ملك الخمور وداعية التطبيع.. "الحبتور" ذراع بن زايد في تل أبيب

لم تعد دعوات التطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي في الإمارات قاصرة على بعض الكتاب والسياسيين، بل تعدتها لتشمل عددا من كبار رجال الأعمال، الداعين إلى سلام من باب الاستثمار والتعاون الاقتصادي والتجاري.
الملياردير الإماراتي "خلف الحبتور" أحد أشهر هؤلاء المستثمرين على الساحة في الآونة الأخيرة، وتحظى تغريداته وآرائه بمتابعة واهتمام إسرائيليَين، مقابل هجوم شعبي عربي لاذع، لكن قضية التطبيع لم تكن وحدها التي رسمت شهرة الرجل، فمسيرته مليئة بالمواقف الجدلية.
عراب التطبيع
قبل أيام، تعرض الحبتور، الذي يلقب بملك الخمور في الإمارات، لعاصفة من النقد اللاذع بعد دعوته لإقامة علاقات مع إسرائيل، في مقطع فيديو استشهدت به أيضا وزارة الخارجية الإسرائيلية عبر حسابها على تويتر.
وقال الحبتور في تغريدته الأولى: "سؤال أطرحه وأتوقع الكثير من النقد، ولكن حان الوقت لطرحه علانية، لماذا لا نوقع في #الخليج_العربي سلام مع #إسرائيل؟ لقد حان الوقت لذلك كما فعلت قبلنا #مصر و#المغرب و#الأردن. فليكون بيننا سلام وتعاون في مجال العلم والاقتصاد والتكنولوجيا والزراعة وحتى الدفاع".
وتابع معتبرا أنه "لا توجد دولة بقوتها (إسرائيل) الاقتصادية وأمورها الأخرى في الوقت الحاضر، هم أفضل من غيرهم، عدونا الأكبر هي إيران وليست إسرائيل، ولا داع للمجاملات والكذب على أنفسنا، حتى الفلسطينيين أكثر من 2 مليون منهم حصلوا على الجنسية الإسرائيلية".
سؤال اطرحه واتوقع الكثير من النقد، ولكن حان الوقت لطرحه علانية؛ لماذا لا نوقع في #الخليج_العربي سلام مع #إسرائيل؟ لقد حان الوقت لذلك كما فعلت قبلنا #مصر و #المغرب و #الأردن. فليكون بيننا سلام وتعاون في مجال العلم والاقتصاد والتكنولوجيا والزارعة وحتى الدفاع. #الإمارات #السعودية pic.twitter.com/TegioON5oA
— KhalafAhmadAlHabtoor (@KhalafAlHabtoor) April 19, 2019
الهجوم الذي تعرض له رجل الأعمال الإماراتي دفعه إلى الرد في مقطع آخر أعاد تغريده حساب "إسرائيل بالعربية" الرسمي، وقال فيه: "هذا لكل من انتقد دعوتي للسلام من العرب والفلسطينيين والإسرائيليين، أريد أن أشرح شيئا مهما جدا، في سنة 2014 في جامعة إلينوي كلفت الطلبة من غير الجنسيات العربية أن يبعثوا أساتذة وبروفوسورية لفلسطين وإسرائيل يلتقون مع طلاب وطالبات المدارس والجامعات ويسألونهم من الطرفين..".
رجل الأعمال #الإماراتي خلف الحبتور يعقب على ردود الفعل السلبية لدعوته التوصل إلى سلام مع #إسرائيل.يقول: ماذا حققت الأحلام الوردية؟ ماذا قدمتم لأطفال وشباب #فلسطين؟من لديه حلّ للقضية؟ ان نرضى بالوضع الراهن يعني أن نرضى استمرار الجحيم الفلسطيني". pic.twitter.com/T3638uVn13
— إسرائيل بالعربية (@IsraelArabic) April 24, 2019
وتابع: "كلهم وجدوا الفلسطينيين من الطلاب والطالبات من مدارس وجامعات والإسرائيليين من مدارس وجامعات يريدون السلام والتقارب ويضعون أيديهم مع بعض، وهذا التقرير موجود عندي وكنت أناقشه أنا والرئيس جيمي كارتر، هذا الشي في الحقيقة مهم جدا..".
