حملة ضد مناصري فلسطين بالمغرب تتهمهم بالخيانة.. من يقف وراءها؟

"أنصار الاحتلال جمعوا كل أشكال الخيانة ومع ذلك يزايدون على الشرفاء المغاربة"
ارتفعت أصوات تيار "كلنا إسرائيليون" في المغرب بالطعن في داعمي القضية الفلسطينية ومجابهي التطبيع مع إسرائيل، في وطنيتهم وولائهم لمؤسسات بلادهم، وهو ما حدا بمناضلين وفاعلين إلى رفض هذه الاتهامات والتعبير عن مساندة رموز النضال المغربي من أجل فلسطين.
ويتعلق الأمر بأحمد ويحمان، رئيس المرصد المغربي لمناهضة التطبيع وعضو سكرتارية مجموعة العمل الوطنية من أجل فلسطين، وعزيز هناوي، الكاتب العام لسكرتارية مجموعة العمل الوطنية من أجل فلسطين، والكاتب العام للمرصد المغربي لمناهضة التطبيع.
إذ وجهت أصوات موالية لإسرائيل بالمغرب اتهامات لهما بـ"العداوة للوطن وخيانته" و"العمالة لإيران"، و"الانتماء للشيعة"، و"تقديم قضايا الخارج على البلاد" وغيرها، في ظل نشاطهما الكبير ميدانيا وعبر وسائل التواصل الاجتماعي في مجابهة التطبيع ودعم القضية الفلسطينية.
دعاة التصهين
وفي هذا الصدد، قالت "مجموعة العمل الوطنية من أجل فلسطين": إن هذا الهجوم يأتي في الوقت الذي تتصاعد فيه الهجمات الصهيونية على شعوبنا وأوطاننا، وتشن فيه حملات مسعورة لإسكات الأصوات المناهضة للتطبيع والهيمنة.
وأضافت المجموعة في بيان نشرته عبر حسابها على فيسبوك، 6 يوليو/تموز 2025، أن "بعض النكرات خرجوا بخطاب عدواني متهافت، يهاجم فيه مناضلين شريفين؛ هناوي وويحمان".
وشددت على أن "ما يتلفظ به هؤلاء الأفاكون من اتهامات باطلة وتلميحات خبيثة لا تستند إلى أي دليل، يعد نموذجا صارخا للسعار الذي أصاب دعاة التطبيع".
وفي مقدمتهم "الذين يتدثرون بالخطاب الديني المحرف لتوظيفه في خدمة الأجندات الصهيو-استعمارية، ويتخذونه غطاء لمحاولات بائسة لتشويه مناضلين شرفاء، لم ينكسروا أمام مختلف الضغوط وسيل المحاولات اليائسة".
وأكد المصدر ذاته، أن "أحمد ويحمان وعزيز هناوي أصلب من أن تنال من عزائمهما سفاسف من باعوا دينهم وفسدت مروءتهم واختاروا أن يكونوا أدوات في جوقة دعاة الصهينة".
“وهما المعروفان بنضالهما ومواقفهما المبدئية وصمودهما في وجه مشاريع التطبيع والتغريب، ووقفا بعزم وإصرار يدافعان عن فلسطين بصفتها قضية وطنية، وعن الوحدة والسيادة المغربية كقضايا مصيرية”. وفق البيان.
وأدانت المجموعة "تطاول هؤلاء على مناضلين أحرار جندوا أنفسهم لخدمة أمتهم ومقدساتها الدينية وفي مقدمتها فلسطين"، محذرة بشدة من خطورة الخطاب التكفيري التحريضي.
يأتي هذا الهجوم في وقت أعلن فيه أحمد ويحمان، أن مسؤولي الأمن منعوه من الدخول إلى مسرح محمد الخامس بالرباط لمتابعة أشغال افتتاح المنتدى العالمي الخامس للسوسيولوجيا، وذلك على ما يبدو بسبب ارتدائه الكوفية الفلسطينية.
وأضاف ويحمان عبر منشور على فيسبوك، 6 يوليو، "ركز رجال الأمن نظرهم على الكوفية الفلسطينية على رقبتي وهم يتحدثون، وبينما كان رجال، بالزي المدني، يصورون المشهد وبجانبهم مدير المسرح".
وجاء ذلك بعد وقفة الاحتجاجية لمناهضي التطبيع مع إسرائيل "ضد حضور الصهاينة القتلة المشاركين في المنتدى".
