متغيرات جديدة بالسويداء.. لماذا تراجعت دعوات الانفصال عن الدولة السورية؟

مصعب المجبل | منذ ٥ ساعات

12

طباعة

مشاركة

تشهد محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية والواقعة جنوب سوريا تراجعا في الأصوات الداعية للانفصال والرغبة في التقسيم، على الرغم من بقاء المواقف متصلبة مع القيادة السورية الجديدة في دمشق.

فبعد أقل من شهرين على تمسك رئيس الهيئة الروحية للطائفة الدرزية في محافظة السويداء، حكمت الهجري، بالرغبة في الانفصال عن سوريا، بدأت الانقسامات الداخلية بين أبناء الطائفة الدرزية حول مستقبل علاقتهم بالدولة السورية تطفو على السطح.

خطاب جديد

فقد أفادت تقارير صحفية بأن مصادر سياسية في إسرائيل كشفت عن اعتراض غالبية شيوخ منطقة السويداء على الدعوة الجديدة التي قدَّمها حكمت الهجري، بشأن تأييده الانفصال عن سوريا.

وقالت صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية في 9 أغسطس/آب 2025: إن المصادر السياسية طلبت من القيادات الروحية والعلمانية في إسرائيل أن تمتنع عن تشجيع القوى الانفصالية، وأن تتفهم موقفهم وتساعد في التوصل إلى تفاهمات مع الحكومة السورية لتصحيح مسارها مع الدروز في السويداء وغيرها.

ووفقا للمصادر، فإن غالبية شيوخ الدروز في السويداء يتمسكون بالنسيج الاجتماعي في سوريا، وقد طلبوا من الرئيس الروحي لطائفة الموحّدين الدروز في فلسطين، الشيخ موفق طريف، العمل على التوصل إلى اتفاق سياسي يضمن حماية الدروز في سوريا.

وطالب موفق طريف خلال لقائه رئيسة البرلمان الأوروبي روبرتا ميتسولا بالعمل على حل قضية النساء المختطفات من السويداء على وجه الخصوص، وتعهّد الجانب الأوروبي من جانبه بالعمل بشكل كبير على هذا الموضوع.

ويهدف الاجتماع الذي عقد في 3 سبتمبر/أيلول 2025 إلى مواصلة الضغط لرفع الحصار عن السويداء الذي تفرضه قوات الأمن الداخلي السورية.

 وقال الصحفي السوري عطا فرحات وفق ما نقلت قناة (i24News) الإسرائيلية: إن الشيخ طريف طالب بوجود معبر لإدخال المواد الغذائية الإنسانية والطبية التي جمعت من قبل أبناء الجليل والكرمل والجولان وإدخالها من قبل الاتحاد الأوروبي وليس الصليب الأحمر الدولي أو الهلال الأحمر السوري.

كما ذكرت قناة (i24News) الإسرائيلية، أن طريف طلب خلال اللقاء مع الأوروبيين تثبيت وقف إطلاق النّار، وفكّ الحصار وعودة النازحين إلى بيوتهم في قرى الريف الغربي والشّمالي للسويداء.

وسبق أن أعلنت فصائل في السويداء يوم 23 أغسطس/آب 2025، عن تشكيل ما يسمى "الحرس الوطني" في السويداء بقيادة رئيس الطائفة الروحية للموحدين الدروز، حكمت الهجري.

ويضم هذا التشكيل العسكري 30 فصيلا محليًا، ويهدف إلى تعزيز الدفاع عن المنطقة وحمايتها بحسب تعبيرهم في بيان.

وأشار البيان إلى التزام الفصائل العسكرية المذكورة بقرارات القيادة الروحية ممثلة بحكمت الهجري، مقدرة أنه "الممثل الشرعي" للطائفة الدرزية في السويداء.

وحسب بيان لممثل مضافة الكرامة الدرزية، ليث البلعوس، المعارض لمشاريع الهجري، فإن أبناء المحافظة كانوا ينتظرون من حكمت الهجري الذي يعده البعض مرجعية لهم أن يطل عليهم بموقف جامع يطرح الحلول ويقود الناس نحو بر الأمان.

وأضاف البلعوس أن مجموعة من هذه الفصائل عُرفت سابقا بالخطف والسرقة والنهب وابتزاز النساء.

وضرب مثالا بـ”قوات سيف الحق” و”قوات الفهد”، التي كانت تتبع للضباط السابقين في نظام بشار الأسد المخلوع بينهم القيادي المحلي الدرزي راجي فلحوط المتهم بتجارة المخدرات.

ورأى البلعوس المقيم في دمشق أن "إعلان تشكيل ما يسمى الحرس الوطني تسمية مستنسخة من الحرس الثوري" الإيراني.

الانفصال يتلاشى

بدا موقف الشيخ موفق طريف غير مؤيد لمشروع انفصال الدروز في السويداء عن سوريا، بل دعا الحكومة السورية إلى العمل على استعادة ثقة الدروز وضمان حقوقهم الدينية والسياسية.

وقال طريف خلال مقابلة مع "أورونيوز" في 7 أغسطس/آب 2025: إنه يأمل أن يتم إعطاء الدروز حقوقهم ضمن إطار الدولة السورية. مشيرا إلى أن "فرصة ذهبية" قد ضاعت في احتضان جميع المكونات داخل الدولة السورية ولم تتحقق.

وفسرت مواقف طريف على أنها مؤشر لعدم تأييده دعوة الهجري لانفصال السويداء عن الحكومة السورية.

