من تجارة القنب إلى السياسة.. مارك سافايا مبعوثًا لترامب في العراق

يوسف العلي | منذ ٥ ساعات

12

طباعة

مشاركة

“ملك القنب، عراقي الأصل، صديق تسوركوف”.. هكذا يطلق على مارك سافيا، المبعوث الخاص للرئيس الأميركي دونالد ترامب، في العراق، والذي يأتي تعيينه في ظروف حساسة تشهدها بلاد الرافدين، لا سيما الانتخابات البرلمانية، وانسحاب قوات الولايات المتحدة.

كانت آخر شخصية شغلت منصب المبعوث الخاص للرئيس الأميركي في العراق، هو الدبلوماسي بريت ماكغورك، والذي عيّنه ترامب أيضا خلال ولايته الأولى (2017 إلى 2021)، فيما لا تزال سفارة واشنطن في بغداد خالية من سفير منذ نهاية العام 2024.

يأتي تعيين سافايا، بعد أقل من شهرين على تكليف الدبلوماسي الأميركي جوشوا هاريس قائما بالأعمال الأميركي في العراق، خلفا لستيفن فاجن الذي تولى المنصب لمدة ثلاثة أشهر فقط؛ إذ لم ينصب ترامب أي سفير للعراق منذ ولايته الثانية في مطلع يناير/ كانون الثاني 2025.

"صديق تسوركوف"

في خبر إعلان تعيينه مبعوثا خاص في العراق، أكد ترامب، أن مارك سافايا، كان أحد العناصر الرئيسة في حملته الانتخابية الأخيرة التي أوصلته إلى البيت الأبيض، وذلك بتحقيقه رقما قياسيا في ولاية مشيغيان الأميركية.

وكتب الرئيس الأميركي خلال تدوينة على منصته "تروث سوشيال" في 19 أكتوبر/تشرين الأول 2025، قائلا: "يسعدني أن أعلن أن مارك سافايا سيشغل منصب المبعوث الخاص إلى جمهورية العراق".

وأضاف ترامب أن "الفهم العميق الذي يمتلكه مارك للعلاقات بين العراق والولايات المتحدة، وصلاته الواسعة في المنطقة، سيسهمان في تعزيز مصالح الشعب الأميركي".

وتابع: "كان مارك أحد العناصر الرئيسة في حملتي الانتخابية في ولاية ميشيغان، حيث ساعد مع آخرين في تحقيق رقم قياسي في عدد الأصوات من الأميركيين المسلمين".

بدوره، رد مارك سافايا عبر حسابه على منصة "إكس" بالقول: "أشعر بعميق التواضع والتكريم والامتنان للرئيس دونالد ترامب لتعيينه لي مبعوثًا خاصًا إلى جمهورية العراق".

وأردف: "إنني ملتزم بتعزيز الشراكة الأميركية العراقية بقيادة الرئيس ترامب وتوجيهاته. شكرًا لك سيدي الرئيس".

وعلى الفور، هنأت الباحثة الإسرائيلية- الروسية التي كانت مختطفة في العراق، إليزابيث تسوركوف، مدة 903 أيام لدى "كتائب حزب الله" العراقية، على خبر تعيين مارك سافايا، على هذا التعيين الذي وصفته بـ"المهم".

وأوضحت تسوركوف عبر تدوينة على "إكس" نشرت خلالها صورها مع سافايا أن الأخير "لعب دورا محوريا في تحريرها دون أي مقابل"، مشيرة إلى أن هذا التعيين خبر سيّئ للغاية لكل من يخدم مصالح إيران في العراق ويسعى لتقويض السيادة العراقية".

وفي 10 سبتمبر/أيلول 2025، أعلن ترامب وعائلة طالبة الدراسات العليا الإسرائيلية الروسية إليزابيث تسوركوف، أن "كتائب حزب الله" أطلقت سراحها بعد أكثر من عامين على احتجازها.

وذكر ترامب عبر منصته "تروث سوشيال أن "تسوركوف الآن بأمان في السفارة الأميركية بالعراق بعد تعرضها للتعذيب لأشهر عديدة".

من جانبه، قال رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني في بيان "تتويجا لجهود كبيرة بذلتها أجهزتنا الأمنية وعلى مدى شهور طويلة، نعلن عن تحرير المواطنة الروسية إليزابيث تسوركوف".

