مشاريع الإمارات جنوب قطاع غزة.. كيف تخدم مخطط التهجير الإسرائيلي؟

"جاءت مشاريع الإمارات في وقت خطير ومريب مع الحديث عن احتلال مدينة غزة"
تواجه دولة الإمارات اتهامات بالمشاركة في خطط إسرائيل لتهجير الفلسطينيين، عبر تدشين مشاريع مثيرة للجدل، تخدم فكرة دفع سكان قطاع غزة من شماله إلى جنوبه.
ووسع الجيش الإسرائيلي منذ منتصف أغسطس/آب عدوانه العسكري على مدينة غزة بهدف احتلالها ضمن ما يسمى عملية "عربات جدعون 2"، وذلك لدفع المدنيين للتوجه نحو منطقة مواصي خان يونس جنوبي القطاع.
وصنف جيش الاحتلال المواصي "منطقة إنسانية" آمنة، لكنه مع ذلك يواصل قصفها منذ بدء العدوان في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، موقعا الكثير من الضحايا المدنيين.

تورط إماراتي
وبين الجيش أن منطقة المواصي تضم بنى تحتية حيوية مثل مستشفيات ميدانية وخطوط مياه ومرافق تحلية لها، إلى جانب توفير متواصل لمواد غذائية وخيم وأدوية ومواد طبية سيتم إدخالها، وفق زعمه.
فيما تؤكد شهادات ميدانية وتقارير أممية أن تلك "المناطق الإنسانية"، ومنها مواصي خان يونس، تفتقر عمليا إلى مقومات الحياة الأساسية، فلا مستشفيات ميدانية فاعلة أو مرافق خدمية تتناسب مع أعداد الفلسطينيين هناك.
وكان لافتا تسمية مشروعين إماراتيين ضمن البنية التحتية المدنية التي يزعم الاحتلال وجودها في جنوب القطاع، ما وضع أبوظبي في قلب الاتهامات بالمساهمة في مخطط التهجير.
ونشر الناطق باسم جيش الاحتلال أفيخاي أدرعي في 6 سبتمبر/أيلول، صورة لخريطة تفصيلية عما تضمه تلك المنطقة، وورد من بين المرافق فيها: خط مياه ومستشفى ميداني إماراتيان.
وخط المياه الإماراتي عبارة عن مشروع ينقل المياه المحلاة من الجانب المصري إلى منطقة المواصي، وقد كان لافتا افتتاحه في 28 أغسطس 2025 بالتزامن مع التحضير لخطة احتلال مدينة غزة.
وقال عمر شتات نائب المدير التنفيذي لمصلحة مياه بلديات الساحل الذي شارك في مراسم الافتتاح إلى جانب ممثلين عن مؤسسات المجتمع المدني: إن المشروع "يعد الأكبر من نوعه في غزة خلال فترة الحرب".
وذكر في منشور على فيسبوك، أن المشروع يهدف إلى تأمين احتياجات السكان والنازحين في منطقة مواصي خان يونس المكتظة بالنازحين، والتي تعاني من انعدام مصادر المياه، إضافة إلى خدمة أجزاء من شمال غرب رفح (جنوب).
ويمتد الخط الناقل الجديد بطول 6.7 كيلومترات على امتداد شارع الرشيد الساحلي من الحدود المصرية حتى منطقة شارع النص وسط محافظة خان يونس على مقربة من شاطئ البحر، وفق شتات.
وأشار إلى أن الخط "ينقل ويضخ المياه الصالحة للشرب من محطة تحلية مياه البحر التي أنشأتها دولة الإمارات العربية المتحدة في منطقة رفح المصرية وجرى البدء بتشغيلها في فبراير/ شباط 2024 لخدمة النازحين في جنوب قطاع غزة".
