قانون سنغالي يمنح المبلّغين عن الفساد 10 بالمئة من المال المسترد.. ما القصة؟

منذ ٧ ساعات

12

طباعة

مشاركة

تواصل السلطات السنغالية الجديدة مسارها للقطع مع مخلفات الرئيس السابق ماكي سال، خاصة ما تعلق بتفشي الفساد، مع ما تخلّفه هذه الآفة من آثار سلبية سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.

وفي هذا السياق، أقر البرلمان السنغالي في جلسة عقدها في 26 أغسطس/آب 2025، قانونا جديدا لحماية المبلغين عن الفساد، لتكون السنغال أول دولة فرنكوفونية في إفريقيا جنوب الصحراء تعتمد إطارا قانونيا لحماية المبلغين عن الفساد.

وسيوفر القانون "الحماية للأشخاص الذين يقومون، في إطار أنشطتهم المهنية، بالتبليغ أو الكشف عن معلومات تتعلق بجريمة أو مخالفة مالية أو أي ضرر يمس المصلحة العامة".

وينص القانون الجديد على "منح مكافأة للمبلغين الذين تسهم معلوماتهم في استرجاع أموال أو ممتلكات غير مشروعة، وذلك بنسبة 10 بالمئة من المبلغ المسترد، أو وفق تقدير السلطات المختصة".

وينص القانوني كذلك على إنشاء آليات داخلية للإبلاغ داخل الإدارات والمؤسسات العامة والخاصة، مع منح المبلغين الحق في اللجوء إلى النشر العلني في حال تجاهل بلاغاتهم، ما يمثل نقلة نوعية في آليات التصعيد وحماية المصلحة العامة.

كما أقرّت الجمعية الوطنية ثلاثة قوانين أخرى تهدف إلى تعزيز الشفافية في البلاد: قانون بشأن الوصول إلى المعلومات، وآخر بشأن إنشاء هيئة لمكافحة الاحتيال والفساد، وثالث يوسع نطاق إعلان الممتلكات ليشمل القضاة وقضاة التحقيق.

وعانى رئيس الوزراء الحالي وزعيم الحزب الحاكم، "الوطنيون الأفارقة السنغاليون من أجل العمل والأخلاق والإخاء" (باستيف)، عثمان سونكو، من الفساد، ففي سنة 2016 طُرد مفتش الضرائب والأراضي السابق من الخدمة المدنية بأمر من الرئيس السابق ماكي سال بتهمة "عدم الحفاظ على السرية المهنية" بعد اتهامه عدة شخصيات سنغالية بالاستفادة بشكل غير قانوني من مزايا ضريبية.

وحرصا منه على التباعد عن سلفه، وعد الرئيس السنغالي الجديد، باسيرو ديوماي فاي، في اليوم التالي لانتخابه في 24 مارس/آذار 2023، بتقديم مشروع قانون لحماية المُبلغين عن المخالفات.

وقتها، طلب رئيس الدولة، الذي يتبنى خطابا سياسيا قائما على مزيد من الشفافية والحوكمة الرشيدة، من وزير العدل عثمان دياني الانتهاء من مشروع القانون في أسرع وقت.

إرادة سياسية

أكد موقع "rts" السنغالي في 26 أغسطس 2025، أن هذا التشريع يعكس إرادة سياسية قوية لتعزيز مكافحة الفساد وترسيخ حق المواطنين في المعرفة.

وذكر الموقع أن القانون "غير مسبوق" على مستوى حماية وتشجيع المبلغين عن المخالفات؛ حيث يتمتع المبلغون عن أعمال الفساد أو الاختلاس أو الاحتيال الآن بحماية متعددة.

وتابع، ومنها حماية كاملة من الانتقام؛ حيث يُحظر الفصل، أو خفض الدرجة الوظيفية، أو تخفيض الرواتب، أو الترهيب، أو المضايقة. وتمتد الحماية حتى إلى عائلة المُبلّغ المباشرة.

ومنها أيضا ضمان عدم الكشف عن الهوية؛ حيث يمكن تقديم التقرير بشكل مجهول، ولا يمكن إلا للمحاكم، بموافقة الشخص المعني، الوصول إلى هويته.

وأضاف الموقع، وأيضا ما يتعلق بالمكافأة المالية؛ إذ من المقرر منح مكافأة قدرها 10% من المبالغ المستردة من خلال الإبلاغ، مع تخصيص الباقي لصندوق خاص مخصص لتمويل المشاريع الاجتماعية.

ومن مستجدات القانون أيضا، توفير الحصانة للمشاركة، بمعنى أنه يمكن لأي شخص متورط في الفساد أن يستفيد من فرصة ثانية إذا أبلغ عن نفسه قبل فتح التحقيق وأعاد جميع المبالغ التي تلقاها.

وبالإضافة إلى ذلك، سيتعين على جميع الإدارات العامة والشركات الخاصة إنشاء نظام داخلي لتلقي ومعالجة التنبيهات، بما يضمن استقلالية العملية.

