صربيا تسبح عكس التيار الأوروبي.. كيف تُغذّي آلة الحرب الإسرائيلية بغزة؟

خالد كريزم | منذ ٧ ساعات

12

طباعة

مشاركة

في ظل استمرار الإبادة الجماعية في غزة، تواصل صربيا السباحة عكس التيار الأوروبي عبر تقديم دعم سياسي وعسكري لإسرائيل لم يتزعزع منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2025.

وتغض بلغراد الطرف عن التحولات الأوروبية المتزايدة خطابيا وإجرائيا ضد تل أبيب بسبب استمرار العدوان على قطاع غزة وتجويع أهله، متفاخرة بعلاقاتها الراسخة مع إسرائيل.

علاقات جدلية

فبينما ينأى العالم بنفسه عن إسرائيل، زارت رئيسة البرلمان الصربي آنا برنابيتش، تل أبيب من 7 - 9 يوليو/تموز 2025، وأعربت عن دعمها إياها وتطلعت لزيادة التعاون معها في مختلف المجالات.

والتقت برنابيتش، الرئيس الإسرائيلي يتسحاق هرتسوغ ووزير الخارجية جدعون ساعر ورئيس الكنيست (البرلمان) أمير أوحانا.

وفي إطار التعاون المشترك، صرحت أن الجانبين يركزان حاليا على اتفاقية التجارة الحرة  التي جرى الاتفاق عليها بين هرتسوغ ونظيره الصربي ألكسندر فوتشيتش خلال زيارة الأول إلى صربيا في سبتمبر/أيلول 2024، ووعدا بتنفيذها “في أقرب وقت ممكن”.

وخلال زيارتها، شكرت برنابيتش إسرائيل على تصويتها ضد عدّ مجزرة سربرينيتسا في البوسنة عام 1995 “إبادة جماعية”، كما قدمت تعازيها في مقتل آخر 5 جنود إسرائيليين ببيت حانون شمال غزة خلال يوليو.

وامتنعت إسرائيل عن التصويت على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة لعام 2024، لجعل 11 يوليو من كل عام يوما لتذكر الإبادة الجماعية في سربرينيتسا.

ففي 11 يوليو من عام 1995، اجتاح الجيش الصربي وجيش صرب البوسنة هذه المدينة وقتل خلالها أكثر من 8000 بوسني واغتصب مئات النساء.

وأوضح الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش في مقابلة مع صحيفة جيروزاليم بوست العبرية نشرت في 6 يونيو 2025: "كنا ممتنين جدًا لإسرائيل لعدم تصويتها لصالح القرار، أعتقد أن ذلك كان مهمًا لها وللشعب اليهودي".

وعلل ذلك بأنه “في المرة القادمة قد تتعرضون لمثل هذا القرار في الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولن تُصوّت صربيا لصالحه”، في إشارة إلى احتمال إدانة إسرائيل بسبب تنفيذها عمليات إبادة جماعية في قطاع غزة.

وخلال زيارتها لم تغفل رئيسة البرلمان الصربي، التطرق إلى إدانة احتجاز المقاومة الفلسطينية الصربي الإسرائيلي ألون أوهيل (24 عاما) في قطاع غزة بعد أسره من مهرجان نوفا في مستوطنة "ريعيم".

وتعرّض أوهيل لإصابة بجروح، كما كشفت والدته في وقت سابق نقلاً عن شهادات رفاق له أطلق سراحهم من الأسر أن شابا بعمر 19 عاماً خيّط لابنها جروحه من دون بنج، وأنه فقد الرؤية في عينه اليمني. 

وتكثفت العلاقات بين صربيا وإسرائيل في جميع القطاعات خلال السنوات القليلة الماضية، إلا أنه لا يزال هناك الكثير من الإمكانات لتعزيز التعاون السياسي والاقتصادي، بحسب رئيسة البرلمان الصربي.

وأشارت برنابيتش إلى أن 2024 كان عامًا قياسيًا من الناحية الاقتصادية من حيث حجم التجارة الثنائية في السلع، والذي بلغ حوالي 200 مليون دولار، و"هو رقم متواضع".

وقالت للصحفيين: "كان عامًا قياسيًا بلا شك لكن مع ذلك، بلغ حجم التبادل التجارة 350-360 مليون دولار، ويعود الفضل إلى حد كبير لافتتاح مكتب غرفة التجارة والصناعة الصربية في القدس في نوفمبر (تشرين الثاني) 2021".

