كيف أصبحت إسرائيل كيانا منبوذا في الملاعب ومنصات الفن والجامعات؟

منذ ٤ ساعات

12

طباعة

مشاركة

فجّر الرئيس الأميركي دونالد ترامب جدلا واسعا في الأوساط الإسرائيلية وبين جماعات الضغط المؤيدة لها في الولايات المتحدة، بعدما صرّح بتراجع مكانة إسرائيل على الساحة الدولية وتراجع قوة اللوبي الصهيوني داخل الكونغرس والعملية السياسية الأميركية.

وتمثل هذه التصريحات صدمة لدوائر إسرائيلية عديدة، كونها صادرة عن شخصية طالما عرّفت نفسها بأنها "الداعم الأول لإسرائيل"، وارتبط اسمها بنقل سفارة واشنطن إلى القدس والاعتراف بها عاصمة لدولة الاحتلال، وداعم لحروبها في غزة وإيران واليمن.

تهاوٍ غير مسبوق

وقال ترامب إن “نفوذ إسرائيل في الكونغرس تراجع مقارنة بما كان عليه قبل 20 عاما”. 

وأضاف في مقابلة مع موقع "ذا ديلي كولر" الأميركي نشرها في 2 سبتمبر/ أيلول 2025، أن إسرائيل كانت في السابق "أقوى جماعة ضغط" رآها، مشيرا إلى أنها "كانت تسيطر تماما على الكونغرس، لكنها فقدت ذلك الآن".

بدورها، أكدت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية في تقارير واستطلاعات للرأي أن الدعم الشعبي لإسرائيل تراجع بشكل حاد في أوساط الشباب الأميركي، سواء في صفوف الحزب الديمقراطي أو حتى الجمهوري، ما يشي بسياسة أميركية مستقبلية مختلفة تماما عما كانت عليه في السابق.

ويعد الإسرائيليون هذا التحول تهديدا وجوديا، إذ إن الولايات المتحدة تمثل الركيزة الأساسية لدعم إسرائيل سياسيا وعسكريا، ويرى كثيرون أن استمرار وجود إسرائيل مرتبط باستمرار هذا الدعم.

هذا التحول في الموقف الأميركي يأتي مع اقتراب دخول حرب الإبادة على قطاع غزة عامها الثالث، حيث تزداد الكلفة الدموية يوما بعد يوم، إذ استُشهد عشرات الآلاف وتحوّلت مناطق واسعة إلى أنقاض.

لكن خارج حدود القطاع، تنامت موجة تضامن غير مسبوقة مع الفلسطينيين، لم تقتصر على أميركا، بل امتدت من العواصم السياسية إلى الجامعات، ومن ساحات الرياضة إلى مهرجانات الفن، فيما تواجه إسرائيل عزلة متصاعدة وتآكلا في صورتها الدولية.

هذا الغضب العالمي لم يعد يقتصر على الشعارات، بل تُرجم إلى خطوات سياسية وقانونية واقتصادية وثقافية جعلت الاحتلال في مواجهة حصار دولي متزايد.

وفي هذه الأوقات، تعصف بإسرائيل موجة من الاعترافات الأوروبية المتتالية بدولة فلسطين، ما عُدّ تحولا تاريخيا. 

فقد أعلنت إسبانيا وإيرلندا والنرويج وسلوفينيا وأرمينيا رسميا اعترافها بالدولة الفلسطينية، في حين تعهّدت فرنسا وبريطانيا بالاعتراف بها خلال سبتمبر/أيلول 2025، لتكسر جدار الصمت الأوروبي الذي ظلّ لسنوات مترددا.

أما في أميركا اللاتينية، فقد سبقت بعض الدول الخطوة الأوروبية بمواقف أكثر حدة، إذ قامت بوليفيا بقطع علاقاتها مع إسرائيل، فيما استدعت تشيلي وكولومبيا سفراءهما احتجاجا على المجازر المستمرة. 

هذه المواقف رسّخت صورة إسرائيل كدولة منبوذة في مناطق كانت تمتلك فيها نفوذا تاريخيا.

إلى جانب السياسة، فتح العدوان على غزة جبهة قانونية دولية غير مسبوقة، حيث تضج محاكم عالمية بأوامر اعتقال بحق جنود وشخصيات سياسية وعسكرية إسرائيلية.

كما سبق أن أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرات توقيف بحق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ومنذ ذلك الحين يُحظر استقبالهم في معظم دول العالم.

غليان عالمي

لم تقتصر الموجة على الحكومات والمحاكم، بل امتدت إلى الشوارع والساحات.