ويرتبط اسم "كلنا إسرائيليون" بأحمد الشرعي مالك مجموعة “الأحداث المغربية” الإعلامية، والذي أصدر مقالا مع بدء العدوان الإسرائيلي على غزة في أكتوبر/تشرين أول 2023، أعلن فيه دعمه للكيان، واصما حركة المقاومة الإسلامية حماس بالإرهاب، وداعيا الدول العربية إلى الوقوف في وجهها.
ويردد خطاب الشرعي عدد من العاملين في مؤسساته الإعلامية، خاصة جريدة "الأحداث المغربية" وإذاعة "ميد راديو" وموقع "كيفاش" ومنابر أخرى.
ويدافع هؤلاء عن تطبيع الرباط مع تل أبيب، الموقع نهاية 2020، كما يسعون لفك ارتباط المغاربة مع قضايا الأمة، وعلى رأسها قضية فلسطين.
هجوم متعدد
كما نشر عزيز هناوي سلسلة تدوينات بخصوص عدد من الفاعلين الذين يهاجمونه وويحمان.
ومن هؤلاء المدون المغربي هربز نبيل، والذي يعلن دعمه للتطبيع ويركز على نشر مقاطع عبر يوتيوب تتهم أنصار القضية الفلسطينية بالعمالة لإيران وبأنهم لا يوالون مؤسسات بلدهم.
كما انخرط في الهجوم على ويحمان وهناوي الشيخ محمد الفيزازي، المتهم سابقا بالإرهاب الذي جرى العفو عنه، ليتحول خطابه إلى "التطبيل" للسلطة وقراراتها، ومن ذلك التطبيع مع الكيان الإسرائيلي.
وقال الفيزازي في أحد منشوراته عبر فيسبوك، 2 يوليو: إن "المرصد المغربي لمناهضة التطبيع أسسه ملاحدة ولا دينيون وعلمانيون وإسلاميون وعلى رأس الجوقة الهجينة يهودي اسمه إدمون عمران".
وأردف: “كل هؤلاء وآخرون يريدون تحرير فلسطين والمسجد الأقصى ونصرة الإسلام في الأرض المباركة. فهل هناك سفه وضياع مثل هذا؟”
فيما ركز "ثلاثي غرفة الفار"، وهو برنامج يقدمه الصحفيان رضوان الرمضاني ويونس دافقير والجامعي عمر الشرقاوي، على الهجوم على أنصار القضية الفلسطينية ورفض التطبيع.
وعلى رأسهم هناوي وويحمان والأمن العام لحزب العدالة والتنمية عبد الإله ابن كيران.
وأمام شدة الهجوم الذي تعرض له الثلاثي الداعم للتطبيع والمتهجم على المقاومة الفلسطينية، بثوا حلقة للرد على الاتهامات، مطلع يوليو 2025، مما يشير إلى اتساع رقعة النقد الموجه لهم.
وفي هذا السياق، سبق للكاتب الصحفي هشام رماح أن كتب مقالا عبر موقع "الجريدة 24"، 25 أكتوبر 2024، وصف فيه هناوي وويحمان بالمستلبين والمختطفين من لدن الشيطان الإيراني، وفق تعبيره.
واتهمهما بأنهما يبغيان "اختطاف القضية الفلسطينية من المغاربة وتنصيب نفسيهما، مدافعين عنها وحدهما دون الآخرين".
واسترسل: الأكيد أن فيما يرمي إليه هذان ومن معهما من جوقة "المرصد المغربي لمناهضة التطبيع"، هو الاستحواذ على قضية ركبوا عليها طويلا، واستفادوا من ريعها مثل استفادتهم من أي أصل تجاري، وفق تعبيره.
وأردف رماح: "هناوي وويحمان يؤديان دورهما جيدا مثل شبيحة إيران المندسين بين المغاربة، ويوديان بالقضية الفلسطينية التي يلهجون بكونهم من لهم صك الدفاع عنها، إلى واد سحيق".
انقلاب الموازين
هذا الهجوم المستمر على رموز النضال المغربي ضد الاحتلال والتطبيع، لم يمر دون رد؛ حيث انبرى عدد من الناشطين للدفاع عن هناوي وويحمان، وللتأكيد أن ما يفعلانه يعكس رأي وقناعة عموم المغاربة.
وفي هذا الصدد، قال الباحث في العلوم الشرعية حمزة الخالدي: إن "من شك في صدق وطنية هذين الرجلين فليراجع انتماءه لوطنه".
