السيسي يقرر إطلاق سراح علاء عبد الفتاح.. ضغوط بريطانية أم تبريد أزمة السفارات؟

إسماعيل يوسف | منذ شهرين

12

طباعة

مشاركة

كانت كل المؤشرات تشير إلى أن رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي يتعمد التنكيل بالناشط السياسي علاء عبد الفتاح أحد رموز ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، بسجنه أو تدويره في قضايا جديدة أو مد سجنه؛ لأنه انتقده شخصيا وهاجم سياسته.

وحتى حين أشرفت أمه الدكتورة ليلي سويف على الموت بسبب إضرابها الطويل عن الطعام، لم يشفع ذلك لعلاء، وزاد تنكيل نظام السيسي به، كما لم تتم الاستجابة لطلبات رؤساء وزراء بريطانيا المتعاقبين بإطلاق سراحه، بعدما حصل على جنسية إنجليزية.

لكن الأمور تبدلت عقب موقعة أزمة السفارات، واعتقال بريطانيا موالين لنظام السيسي اعتدوا على معارضين في لندن، وتظاهر أنصار النظام أمام سفارة بريطانيا بالقاهرة، فتم بحث إطلاق سراحه، وربما تكون هناك صفقة تبادل غير مُعلنة، وفق تكهنات حقوقية.

مع هذا تم إخراج الأمر بصورة غير مباشرة، كأن المجلس القومي لحقوق الإنسان (الحكومي) هو الذي طلب إصدار عفو رئاسي عن عدد من المحكوم عليهم، ومن بينهم علاء عبد الفتاح، مع أن هؤلاء مجرد “ديكور” لقرار لإطلاق "عبد الفتاح".

وعبد الفتاح الذي يبلغ 43 عاما، من أبرز وجوه ثورة 2011 في مصر. وأمضى الناشط الذي يحمل الجنسية البريطانية معظم العقد الماضي خلف القضبان، وقد أتمّ في سبتمبر/ أيلول 2024 عقوبته بالسجن، لكن لم يُطلق سراحه منذ ذلك الحين.

قرار متأخر

ويوم 8 سبتمبر/أيلول 2025، طالب المجلس القومي لحقوق الإنسان، في بيان، السيسي بالنظر في إصدار قرار عفو رئاسي عن عدد من المحكوم عليهم، من بينهم علاء عبد الفتاح.

وأوضح أن مطالبته لرئيس النظام "تأتي على خلفية مناشدات أسر المحبوسين، وفي ضوء تلقي المجلس عددًا من الالتماسات تم دراستها والوقوف على أبعادها الإنسانية، مشيرًا إلى معاناة أفراد تلك الأسر من حالات إنسانية وصحية".

وكان لافتا أن "مناشدة المجلس" للسيسي كانت انبطاحية للغاية؛ حيث عد قراره بإطلاق علاء بأنه يكون من "منطلق أبوي خالص"، وأن "حق العفو الرئاسي يأتي في إطار الاختصاصات الدستورية المقررة لفخامتكم".

ومع أن الصحفي محمد أكسجين كان مع علاء في نفس القضية ومحكوم عليه بـ 4 سنوات، لا 5 مثل علاء، أي انتهت فترة حكمه، فلم يشمله عفو السيسي، الذي تضمن أسماء أخرى غير معروفة، لذا طالبت شقيقة علاء بإطلاقه أيضا.

وسبق أن تقدمت أسرة علاء وشخصيات سياسية بأكثر من التماس لرئاسة الجمهورية وجهات قضائية أخرى للعفو عنه، وإطلاق سراحه، في ظل إتمامه مدة حكم السجن الصادر بحقه وينتهي 2024، لكن السلطات قالت إنه سيخرج يناير 2027.

واستجاب السيسي، يوم 9 سبتمبر 2025، لطلب المجلس الحقوقي وطالب "الجهات المعنية" بدراسة الالتماس المقدم منه، ليبدو الأمر كأنه لا إضراب علاء ولا أمه ولا طلب بريطانيا وراء إطلاق سراحه.

وأن السبب هو "التماس" المجلس الحكومي، وسلطة السيسي "الأبوية"، كما جاء في بيان المجلس القومي لحقوق الإنسان، لكن دون تحديد موعد الإفراج عنه بعد.

ويقضي عبد الفتاح البالغ من العمر 43 عاماً والمسجون منذ سبتمبر 2019، حكماً بالسجن 5 سنوات غير قابل للاستئناف صدر عن محكمة أمن الدولة الاستثنائية بعد إدانته بتهمة نشر أخبار كاذبة. 

وجاء سجنه مجددا بعدما أعاد عبد الفتاح نشر تغريدة تتحدث عن موت سجين تحت التعذيب في أحد السجون.

وكان قد تم تلفيق القضية الجديدة لعلاء عبد الفتاح في سبتمبر 2019 بعد أقل من ستة أشهر على خروجه من السجن، إثر إتمامه عقوبة سابقة بالحبس خمس سنوات بتهمة التظاهر دون ترخيص.

