تزامنا مع أحاديث عن اعتداءات إسرائيلية محتملة.. لماذا سافر السوداني لعُمان؟

"خصوم السوداني يقولون إن غرض زيارته لسلطنة عُمان هو طلب وساطتها مع أميركا"
في خطوة هي الأولى من نوعها منذ توليه منصبه عام 2022، برزت تساؤلات عن أسباب زيارة رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، إلى سلطنة عُمان، بالتزامن مع تصاعد الحديث عن ضربات إسرائيلية محتملة للعراق وعودة المعارك مع إيران.
رغم حديث البيانات الرسمية للدولتين عن المساعي لتطوير العلاقات الثنائية، إضافة إلى دعم التهدئة في المنطقة، لكن تقارير محلية ومراقبين عراقيين فسروا زيارة السوداني إلى عُمان بشكل مختلف، وذلك بسبب توقيتها وطبيعة الظروف التي يعيشها العراق والمنطقة.

"وقف الصراع"
السوداني التقى خلال زيارته التي استمرت يومين إلى سلطنة عُمان على رأس وفد وزاري في 3 سبتمبر/ أيلول 2025، السلطان هيثم بن طارق، إذ رعيا توقيع اتفاقيتين و24 مذكرة تفاهم بين بغداد ومسقط، أبرزها في مجال الطاقة والنفط، حسب بيان رسمي عراقي.
وأشار السوداني خلال اللقاء مع السلطان العُماني إلى رغبة العراق بتطوير علاقات التعاون مع عُمان، مؤكدا أن الشعب العراقي يحتفظ بالمواقف المتميزة للأشقاء العُمانيين في كل المراحل، وفي مختلف التحديات التي مرّ بها العراق والمنطقة.
وعقد الجانبان لقاء موسعا بحضور وفدي البلدين، جرى فيه بحث الأوضاع العامة التي تشهدها المنطقة، حيث أشاد رئيس الوزراء العراقي بمواقف السلطنة الداعية الى وقف العدوان (في غزة)، ونشر الاستقرار ومنع التصعيد، ليعقد بعدها السوداني لقاء ثنائيا مع ابن طارق.
من جانبه، أكد السلطان العُماني رغبة بلاده في تطوير العلاقات الثنائية في مختلف المجالات، والانفتاح على كل أوجه التبادل المثمر مع العراق، مبينا توجيهاته الى وزراء الحكومة العمانية بأهمية تحويل مذكرات التفاهم الى خطوات عملية بالتعاون والشراكة مع العراق.
كما أعرب عن دعمه خطوات العراق على الساحة الإقليمية، وكل ما بذلته الحكومة العراقية على مسار وقف انتشار الصراع، وترسيخ الاستقرار في المنطقة، وفقا لبيان مكتب رئيس الوزراء العراقي.
وفي بيان مشترك نشرته الخارجية العمانية في 4 سبتمبر، أكد الجانبان على الوقف الفوري والدائم للحرب التي شنتها سلطات الاحتلال الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني في غزة، والدعوة إلى وصول المساعدات الإغاثيّة العاجلة للسكان في القطاع.
وأعرب الطرفان عن رفضهما القاطع لأي مخططات تهدف إلى تهجير السكان والتنكيل بهم، وضم أراض جديدة، وإيقاف الممارسات العدوانية على دول المنطقة، مؤكدين ضرورة إنهاء الاحتلال الإسرائيلي اللامشروع وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.
وفي شأن تعزيز التضامن العربي، أكد الجانبان أهمية التعاون والتنسيق بين بلديهما في المنظمات والمحافل الإقليمية والدولية، بما يخدم مصالحهما ويسهم في تعزيز العمل العربي المشترك، وتحقيق دعائم الأمن والسلم الإقليميين والدوليين.
وشدد الطرفان والتأكيد على دعم الجهود الرامية إلى ترسيخ التوجهات السلمية وتعزيز الحوار والحلول الدبلوماسية في المنطقة والعالم من خلال تثبيت قواعد القانون الدولي واحترام الشرعية الدولية ومبادئ حسن الجوار واحترام سيادة الدول وتعزيز قيم التفاهم والتعاون.
وتلقى رئيس الوزراء محمد السوداني، في 21 ديسمبر/ كانون الأول 2024، دعوة رسمية من سلطان عُمان هيثم بن طارق لزيارة السلطنة، سلمها وزير الخارجية العماني بدر البوسعيدي خلال زيارته إلى بغداد.

"طلب الوساطة"
وبخصوص توقيت زيارة السوداني إلى مسقط، قال الباحث في الشأن العراقي، بهاء الدين البرزنجي، إنها تأتي للعب دور الوساطة بين إيران والولايات المتحدة الأميركية، وذلك بمعية الجانب العماني الذي سبق له أن عرف بممارسة هذا الدور في المنطقة.