وادعى الحبتور حرصه على القضية الفلسطينية بقول: ".. أنا همي أطفال فلسطين أريد مستقبلهم يكون بإذن الله في صفوف الفائزين وفي صفوف الناجحين ما أريد السياسة العقلية القديمة، ما في حل يجب أن نضع يدا في يد..".
وكان الحبتور أثار الجدل بتغريدة أخرى، في مطلع مارس/ آذار الماضي، عندما أشاد بما وصفه بـ"الديمقراطية الحقيقية" في إسرائيل، وذلك تعليقا على تحقيق النائب العام الإسرائيلي في اتهامات بالفساد ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
ملك الخمور
ووفق موقعه الرسمي على الإنترنت، فالحبتور هو مؤسس ورئيس مجلس إدارة مجموعة الحبتور إحدى أكبر شركات المقاولات والإنشاءات في منطقة الخليج، وتأسست عام 1970 قبل التأسيس الرسمي لدولة الإمارات بوضعها الحالي.
تنشط تحت مظلة المجموعة الكبيرة شركات عديدة في قطاعات ومجالات أخرى غير المقاولات، مثل الضيافة والسيارات والعقارات والتعليم والنشر، كما يرأس مجلس إدارة شركة دبي الوطنية للتأمين وإعادة التأمين.
رجل الأعمال المعروف باهتماماته بالشؤون السياسية، والأعمال الإنسانية، وكتاباته في مختلف وسائل الإعلام، قال موقعه الرسمي إنه "لطالما كان سفيرا لبلاده إلى دول العالم وإن كان بصفة غير رسميّة".
افتتح في نوفمبر/تشرين الثاني 2017 ، معرض "رحلة حياة خلف أحمد الحبتور"، ويضم مجموعة محطات مختلفة من حياته الشخصية والمهنية، التي لم تثر الجدل لولا اقتحامه الشأن السياسي والعام.
سبق وأن شغل الحبتور عضوية المجلس الوطني الاتحادي (البرلمان) الإماراتي، الذي تتشكل عضويته بالتعيين، وحصل على العديد من الجوائز والأوسمة المرتبطة بنشاطه الاقتصادي وكذلك الأعمال الخيرية.
السيرة الاقتصادية الناجحة للحبتور، لم تخل من محطات أثارت الجدل كما أثارتها مواقفه وآرائه السياسية، خاصة تلك الداعية للتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي.
ومن تلك المحطات، لقائه التليفزيوني قبل نحو عامين على فضائية "سي إن إن"، حيث دعا إلى شرب الخمر ومرافقة النساء خارج سياق الزواج، وقال الحبتور: "أحيانا بعض ناس تتكلم عن الخمر، شو نسبة الخمر اللي داخله في البلد وشو نسبة الخمر اللي في العالم، يا أخي خلي العالم تشرب خمر".
وأضاف: "خليهم يرتاحوا ويشربوا، حتى ما فيه مانع من الجيرل فريند (الصداقة بين الجنسين)، أي شيئ بيريح بلدنا وبيريح مواطنينا، أو حتى المقيمين، ما فيه مانع".
شيزوفرينيا فلسطين!
المثير أنه بالعودة إلى مسألة "السلام"، نجد أن علاقة الحبتور بالقضية الفلسطينية سبقت بكثير دعواته المتكررة للتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، لكنها علاقة مريبة ومتناقضة إلى حد كبير، فبينما ينشط في مجال إغاثة الفلسطينيين، يدعوهم لنسيان تحرير بلادهم المحتلة.
في نوفمبر/تشرين الثاني 2011، كرمت الأمم المتحدة خلف الحبتور بمنحه جائزة مرموقة تقديرا لعمله الإنساني في فلسطين، وقدم له "درع الاستحقاق" كل من "بيتر فورد" ممثل المفوض العام للأونروا وماريا محمدي منسقة العلاقات بين المانحين بالأونروا (وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين)".
