وعود التمويل الخليجي لإعادة الإعمار.. هل تتحول إلى أداة ضغط على إسرائيل؟

إسرائيل ستضطر حتما إلى مواجهة تحديات غير مسبوقة تتعلق بإعادة إعمار قطاع غزة
من المتوقع أن تكلف إعادة إعمار قطاع غزة بعد الحرب عشرات المليارات من الدولارات، وتتوقع الحكومة الإسرائيلية أن تأتي هذه الأموال من دول الخليج. لكن هل المشاركة الخليجية في الإعمار مضمونة بالفعل، وإذا كان الأمر كذلك، فما شروطها؟
هكذا تساءل معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي (INSS)، في تقرير له، بقلم كل من الدكتور يوئيل غوزانسكي، والعقيد احتياط الدكتور عوفر غوترمان، والبروفيسور إستيبان كلور.
وأوضح التقرير أن إسرائيل ستضطر حتما إلى مواجهة تحديات غير مسبوقة تتعلق بإعادة إعمار قطاع غزة: من بنيته التحتية المدنية، وأنظمة الحياة، والمؤسسات الحاكمة، إلى إعادة تأهيل الجوانب المادية والأيديولوجية للسكان أنفسهم.
وأضاف: "يجب أن تُنفَّذ جهود الإعمار سواء سيطرت إسرائيل على كامل القطاع وأقامت إدارة عسكرية فيه، أو انسحبت منه ضمن إطار تسوية".