وأضافت أن أرقام الأشهر الأربعة الأولى من العام 2025 كانت أفضل، مما يشير إلى نمو التجارة الثنائية في السلع والخدمات مقارنة بالفترة نفسها من عام 2024.

كما أوضحت أن الوزير ساعر يعتزم زيارة صربيا قريبًا، وأن العمل جارٍ على وضع اللمسات الأخيرة على اتفاقية تعاون بين وزارتي العلوم والابتكار لدى الجانبين.

وزيارة برنابيتش لم تكن الوحيدة هذا العام، فقد سبقها وزير الخارجية الصربي ماركو دوريتش، إلى تل أبيب مطلع العام 2025 فيما يدل على رغبة متبادلة لتعميق التعاون.

وتحفظ صربيا لإسرائيل تصويتها لاستضافة بلغراد معرض إكسبو 2027، فيما تشكر تل أبيب الدولة الواقعة في غرب البلقان على استقبالها بحفاوة في جميع الأندية والمباريات الرياضية، في ظل عزوف دول أخرى عن ذلك.

وبالعموم، من الناحية الكمية، لا تُعدّ إسرائيل شريكا تجاريا رئيسا لصربيا؛ إذ لا تُصنّف حتى بين أفضل 30 وجهة تصدير.

 لكن من حيث قطاعات محددة، تُمثّل شراكة إستراتيجية؛ إذ يُطوّر البلدان علاقات اقتصادية في مجالي التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي. 

وصرّح فوتشيتش أخيرا بوجود "فرص واسعة للتعاون" في هذه القطاعات، وكذلك في مجال الأمن السيبراني، مما يُسهم في جذب المزيد من الاستثمارات الإسرائيلية. 

في عام 2020، أُدرجت وكالة المعلومات الأمنية الصربية ضمن مستخدمي برنامج شركة "سيركلز" الإسرائيلية، الذي يُمكّن المستخدم من تحديد موقع أي هاتف في البلاد في ثوانٍ. 

علاوة على ذلك، أكدت منظمتا العفو الدولية وAccess Now الرقابيتان أن برنامج التجسس العسكري الإسرائيلي "بيغاسوس" استهدف ناشطي المجتمع المدني الصربي قبيل الانتخابات العامة عام 2023.

التعاون العسكري

ويحضر الجانب العسكري كأحد أبرز مجالات التعاون بين صربيا وإسرائيل، والذي لم يتوقف على الرغم من إيقاف دول أوروبية معروفة بدعم تل أبيب، تزويدها بالأسلحة في ظل العدوان على غزة. 

وكان لافتا تصريح برنابيتش، خلال زيارتها تل أبيب أن "إسرائيل لن تنسى أبدًا ما قدمته صربيا لها منذ 7 أكتوبر"، مشيرة إلى أن "جميع المسؤولين الإسرائيليين أعربوا عن امتنانهم العميق لبلغراد على هذا الدعم".

ومطلع يونيو/حزيران 2025 تفاخر الرئيس الصربي بالقول: "أنا الوحيد في أوروبا الذي يتاجر بالذخيرة العسكرية مع إسرائيل، هذا يُعرّضني لانتقادات لكن سأبقى ثابتا في موقفي".

وفي 23 يونيو، كرر الأمر نفسه في معرض رده على أسئلة في مؤتمر صحفي، قائلا: إن صربيا هي الدولة الوحيدة في أوروبا التي كانت تُصدر أسلحة إلى إسرائيل بعد هجوم حركة المقاومة الإسلامية حماس.

لكنه أضاف أن صربيا توقفت عن تصدير الأسلحة بعد هجوم إسرائيل على إيران (مواجهة الـ 12 يوما من 13 - 24 يونيو)، ما يفهم منه أن الأمر ينتهي بانتهاء تلك الحرب القصيرة.

وأفادت وكالة تسنيم للأنباء بأن القيادة الإيرانية حذرت من أن أي دولة تُزوّد ​​النظام الإسرائيلي بمعدات عسكرية من أي نوع ستعد "متواطئة في العمل العدواني ضد إيران وستتحول إلى هدف مشروع".

ويبدو أن هذا كان أحد أسباب تصريحات الرئيس الصربي الأخيرة، خاصة أن العديد من التقارير الغربية تشكك بإمكانية توقف بلغراد عن دعم تل أبيب. 

وأردف فوتشيتش أن صربيا تُصدر ذخيرة، لا أسلحة، وأن حوالي 24 ألف شخص يعتمدون على هذه الصادرات في معيشتهم.