وأضاف البرزنجي لـ"الاستقلال" أن "العراق يريد حلحلة موضوع جلوس إيران على طاولة الحوار ربما بضمانة خليجية مقبولة ومحايدة، لأن بغداد تجد نفسها حاليا غير مؤهلة في ظل إدارة ترامب لأن تدخل طرفا وسيطا، لكنها تدفع لأن تكون عُمان هي الوسيط".
وأوضح الباحث العراقي أن "العراق لا يصلح حاليا كوسيط لأن علاقته متوترة مع الولايات المتحدة، والتي ظهرت بعدم تعيين سفير لها منذ بداية ولاية ترامب الثانية في يناير 2024، واكتفت بإرسال قائم بالأعمال لمرتين، إضافة إلى عدم لقاء السوداني مع الرئيس الأميركي حتى الآن".
ولم يستبعد البرزنجي أن “تكون زيارة السوداني إلى مسقط هي من أجل منع ضربة إسرائيلية محتملة على العراق تستهدف المليشيات القريبة من طهران، ذلك بالتزامن مع أي هجوم محتمل على إيران”.
منذ مدة يجري الحديث عن احتمالية شن إسرائيل ضربات على الأراضي العراقية، فقد ذكرت قناة "كان" العبرية في 25 أغسطس/ آب 2025، أن "العراق بدأ في استعدادات ميدانية لمواجهة هجمات إسرائيلية محتملة، في إطار استهداف الفصائل المسلحة الموالية لإيران".
وأوضحت أن "تقليص القوات الأميركية وجودها من دون أي إحاطة أو إنذار مسبق للعراق، أربك القوى السياسية العراقية التي فوجئت ببدء سحب المعدات الثقيلة من قاعدة عين الأسد (غرب البلاد) ونقلها إلى مواقع أخرى، ما دفع الفصائل إلى الاستعداد لهجوم إسرائيلي مباشر عليها".
وتبرر القناة العبرية، بأن الفصائل العراقية الموالية لإيران هاجمت إسرائيل بضع مرات منذ بداية الحرب (على غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023)، إلا أن تل أبيب امتنعت عن اتخاذ أي إجراء ضدها، على عكس ما فعلت في ساحات أخرى، وذلك بسبب الوجود الأميركي في العراق الذي شكّل عامل ردع.
من جهته، قال المحلل السياسي العراقي، عائد الهلالي: إن "الزيارة التي أجراها السوداني إلى مسقط تكتسب أبعادا أوسع من مجرد تعاون ثنائي، كونها تلامس ملفات سياسية وأمنية ذات طابع إقليمي بالغ الأهمية، وبالتالي يمكن أن تكون بداية لمسار جديد يسهم في تحقيق التوازن والاستقرار في المنطقة".
ونقلت قناة "صلاح الدين" العراقية في 3 سبتمبر عن الهلالي المقرب من السوداني، قوله: إن "السلطنة اشتهرت تاريخيا بدورها المحايد وسياساتها القائمة على الحوار والتقريب بين الأطراف المتخاصمة، وهو ما يمنح هذه الزيارة بعدا أكبر من الطابع البروتوكولي".
وتابع: "التوترات التي تشهدها المنطقة، سواء على مستوى التصعيد الإقليمي أو الانقسامات الداخلية في بعض الدول، تفرض الحاجة إلى جهود وساطة وتنسيق مواقف، وهو ما يسعى العراق لتعزيزه بالاستفادة من خبرة عُمان الموثوقة في هذا المجال".
وأشار إلى أن "العراق يحاول منذ فترة ترسيخ مكانته كحلقة وصل بين الفرقاء الإقليميين، ويرى في السلطنة شريكا موثوقا لتحقيق هذا الهدف"، مرجحا أن "تكون الزيارة قد بحثت التطورات الإقليمية، بما فيها الوضع في اليمن، والمحادثات غير المباشرة بين أطراف متخاصمة في المنطقة".
وعلى الصعيد ذاته، ذكرت شبكة "الساعة" العراقية الإخبارية أن زيارة رسمية إلى سلطنة عُمان، تأتي في إطار تحرّك دبلوماسي يهدف إلى تثبيت دور العراق كوسيط بين الولايات المتحدة وإيران، وسط تصاعد التوترات الإقليمية ومخاوف من مواجهة مباشرة بين طهران وإسرائيل.
