دفع إتاوة أو السجن.. شهادات تخرج للعلن عن ابتزاز الأسد للتجار وتقاسم الأرباح

مصعب المجبل | منذ ٧ ساعات

12

طباعة

مشاركة

تتزايد يوما بعد يوم أعداد الخارجين عن صمتهم من التجار السوريين الذين كانوا ضحية ابتزاز مالي ضخم من قبل القصر الجمهوري في العاصمة دمشق زمن النظام البائد برئاسة بشار الأسد.

فقبيل سقوط نظام الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024 بيوم واحد كان "مجلس الاقتصاد السري" داخل القصر يعمل بنشاط ويجمع الإتاوات المالية من التجار ورجال الأعمال. 

"لجنة القصر"

ويطلق على هذا المجلس السري اسم “لجنة القصر”، والتي كانت تديرها أسماء الأخرس زوجة بشار ويعمل فيها عدد من رجال الأعمال.

وكان يساعدها كل من يسار إبراهيم المدير المالي في القصر آنذاك، وفارس كلاس الأمين العام لـ “الأمانة السورية للتنمية” التي أطلقتها أسماء عام 2001.

وكانت “لجنة القصر” تتكون من المكتب الاستشاري، ومكتب الإيرادات، والميزانية، والإستراتيجيات والدراسات، ومكتب “مصرف سورية المركزي”، والضرائب، و"المكتب الأمني".

وعقب سقوط الأسد، بدأ بعض التجار ورجال الأعمال في فتح خفايا “لجنة القصر”، وأظهرت الشهادات أنها مرتبطة بعدد من الفروع الأمنية.

وفي كل فرع أمني مكتب خاص مهمته فقط ابتزاز التجار ورجال الأعمال وتحصيل الإتاوات المالية بالتهديد ومن يرفض مصيره الاعتقال.

وقد روى الصناعي السوري هيثم أبو شعر في لقاء على "تلفزيون سوريا" في 29 يناير/كانون الأول 2025 شهادته عن ابتزاز نظام الأسد المخلوع للتجار.

وكشف أن تاجرا سوريًّا أراد أن يستورد شاشات تلفزيون لبيعها في المحافظات السورية، إلا أن أحد الفروع الأمنية طلب منه دفع مبلغ 400 ألف دولار كإتاوة حددها القصر الجمهوري.

رفض التاجر الأمر، مما أدى لاعتقاله في يونيو/حزيران 2024 وصاغوا له تهمة وحكموا عليه بالسجن 7 سنوات.

ونوه أبو شعر إلى أن ذلك التاجر (لم يذكر اسمه) خرج من السجن على يد الثوار فجر تحرير البلاد في الثامن من ديسمبر 2024 بعدما أمضى سبعة أشهر في المعتقل.

كما تحدث التاجر السوري من محافظة حلب أنس عجوري، عن “لجنة القصر”، مبينا أن "مهمتها الأساسية جباية الأموال لتغطية ميزانية الحرب بقيادة آل الأسد".

 "جباية الأموال"

واستعرض عجوري ضمن بودكاست "سطور سوريا" بث في 8 أغسطس 2025 بعضا من الشواهد على جباية الأموال من التجار.

وقال: إن فرع الخطيب في العاصمة دمشق الذي كان يتبع لإدارة المخابرات العامة، كان يستدعي التجار ورجال الأعمال من كل المحافظات السورية إلى الفرع ويتم اعتقالهم لمدة أسبوعين.

بعد ذلك يجري إدخال التاجر المعتقل إلى فريق من لجنة القصر ويتم سؤاله عن طبيعة عمله وكيف يستورد بضاعته؟ وكيف يدفع المال؟

مع الإشارة إلى أنه في زمن حكم الأسد المخلوع وتحديدا عقب الثورة، سنت قوانين تمنع التعامل بالدولار الأميركي مع السجن للمخالفين.

وأردف عجوري أنه “بعد مفاوضة التجار داخل الفرع الأمني، يسمحون له بالاتصال مع أهله لكي يدفعوا مبلغا من المال لإخراجه”.

ويجري إيداع المبلغ لصالح مندوب لجنة القصر داخل البنك المركزي السوري، وفق عجوري.

وأشار إلى أن الكثير من التجار فروا خارج سوريا أثناء حكم الأسد، عند لحظة سماعهم اعتقال زملائهم من قبل أجهزة المخابرات.

وأكد عجوري، أن "أرقام جباية الأموال من التجار بالدولار الأميركي تختلف بحسب وزنهم في السوق ورصيدهم المالي".

وقبل اعتقال أي تاجر أو رجل أعمال، تجري لجنة القصر حصرا شاملا لأملاكه من أجل تحديد قيمة الإتاوة التي ستفرض عليه، وفق عجوري.

وقال: إن “صاحب مكتب صرافة دفع نصف مليون دولار كي يتم الإفراج عنه”. مؤكدا أن "هناك عددا من التجار ورجال الأعمال الذين رفضوا دفع الإتاوة ماتوا داخل أقبية المخابرات". مشيرا إلى أنه يعرف عددا منهم دون ذكر أسمائهم.

