الانسحاب الأميركي المبكر من العراق.. ضربة قادمة لبغداد أم طهران؟

يوسف العلي | منذ يوم واحد

12

طباعة

مشاركة

مع بدء القوات الأميركية الانسحاب من مناطق وسط وغرب العراق إلى إقليم كردستان (شمال)، يجرى الحديث عن توزيع قوات الحشد الشعبي بين معسكرات الجيش العراقي، الأمر الذي أثار تكهنات عن احتمالية شن الاحتلال الإسرائيلي هجمات على فصائل شيعية قريبة من إيران.

وفي مطلع سبتمبر/ أيلول 2024 توصلت واشنطن وبغداد إلى تفاهم بشأن خطة لانسحاب قوات التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة من العراق.

ونص التفاهم على خروج المئات من الجنود بحلول 25 سبتمبر/أيلول 2025 على أن تنسحب البقية بعدها بعام كامل من عموم البلاد. 

لكن الولايات المتحدة بدأت منذ 18 أغسطس سحب قواتها العاملة ضمن قوات التحالف الدولي باتجاه أربيل، وجزء منها للكويت، وآخر نحو قاعدة التنف في الأراضي السورية، ما أثار مخاوف بالعراق عن إمكانية توجيه ضربات إسرائيلية للفصائل.

"غياب الردع"

وعلى وقع الانسحاب الأميركي الجزئي من الأراضي العراقية، ذكرت قناة "كان" العبرية في 25 أغسطس/ آب 2025، أن "العراق بدأ باستعدادات ميدانية لمواجهة هجمات إسرائيلية محتملة، في إطار استهداف الفصائل المسلحة الموالية لإيران".

وأوضحت أن "تقليص القوات الأميركية وجودها من دون أي إحاطة أو إنذار مسبق للعراق، أربك القوى السياسية العراقية التي فوجئت ببدء سحب المعدات الثقيلة من قاعدة عين الأسد (غرب البلاد) ونقلها إلى مواقع أخرى، ما دفع الفصائل إلى الاستعداد لهجوم إسرائيلي مباشر عليها".

وتبرر القناة العبرية، بأن الفصائل العراقية الموالية لإيران هاجمت إسرائيل بضع مرات منذ بداية الحرب (على غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023)، إلا أن تل أبيب امتنعت عن اتخاذ أي إجراء ضدها، على عكس ما فعلت في ساحات أخرى، وذلك بسبب الوجود الأميركي في العراق الذي شكّل عامل ردع.

ولفتت إلى أن "الانسحاب التدريجي للأميركيين يُعيد إلى الواجهة الجدل العراقي الداخلي حول نزع سلاح الفصائل، في ظل سعي المعسكر السياسي للأخيرة- الذي يعمل بدعم إيراني- إلى سنّ قوانين تُضفي الشرعية على وجودها، وهو قانون الحشد الشعبي الذي تعارضه الولايات المتحدة بشدة".

ودفعت تلك القوى أخيرا بمشروع قانون يهدف إلى دمج الحشد الشعبي ضمن المنظومة العسكرية الرسمية، مع منحه صلاحيات تنظيمية وأمنية واسعة، وهو ما ترفضه واشنطن؛ لأن “من شأنه أن يُرسخ النفوذ الإيراني والجماعات المسلحة، مما يقوّض سيادة العراق”.

في السياق ذاته، نفت سفارة واشنطن لدى العراق، في 29 أغسطس، عزمها إخلاء قواتها بشكل كامل من العاصمة العراقية بغداد، ووصفتها بأنها غير دقيقة.

ونقل بيان السفارة عن متحدث باسمها (لم تسمه) قوله: إنه "وفقا للاتفاق المشترك في 27 سبتمبر 2024 الذي أعلن عن جدول زمني لإنهاء المهمة العسكرية للتحالف الدولي في العراق، فإن قوة المهام المشتركة تواصل العمل حاليا وفق الجدول المتفق عليه لانتقال القوات نحو إنهاء عملياتها".

ولفت إلى أن "هذا يمثل تطورا طبيعيا لمهمة التحالف العسكرية في العراق باتجاه علاقة أمنية ثنائية أكثر تقليدية". مشيرا إلى أن "التفاصيل المتعلقة بالخطط والعمليات العسكرية معنية بها وزارة الدفاع الأميركية".

"إعادة تموضع"

وفي وقت لم تكشف فيه القناة العبرية عن كيفية استعداد بغداد للهجوم الإسرائيلي المحتمل، تحدثت وسائل إعلام عراقية عن توجيهات تقضي بنشر قوات الحشد الشعبي بين معسكرات الجيش العراقي.

وذكرت قناة "الرشيد" العراقية في 26 أغسطس، نقلا عن مصادر (لم تسمها) أن عناصر من الحشد الشعبي جرى نقلهم وتوزيعهم داخل وحدات الجيش العراقي مع منع أي تحرك لهم خارج الأوامر العسكرية".

وأفادت المصادر بأن "الإطار التنسيقي الشيعي الحاكم، يعتقد أن الانسحاب الأميركي من بعض المواقع قد يكون جزءا من خطة لإعادة تشكيل النفوذ العسكري والسياسي داخل العراق".

من جهته، قال المحلل السياسي العراقي حسين الطائي: إن “إعادة تموضع قوات الحشد الشعبي يعد وسيلة لإضفاء الطابع الرسمي على الفصائل المسلحة في الدولة”.