وكان من المفترض الإفراج عنه نهاية سبتمبر 2024، وفق محاميه خالد علي، لكن السلطات لم تحتسب مدة الحبس الاحتياطي ضمن العقوبة وعدتها ابتداءً من تاريخ تصديق الحاكم العسكري على الحكم، بوصفه صادرًا من محكمة أمن دولة طوارئ في 3 يناير/كانون الثاني 2022، فتم مد سجنه حتى يناير 2027.

ومنحت لندن عبد الفتاح الجنسية البريطانية وهو داخل سجنه، أبريل 2022، كي يتم إطلاق سراحه، بعدما بدأ إضراباً عن الطعام.

لكن القاهرة عاندت ورفضت إطلاقه، رغم انتهاء عقوبته بالسجن، وأكدت أنه سيظل مسجونا حتى عام 2027.

وكانت النتيجة المباشرة لما قام به علاء عبد الفتاح، ولشهرة والده ووالدته في الاحتجاج على التعذيب والسعي لتكريس العدالة، أن أصبح يمثل لدى سلطات السيسي وجهاً دالاً على المشاغبة، وفق موقع "الفراتاس"، 21 مارس 2025.

وبسبب ذلك ظل مسجونا منذ 2011 حتى الآن، إلا من شهور قليلة يطلق سراحه فيها قبل أن تظهر تهمة جديدة تلقي به خلف القضبان.

كواليس القرار

كان إعلان أسرته وقف إضرابهم عن الطعام، ثم إصدار محكمة جنايات القاهرة في يوليو/تموز 2025، قرارا بشطب اسمه من "قائمة الكيانات الإرهابية" بحجة أنه "لم يعد يقوم بأي نشاط لصالح جماعة الإخوان المسلمين"، مؤشرا على قرب إطلاقه.

ورفع هذا القرار قيودا عدة عن "عبد الفتاح"، بما في ذلك السماح له بالسفر للخارج، ووقف تجميد الأصول، لكنه لم يتضمن إطلاق سراح عبد الفتاح، انتظارا للخطوة التالية، التي قال محامون إنها قادمة، وتحسبا لها، أوقف عبد الفتاح إضرابه عن الطعام.

وأدى تأخر خطوة إطلاق سراحه، لمعاودته الإضراب عن الطعام، بداية من مطلع سبتمبر 2025، بسبب "وعود لم تنفذ، تلقاها من الأمن الوطني قبل ما يزيد على شهر، بالإفراج عنه"، حسبما أعلنت والدته، ليلى سويف، عبر فيسبوك.

وأوضحت، أنه أبلغها بدأه الإضراب في أول سبتمبر، بعدما أبلغه الأمن الوطني أنه سيتم الإفراج عنه خلال أيام، بعد رفع اسمه من قوائم الإرهاب، وهو القرار الذي نُشر في "الوقائع المصرية"، يوم 30 يوليو 2025، لكنه بقي سجينا.

ويقول محام مطلع على قضية "عبد الفتاح" لـ "الاستقلال" إن سبب تأخير الإفراج عنه بعد قرار رفع اسمه من قوائم الكيانات الإرهابية، أمران: 

الأول، الأزمة التي نشبت مع بريطانيا بسبب حرب السفارات، والثاني، البحث عن "تخريجة قانونية"، أي حجة، لتبرير إطلاقه.

أوضح، مفضلا عدم ذكر اسمه، أن التماس المجلس القومي لحقوق الإنسان للسيسي لإطلاق عبد الفتاح كان هو المخرج القانوني الذي لجأت لها السلطة.

أيضا تبريد أزمة السفارات أو التوصل لاتفاق (محتمل وغير مُعلن) لتبادل سجناء، بحيث تطلق مصر عبد الفتاح بصفته "بريطاني الجنسية".

وذلك مقابل إطلاق بريطانيا سراح مصري آخر (أحمد عبد القادر) اتهم بحمل سلاح أبيض والاعتداء على معارضين مصريين أمام السفارة في لندن، وهو أسهم في الحل، وفق المحامي المصري.

وقد توقع طارق العوضي عضو لجنة العفو الرئاسي في مصر، لوكالة "رويترز"، 9 سبتمبر/أيلول 2025، إن قرار الإفراج عن عبد الفتاح قد يأتي خلال "أيام قليلة".

ورغم هذه المؤشرات الإيجابية، هاجمت لجان إلكترونية موالية للنظام فكرة "الإفراج عن العميل الخائن علاء عبد الفتاح" كما وصفوه، واستعرضوا تغريدات سابقة له هاجم فيها السيسي بشراسة.

سبب عرقلة إطلاقه

وكان من أسباب التنكيل بعبد الفتاح وتأخير إطلاق سراحه، وفق الرئيسة السابقة للمجلس القومي لحقوق الإنسان، مشيرة خطاب، اتهامه بالمسؤولية عن "خفض تصنيف المجلس الحقوقي التابع للدولة" عالميا.