وأضاف السوداني: "نؤكد مرة أخرى أننا لن نتهاون في إنفاذ القانون وإعلاء سلطة الدولة، وعدم السماح لأي أحد بالإساءة إلى سمعة العراق والعراقيين"، دون إعلان الجهة الخاطفة أو الإجراء المتخذ بحقهم.

"ملك القنب" 

مارك سافايا البالغ من العمر 43 عاما، رجل أعمال أميركي من أصول عراقية مسيحية كلدانية هاجرت عائلته من العراق خلال تسعينيات القرن العشرين، ويقيم في منطقة مترو ديترويت بولاية ميشيغان.

يُعدّ من أبرز المستثمرين في صناعة القنّب القانونية في الولايات المتحدة، ويمتلك سلسلة متاجر تحمل اسم Leaf & Bud، (ورقة وبرعم) إلى جانب خط منتجات خاص تحت اسم (ماركت سافايا كالكوليشن).

كما يقود سافايا شركة (Future Grow Solutions) المتخصصة في الزراعة الداخلية لنبات القنّب بتقنيات متقدمة تعرف باسم (CropTower).

لم يأتِ اختيار مارك سافايا من رحم الدبلوماسية التقليدية، بل من قلب صناعة القنّب والماريجوانا (المخدرة) القانونية في الولايات المتحدة، ما جعل الصحافة الأميركية تصفه بـ"ملك القنّب" في ديترويت الأميركية.

في عام 2019، اشترى سافايا مجمعا صناعيا في مدينة ديترويت، واستثمر ما بين 7 إلى 8 ملايين دولار لتطويره كمركز متكامل للزراعة والمعالجة والتوزيع ضمن مشروع "من البذرة إلى البيع" الذي يجمع مراحل الإنتاج كافة داخل منظومة واحدة.

بدأ سافايا مسيرته في قطاع المتاجر الصغيرة والخدمات السريعة داخل ديترويت، ثم استثمر أرباحه المبكرة في صناعة القنّب بعد تقنينها في ولاية ميشيغان عام 2018.

استفاد من كونه من أوائل المستثمرين في السوق الجديدة، فأسس شبكته الاستثمارية الخاصة دون تمويل خارجي، بحسب موقع Tracxn"" الذي يصنّف شركته بأنها "غير ممولة".

وبمرور الوقت، تحوّل إلى أحد أبرز رموز الصناعة، جامعًا بين الإنتاج والتوزيع والتسويق تحت علامة تجارية تحمل اسمه الشخصي.

لم تخلُ مسيرة سافايا من الجدل، ففي ربيع 2024، أثارت حملة لوحات إعلانات (Leaf & Bud)"ورقة وبرعم" المروجة للنبتة المخدرة، نقاشا في مجلس مدينة ديترويت بسبب "الانتشار المفرط" لإعلانات القنّب.

وكانت أنجيلا ويتفيلد- كالواي عضو الكونغرس الأميركي، قد دعت حينها إلى تقييد هذه الإعلانات، وذُكر اسم سافايا صراحة خلال جلسات المجلس.

القنوات المحلية مثل "فوكس تو ديترويت، وديترويت نيوز"، سلطت الضوء على القضية على مدار شهري مايو/ أيار ويونيو/ حزيران 2024، فيما أحالت البلدية الملف إلى الدائرة القانونية لصياغة ضوابط جديدة للإعلانات قرب المدارس ودور الحضانة.

وتكشف سجلات محاكم ميشيغان عن دعاوى تجارية ومدنية ارتبطت باسم سافايا، في مقاطعتي ماكومب عام 2024، وأوكلاند عام 2023، لكن رغم هذه القضايا، لا توجد أي اتهامات جنائية تتعلق بالقنّب أو المخالفات القانونية، وإنما تقتصر على خلافات تجارية وتعاقدية ضمن الصناعة.

"شبيه توماس"

حظي تعيين سافايا بردود واسعة من سياسيين وناشطين عراقيين، على مواقع التواصل الاجتماعي، فقد توقع الكاتب والباحث العراقي لقاء مكي، أن يكون تعيين الرئيس ترامب مبعوثا خاصا إلى العراق، مؤشرا مهما على وضع العراق على الأجندة الأميركية الحالية وبقوة. 

