممكنة إلا بعد التزام إسرائيل الكامل باتفاقية فك الارتباط لعام 1974 وانسحابها من المناطق التي توغلت فيها.
ومنذ سقوط الأسد، بدأت إسرائيل في تجاوز المنطقة العازلة وتوسيعها، حتى بدا وكأنها تريد فرض واقع أمني جديد يعزز تفوقها في المنطقة عبر سيطرتها على موقع إستراتيجي مهم، وإنشاء منطقة أمنية خالية من سلاح إستراتيجي ثقيل في الجنوب السوري.
لا سيما أن وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، قال في مارس/ آذار 2025: إن "إسرائيل سوف تضمن أن يظل جنوب سوريا منزوع السلاح وخاليا من التهديدات".
وأضاف حينها أن قوات الاحتلال الإسرائيلية "ستبقى في المناطق الأمنية وجبل حرمون (جبل الشيخ) وستحمي مجتمعات الجولان والجليل"، بحسب تعبيره.
وقد كان لافتا قيام جيش الاحتلال لأول مرة في تنفيذ قوة كوماندوز إسرائيلية عملية إنزال جوي استمرت خمس ساعات، بمشاركة ثلاث مروحيات في بلدة رخلة بريف دمشق الواقعة على بعد نحو 10 كيلومترات فقط من العاصمة دمشق.
والتحليق المكثف تزامن مع دوي انفجارات في المنطقة، قبل أن تنسحب القوة عبر الجو بعد تنفيذ مهمتها. وذكرت مصادر ميدانية أن الموقع المستهدف كان في السابق يتبع القوات السورية.

“خانة حرجة”
وأمام هذه الخروقات المتكررة، يقول مراقبون: إنه من غير المستبعد استخدام إسرائيل المنطقة العازلة كأداة لمساومة النظام الجديد في سوريا، وجعل الانسحاب منها بادرة حسن نية في مفاوضات تطبيع محتملة.
فخلال لقاء الرئيس السوري أحمد الشرع في الرياض، مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب بحضور ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، في 14 مايو 2025 استغل ترامب هذه المناسبة لدعوة سوريا للانضمام إلى اتفاقيات “إبراهام”.
وحثّ دمشق على تطبيع العلاقات مع إسرائيل كجزء من جهد أوسع بقيادة الولايات المتحدة لإعادة تشكيل البنية الدبلوماسية في المنطقة.
ووقعت إسرائيل بحضور ترامب اتفاقيات إبراهام لتطبيع العلاقات مع الإمارات والبحرين والمغرب، في 15 سبتمبر/ أيلول 2020.
وضمن هذا السياق، قال رئيس مركز "رصد" للدراسات الإستراتيجية العميد المتقاعد عبدالله الأسعد لـ "الاستقلال": إن "الحكومة السورية الجديدة تريد أن تسابق الخروقات العسكرية الإسرائيلية عبر التعجيل في الحركة الدبلوماسية وعقد اتفاقية سلام مع إسرائيل لوقف الخرق الإسرائيلي للقانون الدولي".
وأضاف الأسعد: "من خلال هذه الاتفاقية يمكن إعادة نظام الكيان الصهيوني إلى ما وراء خط الفصل لعام 1974 والبناء عليه في حال أرادت الحكومة السورية الجديدة أن تقوم بعملية سلام جديدة والبناء على التفاوض من جديد من أجل استعادة الأراضي المحتلة والعمل على القرار 242 الذي يقضي بـ استعادة الجولان السوري المحتل".
ورأى الأسعد أن "إسرائيل كلما زادت فترة عدم الوصول إلى اتفاق سلام زادت من توغلها وإنشاء منطقة دائرية عسكرية بمحيطة ريف دمشق".
وذهب الأسعد للقول "في الوقت الراهن تسعى الحكومة السورية الجديدة لوضع إسرائيل في خانة حرجة من خلال إشراك الجانب الأميركي في الوساطة لوقف الخروقات الإسرائيلية والعودة للاتفاقيات الدولية المتعلقة بجنوب سوريا".

