منها إلغاء وحدات عسكرية.. لماذا يعيد "حزب الله" هيكلة قواته في لبنان؟

"تشمل خطوة حزب الله دمج مؤسسات تربوية وصحية ورعائية مع بعضها"
يدرك حزب الله اللبناني حجم الضغوط الداخلية والخارجية عليه في مسألة المطالبة بتسليم سلاحه للدولة؛ الأمر الذي يدفعه نحو الشروع في هيكلية جديدة لقواته.
في 19 يونيو/حزيران، سلّم المبعوث الأميركي إلى سوريا توماس باراك ورقة مقترحات إلى بيروت تتضمن نزع سلاح حزب الله، ليأتي الرد عليها في الشهر التالي حاملا نقاطا إصلاحية وسيادية.
وتجنب لبنان تقديم جدول زمني واضح لسحب سلاح حزب الله، والالتزام بإطار تنفيذي لتسليم النوع الثقيل منه أو دمج عناصره في الجيش اللبناني، ليبقى الموقف ضبابيا.

هيكلة حزب الله
وتسعى الدولة اللبنانية لضبط المشهد الأمني والسياسي عقب المواجهة الأخيرة بين حزب الله وإسرائيل.
كما تؤكد مصادر مطلعة لموقع "جنوبية" المحلي، أن الحزب بدأ تنفيذ خطة تنظيمية جديدة تهدف إلى دمج عدد من وحداته الجهادية والتنفيذية، بالإضافة إلى مؤسسات تتشابه في طبيعة المهام، في إطار عملية إعادة هيكلة داخلية.
وأفادت مصادر مطلعة في 9 يوليو 2025 بأن هذه الخطوة تأتي في سياق مواكبة المرحلة الراهنة والتطورات المالية والميدانية؛ حيث يعمد الحزب إلى ترشيد نفقاته وتنظيم هيكليته بما يتلاءم مع الأوضاع الحالية.
وكان الحزب قد أوقف منذ سنوات التعاقد مع موظفين جدد، وعمد إلى فرز عدد من عناصره العسكريين نحو أعمال مدنية، بينما طُلب من البعض بعد الحرب الأخيرة البقاء في منازلهم إلى حين تبلور الصورة العامة.
وتشمل عملية الدمج المرتقبة وحدات مرتبطة بالتجهيز والدعم والإنشاءات المدنية، إضافة إلى الوحدات المالية والثقافية.
إلى جانب إلغاء وحدة الارتباط والتنسيق التي يرأسها وفيق صفا، حيث ورد أنه سيتولى ملفا جديدا ليس بعيدا عن ملف العلاقات السياسية والأمنية.
وهو ما استوجب توزيع اللجان الأمنية التابعة للوحدة المذكورة على المناطق التنظيمية المختلفة. كما سيتم دمج بعض الوحدات العسكرية الجغرافية، وإلغاء أخرى ذات طابع أمني، وفق المصادر ذاتها.
كذلك، تشمل الخطوة دمج مؤسسات تربوية وصحية ورعائية، إلى جانب توحيد مؤسسة “جهاد البناء” المعنية بالشأن الزراعي والعمران كونها مرتبطة بشركات مثل “معمار”، و”أرش”، و”وعد”، مع ما يتبع ذلك من تغييرات على مستوى إدارة هذه المؤسسات.
وخصوصا أن أداء تلك المؤسسات الخدماتي خلال الحرب كان متواضعا جدا أو شبه معدوم، بحسب نتيجة التقييمات التي أجرتها لجان مختصة شكلها حزب الله بعد المواجهة مباشرة.
وتضعضعت قوة حزب الله بما فيها القوى البشرية عقب اغتيال أغلب قادته من الصف الأول والثاني والثالث على يد إسرائيل في المعارك الأخيرة.
ولعل هذه العوامل شجعت الحكومة اللبنانية على إنهاء ملف الحزب ونزع قوته العسكرية مع الإبقاء عليه سياسيا.