وفي وقت سابق من عام 2025، أظهر تحقيق أجرته شبكة بيرن الاستقصائية التي تغطي منطقة غرب البلقان أن صربيا صدّرت أسلحة وذخائر بقيمة 42.3 مليون يورو إلى إسرائيل خلال عام 2024، بزيادة قدرها 30 ضعفًا عن عام 2023.

وقال فوتشيتش خلال مقابلة مع جيروزالم بوست من بلغراد في يونيو: إن بلاده تعتزم مواصلة دعم تل أبيب بإمدادات الأسلحة. مضيفا: "سنظل دائمًا نقدّر ونحترم ونحب الشعب اليهودي وإسرائيل".

وأوضح أنه في اليوم التالي لهجوم حماس على إسرائيل، اتصلت تل أبيب ببلغراد، مفادها: "نحتاج هذا وذاك في أسرع وقت. لم نكن مستعدين تمامًا".

وأردف: "كنت وزيرًا للدفاع (إلى جانب منصبه)، وأعرف كيف تسير الأمور - أصدرنا تراخيص من مختلف الوزارات، وأجهزة الأمن والمخابرات، والهيئات الحكومية وغير الحكومية... وجمعنا كل شيء في غضون أربعة أيام، وفعلنا ذلك".

لذا، فليس من المستغرب، أنه باستثناء إدانة هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر، يلتزم المسؤولون الصرب الصمت التام حتى الآن تجاه العدوان على غزة.

وفي تقرير آخر، قالت جيروزاليم بوست في 3 يوليو: “باستثناء الولايات المتحدة، رفض جميع الحلفاء الغربيين، ومن بينهم ألمانيا وإيطاليا، بيع إسرائيل ذخيرة أو مواد حيوية أخرى. في النهاية، لم يسد هذا الفراغ سوى ثلاثة شركاء غير متوقعين: المجر وصربيا وجمهورية التشيك”.

ونقلت عن مسؤول دفاعي إسرائيلي رفيع المستوى قوله: "فرض أكبر حلفائنا حظرًا على الأسلحة على إسرائيل. باستثناء الأميركيين، لم يزودنا أحد بمعدات للعمليات الهجومية، أو حتى يبيعنا قطع الغيار اللازمة لإنتاجها بأنفسنا، باستثناء المجر وصربيا والتشيك".

وأوضح التقرير: “لم يكن هناك مكانٌ أوضح من بلغراد في هذا التباين السياسي. فقد وسّعت شركة يوغو إمبورت إس دي بي آر، الحكومية الصربية، عمليات التسليم بشكلٍ كبير بعد أكتوبر 2023".

ورصدت وسائل الإعلام في البلقان موجةً من رحلات الشحن التي تربط المطارات الصربية بالقواعد العسكرية الإسرائيلية، وكانت معظمها تحمل قذائف مدفعية من عيار 155 ملم، وهي أعمدة الحرب البرية الحديثة. 

تاريخ العلاقات

وتستخدم صربيا مصطلح “الدولة اليهودية” في بعض الأحيان للإشارة إلى الكيان الاحتلال، وتعد بتشكيل أقوى رابطة بين بلغراد و"إسرائيل الحرة".

وبالعودة إلى تاريخ العلاقات، خلال الحرب العالمية الثانية، تعرّض يهود يوغوسلافيا السابقة للإبادة على يد قوات المحور والأنظمة الداعمة لها.

وفي عام 1942، أصبحت صربيا أول دولة أوروبية يُعلنها النازيون "خالية من اليهود". 

فمن بين 80 ألف يهودي كانوا يعيشون في يوغوسلافيا قبل الحرب، قُتل حوالي 66 ألفًا في المحرقة، نصفهم تقريبًا من صربيا الحالية، وفق ما يوثق المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية (ISPI).

وأردف في 18 أكتوبر 2024: “بعد الحرب، شجعت القيادة الشيوعية الجديدة في البداية الهجرة إلى فلسطين، سعيًا للخلاص من فظائع المحرقة”.

وقد سهّلت هذه الهجرة شخصيات يهودية داخل القيادة اليوغوسلافية، مثل موسى بيجادي، أحد أقرب المتعاونين مع الزعيم اليوغوسلافي الراحل جوزيف تيتو.

وكانت صربيا واحدة من الدول الخمس عشرة الأعضاء في الأمم المتحدة التي عمل مندوبوها على مستقبل مستدام للعرب واليهود على حد سواء ضمن اللجنة الأممية الخاصة لفلسطين (UNSCOP) والتي تشكلت عام 1947 لإيجاد حل للقضية الفلسطينية. 