"مرحلة لا سلم ولا حرب"
ومن اللافت أن حديث المسؤولين الإسرائيليين عن تطبيع العلاقة مع سوريا الجديدة يأخذ زخما كبيرا في الآونة الأخيرة.
لدرجة أن رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، تساحي هنغبي، كشف عن وجود اتصالات مباشرة ومستمرة بين إسرائيل والحكومة السورية، مشيرا إلى أن الجانبين يناقشان إمكانية التطبيع.
وفي تصريحات أدلى بها خلال جلسة سرية للجنة الخارجية والدفاع في الكنيست الإسرائيلي، سربتها صحيفة "إسرائيل هيوم"، في 28 يونيو، قال هنغبي: إنه يشرف شخصيا على التنسيق الأمني والسياسي مع دمشق، متجاوزا بذلك مرحلة الاتصالات غير المباشرة التي تحدثت عنها تقارير سابقة.
وزعم هنغبي أن “الحوار مع سوريا لم يعد مقتصرا على قنوات خلفية أو وسطاء، بل أصبح تواصلا مباشرا ويوميا، يشمل مختلف المستويات الحكومية”.
مضيفا أنه "أجرى شخصيا هذه المحادثات مع ممثلين سياسيين عن الحكومة السورية، وهناك مصالح مشتركة كثيرة بيننا، خاصة فيما يتعلق بالوجود الإيراني في المنطقة".
كما أضاف رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، أن كلا من سوريا ولبنان تعدان من الدول المرشحة لعقد اتفاقات تطبيع مع إسرائيل، على غرار "اتفاقيات أبراهام"، التي وقعت مع دول عربية أخرى.
كذلك، عاد وزير خارجية الاحتلال الإسرائيلي جدعون ساعر، للقول في 2 يوليو 2025 إن لدى بلاده "مصلحة في ضم دول جديدة، مثل سوريا ولبنان"، إلى "دائرة السلام والتطبيع".
وهنا يؤكد الكاتب والمحلل السياسي السوري، أحمد الهواس، لـ "الاستقلال" أنه "منذ سقوط نظام الأسد لوحظ أن هذا الأمر لم يصب في مصلحة إسرائيل، فعلى مدار خمسة عقود كان النظام البائد هو من يحمي إسرائيل، وعقب سقوط الأسد سارعت إسرائيل إلى تدمير السلاح السوري الإستراتيجي خشية وقوعه بيد الثوار أو الدولة السورية الجديدة التي يمكن أن تشكل خطرا على إسرائيل مستقبلا".
وأردف "لهذا سارع الاحتلال إلى تدمير السلاح السوري والتوغل داخل الأراضي السورية والضغط على الحكومة السورية الجديدة لجرها إما إلى معركة ستكون خاسرة بكل المقاييس لسوريا أو تجبرها على التطبيع أو تصنع منطقة عازلة حول ما بعد منطقة الجولان المحتل وهذه إستراتيجية إسرائيلية بأن يكون لها جيوش وظيفية تقوم بحمايتها أو تكون لديها مناطق عازلة حول إسرائيل".
ورأى الهواس أن "الحديث عن التطبيع يتصاعد ويتم استخدامه في الإعلام على أن دمشق تسارع نحوه ولكن هذا غير دقيق وغير صحيح، إنما الحديث هو عن تفعيل اتفاقية فك الاشتباك لعام 1974".
وأكد أن "موضوع تطبيع سوريا مع إسرائيل لن يجري ولن يكون واقعا على الأرض؛ لأن الأمر لن يكون بقرار من الرئاسة السورية بل سيعرض في الغالب على البرلمان السوري".
وذهب الهواس للقول: "سوريا الجديدة لا أتوقع أنها ستجري تطبيعا مع الكيان الصهيوني أو تقيم علاقات طبيعة معه في هذه المرحلة؛ لأسباب مختلفة علاوة على عدم ثقة إسرائيل بالقيادة السورية الحالية وعليه يمكن القول إن المرحلة مرحلة لا سلم ولا حرب".