فقد شهدت كبرى العواصم الدولية، كلندن وباريس ومدريد وبرلين ونيويورك وواشنطن، مظاهرات وُصفت بـ"المليونية"، في واحدة من أوسع موجات الاحتجاج التضامني تاريخيا.

وتخللت هذه المسيرات مطالبات بقطع العلاقات مع دولة الاحتلال ووقف التعامل الاقتصادي معها، وحظر تسليحها، وفرض عقوبات قاسية عليها، في سبيل وقف الإبادة الجماعية.

أما الجامعات الأميركية والأوروبية، فكانت على موعد مع أكبر موجة احتجاج طلابية منذ عقود، حيث أقام الطلاب اعتصامات مفتوحة في جامعات كبرى مثل كولومبيا وهارفارد وييل، وأسسوا مخيمات أطلقوا عليها اسم "اعتصامات غزة". 

ورغم تدخل الشرطة بعنف واعتقال المئات، فإن هذه الاحتجاجات ما زالت تتصاعد عالميا.

وفي السياق ذاته، قال الناشط الفلسطيني في أوروبا، مصطفى حطاب، إن ما تشهده أوروبا اليوم من تضامن واسع مع القضية الفلسطينية "يعدّ أمرا غير مسبوق على الإطلاق".

وأوضح حطاب لـ"الاستقلال" أن "حتى أكثر المتفائلين لم يكن يتخيل أن تحظى القضية الفلسطينية بهذا الزخم في الغرب"، لافتا إلى أن الشارع الأوروبي، الذي كان يعدّ تاريخيا من أبرز الداعمين لدولة الاحتلال، بات اليوم أكثر انحيازا إلى الجانب الفلسطيني.

وأشار إلى أن مشاهد التضامن مع فلسطين باتت جزءا من الحياة اليومية في أوروبا، إذ يمكن ملاحظتها في كل تفاصيل الشارع العام.

وتابع: "وأنت تسير في الطرقات ترى عبارات التضامن على أبواب المحال، وأشخاصا أوروبيين يرتدون الكوفية الفلسطينية، وأطفالا يرتدون قمصانا تحمل اسم وصورة هند رجب، كما تشاهد مركبات مزينة بأعلام فلسطين وشعارات تدعو لوقف الحرب".

وأضاف الناشط الفلسطيني أن هذه المظاهر "لم تعد مقتصرة على فرنسا أو بريطانيا فحسب، بل امتدت لتشمل معظم الدول الأوروبية، حيث أصبح التضامن مع الشعب الفلسطيني حاضرا بشكل دائم وواسع في المشهد الأوروبي".

وشدّد حطاب على أن موجة التضامن "لم تقتصر على الشارع العام فقط، بل شملت أيضا قطاعات من اليهود الأوروبيين الذين بدأوا يتخذون مواقف لافتة".

وأوضح أن بعض هؤلاء اليهود كانوا أصلا ضد فكرة قيام دولة إسرائيلية على الأراضي الفلسطينية المحتلة، فيما غيّر آخرون مواقفهم تحت تأثير مشاهد الحرب والمجازر، فتحولوا إلى رافضين للحرب.

وأضاف أن جزءا آخر وجد نفسه مدفوعا للإعلان عن تضامنه نتيجة الإحراج الاجتماعي والخوف من النبذ، بعدما أصبحت الدعاية الإسرائيلية وأكاذيبها -خاصة مقولة “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”- مفضوحة أمام الرأي العام، إذ لم تعد تقنع أحدا في ظل المجازر اليومية التي تُرتكب بحق الفلسطينيين.

رأي عام

وأشار الناشط إلى أن "مشهد التضامن في الغرب يختلف بشكل صارخ عن الواقع في العالم العربي، حيث خمدت حركات التضامن هناك منذ أشهر طويلة وباتت شبه غائبة، في حين تشهد الشعوب الأوروبية والغربية واللاتينية ما يشبه انتفاضة تضامنية متواصلة، خاصة في الأسابيع والأشهر الأخيرة".

وبيّن أن حدّة هذا التضامن تصاعدت بشكل غير مسبوق مع تفاقم الكارثة الإنسانية والمجاعة في غزة، وامتدت لتشمل جميع الأصعدة: من الفنون إلى عالم كرة القدم، ومن الجامعات إلى الشوارع والساحات العامة.

وأضاف لـ"الاستقلال" أن التضامن “لم يعد مجرد حالة شعبية عابرة، بل تحوّل إلى رأي عام ضاغط ومؤثر بعمق على صناع القرار الأوروبيين”. 

واستطرد: “وأجبر الحكومات على اتخاذ خطوات لم يكن من السهل تصورها في الماضي؛ كالاعتراف بالدولة الفلسطينية، والمطالبة بوقف الحرب، وتعليق واسع النطاق لشحنات الأسلحة لإسرائيل، بل وإدانتها كدولة ترتكب جرائم حرب”.