وأضاف الخالدي في تدوينة عبر فيسبوك، 3 يوليو، "قد نختلف في كثير من التفاصيل، ولكن هذا لا يعني أنهما ليسا على ثغر الوطنية، وعلى باب الديانة الإسلامية دفاعا عن وحبا في الأصيل".
واسترسل: "لا داعي لتزوير الرأي العام وتلفيق التهم الجاهزة لهما فهذا لا ينفع، بل يضر المجتمع الثقافي المغربي، قابلو الفكر بالفكر ودعوا عنكم الباطل".
من جانبه، قال الحسن بن علي الكتاني رئيس رابطة علماء المغرب العربي وعضو رابطة علماء المسلمين والهيئة العالمية لأنصار النبي محمد إن هناوي وويحمان "يؤديان عملا كبيرا وجهادا عظيما يشرف المغاربة ويبيض سمعتهم في التاريخ وعلى الجميع معرفة فضلهم واحترامهم".
وقال الباحث الأكاديمي والناشط الداعم للقضية الفلسطينية، محمد عوام: إن ويحمان وهناوي مناضلان شريفان يزعجان جهة معينة معادية وخائنة للوطن وللأمة ولتاريخ المغرب وللقضية الفلسطينية، وهي التي تسمى "كلنا إسرائيليون".
وأضاف لـ "الاستقلال"، هذه الجهات هي التي تزايد على هذين الشريفين في الوطنية، مما يدل أننا وصلنا إلى بؤس وانحطاط لا حد له.
وتابع أن “أنصار الاحتلال جمعوا كل أشكال الخيانة، ومع ذلك يزايدون على الشرفاء المغاربة، لقد انقلبت الموازين اليوم حتى أصبح الخائن يدعي الوطنية، والمواطن الحقيقي الذي يدافع عن الوطن يتهم في وطنيته”.
وذكر عوام أن "هؤلاء الخونة الذين يعملون في إطار أجندة الصهيونية إعلاميا وثقافيا أصبحت لهم اليد الطولى، ولا يؤمن شرهم".
وتأسف على أن "الدولة المغربية صامتة وتتفرج عليهم وهم يعلنون ذهابهم إلى إسرائيل ولقاءاتهم بالموساد (جهاز الاستخبارات الإسرائيلي) وغيره".
وشدد الباحث على أن اتهامات "كلنا إسرائيليون" لهناوي وويحمان متهافتة وحمقاء وفيها مزايدات، ومن ذلك اتهامهم بالتشيع أو موالاة إيران.
واسترسل: نؤيد إيران في دفاعها عن نفسها وهجومها على الكيان الفاشي النازي؛ لأن هذا هو الموقف الطبيعي أمام ما يجرى من جرائم إبادة بغزة.
وأردف أن كل إنسان مسلم طبيعي سيقف إلى جانب كل دولة إسلامية تواجه الكيان المارق؛ لأننا أمة واحدة، عليها توحيد الصفوف لمواجهته.
وذكر المتحدث ذاته أن "كلنا إسرائيليون" لن يجنوا شيئا من هجومهم على أنصار القضية الفلسطينية، “وسيظل التاريخ يلعنهم، ويلعن كل من يواليهم”.
وخلص إلى أن الأمر نفسه يسري على اتهاماتهم لعبد الإله بنكيران في ولائه وإخلاصه لمؤسسات بلده، مشيرا إلى أنه معروف بوطنيته وتاريخه المشرف.
وذكر عوام أن بنكيران معروف أيضا بغيرته وصدقه الذي لا ينكره إلا جاحد، موضحا أن "صراحته مزعجة لبعض الناس، ومنهم الخونة والعملاء".

هجوم سابق
في مطلع 2025، تهجم نائب مدير مكتب الاتصال الإسرائيلي بالرباط حسن كعيبة على عزيز هناوي، وهو ما ردت عليه مجموعة العمل الوطنية من أجل فلسطين في حينه.
ففي 23 يناير/ كانون ثاني 2025، قالت مجموعة العمل، إنه في سابقة خطيرة اتهم المسمى حسن كعيبة في بيان له عزيز هناوي والمقاومة الفلسطينية بالإرهاب.
وأشارت إلى أن كعيبة الذي سبق له أن وجه الشتائم للمغاربة قد "كتب هذا البيان بنفس إجرامي، يعكس تضايق الصهاينة من وفاء الشعب المغربي لحرية فلسطين ودعم طوفان الأقصى".