مكافأة للفلسطينيين؟
وتابع: "ستكون إعادة الإعمار ضرورية ليس كـ "مكافأة" للفلسطينيين، بل كضرورة إسرائيلية لتخفيف الكارثة الإنسانية، ومنع الفوضى، وتجنب نشوء بؤر جديدة للإسلام المتطرف، الأمر الذي سيؤثر سلبا على إسرائيل لسنوات وربما لعقود قادمة".
"وقد قدّر المصريون تكاليف إعادة الإعمار المدني بـ 53 مليار دولار، ومع ذلك، قد تكون التكاليف الفعلية أعلى بكثير، نظرا لتزايد حجم الدمار في المنطقة منذ أن نشرت مصر مقترحها للإعمار"، وفق التقرير.
وفيما يتعلق بتمويل إعادة إعمار قطاع غزة، غالبا ما تُذكر دول الخليج العربي كجهات يُتوقع أن تتحمل العبء الاقتصادي.
فقد أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في مناسبات عدة أنه ينظر إلى دول الخليج، وعلى رأسها السعودية والإمارات، على أنها من سيقود إعادة تأهيل القطاع اقتصاديا وماديا بعد الحرب.
كما عرض نتنياهو في فبراير/شباط 2024 وثيقة بعنوان "التهديد ما بعد حماس"، وكجزء من خطته لـ "اليوم التالي"، أكد أنه سيتم تنفيذ خطة شاملة لإزالة التطرف في جميع المؤسسات الدينية والتعليمية والاجتماعية في قطاع غزة "قدر الإمكان بمشاركة ومساعدة الدول العربية ذات الخبرة في هذا المجال".
وقال التقرير: "قد يكون تقاسم مسؤولية إعادة إعمار قطاع غزة مع جهات إقليمية معتدلة، وفي مقدمتها السعودية و/أو الإمارات، حلا ممكنا للطريق المسدود الذي تواجهه إسرائيل فيما يتعلق بالحرب في غزة".
واستدرك: "مع ذلك، لا تتفاعل الحكومة الإسرائيلية إيجابيا لمطالب هذه الدول بتقديم خطة "اليوم التالي" للقطاع، والتي تُطرح كشرط أساسي لتقاسم العبء".
"كما أن استعداد الدول الخليجية للتعاون مشكوك فيه بسبب الضغوط الاقتصادية والمخاوف من أن تصبح الاستثمارات خسارة محتملة في جولة صراع مستقبلية بالقطاع".
وهناك خيار آخر يتمثل في مشاركة قطر، لكنه قد يساعد أيضا حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على إعادة بناء نفسها، بحسب المعهد.
رؤى متباينة
وقال المعهد: "تلعب السعودية والإمارات وقطر أدوارا مختلفة -تارة متكاملة وتارة متنافسة- في السياق الغزّي، معززةً أولويات متباينة، فالدوحة مستعدةٌ للاستثمار في القطاع دون شروط مسبقة تقريبا، بهدف الحفاظ على نفوذها في المنطقة وضمان بقاء حماس؛ في المقابل، وتضع أبوظبي شروطا أمنية وسياسية لاستثمارها في القطاع".
"بينما تطلب الرياض من إسرائيل تقديم إطار واضح لإقامة دولة فلسطينية؛ وتسعى إلى دمج إعادة الإعمار في عملية إستراتيجية تتضمن التطبيع مع إسرائيل".
وذكر المعهد أن السعودية تخشى من أن مشاريع إعادة الإعمار، إذا نُفذت دون شروط واضحة، قد لا تكون مستقرة أو حتى تتعرض للتدمير في جولة جديدة بين إسرائيل وحماس. لذلك، أفادت تقارير بأنها ترغب في نزع سلاح حماس في محاولة لمنع نشوب صراعات مستقبلية.
ويتعلق هذا القلق أيضا بصورتها، فالاستثمار المباشر الذي قد يُنظر إليه في العالم العربي على أنه منسق مع إسرائيل ومتوافق مع مصالحها، خاصة إذا نُفذ في إطار تسويات أمنية تشمل إسرائيل، قد يضر بسمعتها لدى الرأي العام العربي.
ولهذا السبب، ترفض السعودية التعاون المباشر مع إسرائيل، وتصرّ بدلا من ذلك على العمل من خلال أطر دولية أو عربية واسعة، وعلى إدارة إعادة الإعمار من خلال السلطة الفلسطينية.
بدورها، ترفض الإمارات أي مشاركة لحماس في الحكم المحلي المستقبلي لغزة، وتشترط نزع سلاحها الكامل لأي دعم مالي، وفق المعهد.
وتُجري الإمارات محادثات مع الولايات المتحدة وإسرائيل بشأن إنشاء إدارة مؤقتة في غزة، تعتمد على سلطة فلسطينية "مُصلحة" أو هيئة تكنوقراطية مؤقتة.
ويكمن الفرق بين موقف السعودية وموقف الإمارات -باستثناء استعداد الإمارات للعمل مباشرة مع إسرائيل في حين تُحجم السعودية عن ذلك- في اختلاف مواقف كليهما تجاه السلطة الفلسطينية.
فالرياض -بحسب التقرير- أكثر استعدادا لقبول السلطة الفلسطينية حتى بدون إصلاح، مع أنها لا تعارضه، بينما تُصرّ الإمارات على ضرورة خضوع السلطة الفلسطينية لإصلاح شامل، بل وتغيير قيادتها، لتساعد في مرحلة ما بعد الحرب.
وأضاف التقرير أن "قطر تجمع بين جهود الوساطة والمساعدات الإنسانية والمشاركة السياسية الفاعلة. ويؤكد موقفها الرسمي على ضرورة إعادة إعمار البنية التحتية في القطاع بسرعة، دون شروط مسبقة، انطلاقا من مصلحة جوهرية في الحفاظ على حماس، كنقطة محورية لنفوذها مستقبلا".
ومع ذلك، فإن قطر التي تتعاون مع إسرائيل مع الحفاظ على علاقات وثيقة مع حماس، تشعر بالقلق من أن يُنظر إليها على أنها "تتخلى" عن الفلسطينيين أو تتفق تماما مع الموقف الأميركي-الإسرائيلي.
لذلك، تسعى جاهدة لضمان الحفاظ على مساعداتها في إطار إنساني سياسي يؤكد على استقلاليتها ودورها كوسيط.
وقال التقرير: إن "المتحدثين القطريين يتهربون من التطرق إلى مسألة العودة المحتملة للسلطة الفلسطينية للسيطرة على قطاع غزة، مكتفين بالقول: إن "الأمر شأن فلسطيني".
ومع ذلك، فقد تعاونت قطر أخيرا أيضا مع مبادرات تهدف إلى نزع سلاح الحركة، على الأرجح بسبب ضغوط عربية و/أو أميركية، بحسب المعهد.
وعلى سبيل المثال، في إطار المبادرة السعودية الفرنسية لتعزيز رؤية الدولتين، انضمت قطر إلى الدول العربية في يوليو/تموز 2025 في الدعوة إلى إنهاء حكم حماس في قطاع غزة ونزع سلاح الحركة.

أربعة مسارات
وبحسب التقرير، يمكن وضع أربعة مسارات محتملة قد تتبعها الحكومة الإسرائيلية.
السيناريو الأول: الموافقة على طلب السعودية والإمارات لاستبدال حكم حماس بحكومة مرتبطة بالسلطة الفلسطينية ضمن إطار تسوية حل الدولتين.
والثاني: الاعتماد الاقتصادي على قطر، مما يستلزم تجديد وضع حماس في القطاع.
أما السيناريو الثالث فيكمن في التنازل عن المساعدات الخليجية وتحميل إسرائيل عبء إعادة الإعمار بالكامل، بتكلفة اقتصادية هائلة.
وأخيرا، عدم إعادة إعمار غزة، ما سيؤدي إلى بيئة من الفوضى والتطرف الديني، إلى جانب التهديدات الأمنية وعدم الاستقرار الناتج عنهما.
وختم المعهد بالتحذير من أن الرغبة العلنية لدول الخليج في المساهمة في إعادة الإعمار قد تفتر إذا ما انتهت الحرب لأنها هذا هو دافعها بالأساس؛ لذلك، أوصى المعهد بأن تؤمّن إسرائيل مساهمة هذه الدول مسبقا كجزء من آلية لإنهاء الحرب.