"محمدي" قالت خلال تسليم الدرع بمدينة دبي إن الحبتور "لم يكتفِ برفع الصوت عاليا على الساحة الدولية للتنديد بالمعاملة التي يلقاها الفلسطينيون بل قدم أيضا دعما ماليا سخيا ومستمرا لمساعدتهم على مر السنين ونحن نقدر كثيرا الجهود التي يبذلها لمؤازرتهم".
اللافت في كلمات الحبتور بمناسبة التكريم أنها تناقض بشدة ما صرح به في الفترة الأخيرة بشأن "ديمقراطية إسرائيل" وتقدمها العلمي والحضاري ودعوته للتطبيع معها، قائلا: "يشرفني أن أحصل على هذه الجائزة لطالما أوليت اهتماما شديدا لمحنة الفلسطينيين إدراكًا مني للمعاناة التي تكبدوها ولا يزالون على أيدي إسرائيل".
هذا الاعتراف الرسمي على لسان الحبتور يؤكد أن إسرائيل في نظره دولة مارقة تمارس التنكيل بحق الفلسطينيين، لكنها هي أيضا إسرائيل "القوية الحضارية صاحبة التقدم في كل المجالات التي تستحق أن يتعاون معها العرب".
في هذا السياق أيضا يبرز المقال الذي كتبه الحبتور على صفحات "هآرتس" العبرية في يونيو/حزيران الماضي، حين قال إن العالم العربي "يجب أن يتخطى الحديث حول تحرير فلسطين، إسرائيل باتت أمرا واقعا ولن تذهب إلى أي مكان".
ورأى الحبتور في مقاله أن المصالحة مع الدول العربية سوف تعود على إسرائيل بمكاسب كبيرة، سوف تتدفق الاستثمارات من دول مجلس التعاون الخليجي والدول العربية الأخرى لدعم الاقتصاد الإسرائيلي. وسيترجم ذلك على هيئة فرص عمل، وبنى تحتية في صورة أفضل، وفرص أعظم ورخاء".
وتابع المقال الذي تزامن مع استشهاد أكثر من 100 فلسطيني على يد جيش الاحتلال بمسيرات العودة في قطاع غزة: "شئتم أم أبيتم، دولة إسرائيل معترف بها من الأمم المتحدة والعالم على نطاق كبير. يتخرج من جامعاتها طلاب من الطراز الرفيع، ولديها بحوث متطورة. من الأفضل أن نتعامل معها بدلا من تمني زوالها بشكل عقيم. إسرائيل بأسلحتها النووية وجيشها لن تذهب إلى أي مكان".
وقال الحبتور: "دعونا جميعا من أجل تحرير فلسطين أن يمتلك الفلسطينيون دولتهم الخاصة، لكن هل يمكن تحقيق ذلك الآن أم أن الفكرة مجرد أمنيات في عقولنا الرومانسية؟ الأمنيات لن تمنح للفلسطينيين العيش بكرامة وأمان من دون خوف".
ذراع بن زايد
يبدو أن التعبير الذي أطلقه الموقع الرسمي للحبتور عن تعريفه بأنه "سفير غير رسمي" ينطبق على الرجل النشط في دعوات التطبيع، التي تتزامن مع زيارات متكررة في جميع المجالات، ومشروعات اقتصادية متنامية، وجهود مكثفة لتنمية العلاقات، أكدت أن الإمارات تمثل بوابة الخليج العربي للتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي.
فالحبتور هو أحد عرابي التطبيع من بوابة مختلفة هذه المرة، وهي لغة الاقتصاد والمال التي يلهث ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد وراءها دوما، لتكون النتيجة أن الحبتور هو رجل بن زايد المناسب لهذه المرحلة.
ورغم أن دولة خليجية مثل سلطنة عمان استقبلت رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو بشكل رسمي معلن لم تبلغه أبو ظبي بعد، إلا أن الوزن السياسي للأخيرة والنفوذ الذي تسعى لترسيخه والأموال التي تنفقها في هذا السياق تجعل خطواتها الأخطر.