وأشار الموقع إلى أن المصادقة على هذا القانون وكذا قانون الوصول إلى المعلومات، يجعل السنغال تتقدم بخطوة مهمة في اتجاه إرساء آليات قانونية تهدف إلى تعزيز الثقة بين الدولة والمؤسسات والمواطنين.

وتابع، أحدهما يحمي ويشجع من يُبلّغ عن الممارسات الاحتيالية، بينما يُكرّس الآخر الحق الأساسي في الوصول إلى المعلومات، وهو شرط أساسي للحوكمة المنفتحة والتشاركية.

وخلص الموقع إلى أنه من شأن هذه الإصلاحات، التي رحّب بها العديد من الجهات الفاعلة في المجتمع المدني، أن تسهم في إدارة عامة أكثر مسؤولية وشفافية، مع توفير أدوات جديدة للمواطنين للمشاركة بنشاط في الحياة الديمقراطية.

Capture d’écran 2025-09-04 144214.png

عوائد اقتصادية

من جانبه، قال الصحفي السنغالي عبد القادر فال: إن وضع تشريع لحماية المبلغين عن الفساد، سيؤثر إيجابيا في دفع المواطنين إلى التبليغ، ما سيسهم في الرفع من مداخل الدولة من عملية الإبلاغ.

وأضاف فال لـ "الاستقلال" أن التشريعات التي صادقت عليها الجمعية الوطنية على مدى ثلاثة أيام، لا يمكن وصفها سوى بأنها مهمة جدا.

وتابع، وخاصة للحكومة، التي تعتمد عليها لتوفير الكثير من الأموال، لا سيما تلك التي يتم تهريبها للخارج عن طريق رشوة وسطاء أو ما شابه.

وأكد الكاتب الصحفي أن الفساد يؤثر سلبا على الاقتصاد السنغالي، مما يجعل الحكومة والقيادة السياسية الجديدة واعية بأهمية مكافحة الفساد والرشوة ومحاربتهما بكل ما للكلمة من معنى.

وأشار إلى أن بعض المعارضين كانوا يشككون في إمكانية إصدار هذا التشريع، إلا أن شكوكهم كانت في غير محلها؛ إذ عبر رئيسا الجمهورية والوزراء عن إرادة حقيقية لمحاربة الفساد، لا سيما أن صفحتهما بيضاء من أي شبهات مالية.

وذكر فال أن القانون الجديد يخدم الطبقة الوسطى بشكل مباشر، وذلك بالنظر إلى تفشي الفساد والرشوة في كل المؤسسات والمجالات التي يتعاملون معها أو هم بحاجة إلى خدماتها.

وأوضح المتحدث ذاته، أن هناك مسؤولين في مناصب عليا يسرقون الأموال العامة ويسجلونها تحت أسماء أقاربهم، والآن بفضل هذا التشريع، يمكن للمواطن الذي لديه معلومات بشأن أحد هؤلاء، أن يبلغ السلطات عنه، ويحصل على المكافأة.

وشدد فال أن القانون الجديد سيزيد من حكامة وشفافية تدبير الشركات والمؤسسات العمومية، وأيضا تلك الخاصة العاملة أو الشريكة مع المؤسسات العمومية.

وخلص إلى أن التشريع الجديد سيمكن من حماية ممتلكات الدولة ومواردها، ووضع حد للعراقيل الإدارية والقانونية التي كانت دائما تجعل الإجراءات الرسمية بطيئة جدا في الحرب على الفساد.

بدوره، وصف مدير غرب إفريقيا في منصة حماية المبلغين عن المخالفات في إفريقيا (PPLAAF)، جيمي كاندي، أن التصويت على هذا القانون هو "لحظة تاريخية" ليس فقط للسنغال، بل للقارة بأكملها.

وأضاف كاندي في تصريح للصحافة: في الواقع، غالبا ما يدفع المبلغون عن المخالفات ثمنا باهظا في سياقات لم تكن أفعالهم خاضعة فيها للتنظيم القانوني: إجراءات قانونية، وفصل تعسفي، وتهديدات، ونفي قسري.

ورأى أن مأسسة دورهم تُعزز المساءلة العامة وتُكافح ثقافة الصمت التي طالما أحاطت بقضايا الفساد أو سوء الإدارة.

وخلص إلى أن المكافأة المالية التي ينص عليها القانون تُشكل حافزا قويا؛ إذ تهدف إلى تشجيع الموظفين الحكوميين، وموظفي الشركات العامة والخاصة، وحتى المواطنين العاديين الملتزمين، على كسر الصمت المحيط بالاختلاس وسوء الإدارة.

تحديات قائمة

بدوره، يرى الباحث المختص في الشأن السياسي والاجتماعي لدول إفريقيا جنوب الصحراء، سيرج أويتونا، أن تشريع قانون لحماية المبلغين عن الفساد أمر مهم، وخطوة حاسمة في المشهد المؤسسي للبلاد، لكن ما تزال هناك تحديات عدة قائمة على مستوى فعالية تطبيقه.