وعن تجربته في الابتزاز، أوضح أن شركة هواتف صينية عرضت عليه عام 2018 إدخال موبايلات إلى سوريا، مبينا أنه استشار أحد الأصدقاء للحصول على الترخيص من قبل حكومة الأسد، فنبهه إلى عدم الإقدام على هذه التجارة قبل أخذ الإذن من خضر علي طاهر، والمعروف بـ"أبو علي خضر".

و"أبو علي خضر" كان يلقب بـ “أمير المعابر” لنشاطه البارز في عمليات التهريب من سوريا إلى لبنان، كما لقب بـ "الغوار"، لكونه كان يتزعم مليشيا تتبع الفرقة الرابعة التي كان يقودها ماهر الأسد شقيق بشار وكانت تدير المعابر التجارية و"الإنسانية" في محافظة حلب عاصمة الاقتصاد السوري.

وقد دلت كثر من الوقائع على أن "أبو علي خضر"، هو الواجهة الاقتصادية لأسماء الأخرس.

وقال عجوري: إنه التقى بصهر "أبو علي خضر" ويدعى إيهاب الراعي، في دمشق، وأخبره أنه إذا كان يريد الدخول في صفقة استيراد موبايلات فيمكنه ذلك بشرط فتح شركة بسوريا وأن تذهب نسبة معينة فقط من الأرباح له.

إلا أن عجوري، تراجع عن فكرة استيراد الموبايلات بعد تحذير رجال أعمال من أنه قد يتعرض للتصفية كون هذه التجارة حصرية لـ "أبو علي خضر" في سوريا.

ولا تعرف ثروة "أبو علي خضر" الحقيقية، إلا أن صفحات محلية تتبع للطائفة العلوية، وتهتم بنشر فضائح وممارسات "أمراء الحرب"، تقدرها بنحو 12 مليار دولار، جمعها بوصفه "أمير حرب" ناشئا، وتشمل استثمارات وعقارات في سوريا ودولة الإمارات، وكذلك أرصدة سرية في أوروبا.

"حصة الأسد"

وكانت الأجهزة الأمنية بسوريا تحت تصرف رجال الأعمال الذين يشكلون الواجهة الاقتصادية لبشار الأسد والتي تشرف عليهم زوجته أسماء.

وبحسب كثير من التجار السوريين فإن الفرع 215 (سرية المداهمة) التابع للأمن العسكري في دمشق، كان يعتقل كل تاجر يُدخل بضائع يستوردها "أبو علي خضر".

والفرع 215 كان يطلق عليه "الهولوكوست السوري" كونه أكثر الفروع الأمنية التي تشهد حالات موت بسبب التعذيب. 

كذلك كان فرع "الخطيب" الأمني يفرض على تجار دمشق وحلب دفع مبالغ شهرية كي يستمروا في عملهم.

وضمن هذا السياق، قال أنس طالب وهو تاجر سوري لديه معمل ألبسة لـ "الاستقلال": إن "مكتب الخطيب الأمني في حلب كان يفرض مبالغ مالية على تجار الذهب ومن يرفض يجري سجنه لترهيب باقي التجار".

وأضاف أنه "في السنوات الأخيرة قبل سقوط الأسد كان البلد مقسم اقتصاديا ولم يعد لأي تاجر أو رجل أعمال يستطيع استيراد بعض المواد أو السلع والتي أصبحت حكرا على تجار الدائرة الضيقة لبشار الأسد مثل الحديد والألمنيوم والخشب والسكر والشاي".

ولفت طالب إلى أن "كل تاجر يُستدعى إلى الفروع الأمنية بغرض الابتزاز المالي كان يتكتم على المبلغ الذي دفعه للجنة القصر لقاء خروجه".

وأشار إلى أنه "عقب سقوط الأسد خرج الكثير من التجار عن صمتهم وتحدثوا عن دفعهم آنذاك مئات آلاف الدولارات؛ حيث كان البعض يدعي أنه كان مسافرا خارج البلاد أثناء فترة احتجازه بسبب التهديد من المخابرات بالاعتقال مجددا إذا تحدث عما جرى معه".

ونوه طالب إلى أنه "منذ عام 2022 لم يعد هناك تاجر أو رجل أعمال في سوريا لا يدفع جباية مالية إلى لجنة القصر".

وذكر أن “التجار في سوريا قبيل سقوط نظام الأسد أصبحوا يعدون هذه المبالغ من ضمن التكلفة الإضافية لاستيراد المواد الخام بسبب العقوبات على سوريا”.

بمعنى أن التجار أصبحوا يقتطعون من أرباح تجارتهم نسبة معينة للجنة القصر، أي حصة الأسد، لتجنب الاعتقال والاستمرار في العمل.

واستدرك طالب: "كان التجار يخشون مداهمات مكتب الضرائب التابع للجنة القصر والذي يعمل على تفتيش أجهزة الكمبيوتر التابعة للشركات والمصانع والاطلاع على حجم الإنتاج والبيع والتصدير لتحديد ضريبة خاصة لدفعها".