ولفتت إلى أنها تأتي امتدادا لتحركات واتصالات أجراها السوداني خلال الأسابيع الماضية مع عدد من القادة الدوليين، أبرزهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وأن الزيارة تحمل أبعادا تتجاوز الجانب الثنائي مع مسقط، وتشمل بحث مبادرة إقليمية لخفض التصعيد قد تستضيفها عُمان، بمشاركة دولية تشمل واشنطن وطهران، وبإسهام مباشر من بغداد.

"التقرّب لإسرائيل"
في المقابل، قال المحلل السياسي والمتحدث السابق باسم الحكومة العراقية، رافد جبوري، عبر تدوينة على "إكس" في 3 سبتمبر، إن "خصوما لرئيس وزراء العراق محمد شياع السوداني يقولون إن غرض زيارته لسلطنة عُمان هو طلب وساطتها مع أميركا".
وأضاف جبوري، قائلا: "صحيح أن علاقة السوداني مع إدارة ترامب سيئة، إلا أن فكرة الوساطة العمانية غريبة، لكن ربما يريد الوساطة مع إسرائيل لتجنب مفاجأة قد تقلب المشهد العراقي".
وعلى الصعيد ذاته، قال المحلل السياسي المقيم في واشنطن، نزار حيدر: إن السوداني يسعى عبر زيارته إلى سلطنة عُمان إلى "فتح علاقة" مع إسرائيل، ويقدّم لها في هذا السياق الإسرائيلية إليزابيث تسوركوف، المختطفة لدى مليشيا "كتائب حزب الله" العراقية منذ عام 2023.
وقال حيدر خلال مقابلة تلفزيونية في 3 سبتمبر، إن "السوداني لم يذهب إلى سلطنة عُمان قبل أن يتفق مع كتائب حزب الله بخصوص المختطفة إليزابيث تسوركوف، وأن رئيس الوزراء العراقي سيدفع للأخيرة مبلغا ماليا لقاء الإفراج عنها".
ونوه إلى أنه "إذا كان تسليم المختطفة تسوركوف إلى إسرائيل عن طريق سلطنة عُمان يفتح الطريق أمام السوداني للإدارة الأميركية، فإن إقدام الأخير على مثل هذه الخطوة أمر طبيعي جدا".
وأردف حيدر، قائلا: "الولايات المتحدة وضعت شروطا على السوداني، أحدها عدم تمرير قانون الحشد الشعبي في البرلمان الذي سحبه الإطار التنسيقي من جلسات المجلس نهاية شهر أغسطس 2025".
وأشار المحلل إلى أن "السوداني يسابق الزمن من أجل تلبية ما طلبته منه واشنطن، وإذا حصل ذلك فسنشهد مصافحة تاريخية بينه وبين الرئيس الأميركي دونالد ترامب في اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة التي ستبدأ أعمالها في 9 سبتمبر الجاري".
لم تُكشف حادثة اختطاف الإسرائيلية، إلا بعدما أصدر مكتب رئيس وزراء إسرائيل، بنيامين نتنياهو، في 5 يوليو 2023، بيانا أكد فيه أن من وصفها بـ "الباحثة" إليزابيث تسوركوف، اختطفت منذ أشهر عدة، من قبل "كتائب حزب الله" العراقية، وأنها الآن رهينة لديهم.
وكشف المكتب، أنها مواطنة إسرائيلية-روسية، ولا تزال على قيد الحياة، وأن العراق يتحمّل مسؤولية سلامتها، مشيرا إلى أنها توجهت إلى هناك بجواز سفرها الروسي، بنية التقدم للحصول على شهادة الدكتوراه والبحث الأكاديمي نيابة عن جامعة برينستون في الولايات المتحدة.
وفي اليوم التالي، علقت الحكومة العراقية، على لسان المتحدث باسمها باسم العوادي، خلال مقابلة تلفزيونية، بالقول: إن "السلطات فتحت تحقيقا في خطف باحثة إسرائيلية روسية في البلاد".
المصادر
- عبر زيارة السوداني لمسقط.. العراق يسعى لتثبيت دوره كوسيط بين واشنطن وطهران
- الهلالي: دبلوماسية مسقط المحايدة تخدم توجهات العراق الحالية
- هل يطرق السوداني باب مسقط للدخول إلى البيت الأبيض؟
- العراق يوقع اتفاقيتين و24 مذكرة تفاهم مع سلطنة عُمان
- البيان العُماني العراقي المشترك بمناسبة زيارة دولة رئيس مجلس الوزراء العراقي إلى سلطنة عُمان
- رئيس مجلس الوزراء السيد محمد شياع السوداني وسلطان عمان يبحثان سبل تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين
- الانسحاب الأميركي المبكر من العراق.. ضربة قادمة لبغداد أم طهران؟