أوزغور أوزيل يستحضر انقلاب السيسي ويلوح بتطبيقه في تركيا.. ما القصة؟

منذ ٩ ساعات

12

طباعة

مشاركة

في الآونة الأخيرة، أثار رئيس حزب الشعب الجمهوري التركي المعارض أوزغور أوزيل جدلا واسعا في الساحة السياسية، بسبب تصريحات حملت في طياتها تهديدات مبطّنة باللجوء إلى الشارع.

وعلق مركز الدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية "سيتا" بأن تصريحات أوزيل كان توحي بإمكانية تكرار سيناريوهات غير ديمقراطية مثل ما حدث في انقلاب رئيس النظام المصري الحالي عبد الفتاح السيسي عام 2013 على الرئيس الراحل محمد مرسي.

أزمة خطاب

وجاءت هذه التصريحات في سياق تصاعد الجدل حول ادعاءات الفساد والرشوة التي تنال عدداً من بلديات الحزب، وعلى رأسها بلدية إسطنبول الكبرى، ما فتح باباً واسعاً للنقاش حول مستقبل المعارضة التركية، وحدود الخطاب السياسي المقبول في دولة ديمقراطية. 

وفي 23 مارس/آذار، قررت السلطات التركية حبس رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو على ذمة قضايا فساد وتزوير واحتيال وتلاعب في مناقصات مشاريع والإخلال بتنفيذ عقود.

وسلط المركز التركي في مقال للكاتب "نبي ميش"، الضوء على أزمة الخطاب في المعارضة التركية بين ادعاءات الفساد والتلويح بالفوضى.

وبين الكاتب أنّ أوزغور أوزيل في موقفه الأخير لم يتطرق إلى جوهر القضية المثارة، وهي اتهامات الفساد المتعددة الموجهة إلى بلديات يديرها حزبه. 

كما لم يُقدم للرأي العام تفسيراً شفافاً أو دفاعاً مؤسساً على الأدلة لنفي أو تفنيد هذه الادعاءات، ولم يسعَ أبداً إلى إنتاج خطاب سياسي يضع الحقائق أمام المجتمع، ويقنعه ببراءة البلديات المتهمة. 

بدلاً من ذلك، لجأ إلى إستراتيجية هجومية، تقوم على التصعيد والتلويح بالشارع، وهو ما يعكس في العمق عجزاً عن تقديم رواية سياسية مقنعة، وشعوراً واضحاً بفقدان السيطرة على الزخم الجماهيري الذي كان الحزب قد راكمه خلال السنوات الماضية. 

ولفت الكاتب التركي إلى أن تصريحات أوزيل لم تكن عفوية، بل جاءت بصياغة حادة ومدروسة.

إذ قال: "أنا من يحدد متى أدعو الناس إلى الشارع. لا تجبروني على دعوة هذا الشعب للنزول. ستشاهدون الساحات على التلفاز، كما في مصر".

وأردف: "ما ترونه الآن هو مجرد بروفة، في 81 ولاية، أنتم تشاهدون الإعلان الترويجي، فقط، وسأعرض عليكم فيلم الرعب لاحقاً"، وفق تعبيره.

وأوضح الكاتب أن استخدام هذه اللغة، التي تشبه التهديد العلني بزعزعة الاستقرار، لا يمكن تفسيرها إلا في إطار نزعة خطيرة لدى قيادة الحزب لإعادة تعريف موقعها السياسي خارج إطار المؤسسات.

مأزق تعبوي

وأردف أن من يعرف التاريخ القريب لـ"الشعب الجمهوري" يدرك أنه حاول طيلة السنوات الأخيرة التخلص من إرث "الحزب الداعم للانقلابات". 

فبعد أن ارتبط اسمه طويلاً بالوصاية العسكرية، والمواقف الضبابية تجاه تدخل الجيش في السياسة، كان الحزب يسعى لتقديم نفسه كقوة سياسية مدنية تؤمن بالديمقراطية والاحتكام إلى الشعب. 

لكنّ تصريحات أوزيل الأخيرة تعيد الحزب خطوات إلى الوراء، وتُقوّض كل الجهود التي بُذلت لإعادة بناء الثقة الشعبية فيه.

لذلك، فإن أي تصريح يُفهم منه التلويح بالعنف أو الاستقواء بالشارع على حساب الصندوق الانتخابي، يُعدّ بمثابة عودة إلى تلك الحقبة التي يسعى الحزب جاهداً للتخلص من إرثها.

وعلق الكاتب: عندما أقول هذا، لا أعني أن هناك احتمالاً لوقوع انقلاب في تركيا.