"سد الاختراقات"
وهذه الخطوات التنظيمية المتسارعة تزامنت مع ما يُحكى في الكواليس السياسية عن استعداد “حزب الله” لبحث تسوية تدريجية حول المبادرة الأميركية التي تقترح تحوّل الحزب إلى كيان سياسي صرف خلال مراحل زمنية محددة، مقابل ضمانات أميركية أمنية واقتصادية.
خلال زيارته إلى بيروت وعقب لقائه الرئيس اللبناني جوزيف عون، قال المبعوث باراك: إن الولايات المتحدة، "لا تنوي تنفيذ ضغط مباشر على حزب الله"، بل ترغب في "دعم اللبنانيين أنفسهم إذا اختاروا التغيير".
وقد أكد عون، في 10 يوليو 2025، أن قرار حصر السلاح بيد الدولة “اتخذ ولا رجوع عنه” وأن "قرار الحرب والسلم من صلاحيات مجلس الوزراء"، مشيرا إلى أن التطبيع مع إسرائيل "غير وارد حاليا".
وقال في كلمة أمام وفد مجلس العلاقات العربية والدولية ببيروت، إن "تجاوب الفرقاء اللبنانيين وتعاونهم مع الدولة عامل ضروري لحماية البلاد وتحصينها، ومواجهة ما يمكن أن يخطط لها من مؤامرات"، وفق بيان لرئاسة الجمهورية.
ورأى عون أن "التغيير في الظروف التي تمر بها المنطقة يسهل إيجاد الحلول المناسبة للمسائل الدقيقة التي تواجه اللبنانيين، ومنها مسألة السلاح".
وفي تعقيبه على المقترح، قال الأمين العام لـ"حزب الله" نعيم قاسم، في كلمة متلفزة مطلع يوليو 2025، إن نزع السلاح مرهون "برحيل الاحتلال الإسرائيلي عن لبنان".
ويعد حزب الله قوة سياسية نافذة في لبنان، والجهة الوحيدة التي احتفظت بسلاحها رسميا بعد انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية عام 1990، حين كان قسم من جنوب البلاد لا يزال تحت الاحتلال الإسرائيلي.
وتأتي إعادة الهيكلة الحالية للحزب كمؤشر داخلي على استعداد محتمل لتكيّف سياسي أكبر، واستجابة دون الإعلان صراحة عن تغيير في جوهر المشروع المقاوم ولو نظريا، ما يفتح الباب أمام اختبار نيات حقيقي في الأسابيع المقبلة.
وضمن هذا السياق، قال المحلل والخبير العسكري والإستراتيجي، أحمد حمادة، إن “اتجاه حزب الله لإعادة هيكلة قواته في ظل المتغيرات الجديدة في لبنان والمنطقة تفرض عليه تقليص مؤسساته المتنوعة أولا بهدف تخفيف النفقات المالية نتيجة ضعف التمويل الذي يتلقاه من إيران”.
وبين حمادة لـ “الاستقلال” أن هذا الضعف يأتي "بسبب التشديد الحكومي اللبناني على وارداته المالية التي كانت تتدفق في السنوات السابقة بشكل مكثف".
ولذلك فإن "حزب الله مضطر لإعادة هيكليته الأمنية والعسكرية بسبب انكشافها أمام إسرائيل وتحقيق الأخيرة اختراقات كبيرة فيها وصلت لحد تصفية هرم القيادة له".
واستدرك: "من هنا عمل حزب الله على تقليص حجم وحداته ومحاولة تدارك الثغرات القديمة في الهيكلية السابقة لسد الاختراقات السابقة".
ورأى حمادة أن ما يسعى له "حزب الله هو الإبقاء على جوهر وجوده كحزب سياسي يحتفظ بفائض من القوة العسكرية في لبنان".
وذهب للقول: إن "حزب الله يريد تكييف هيكليته الجديدة بما يتوافق مع انقطاع خطوط الإمداد عبر سوريا من إيران، كونه محليا ما يزال لديه قدرات تصنيع عسكري من صواريخ وتجميع مسيرات هجومية بمعنى تحقيق اكتفاء ذاتي في المرحلة القادمة".