وأبرزت مجموعة العمل أن "طوفان الأقصى أسقط تفوق الجيش الصهيوني الذي فشل فشلا ذريعا في مواجهة الأبطال والمقاومين، الذين سطروا أروع الأمجاد في مواجهتهم للعصابات الصهيونية الغازية".
ورأت أن ما دفع المدعو كعيبة للهجوم على المغاربة داعمي الشعب الفلسطيني، هو فشل العدو الصهيوني في تحقيق أي هدف عسكري في غزة العزة واختراق النسيج الاجتماعي المغربي بغاية تغيير صورة المحتل المجرم في وعي شعوب المنطقة.
وأضافت المجموعة أن هذه الشعوب حجت خلال الشهور الماضية إلى الساحات والميادين للتعبير عن إدانتها القوية للعدوان الصهيوني على غزة ورفضها المطلق لكل أشكال التطبيع مع كيان مجرم دموي.
وعبرت عن إدانتها بأشد العبارات تطاول المدعو كعيبة على مناضل شريف، يناضل إلى جانب كل المغاربة الأصلاء، دعما ومساندة للشعب الفلسطيني.
ودعت مجموعة العمل إلى ضرورة تحرك المسؤولين للجم ما وصفته بـ "الغراب الناعق وأمثاله".
وتابعت "فليست هذه الخرجة (التصريحات) هي الأولى من نوعها، وإنما سبقتها تهديدات استهدفت ناشطي فلسطين ومنهم الأخ عزيز هناوي".
وذهبت إلى أن وصف حركة حماس بالإرهابية وهي التي حلّت ضيفا مرحبا به رسميا وشعبيا ببلادنا، يعد تدخلا سافرا في الشأن الوطني والسيادي.
وجدَّدت في نفس البيان دعوتها للمسؤولين إلى المبادرة لإغلاق مكتب الاتصال الإسرائيلي وإنهاء كل أشكال العلاقات التطبيعية مع القتلة والمجرمين.
كما دعت كل القوى الحية ببلادنا إلى مزيد من اليقظة لإحباط محاولات الصهاينة وأدواتهم ومنهم المدعو حسن كعيبة.

معركة إعلامية
في قراءتها لكل هذه التفاعلات، ترى نائبة الأمين العام لنقابة الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، حليمة الشويكة، أن هجوم أنصار "كلنا إسرائيليون" على الداعمين للقضية الفلسطينية هو أحد التكتيكات التي يجرى توظيفها إعلاميا من جهات تعوزها الحجة والقوة في الدفاع عن اصطفافاتها ومواقفها.
وأردفت لـ "الاستقلال"، أن هؤلاء لا يوجد لديهم قضية ليدافعوا عنها وشعارهم كان له مفعول عكسي بسبب الجرائم البشعة التي ترتكبها إسرائيل ويندد بها كل الأحرار في العالم.
وذكرت القيادية النقابية والناشطة السياسية أن "هؤلاء، ولكي يحولوا المعركة الإعلامية من التركيز على جرائم الكيان الصهيوني وهزيمة جيشه أمام ضربات المقاومة، وجهوا تهمة جاهزة لمناصري فلسطين تتمثل باللا وطنية والولاء لجهات خارجية".
وأشارت إلى أن هذه التهمة تقليدية؛ إذ عادة ما تواجه بها الأنظمة السلطوية خصومها السياسيين والمعارضين.
والحقيقة الساطعة وفق الشويكة أن "هذا الاستعمال المفرط لفزاعة الوطنية والتوزيع الانتقائي لصكوك المواطن الصالح، والاستعمال المبتذل لقضية الوحدة الترابية، كل ذلك يضر بالوطن وبمصالحه وبالإجماع حول وحدته الترابية أكثر مما يفيدها".
ونبَّهت إلى أن "استغلال هذه القضايا المقدسة في تصفية حسابات سياسية يدنسها ويسلب عنها قدسيتها".
وشددت على أنه، إذا كان هناك من يسيء فعلا للوطن فهم جماعة "كلنا إسرائيليون" الذين أعلنوا صراحة ولاءهم لدولة مجرمة يتابع قادتها في محكمة الجنايات الدولية.
“وهم الذين يستغلون أيضا قضايا وطنية حولها إجماع لا نقاش فيه، ويستعملونها في مواجهة خصومهم الذين لا يستطيعون مواجهتهم بالحجة والدليل والنقاش العقلاني”، وفق قولها.