وأضاف أن “إنشاء الخط الناقل الجديد سيجعل من الممكن إعادة تشغيل محطة التحلية بطاقة إنتاجية أكبر تصل إلى 10 آلاف متر مكعب يوميا، بما يوفر شريانا مائيا صحيا وآمنا للشرب يخدم مئات الآلاف من السكان والنازحين في منطقة المواصي غرب خان يونس”.
أما المستشفى الميداني الإماراتي في رفح أقصى جنوب قطاع غزة، والذي دشنته أبوظبي في ديسمبر/كانون الأول 2023، فيدور حوله الكثير من الجدل واللغط.
ففي حين تؤكد وسائل إعلام محلية خروجه عن العمل، فإن إسرائيل صنفته ضمن المرافق النشطة، فيما تقول أبوظبي إنه يواصل استقبال الفلسطينيين.
واستقبل المستشفى مطلع سبتمبر 2025، وفدا من منظمة الصحة العالمية “في إطار تعزيز التعاون المشترك لدعم القطاع الصحي وسط التحديات الإنسانية التي يشهدها القطاع” المحاصر.
كما يواصل المستشفى نشر بيانات بين حين وآخر عن استقبال جرحى فلسطينيين ضمن “عملية الفارس الشهم 3” التي دشنتها أبوظبي خلال العدوان.
ويأتي الحديث عن استمرار المستشفى بعمله، في ظل تأكيد الفلسطينيين جنوب قطاع غزة أنها خارج الخدمة خاصة بعد تعرضه لسقوط شظايا ناجمة عن العمليات العسكرية الجارية في محيطه في أبريل/نيسان 2025، مما أدى إلى تضرر بعض المرافق الحيوية، ووقوع خسائر مادية محدودة.

تحركات مشبوهة
ومنذ أسابيع، يثير المشروعان الإماراتيان الجدل في أوساط الفلسطينيين الذين يرون أن أبوظبي تشارك في خطط تهجير الغزيين عبر إطلاق خدمات حيوية في ذات المناطق التي ترغب إسرائيل بدفع الناس نحوها.
وبمتابعة صحيفة “الاستقلال” للمؤسسات الإماراتية العاملة في غزة ونشاطات عميلة الفارس الشهم، يظهر أن الدولة الخليجية لا تقيم أي خدمات داخل المدينة أو شمال القطاع، المناطق التي تعمل إسرائيل على احتلالها.
ويقتصر نشاط “الفارس الشهم” على جنوب ووسط القطاع، خاصة في المناطق التي يدعي الاحتلال أنها “إنسانية” رغم تعرضها للقصف مرارا وتكرارا على مدار شهور العدوان.
ويقول الصحفي محمد سليمان: إن المستشفى الإماراتي في رفح عليه علامات استفهام كبيرة خاصة أن المدينة أخليت بالكامل بعد اجتياحها من قبل قوات الاحتلال في مايو/أيار 2024.
وفي حديث لـ"الاستقلال"، تساءل سليمان الذي يعيش ويعمل بالتغطية الميدانية الصحفية في خان يونس: كيف يمكن أن تُخلى مدينة كاملة ويبقى هذا المستشفى ولمن يقدم خدماته إذا لم يكن هناك سكان أو أشخاص يستطيعون الوصول إليه؟
واستهزأ الصحفي قائلا: هل يقدم الخدمات للأفراد العاملين فيه فقط؟ مؤكدا أن الاحتلال يتمركز في مدينة رفح، وأنه لا أحد يستطيع الوصول إلى المستشفى، “مما يضع علامات تعجب كبيرة حول دوره”.
وعن خط المياه الإماراتي، قال سليمان: “جاء هذا المشروع في وقت خطير ومريب مع الحديث عن احتلال مدينة غزة، وقد يكون أحد الخطوط الإستراتيجية لدعم ما تسمى المدينة الإنسانية التي تريد إسرائيل تكديس الناس فيها قبل تهجيرهم”.
وخلال يوليو/تموز 2025، طلب وزير الجيش يسرائيل كاتس من المؤسسة العسكرية المضي قدما في خطة سماها “مدينة إنسانية”، تبنى على أنقاض مدينة رفح، قائلا إنها ستؤوي في البداية نحو 600 ألف نازح فلسطيني أجبروا على الإخلاء إلى المواصي في خان يونس.
وأشار إلى أن هؤلاء النازحين سيتم إخضاعهم لفحص أمني دقيق للتأكد من أنهم ليسوا من عناصر حركة المقاومة الإسلامية حماس، وبعد دخولهم إلى تلك المنطقة سيطوقهم الجيش الإسرائيلي ولن يسمح لهم بالذهاب إلى أي مكان سوى الخروج إلى دولة أخرى عبر البحر أو إلى مصر.
وكان موقف الإمارات من تهجير الفلسطينيين قد أثار الجدل مبكرا عندما طرح الرئيس الأميركي دونالد ترامب في فبراير/شباط 2025 خطة لطرد أهل غزة نحو مصر والأردن وتحويلها إلى مشروع عقاري أو ما أطلق عليه “ريفيرا الشرق الأوسط”.
ففي 14 فبراير، قال سفير الإمارات لدى الولايات المتحدة يوسف العتيبة، إن نهج واشنطن الحالي تجاه قطاع غزة "صعب"، مشيرا بنفس الوقت إلى أنه لا يوجد خطة بديلة لما طرحه ترامب بشأن خطة التهجير.
واستدرك العتيبة أنه "في نهاية المطاف، نحن جميعا نبحث عن حل، لكننا لا نعرف إلى أين سينتهي الأمر".
وعلى الخطط الجارية، علق الصحفي محمد هنية عبر إكس بالقول: “هناك دولة عربية في دعم مخططات الاحتلال بغزة تحت ذريعة الإنسانية حيث ربطت أخيرا خط مياه من مصر إلى مواصي خان يونس تمهيدا للتهجير”.
وأردف بالقول: “الاحتلال يرسم ويخطط بالقصف والقتل وهذه الدولة تساعد على الأرض”.
فيما قال الناشط بلال ريان: إن “دولة عربية متواطئة مع إسرائيل، تتواصل مع حلفائها من قادة المليشيات المسلحة في ليبيا وجنوب السودان لتهجير سكان غزة، وتعمل حاليا عبر فرقها في القطاع على تجهيز أكبر مقر احتجاز بشري جنوب خان يونس”.
ولفت عبر إكس إلى أن هذه الدولة (الإمارات) “تدعم مقر الاحتجاز بمحطات مياه وبنية تحتية ليكون البوابة النهائية لمخطط التهجير”.
أما رئيس المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان رامي عبده، فقال إن “الموقف العربي الحقيقي من الإبادة في غزة يعبّر عنه جنوب محور موراج (الواقع بين خان يونس ورفح)، حيث تشارك دولة عربية في تحضير البنية لتهجير الغزيين ومن خلفها معبر عربي مغلق”.
تعاون عسكري
ولم يتوقف الأمر عند إنشاء مشاريع حيوية مشبوهة في أوقات تخدم إسرائيل، بل تعداه إلى التعاون العسكري والأمني بين أبوظبي وتل أبيب.
ففي 21 أغسطس 2025، أكد موقع سوراجيم العبري التكهنات التي تحدثت خلال الشهور الأخيرة عن تزويد الإمارات إسرائيل بالأسلحة على متن طائرة سرية.
وكشف أن طائرة ثقيلة من طراز إليوشن 76 أقلعت صباح نفس اليوم من قاعدة الريف في أبوظبي، وهبطت في جنوب الأراضي الفلسطينية المحتلة، على ما يبدو بالقرب من قاعدة نيفاتيم، ثم عادت مباشرة إلى الإمارات.
وتُستخدم قاعدة نيفاتيم كنقطة استقبال لشحنات الأسلحة إلى الجيش الإسرائيلي، بحسب الموقع العبري.
وفقاً لبيانات التتبع الجوي التي استند إليها موقع “سوراجيم”، غادرت طائرة الشحن الإماراتية أبوظبي، وحلّقت عبر الأجواء السعودية والأردنية وصولاً إلى صحراء النقب.
وبين أن الطائرة التي ارتبطت منذ فترة بنشاط أسلحة إماراتي سري، وُثِّقت سابقًا وهي تنقل أسلحة إلى قوات الدعم السريع في السودان، التي تربطها بها علاقات عسكرية وثيقة، وتعد موردها الرئيس للأسلحة في الصراع.
ولا يقتصر دور الإمارات على النقل المباشر للأسلحة، بل يمتد إلى استثمارات إستراتيجية في شركة “أنظمة إلبيت” الإسرائيلية، التي تزود الجيش الإسرائيلي بالذخائر والطائرات بدون طيار وأنظمة الدفاع المتقدمة.
فقد افتتحت "البيت سيستمز" الإسرائيلية في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، فرعا لها في الإمارات، وذلك قبيل زيارة وزير الجيش آنذاك بيني غانتس إلى دبي.
وفي بيان لها حينها، قالت الشركة المصنعة للطائرات العسكرية المسيّرة من طراز "هيرميس" (Hermes) وأنظمة الاستطلاع الكهروضوئية إنها أنشأت الفرع من أجل “إنشاء تعاون طويل الأمد مع القوات المسلحة للإمارات”.
وقال موقع سوراجيم إن "للإمارات مصالحها الخاصة في تفكيك حركة حماس والتنظيمات الإرهابية الرئيسة في المنطقة"، وفق تعبيره.
وبين أن صمت الإمارات النسبي تجاه تصرفات إسرائيل بحق الدول العربية الأخرى (العدوان على اليمن وسوريا ولبنان)، يثير استغرابًا في العالم العربي.
ويرى الصحفي محمد سليمان أن التعاون الأمني المتقدم بين الإمارات وإسرائيل بفعل اتفاقية التطبيع الموقعة عام 2020، يدفع هذه الدولة المعروفة بمعاداتها للإسلاميين إلى نسج الخطط الهادفة للتخلص من حركة حماس.
وتطرق في حديثه لـ"الاستقلال"، إلى التعاون بين الإمارات ومليشيا ياسر أبو شباب التي شكلها جيش الاحتلال للعمل في جنوب قطاع غزة على سرقة المساعدات وإثارة الفوضى ومحاربة حماس.
وفي 9 يونيو/حزيران 2025، أثارت صورة نشرها غسان الدهيني، نائب قائد مجموعة أبو شباب المسلحة، جدلًا واسعًا بعد أن ظهر فيها وهو يطلق النار بجانب سيارة تحمل لوحة أرقام إماراتية، ما دفع إلى التساؤل عن احتمال تورط أبوظبي في دعم هذه المليشيا المثيرة للجدل.
ونهاية نفس الشهر، كشف مسؤول أمني في السلطة الفلسطينية لصحيفة يديعوت أحرونوت العبرية، أن مليشيا أبو شباب تتلقى الدعم من “إسرائيل” ومحمد دحلان القيادي المفصول من حركة التحرير الوطني “فتح” ومستشار الرئيس الإماراتي محمد بن زايد.
ويعد دحلان المنافس الرئيس لرئيس السلطة محمود عباس الذي طرده من الحركة بسبب شبهات فساد، وتدفع به الإمارات منذ سنوات كبديل عن الأول.
وفي الشارع الفلسطيني، ينظر إلى المشاريع والمساعدات التي تقدمها الإمارات لغزة بالتنسيق مع إسرائيل على أنها جزء من خطة كبرى لزيادة نفوذ الدولة الخليجية من أجل لعب دور في مستقبل القطاع.