وتابع مكي عبر تدوينة على "إكس" في 19 أكتوبر، أن هذا كان متوقعا، لكن لم يكن معروفا من يتولى المهمة ومتى. الآن أصبح مارك سافايا، وهو ناشط بارز في حملة ترامب في ميشيغان مبعوثا إلى العراق، وهو عراقي الأصل ورجل أعمال يمتهن عملا صعبا هو زراعة القنب دون تربة.

وأشار إلى أن رصيد سافايا السياسي لا يتجاوز عمله في حملة ترامب. هو في ذلك يشبه ستيف ويتكوف (المبعوث الأميركي للشرق الأوسط) وتوماس باراك (مبعوث ترامب الخاص إلى سوريا)، وكلاهما يحدث أثرا عميقا في أوضاع الشرق الأوسط رغم عدم وجود خلفية سياسية لهما.

ورأى مكي أنه "قد يكون لأصله العراقي أثر ما في جهوده، لكن في النهاية هو ترامبي متعصب، ومن المتوقع أن تكون علاقته بالعراق غير مختلفة كثيرا عن علاقة توماس باراك بلبنان الذي يعود إليه أصله".

من جانبه، رأى وزير الخارجية العراقي الأسبق، هوشيار زيباري أن تعين مارك سافايا مبعوثا خاصا للرئيس الأميركي، هو اعتراف بأن الوضع في العراق غير طبيعي ويحتاج إلى إجراءات وقرارات خارج الأطر الدبلوماسية والرسمية المعتادة لتصحيح وتقويم الوضع المضطرب والمشوش.

على الصعيد ذاته، رأى الكاتب العراقي، فلاح المشعل أن تعيين مبعوث وليس سفيرا- كما تقتضي تقاليد الدبلوماسية والعلاقات الدولية بين أميركا والعراق- يعني أن ثمة مهمة محددة في ظروف أزمة، أو حرب، أو نقل رسالة محددة، أو مهمة لا تقترن بنشاط الجهاز الدبلوماسي للدولة، فيأتي المبعوث الخاص.

ورأى المشعل أن العراق مقبل على أزمة كبيرة يجرى الإعداد لها في البيت الأبيض بين ترامب وأصدقائه وأركان حكومته، وأن الأمر يتعلق بالنفط، عازيا ذلك إلى حديث الأخير خلال قمة شرم الشيخ حول غزة (في 13 أكتوبر/تشرين الأول 2025)، عن وجود ثروة نفطية هائلة في العراق ولا يعرفون استثمارها.

وعلى الوتيرة ذاتها، رأى السياسي العراقي، ليث شبّر عبر تدوينة على "إكس" أنه ليس من عادة واشنطن أن تعيّن مبعوثًا خاصًا لبلد ما إلا حين يتحول ذلك البلد إلى عقدة إستراتيجية في معادلات القوة الدولية. وهذا ما حدث عندما أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب تسمية مارك سافايا مبعوثًا خاصًا للعراق".

وبحسب شُبر، فإن هذا القرار لم يأتِ من فراغ، كما لم يُصنع في قاعات البروتوكول الدبلوماسي، بل في غرف الحسابات الجيوسياسية حيث تُدار توازنات الطاقة والأمن والممرات التجارية والصراع الإقليمي.

وفسر السياسي العراقي، توقيت تعيين سافايا، بأنه يحمل رسائل ثلاثة، الأولى أن العراق عاد إلى قلب التنافس الدولي، والثانية أن واشنطن أدركت أن إدارة الملف العراقي عن بُعد لم تعد مجدية، أما الثالثة، فإن ترامب لا يريد سفارة تتعاطى يوميًا مع العراق فحسب، بل مبعوثاً يُعيد ترتيب العلاقة على أساس مقايضة مصالح لا شعارات دبلوماسية.

ويأتي تعيين سافايا قبل نحو 20 يومًا من الانتخابات البرلمانية العراقية المقررة في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2025، وفي ظل مرحلة انسحاب القوات الأميركية المنضوية ضمن التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة، والتي بدأ تنفيذها في 25 سبتمبر/أيلول 2025 بموجب اتفاق بين واشنطن وبغداد، على أن تنتهي في 25 سبتمبر من العام التالي.