"الحفاظ على مناصريه"
وقلبت معركة الحزب الأخيرة مع إسرائيل "لمساندة غزة" في 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023 هيكليته ونفوذه السياسي في لبنان.
ودفع اتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل حزب الله في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، للانسحاب من معظم مواقعه جنوب لبنان إلى شمال نهر الليطاني على بُعد 30 كيلومترا من الحدود مع فلسطين المحتلة.
كما أجبر وفق الاتفاق على تفكيك ما تبقى من بِنْيته التحتية في الجنوب وانتشار الجيش اللبناني فيها، ونص الاتفاق كذلك على تطبيق القرار الأممي 1701، وحصر السلاح بيد الدولة اللبنانية.
وفي عام 2006 اعتُمد القرار 1701 بالإجماع في الأمم المتحدة بهدف وقف الأعمال العدائية بين "حزب الله" وإسرائيل، ودعا مجلس الأمن إلى وقف دائم لإطلاق النار على أساس إنشاء منطقة عازلة.
وبموجب القرار، قرر المجلس اتخاذ خطوات لضمان السلام، منها السماح بزيادة قوة الأمم المتحدة المؤقتة (اليونيفيل) إلى حد أقصى يبلغ 15 ألف فرد، من أجل مراقبة وقف الأعمال العدائية، ودعم الجيش اللبناني أثناء انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان، وضمان العودة الآمنة للنازحين.
غير أن التحدي الأكبر لحزب الله لا يكمن في تسليم سلاحه وبعض مواقعه للجيش اللبناني فحسب بل في طرح الحكومة اللبنانية فكرة دمج عناصره في المؤسسة العسكرية.
فحزب الله الذي تأسس على يد الحرس الثوري الإيراني عام 1982، يبلغ تعداد مقاتليه نحو مئة ألف، وهو رقم يماثل عدد قوات الجيش اللبناني.
ويعد سلاح حزب الله واحدا من أكثر المسائل تعقيدا على الساحة السياسية اللبنانية، حيث تواجه السلطات ضغوطا أميركية متزايدة لنزعه.
وفي حين أكد مسؤولون أن قرار "حصر السلاح بيد الدولة" متخذ، شددوا على أن ذلك يحتاج الى توافر "الظروف".
وعلى الرغم من هذه الضغوطات، أعلن نعيم قاسم، في 6 يوليو 2025 أن التهديدات الإسرائيلية لن تدفع حزبه إلى "الاستسلام"، مطالبا أولا أن تنسحب إسرائيل "من الأراضي المحتلة وتوقف عدوانها وطيرانها وتعيد الأسرى ويبدأ الإعمار".
وأضاف قاسم قائلا: "عندما يتحقق ذلك، نحن حاضرون للمرحلة الثانية، لنناقش الأمن الوطني والإستراتيجية الدفاعية".
و"الإستراتيجية الدفاعية"، هي التسمية الرمزية التي تشير إلى موقع سلاح حزب الله ودوره السياسي في المرحلة المقبلة ضمن الدولة اللبنانية.
ويؤكد الخبراء، أن حزب الله يعيد رسم صورته من جديد في المشهد اللبناني بما في ذلك مؤسساته العسكرية والخدمية التي تدعم جمهوره ومناصريه.
إذ إن الحزب يعد جميع مؤسساته من ضمن "سلاح المقاومة"، لكنه يدرك في الوقت نفسه أن خطط تجفيف تمويله وخنقه ماليا واقتصاديا قد بدأت.
لهذا يركز حزب الله على عدم انهيار هيكليته التي بناها منذ عقود؛ لأنه يرى وفق المراقبين، أن ضعف مؤسساته سيدفع مناصريه من القاعدة الشعبية إلى الاقتراع للوائح معارضيه أو عدم التحمس للمشاركة في الاستحقاقات الانتخابية.
لا سيما أن "حزب الله"، يدفع راهنا لأن يتحول إلى حزب سياسي اعتيادي، ودمج عناصره في المؤسسة العسكرية اللبنانية ضمن مسار مؤسساتي شبيه بما جرى بعد انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية.