زيارة أئمة سنغاليين لإسرائيل تفجّر غضبًا شعبيًا ورسميًا.. ما القصة؟

منذ ٣ ساعات

12

طباعة

مشاركة

زيارة رجال دين سنغاليين إلى الكيان الصهيوني، خلّفت انتقادات واسعة بالبلاد، خاصة في ظل الدعم الشعبي المعلن في البلد الإفريقي للقضية الفلسطينية. 

وأصدر "اتحاد الأئمة والوعاظ السنغالي" بيانا أكد فيه أن رجال الدين المشاركين في الوفد الذي زار  الكيان المحتل "لا يمثلون بأي حال أئمة البلاد أو شعبها".

مبادرة شخصية

وأشار البيان الصادر في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2025، إلى أن الزيارة تتناقض بصورة واضحة مع الموقف الرسمي للسنغال وموقف علماء الدين فيها تجاه فلسطين.

وذكَّر بأن السنغال تترأس لجنة ممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف التابعة للأمم المتحدة دون انقطاع منذ تأسيسها عام 1975، وهي مسؤولية “تعكس موقفا تاريخيا وثابتا لا يتزعزع في دعم فلسطين”.

كما أكد البيان، أن هذا الوفد الذي نصّب نفسه بنفسه لا يمكن أن يمثل "الشعب السنغالي الذي عبّر مرارا وتكرارا، وبشكل واضح وسلمي وجلي، عن تضامنه العميق مع القضية الفلسطينية".

ويرى اتحاد الأئمة والوعاظ في السنغال أن هذه الزيارة تجري في سياق دولي يتسم “بانتهاكات خطيرة للقانون الدولي وحقوق الإنسان”. 

ووصف الزيارة بأنها "خطأ تاريخي ودبلوماسي فادح، وبادرة تتناقض تناقضا مباشرا مع الموقف الرسمي للسنغال والتزام سلطاتها الدينية".

ودعا الاتحاد الرأي العام على الصعيدين الوطني والدولي، إلى عدم ربط هذه "المبادرة الشخصية التي تفتقر إلى أي شرعية"، بالسنغال أو سلطاتها الدينية.

وأفادت وسائل إعلام عبرية بأن مجموعة من الأئمة والصحفيين من دول غرب إفريقيا الناطقة بالفرنسية دُعيت إلى القدس في إطار برنامج نظمته وزارة الخارجية الإسرائيلية.

واستقبل رئيس الكيان إسحاق هرتسوغ المجموعة التي تضم رجال دين وصحفيين من السنغال وتوغو وكوت ديفوار وبنين والكاميرون.

مبررات صهيونية

وبشأن خلفيات الزيارة، استضاف برنامج "الطبعة الكبرى" على قناة “i24NEWS” العبرية الإمام هيدو محمد عوالي في 4 ديسمبر 2025، السكرتير الدائم لاتحاد مسلمي توغو وإمام "مسجد بيت الحج".

وادعى عوالي خلال اللقاء أن "هذا الوجود في الأرض المقدسة ليس بالأمر الهين"، قائلا: “إسرائيل بالنسبة لنا بيت المجد، أرض مقدسة”. وفق زعمه.

ورأى أن زيارته هدفها الأساسي هو أنها "رسالة سلام"، ويرى أن "هذا السلام ممكن في كل مكان بالعالم، شريطة أن نصغي لبعضنا بعضا، ونحترم كرامة الإنسان، ونمارس العدالة الاجتماعية، وقبل كل شيء، نعرف كيف نغفر".

ووصف عوالي الزيارة بأنها "روحية وأخوية، وتهدف إلى تعزيز الحوار بين الأديان والروابط بين الشعوب". قائلا: إن "السلام ليس مجرد كلمة، بل هو سلوك".

من الناحية الإستراتيجية، أشار عوالي إلى “الإمكانات الهائلة للشراكة الإسرائيلية الإفريقية، والتي تشمل الزراعة، والابتكار، ومكافحة التطرف”.

ويرى أن "إسرائيل قادرة على تقديم الكثير لإفريقيا"، مشددا على أهمية التصدي "للفكر الإرهابي" من خلال التعليم. وفق تعبيره.

وفي تقييمه لهذه الزيارة، قال الناشط السياسي والاجتماعي السنغالي محمدو بارو: إنه "على يقين بأن هذه الزيارات التي تنظمها إسرائيل هي لأغراض دعائية وتلاعبية بالجمهور والمواطنين الأفارقة". 

ورأى بارو لـ"الاستقلال"، أن هذه الزيارة تأتي في مواجهة ردود الفعل الدولية الغاضبة ضد الإبادة الجماعية التي ترتكبها الآلة العسكرية الإسرائيلية في غزة والأراضي المحتلة عموما.

وأردف، لذلك تُرسل "إسرائيل" شخصيات إعلامية وقادة رأي إلى غزة بشكل مستمر بهدف استخدامهم كأبواق لتبرير جرائمها الدموية ضد الشعب الفلسطيني المُعذّب.

ولذلك، يتابع بارو، لن تسمح إسرائيل أبدا لأي إعلامي أو صانع محتوى حر بممارسة التغطية الصحفية بحرية في الأراضي الفلسطينية وخاصة بغزة.

وأشار الناشط السياسي إلى أن الكيان المحتل يستهدف الأصوات التي تزعجه بالقتل والتصفية، ومن ذلك قتله لأكثر من 250 صحفيا في غزة أثناء تأدية دورهم الإعلامي.

وعبر بارو عن استغرابه لقيام وسيلة إعلام سنغالية بعقد لقاء مع هرتسوغ خلال زيارة الوفد الديني إلى القدس، متسائلا عن خلفياتها بالنسبة للصحيفة. مؤكدا أنها في جميع الأحوال لا تخدم سوى الرواية الصهيونية.

الوفود الدينية

الزيارة التي قام بها الوفد الإفريقي وإن كانت الأكبر منذ بدء العدوان الصهيوني على قطاع غزة في 8 أكتوبر/ تشرين الأول 2025، إلا أنه سبقها وفد من أئمة يشتغلون في دول أوروبية، والذين عقدوا لقاء مع هرتسوغ، في يوليو/تموز 2025.

غير أن "المجلس الأوروبي للأئمة"، وتفاعلا مع الزيارة، أعاد استنكاره الشديد لها، مؤكدا أن "أعضاء هذا الوفد غير معروفين في أوروبا في أوساط الأئمة والدعاة، ولا يمتّون بصلة إلى المؤسسات الشرعية والجمعيات الدينية المعروفة والموثوقة بين المسلمين الأوروبيين".

وذكر المجلس في بيان صدر وقتها، أن "حيثيات هذه الزيارة والجهات التي تقف وراءها تؤكد طابعا الاستعراضي الاستفزازي لخدمة أغراض مشبوهة لا تعبر عن موقف مسلمي أوروبا الراسخ في التضامن مع أهل غزة المظلومين، والتنديد بجريمة الإبادة الوحشية التي يمارسها ضدهم جيش الاحتلال الصهيوني".

ورأى "المجلس الأوروبي للأئمة" أن “كل مبادرة لتبييض جرائم المحتل هي خيانة لله ورسوله ودماء المستضعفين”.

وحذر في الوقت ذاته مما وصفه بـ"محاولات اختراق الوعي وتشويه الثوابت عبر شخصيات مأجورة ومضللة".

وعلى خلفية موجة الاستياء والانتقادات التي نالت المشاركين في هذه الزيارة التي نظمتها مبادرة "شبكة القيادة الأوروبية لتعزيز التعايش بين المسلمين واليهود"، أعلن "مسجد بلال" في مدينة ألكمار الهولندية إيقاف إمامه المشارك في الوفد الزائر لإسرائيل.

وذكرت إدارة المسجد في بيان أن “موقف المسجد واضح لا لبس فيه؛ إذ لم يعد للإمام أي مكان داخل المسجد”.

وشددت على أن "لجنة تسيير أمور مسجد بلال في ألكمار لا تتحمل أي مسؤولية عن تصريحات الإمام أو أفعاله خارج المسجد؛ فبعد هذه الأحداث لم تعد توجد أي علاقة رسمية بين الإمام وبين المسجد".

تغلغل إسرائيلي

تركيز الكيان الصهيوني على الدول الإفريقية ومحاولة التغلغل فيها مستمر، لا سيما بعد تنامي المظاهرات الداعمة لفلسطين في وجه الإبادة الجارية بقطاع غزة، والتي شهدتها عدد من الدول الإفريقية.

فخلال اجتماع نظم تحت شعار "الحوار بين الأديان" بالعاصمة السنغالية دكار، انتفض عدد من الحضور على مشاركة السفير الإسرائيلي بعد أخذه للكلمة، مما أدى إلى توقف في الاجتماع.

وبحسب موقع "seneweb" في 19 نوفمبر/ تشرين الثاني 2025، هتف أحد المحتجين بصوت عال قائلا: "فلسطين حرة"، فيما تمّ اقتياده إلى خارج القاعة.

ووفق المصدر ذاته، أكد مشاركون آخرون، لم يُطردوا، أن الاجتماع ما كان ينبغي أن يُعقد في السنغال أصلا، مشددين على أن "الإبادة الجماعية" في فلسطين مبرر واضح لمعارضة هذا اللقاء.

وفي العاصمة ليبرفيل، عقد مؤتمر دولي مشترك لكنائس الغابون وإسرائيل يومي 10 و11 ديسمبر 2025.

وبحسب ما ورد في موقع "لو تور أكوفيرت" الغابوني في 11 ديسمبر 2025، شهد الاجتماع مشاركة العديد من المندوبين من تسع مقاطعات في الغابون، ودول إفريقية أخرى، وإسرائيل.

وركّز رئيس الوفد الإسرائيلي، القس بارلي بورلي، في كلمته على "ضرورة أن تتواصل إفريقيا مع إسرائيل لإعادة بناء علاقات الصداقة".

ورغم المساعي الإسرائيلية للتغلغل بإفريقيا، إلا أن دراسة أكاديمية أعدها "مركز فاروس للاستشارات والدراسات الإستراتيجية" (مقره القاهرة)، أكدت أن "أمام إسرائيل عوائق جمة في مواجهة هذا التحدي".

وذكرت الدراسة المنشورة في 27 يوليو 2025، أن العوامل التي قد تشكّل قوة مانعة من حدوث التقارب بين الدول الإفريقية وإسرائيل، تشمل "الإرث النضالي التاريخي لدول وشعوب القارة الإفريقية في وجه الاستعمار الغربي".

وأضافت "وكذا صورة الكيان الإسرائيلي الذي طالما ساند وتعاون مع نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، والممارسات الإسرائيلية كدولة فصل عنصري واضطهاد للآخرين، بما في ذلك العنصرية تجاه اليهود من أصول إفريقية، وتجاه اللاجئين الأفارقة".

ورأت الدراسة أن من العوائق أيضا ما تعلق بـ"الوجود التركي والإيراني النشط خلال السنوات الأخيرة في القارة الإفريقية كمنافس للنشاط الإسرائيلي".

وتابع: "كذلك وجود العديد من الدول الإفريقية سواء العربية أم غير العربية، التي ما تزال تساند القضية الفلسطينية والتوجهات العربية ولها وزنها في القارة، مثل جنوب إفريقيا وغيرها، إضافة إلى تقاطع مصالح عدد من الدول الإفريقية مع دول عربية". 

غير أن المركز توقف في دراسته أيضا عند بعض العوامل التي تستغلها إسرائيل لزيادة نفوذها بالقارة السمراء، ومنها "استمرار حالة السيولة في المنطقة وحالة الاحتراب بين ثورات الشعوب العربية والثورات المضادة، في اليمن وليبيا وسوريا".

وكذا "غياب وحدة الموقف العربي حول العديد من القضايا العربية، وغياب غالبية الدول العربية عن قضايا القارة الإفريقية، وغياب الإستراتيجية العربية الموحدة تجاه القارة الإفريقية".

وأشارت الدراسة أيضا إلى "التقارب العربي الإسرائيلي، سواء من خلال اتفاقيات التسوية السلمية الموقعة أو من خلال التفاهمات غير المعلنة، والتي تستغلها إسرائيل في تطوير علاقاتها مع الدول المساندة للقضية الفلسطينية".

ومن العوامل أيضا، بحسب المصدر ذاته، "النفوذ الغربي، خصوصا الأميركي في القارة الإفريقية، التي تدفع أحيانا باستخدام طرف ثالث هو إسرائيل في تثبيت أو إزاحة بعض الأنظمة بشكل غير مباشر".

ونبَّهت الدراسة كذلك إلى" تأثير اللوبي اليهودي الصهيوني النشط، والمكون من رجال الأعمال الإسرائيليين، ومن أبناء البلدان الإفريقية من اليهود".