وأردف: "ما أحاول شرحه هو مدى فداحة الخطأ السياسي الذي يرتكبه رئيس حزب المعارضة الرئيس في البلاد عندما يتخذ من الانقلاب الذي وقع في مصر نموذجا يُحتذى به".

وأشار الكاتب التركي إلى أن أوزغور أوزيل لمّح في تصريحاته إلى أن النظام الحاكم قد لا يُجري انتخابات، وهو ادعاء كبير لا يسنده دليل موضوعي. 

ورغم أن انتقاد الحكومة ومحاسبتها من صميم العمل المعارض، فإنّ التلميح باحتمال انهيار المسار الانتخابي لا يخدم إلا التيارات المتطرفة التي تسعى لزعزعة الاستقرار.

وهو ما يعد خطأً سياسياً فادحاً من قبل زعيم حزب يفترض أنه يُمثّل الأمل الديمقراطي البديل، وفق الكاتب.

ورأى أن تصريحات أوزيل تأخذ منحى أخطر عندما يستشهد بما حدث في مصر، حيث أُطيح برئيس منتخب عبر انقلاب عسكري دموي، مُستخدماً هذا المثال وكأنه "نموذج" لما يمكن أن يحدث في تركيا. 

وذكر أن اعتماد نموذج سياسي يقوم على تعطيل الإرادة الشعبية، كما حدث في مصر، لا ينسجم مع مبادئ الديمقراطية، ويُقوّض من مصداقية حزب الشعب الجمهوري نفسه، الذي طالما دافع قادته عن رفض الانقلابات والاحتكام إلى صناديق الاقتراع.

شعور بالعجز

من جهة أخرى، تنظم قيادة الحزب تجمعات جماهيرية واسعة منذ بدء التحقيقات في قضايا الفساد المتعلقة ببلدياتها، خصوصاً في إسطنبول. 

لكنّ حجم المشاركة الشعبية في هذه التجمعات بدأ يتراجع مع الوقت، تزامناً مع تزايد القناعة لدى قطاعات من المجتمع بأن الادعاءات قد تكون جدية. 

فقد أظهرت استطلاعات الرأي أن نسبة الذين يعتقدون بوجود فساد حقيقي في بعض بلديات الحزب في تصاعد ملحوظ، مما يعكس اهتزازاً في الثقة الجماهيرية.

ومن هنا، يطرح مراقبون تساؤلات مشروعة: هل يعكس تصعيد الخطاب السياسي من جانب زعيم المعارضة شعوراً بالعجز عن حشد التأييد الشعبي الكافي؟

 وهل تحوّلت لغة التهديد بالشوارع إلى محاولة يائسة للضغط السياسي، بعد فشل المسارات القانونية والإعلامية في احتواء الأزمة؟

وعلق الكاتب التركي: إنه من المؤسف أن تُستخدم لغة التحشيد والانقسام في وقت تحتاج فيه البلاد إلى مناخ سياسي مسؤول يكرّس احترام القانون والاحتكام للمؤسسات.

فالتجربة التركية الحديثة أثبتت أن الشارع لا يمكن أن يكون بديلاً عن الصندوق، وأن محاولات فرض الإرادة عبر التهديد، أو بثّ الخوف من الفوضى، غالباً ما ترتد سلباً على مطلقيها.

وأضاف الكاتب: إن تركيا منذ انتخابات 1950 قطعت شوطاً كبيراً في ترسيخ مبدأ التداول السلمي للسلطة عبر الانتخابات. 

وقد أظهر المجتمع التركي مراراً أنه لا يمنح الشرعية لمن يحاول فرض رؤاه عبر التهديد أو الفوضى أو تجاوز المؤسسات. 

ولذلك، فإن أي خطاب سياسي يُلمّح إلى العنف أو يتغاضى عن أطر الديمقراطية يُعدّ خروجاً عن إرادة الشعب، وعبئاً إضافياً على أي حزب يسعى للوصول إلى الحكم.

في نهاية المطاف، يتعين على حزب الشعب الجمهوري أن يعيد تقييم خطابه السياسي، ويكف عن استحضار النماذج الانقلابية في عالم يُقيّم أداء المعارضة بمدى التزامها بالديمقراطية، وليس بقدرتها على التحشيد في الشوارع، وفق الكاتب.

وأكد أن "الديمقراطيات لا تُبنى بالتهديد، بل بالمصداقية، والحوار، والشفافية، والتنافس على أساس البرامج لا السيناريوهات السوداء".


المصادر