عارضت يوغوسلافيا إلى جانب إيران والهند، خطة التقسيم، واقترحت بدلا من ذلك دولة اتحادية ثنائية القومية، تكون القدس عاصمة مشتركة لها.  ومع ذلك، ظل هذا الاقتراح أقلية، وفق المعهد الإيطالي.

وفي مايو/أيار 1948، عندما أعلنت إسرائيل استقلالها (النكبة الفلسطينية)، كانت يوغوسلافيا - إلى جانب تشيكوسلوفاكيا وبولندا - ثاني دولة أوروبية تعترف رسميًا بهذا الكيان الوليد، بعد يوم واحد فقط من قيام الاتحاد السوفيتي بذلك.

ومع ذلك، كانت للشيوعيين اليوغوسلافيين علاقة وثيقة بالعالم العربي أيضًا. في خمسينيات القرن الماضي بدأ تيتو بناء علاقات دبلوماسية مكثفة مع مصر وأسست مع رئيسها الأسبق جمال عبد الناصر حركة عدم الانحياز. 

وفي عام 1967، عندما اندلعت حرب الأيام الستة، قطعت يوغوسلافيا جميع علاقاتها الدبلوماسية مع تل أبيب، بينما دعمت منظمة التحرير الفلسطينية بزعامة  ياسر عرفات.

ولم تُستأنف العلاقات الدبلوماسية بين بلغراد وتل أبيب إلا عام 1992. في تلك السنوات، عندما مزّقت الحرب الاتحاد اليوغوسلافي وطبيعته متعددة الأعراق، وجدت صربيا وإسرائيل أرضية جديدة لتطوير علاقاتهما: تجارة الأسلحة.

وفي تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2024، الذي طالب إسرائيل بإنهاء وجودها غير القانوني في الأراضي الفلسطينية المحتلة خلال عام، كانت صربيا من بين 46 دولة امتنعت عن التصويت (124 دولة مؤيدة و14 دولة معارضة). 

كما امتنعت عن التصويت في بداية الحرب، في أكتوبر 2023، عندما صوّتت الجمعية على قرار يدعو إلى "هدنة إنسانية فورية ودائمة ومستدامة" بين قوات الاحتلال والمقاومة الفلسطينية.

لكن تعرضت العلاقات بينهما إلى هزة عندما اعترفت كوسوفو وإسرائيل ببعضهما البعض حيث افتتحت الأولى سفارة لها بالقدس.

وانفصلت كوسوفو التي يمثل الألبان أغلبية سكانها، عن صربيا عام 1999 وأعلنت استقلالها عنها عام 2008، لكن بلغراد ما زالت تعدها جزءا من أراضيها، وتدعم أقلية صربية في كوسوفو.

وكانت العلاقات الإسرائيلية الكوسوفية دافعا لعدم نقل صربيا سفارتها من تل أبيب إلى القدس رغم وجود اتفاق سابق على الأمر.

وبعد فترة من الفتور، استعاد الجانبان في نهاية المطاف تنشيط العلاقات في أكتوبر 2023 بتعيين سفير صربي جديد في تل أبيب بعد أن ظلّ المنصب شاغرا لثلاث سنوات. 

وعلى صعيدٍ غير رسمي، أُعيدَ ضبط العلاقات الودية أيضًا باستضافة صربيا فرق كرة السلة الإسرائيلية في بلغراد لمبارياتها على أرضها في الدوري الأوروبي. 

وأخيرًا، يُمكن رؤية علامة أخرى على هذا الانتعاش في تعيين ماركو درويتش وزيرًا للخارجية الصربية، وهو من أصول يهودية وعاش لفترة في إسرائيل. 

قبل توليه منصب وزير الخارجية، شغل درويتش منصب سفير بلغراد لدى واشنطن، وبالتالي، يُشير تعيينه إلى أن صربيا تسعى للتقرّب من الولايات المتحدة. 

وأخيرًا، تأكّدت العلاقة الودية الحالية بين الجانبين أيضًا في الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2024، حيث التقى فوتشيتش رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. 

وقال نتنياهو وقتها: إن البلدين يتقاسمان "هدفا حاسما وهو إعادة جميع الرهائن سالمين إلى إسرائيل، بما في ذلك ألون أوهيل"، الذي يحمل أيضا الجنسية الصربية.