وأضافت خطاب المستقيلة من رئاسة المجلس في مطلع يونيو الماضي، أن المجلس سبق وتقدم بطلب عفو رئاسي عن عبد الفتاح، لكن جد نجله، الحقوقي بهي الدين حسن، تقدم بشكوى تشكك في استقلالية المجلس، وهو ما عدته سببًا في الأزمة.

وفي 21 نوفمبر/تشرين ثان 2024، أصدرت اللجنة الفرعية للاعتماد التابعة للتحالف العالمي للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان (GANHRI) توصية بخفض تصنيف المجلس القومي المصري لحقوق الإنسان، إلى الفئة (ب). 

وكان المجلس قد حصل سابقًا على الفئة (أ) من اللجنة الفرعية في عامي 2006 و2018، وهو تصنيف لم يكن يعكس حينها عدم التزام المجلس بالمعايير الدولية. 

لكن قرار تخفيض تصنيف المجلس للفئة (ب) يعكس تصاعد المخاوف الدولية بشأن التزامه بمبادئ باريس، ويمثل خطوة نحو ضمان التزام المؤسسات الوطنية بالمعايير الدولية فيما يتعلق بالاستقلالية والفعالية، لذا رحب به منظمات حقوقية مصرية.

وأكدت الجبهة المصرية لحقوق الإنسان مع منظمات أخرى، في بيان، أن توصية التحالف العالمي "تمثل فرصة نادرة لإعادة هيكلة شاملة للمجلس القومي لحقوق الإنسان".

وأضافت إلى أنه "يجب أن تضمن الإصلاحات استقلاليته وتحويله إلى هيئة تضع مصالح وحقوق الشعب في المقام الأول".

وبسبب خفض التصنيف، استدعى المجلس القومي حقوقيي الداخل والخارج، في محاولة لتلافي توابع خفض تصنيفه، ونظم مائدة مستديرة حول "التحديات التي تواجه عمل منظمات المجتمع المدني والنشطاء الحقوقيين".

وقال الحقوقي "محمد زارع" إن اللقاء تم لتحسين تصنيف المجلس، ودعا لتحسين أدوار المجلس، بحسب موقع "فكر تاني"، 12 مارس/آذار 2025.

ماذا يعني الإفراج عنه؟

يرى حقوقيون وصحفيون أن قرار السيسي بالنظر في توصية المجلس القومي لحقوق الإنسان، مقدمة للإفراج عن عبد الفتاح بعد الضغوط البريطانية والأزمة التي نشبت بين البلدين واعتقال بريطانيا موالين لنظام السيسي في أزمة الشجار أمام السفارة بلندن.

وأن قرار قبول التماس 7 من المسجونين للعفو الرئاسي عنهم يستهدف "علاء" بالأساس، وتم ضم 6 أفراد ضمن القرار كي لا يكون العفو الرئاسي خاص به، أي أن باقي الأسماء الستة "مجرد غطاء" لقرار الإفراج عنه. 

لكن توصية المجلس القومي لحقوق الإنسان في مصر، بإصدار عفو رئاسي عن 7 مساجين سياسيين، غير معروفين من بين عشرات آلاف المساجين السياسيين، أي بنسبة لا تصل لواحد في الألف، أثارت انتقادات من جانب صحفيين ونشطاء.

فقد رأى الصحفي جمال سلطان أن "تحرك" مجلس حقوق الإنسان لإطلاق "علاء"، جرى بعد اعتقال بريطانيا شبان مصريين متعاونين مع الأجهزة الأمنية للنظام على خلفية الصدامات حول السفارة المصرية، وعرضهم على القضاء.

كما سخر صحفيون، منهم عبد الناصر سلامة رئيس تحرير الأهرام السابق بعد ثورة يناير 2011، من الإفراج عن 7 فقط من المسجونين السياسيين ستة منهم غير معروفين وترك آلاف الضحايا من كبار السن والمرضى في المعتقلات، وعدوا الأمر مجرد "تعليمات" لمجلس حقوق الإنسان الحكومي.

وفي نهاية أغسطس/آب 2025، دعا مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك مصر إلى وقف ممارسات الاحتجاز التعسفي بحق منتقدي الحكومة، في إشارة إلى تدابير تتخذها السلطات لاستمرار الحبس الاحتياطي بعد انتهاء المهل القانونية، وفق موقع "دويتش فيله، 9 سبتمبر/آب 2025.

وقال تورك في بيان: "ينبغي على الحكومة المصرية وقف ممارسات التدوير بشكل فوري وإطلاق سراح كل من تعرضوا لها"، عادا هذه السياسة "تحايلا على حقوق الأفراد في الحرية والإجراءات العادلة والمساواة أمام القانون"

وتعمد السلطات المصرية لإدراج أسماء من انتهت مدة حبسهم في قضايا جديدة تحمل تهما مطابقة للقضايا السابقة، ما يسمح ببدء فترات جديدة من الحبس الاحتياطي، في سياسة يطلق عليها المنتقدون "التدوير".