وشدّد على أن هذا الحراك الشعبي الواسع لا يمكن أن يمر مرور الكرام على الحكومات الأوروبية، إذ بات حاضرا بقوة في حساباتها السياسية ومواقفها الرسمية، حيث بات ملفًّا مؤثرًا في العملية الانتخابية.

وأكد حطاب أن هذا التحول في الموقف الأوروبي ليس عابرا ولا مؤقتا، بل امتد ليؤثر في معتقدات وقناعات الأوروبيين بشأن القضية الفلسطينية.

وأوضح أن سلسلة من الفعاليات والأنشطة التثقيفية ساهمت في توضيح الكثير من الحقائق، مثل أحداث النكبة، ووعد بلفور، وطرد الفلسطينيين، والنكسة، والفترات المفصلية التي شكّلت تطورات القضية الفلسطينية، إضافة إلى شرح قضية اللاجئين وحق الفلسطينيين في أرضهم، والسيطرة الإسرائيلية بالقوة على الأراضي المحتلة.

وشدّد حطاب على أن هذه الحرب والمجازر الأخيرة -رغم فداحتها- فتحت عيون الأوروبيين على جذور القضية الفلسطينية الحقيقية، وأزالت الرواية الإسرائيلية التي كانت تستند إلى "حق تاريخي مزعوم" يمتد لآلاف السنين، والذي لم يعد يقنع أحدا بعد أن شاهد الأوروبيون بأعينهم عمليات التطهير العرقي والتهجير والمجازر وتزوير الحقائق.

عقاب مستحق

وصاحبت هذا "الطوفان التضامني" مع غزة والقضية الفلسطينية تبعات كارثية على داعمي الاحتلال، خصوصًا في الجانب الاقتصادي، حيث دفعت الحرب إلى تصاعد حملات المقاطعة الشعبية ضد الشركات المتهمة بدعم إسرائيل.

فقد تكبّدت سلاسل كبرى مثل ماكدونالدز وستاربكس خسائر كبيرة في الأسواق العالمية، بعد أن تحولت فروعها إلى هدف رئيس لحملات المقاطعة، ما كبّدها خسارة مليارات الدولارات من قيمتها السوقية بسبب تراجع المبيعات، فيما أُغلقت العديد من فروعها في الشرق الأوسط.

الرياضة بدورها لم تبقَ صامتة، حيث لم تغب الأعلام الفلسطينية وعبارات التضامن والدعوة لوقف الإبادة عن مدرجات الملاعب خلال الأشهر الأخيرة، وتضامن عدد كبير من نجوم الرياضة حول العالم مع غزة، سواء داخل الملاعب أو خارجها.

كما تزايدت أيضا الدعوات لتعليق مشاركة إسرائيل في البطولات الدولية، في ظل ضغوط جماهيرية تتصاعد بشكل لافت لنبذ الاحتلال في الساحة الرياضية أيضا.

في الساحة الفنية، شكّل التضامن مع غزة مشهدا غير مسبوق، حيث أطلق فنانون عالميون حملة Artists4Ceasefire في الولايات المتحدة، وشاركوا في حفلات الأوسكار والغرامي وهم يرتدون دبوسا أحمر يرمز إلى وقف إطلاق النار.

كما حصل فيلم "صوت هند رجب"، في 6 سبتمبر 2025، على جائزة "الأسد الفضي" في مهرجان البندقية السينمائي الدولي الـ82.

وهو الفيلم الذي يحكي قصة الطفلة هند رجب، التي قتلها الاحتلال بوحشية مع عائلتها.

في بريطانيا، وقّع آلاف الفنانين على بيان عبر منصة Artists for Palestine UK طالبوا فيه بإنهاء الحرب ورفع الحصار. 

كما تحولت مهرجانات موسيقية كبرى مثل جلاستونبري إلى منصات تضامن، حيث قرأ الفنانون رسائل داعمة لفلسطين أمام عشرات الآلاف من الجماهير.

أما الموسيقى، فقد لعبت دورا محوريا في إيصال الرسالة، حيث أطلق المغني الأميركي ماكلمور أغنية Hind’s Hall دعما لاحتجاجات الطلاب. 

وهي أغنية احتجاجية أُطلقت في 6 مايو/أيار 2024، باتت رمزا للاحتجاجات الطلابية المؤيدة لفلسطين في الجامعات الأميركية، وتدعو إلى وقف إطلاق النار في الحرب على غزة.

اسم الأغنية مستوحى من إعادة تسمية قاعة هاميلتون في جامعة كولومبيا إلى "قاعة هند" تكريما للطفلة هند رجب.