لكن من جهة أخرى قد يعكس ضغوطا سياسية وأمنية ترغمها على الاندماج القسري بالمؤسسة العسكرية، ما يعني تقليص استقلاليتها تدريجيا.

ورأى الطائي خلال مقابلة تلفزيونية في 26 أغسطس، أن "الضغوط الأميركية والإسرائيلية لعبت دورا مباشرا في دفع الحشد الشعبي إلى الالتزام بقرار القيادات العراقية وعدم الإقدام على اتخاذ قرارات منفردة".

وأشار الخبير السياسي إلى أن "توجيهات الحشد الشعبي واضحة في الوقت الحالي (توزيع عناصره على مقرات الجيش)، والغرض منها إبعاد الذرائع لاستهداف مقراته العسكرية وبالتالي الحفاظ على بقائه ضمن حدود المقبول سياسيا وعسكريا".

وشدد على أن "فصائل الحشد الشعبي اليوم بحاجة إلى هدوء أكبر وتركيز أكثر ضمن مؤسسات الدولة الرسمية، لذلك فإن نقلهم يمكن النظر إليه كإجراء تكتيكي لتقليل الخسائر وحمايتها من الضربات الجوية".

لكن من ناحية أخرى، “يعكس هذا الإجراء اعترافا عمليا بأن مرحلة العمل المستقل خارج نطاق الدولة قد تراجعت، كما أن دور الفصائل بات مشروطا بقرار مركزي وليس ذاتيا”. وفق الطائي.

ولفت إلى أن “التوجه الحالي ضمن الحشد الشعبي أن يكون هناك قرار مركزي وانخراط واندماج أكثر مع مؤسسات الدولة”.

وهذا المشهد يفتح الباب أمام الحكومة لتعزيز سيادتها مع تراجع نفوذ إيران بالمنطقة، وبالتالي هذا يمكن أن يضعف دور الفصائل المرتبطة بطهران.

وأكد المحلل السياسي أن "هذه الفرصة تتيح للحكومة العراقية إعادة بناء مؤسساتها الأمنية على أساس وطني بعيدا عن الولاءات العابرة للحدود، لذلك فإن تراجع نفوذ إيران بالمنطقة يمكن أن يكون له انعكاسات إيجابية على استقلال القرار العراقي".

خطوة استباقية

وعلى الصعيد ذاته، رأى الباحث في الشأن السياسي العراقي، ليث الدوري، أن "بدء الانسحاب الأميركي المتعجل أو قبل المتفق عليه بنحو شهر ينذر بوجود تهديد عسكري يلوح في الأفق، على تقدير أن وجود التحالف الدولي يوفر حماية للعراق من أي هجمات خارجية". 

في حديث لـ"الاستقلال"، أعرب الدوري عن اعتقاده بحدوث ضربات جوية على العراق تنال فصائل الحشد الشعبي، سواء كانت إسرائيلية أو أميركية.

ولفت إلى أن هجمات مفاجئة مدمرة لهذه المجاميع الموالية لإيران، ربما يكون أمرا وشيكا لإنهاء أو إضعاف الدور الإيراني في البلد.

كما أن الضربات الوشيكة، بحسب الدوري “ربما تكون خطوة استباقية لهجمة جديدة تشن على إيران”.

وبالتالي تحاول إسرائيل وأميركا ضرب أي جهات موالية لها قد تستهدف المصالح الأميركية أو الدول الخليجية انطلاقا من الأراضي العراقية. وفق تقديره.

وأردف: “لذلك، فإن نشر عناصر قوات الحشد الشعبي في معسكرات الجيش العراقي، هو في الأصل حماية لهم من هذه الضربات المحتملة، خاصة أنه لم يصدر حتى اليوم أي نفي رسمي عراقي لهذه الإجراءات”.

وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد أكد في 12 أغسطس، أن تل أبيب على أهبة الاستعداد دائما لاحتمالية حدوث هجوم إيراني مفاجئ، بينما رجحت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية شن إسرائيل هجوما عسكريا جديدا على إيران قبل حلول ديسمبر/كانون الأول 2025.

وأكدت المجلة الأميركية في 12 أغسطس، أن إيران على علم بالنوايا الإسرائيلية لشن حرب جديدة، وأنها ستنتهج إستراتيجية طويلة الأمد للتعامل معها، إذ تعمل على ترتيب هجماتها الصاروخية بما يتوافق مع توقعها بصراع مفتوح.

وفي السياق ذاته، قال وزير الخارجية العراقي الأسبق، هوشيار زيباري، خلال مقابلة تلفزيونية في 11 أغسطس: إن “ارتدادات حرب الـ12 يوما (بين إسرائيل وإيران خلال يونيو/حزيران 2025) لم تنته”.

وأردف: "ما يحصل دوليا وإقليميا يسحبنا إلى قراءات نحو انفجار مواجهات في سبتمبر 2025، وربما تتأثر الانتخابات العراقية به (11 نوفمبر/تشرين الثاني)".

وكان وزير الخارجية، نائب رئيس الوزراء العراقي، فؤاد حسين، كشف في 18 مارس، عن تلقي بلاده رسائل تفيد بنية إسرائيل توجيه ضربات الى العراق، مشيرا إلى اتصالات جرت مع الولايات المتحدة الأميركية ودول أخرى أسهمت في إبعاد البلاد عن هذا التوتر المحتمل.