مؤخرا، أفادت تقارير بأن رئيس حزب العمل الإسرائيلي آفي غباي، زار سرا الإمارات في ديسمبر/كانون الأول الماضي والتقى بعدد من المسؤولين في أبو ظبي، وفي أكتوبر/تشرين الأول وصلت وزيرة الثقافة والرياضة الإسرائيلية، ميري ريغيف، على رأس وفد رياضي إلى الإمارات، في زيارة هي الأولى من نوعها للمشاركة في بطولة رياضية في أبوظبي.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2016، زار السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة "داني دانون"، الإمارات، للمشاركة في أعمال مؤتمر دولي استضافته دولة الإمارات، وشارك فيه رئيس حكومة دُبي محمد بن راشد آل مكتوم.
في 17 يناير/كانون الثاني 2014، زار "سيلفان شالوم" وزير الطاقة الإسرائيلي آنذاك، الإمارات، على رأس وفد رسمي للمشاركة في مؤتمر مخصص لبحث موضوع الطاقة المتجددة، وفي 16 فبراير/شباط 2010، زار "عوزي لانداو" وزير البنى التحتية الإسرائيلي آنذاك، أبوظبي، للمشاركة في مؤتمر لوكالة الأمم المتحدة للطاقة المتجددة بالإمارات.
المفتاح السحري
ويبقى السفير الإماراتي في الولايات المتحدة يوسف العتيبة هو كلمة السر والمفتاح السحري لملف تطبيع أبو ظبي مع الاحتلال، ففي ديسمبر/كانون الأول 2017 نشر موقع "ميدل إيست مونيتور" البريطاني، تسريبا فضح سعي الإمارات لمعاقبة قطر، بسبب دعمها لحركة مقاطعة إسرائيل المعروفة باسم "بي دي إس"، ورغبة إماراتية في تطبيع سريع مع إسرائيل.
وسلطت تقارير إعلامية الضوء على القصة الكاملة للعلاقات الإسرائيلية الإماراتية، ونقلت تقارير أخرى عن وثائق لموقع ويكيليكس، أن تنسيقا اقتصاديا ودبلوماسيا وعسكريا يجري بشكل متسارع بين الإمارات وإسرائيل.
تُظهر التقارير الدور الذي يقوم به العتيبة في الدفع بالتطبيع في اتجاه مراحل غير مسبوقة، كما تظهر أن أبوظبي لم تتحول إلى مرتع للمصالح الأمنية والاقتصادية الإسرائيلية فحسب، بل أصبحت قاطرة تحاول جذب العالم العربي إلى السير في ركاب المنظور الإسرائيلي للمنطقة وقضاياها، وفي صدارتها القضية الفلسطينية.
ولا يمكن في سياق الحديث عن التطبيع مع الاحتلال أن ينسى ما كشفه الشيخ رائد صلاح رئيس الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني المحتل (عرب 48).
"صلاح" قال في لقاء تليفزيوني في أبريل/نيسان 2015، إن لديه وثائق وأدلة دامغة على أن الإماراتيين، متورطون في شراء منازل في القدس المحتلة بمبالغ ضخمة لصالح مؤسسات يهودية.
المصادر
- رجل "السلام" الإماراتي يجدد دعوته للتعاون مع إسرائيل
- "هجمات وشتائم" لرجل أعمال إماراتي بعد دعوة للسلام مع إسرائيل.. ويرد بفيديو
- "درع الإستحقاق" لخلف الحبتور من الأمم المتحدة تقديرا لعمله الإنساني في فلسطين
- ملياردير إماراتي في "هآرتس": تخطوا "تحرير فلسطين".. إسرائيل باقية
- خلف الحبتور يدعو دول الخليج للتعاون مع "إسرائيل"
- خلف أحمد الحبتور
- The Arab World Needs to Move on From the Liberation of Palestine
- رمال متصهينة.. تعرف على القصة الكاملة للعلاقات الإسرائيلية الإماراتية
- تسريبات العتيبة: وثائق جديدة تكشف العلاقات المتنامية بين الإمارات وإسرائيل