وأضاف أويتونا وفق موقع "afrik"، في 3 سبتمبر/أيلول 2025، من هذه التحديات ضمان استقلالية قنوات الإبلاغ.

وأوضح: ذلك أنه إذا لجأ المُبلغون إلى سلطات هرمية أو سياسية، فهناك خطر تحييد القضايا الحساسة أو التستر عليها، ويرى أن "إنشاء آلية إبلاغ مستقلة وذات مصداقية أمر بالغ الأهمية".

وزاد، وأيضا ما تعلق بالحماية من الأعمال الانتقامية، صحيح أن القانون ينص على هذا المبدأ، لكن الواقع قد يختلف في سياق ما تزال فيه ثقافة الإبلاغ عن المخالفات موصومة.

وشدد أويتونا أنه "بدون نظام فعال لحماية المسار المهني، قد يستمر تعرض المبلغين عن المخالفات للضغوط".

ورأى أن "ضمان عدم الكشف عن الهوية في بيئة إدارية قد تكون قابلة للاختراق في بعض الأحيان، يظل يشكل تحديا فنيا ومؤسسيا".

وبخصوص تحدي إنفاذ القضاء، قال الكاتب السنغالي: إن العدالة السنغالية التي تعرضت هي نفسها للانتقاد بسبب افتقارها إلى الاستقلال في بعض الحالات، سوف تقوم بدور رئيس في ضمان احترام حقوق المبلغين عن المخالفات.

من جانب آخر، أوضح أويتونا أن هذا القانون يندرج في إطار الديناميكية الإصلاحية لنظام فاي، الذي جعل الشفافية ومكافحة الفساد من أهم أولوياته منذ توليه السلطة.

وشدد على أن من شأن هذا التشريع أن يُسهم في استعادة ثقة المواطنين بالمؤسسات، التي كثيرا ما تهتز بفعل الفضائح المالية وشبهات المحسوبية.

مع ذلك، يقول أويتونا: إن نجاحه سيعتمد على روح تطبيقه أكثر من نصوصه. فإذا وضعت السلطات آليات مستقلة وشفافة وسهلة المنال، يمكن للسنغال أن تصبح نموذجا إقليميا. وإلا، فإن القانون قد يظل مجرد خطوة رمزية، دون أي تأثير حقيقي على ممارسات الحوكمة.

آفة القارة

الفساد لا يؤثر سلبا على السنغال فقط، بل يمتد لعموم دول القارة؛ حيث كشف المجلس الاستشاري للاتحاد الإفريقي لمكافحة الفساد، أن القارة تخسر ما يقارب 120 مليار دولار سنويا بسبب الفساد.

ورأى المجلس في تقرير صدر شهر يونيو/حزيران 2025، أن هذه الخسائر تشكل تهديدا جسيما لاقتصادات الدول الإفريقية، وتعيق جهودها نحو تحقيق الاستقلال الاقتصادي والتنمية المستدامة.

وأوضح أن هذه الخسائر تتفاقم نظرا لاعتماد عدد كبير من الدول على القروض الدولية لتمويل مشاريع التنمية ودعم استقرار الاقتصادات الهشة.

ولمكافحة الفساد، عمد الاتحاد الإفريقي إلى تقديم إطار قانوني يدعم جهود الدول الأعضاء في مواجهة هذه الظاهرة.

وحتى الآن، وقّعت 50 دولة من أصل 54 على الاتفاقية، بينما صادقت عليها 49 دولة، غير أن 12 دولة فقط أنجزت المراجعات الوطنية المطلوبة، وهو ما يُبرز ضرورة تسريع وتيرة التنفيذ في باقي الدول.

ونهاية أغسطس 2025، أكد تقرير إفريقي رسمي الخسائر الإفريقية الكبيرة بسبب الفساد والتدفقات المالية غير المشروعة.

وبحسب موقع "قراءات إفريقية"، 01 سبتمبر 2025، فقد أفاد التقرير الصادر عن الاتحاد الإفريقي، بأن "المعاملات التي تتهرب من الضرائب، وتمر دون أن تلاحظها دول القارة، وغسيل الأموال، والفساد، وتمويل الإرهاب وتحويلات رؤوس الأموال إلى الخارج، تسبب خسائر فادحة".

وعدَّد التقرير بعض الممارسات الشائعة في عدد من دول القارة، مثل "إصدار فواتير مزورة، أو التهرب الضريبي، أو التلاعب بأسعار السلع".

وعلى المستوى الأممي، ذكر تقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، أن الفساد يُعد من أبرز العوائق أمام النمو الاقتصادي والاجتماعي في إفريقيا.

وأضاف المكتب الأممي أنه يتم هدر ما يقارب 25 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي للقارة سنويا، وهو ما يعادل ربع إنتاجها الاقتصادي.