وضمن هذا السياق، يؤكد رئيس مركز "رصد" السوري للدراسات الإستراتيجية العميد المتقاعد عبدالله الأسعد لـ"الاستقلال" أن "الزخم الذي كان يحرّض عليه حكمت الهجري بشأن انفصال السويداء عن سوريا تراجع وبدأ يتلاشى بعد بروز عدم اكتراث إسرائيلي به؛ لأن إسرائيل غير مستعدة الآن لرعاية جيش يتبع للهجري في تكرار لنماذج أنطوان لحد الضابط اللبناني الذي تولى قيادة ما كان يسمى بجيش لبنان الجنوبي الموالي لإسرائيل في ثمانينيات القرن الماضي. 

وأضاف الأسعد "في الفترة الأخيرة بدأت تتغير لهجة الشيخ موقف طريف الذي كثف اللقاءات مع المسؤولين الأوروبيين لبحث أن تكون الدولة السورية هي المرجع الأساسي للطائفة الدرزية في سوريا، ولم يتحدث عن دعم مشروع الانفصال الذي يقوده حكمت الهجري".

ولفت الأسعد إلى أن هناك جملة من الأسباب والمتغيرات التي تشير إلى فشل مشروع انفصال السويداء عن سوريا منها "تصريحات القيادي الدرزي اللبناني وليد جنبلاط الذي تحدث عن الدولة السورية والتعايش بين السوريين".

كذلك وفق الأسعد فإن "المناخ العام السياسي والدولي لا يشجع في الوقت الراهن على أن تحصل السويداء على إدارة مستقلة عن سوريا، خاصة أن المعطيات تشير إلى تراجع الدعم الإسرائيلي للهجري، وقد بدا وكأن الإسرائيليين قد باتوا غير مهتمين بالهجري؛ لأن الأخير تورط ويحاول أن يحفظ ماء الوجه".

ورأى الأسعد أن "الهجري عندما يرى أنه منفصل عن الواقع وخارج إطار وحسابات مشغليه فإن سيعلن الاستدارة نحو دمشق، خاصة أن الأحداث الأخيرة أشارت بوضوح إلى أن الهجري كان عبارة عن ورقة ضغط استخدمته إسرائيل في الجنوب السوري".

"باب مفتوح"

وفي الفترة الأخيرة خرج كثير من الأصوات المحلية في السويداء تطالب بعدم ربط مصير المحافظة بشخص حكمت الهجري وما يدعو له.

إذ أكد القيادي الدرزي سليمان عبد الباقي، المقيم في دمشق، في منشور على حسابه بفيسبوك يوم 6 أغسطس 2025 أن عشرات الرسائل تصله بشكل يومي من أهالي السويداء، يؤكدون فيها رفضهم مشاريع الهجري أو بقاءه هو المتحكم بقرار المحافظة.

وقال عبد الباقي: إن "العصابات التابعة لحكمت الهجري يخشون من الحديث عن رفض تصرفات الهجري لأن أي شخص في السويداء الآن ثمنه رصاصة". وفق قوله.

وفي اليوم التالي أكد القيادي الدرزي عبد الباقي في منشور آخر وجهه لأبناء السويداء، أن كل الأمور في طريقها للحل، وأن كل المخطوفين والمختطفات والمعتقلين سيعودون، مع تعويض لكل الأطراف المتضررة.

وأشار عبد الباقي إلى أنه سيتم تأمين طريق دمشق السويداء بإشرافه وحماية من أبناء المحافظة ومن باقي المحافظات ومن جهاز الأمن الداخلي السوري.

وأشار عبد الباقي إلى أن العمل جارٍ على صلح عشائري في محافظة السويداء. مشددا على أن "السويداء كانت وستبقى سورية". 

وأمام ذلك، فإن المبادرة الأهلية لحل الأزمة في السويداء ورفض التدخل الخارجي ما تزال قائمة، من خلال طرح خطة عمل للوصول إلى سوريا واحدة لكل أبنائها.

وهنا يشير الكاتب الصحفي السوري عهد مراد في تصريحات تلفزيونية "إلى أن خطاب الشيخ موفق طريف كان براغماتيا ودبلوماسيا؛ إذ لم يعلن صراحة دعمه للانفصال، لكنه أشار ضمنيا إلى أن الوضع في سوريا لم يمنح الدروز فرصة كاملة لاحتضان حقوقهم".

وأضاف مراد أن طريف "لم ينخرط في موقف مباشر تجاه قضية السويداء، بل ترك الباب مفتوحا أمام خيارات مستقبلية ضمن إطار الدولة".

مراد أشار كذلك إلى أن طريف، "رغم البعد البراغماتي في خطابه، لا يمكن أن يكون غير متعاطف مع أهل السويداء، ما يطرح تساؤلات حول حدود تأثير خطاب طريف على المواقف المحلية داخل المحافظة".

وأمام كل ذلك، فإنه منذ بروز نزعات انفصالية من السويداء، فإن القيادة السورية الحالية عقدت أكثر من اجتماع مع الجانب الإسرائيلي بوساطة من الولايات المتحدة لتهدئة التوتر في جنوب سوريا.

ومن المقرر أن يلتقي وزير الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر مع وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني مجددا خلال شهر سبتمبر 2025.

وعُقدت جولة سابقة من المحادثات في باريس أواخر يوليو 2025، لكنها انتهت من دون التوصل إلى اتفاق نهائي.

وقالت الوكالة السورية للأنباء (سانا) مطلع سبتمبر 2025: إن الشيباني ناقش مع وفد إسرائيلي -لم تحدد أعضاءه- عددا من الملفات المرتبطة بتعزيز الاستقرار في المنطقة والجنوب السوري.

وأضافت الوكالة الرسمية أن النقاشات تركزت على "خفض التصعيد وعدم التدخل في الشأن السوري الداخلي، والتوصل لتفاهمات تدعم الاستقرار في المنطقة، ومراقبة وقف إطلاق النار في محافظة السويداء (جنوب سوريا)".