عودة اللاجئين السوريين من لبنان.. لماذا تراوح مكانها رغم سقوط الأسد؟

مصعب المجبل | منذ ١٤ ساعة

12

طباعة

مشاركة

ما يزال معظم اللاجئين السوريين في لبنان، يأملون اتخاذ خطوات ملموسة تساعدهم على اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم بعد سنوات من المعاناة والتشرد.

ورغم سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024 لم يشهد لبنان تغيرات كبيرة في أعداد اللاجئين السوريين العائدين لبلدهم.

فالتحولات السياسية وحدها، غير كافية لدفعهم نحو العودة، في ظل غياب الضمانات الاجتماعية لعيش كريم، والدمار في البنى التحتية وانهيار الخدمات.

عودة اللاجئين السوريين

على المستوى الرسمي اللبناني، شدد الرئيس جوزيف عون، على أن لبنان لم يعد قادرا على تحمل بقاء اللاجئين السوريين، داعيا إلى ضرورة تسهيل عودتهم إلى بلادهم بأسلوب آمن وكريم ومنسق.

وقال عون في 11 يوليو/تموز 2025 إنه "مع تحسن الأوضاع في بعض المناطق السورية، بات من العادل والضروري العمل على تسهيل العودة المنسقة للنازحين، بما يتماشى مع التحول المطلوب في الدعم الدولي".

وفي تصريحات خلال لقائه وفدا من السفراء الأوروبيين لدى لبنان، ترأسته سفيرة الاتحاد الأوروبي، ساندرا دي وال، أكد الرئيس اللبناني أن الدعم الدولي للاجئين السوريين يجب أن يتحول ليجري تقديمه لهم داخل الأراضي السورية.

وتزامن كلام عون، مع طرح أول خطة مدعومة من الأمم المتحدة تتضمن تقديم حوافز مالية للاجئين السوريين العائدين.  

وأعلنت وزيرة الشؤون الاجتماعية في لبنان، حنين السيد، أن اللاجئين العائدين سيحصلون على 100 دولار لكل فرد في البلاد، إضافة إلى 400 دولار لكل أسرة عند وصولها إلى سوريا، كما تشمل الخطة تغطية تكاليف النقل، فيما قررت سلطات الحدود إعفاء العائدين من الرسوم.

وأوضحت أن نحو 11 ألفا سجلوا أسماءهم للعودة من لبنان في الأسبوع الأول من يوليو 2025، وأن الحكومة تستهدف بموجب هذه الخطة أن يتراوح عدد العائدين بين 200 و400 ألف عام 2025.

وأضافت السيد أن الحكومة اللبنانية تركز على المخيمات غير الرسمية في لبنان حيث يعيش نحو 200 ألف لاجئ، وربما تمنح الأشخاص الذين يعيلون أسرهم ويبقون في البلاد تصاريح عمل في قطاعات مثل الزراعة والبناء إذا عادت أسرهم إلى سوريا.

وبحسب بيانات رسمية، يوجد حوالي مليوني لاجئ سوري على الأراضي اللبنانية، نحو 830 ألفا منهم مسجلون لدى الأمم المتحدة منذ عام 2011.

ودمرت آلة نظام الأسد وحلفائه إيران وروسيا كثيرا من المدن السورية على مدى أكثر من عقد، حتى باتت المنازل والبنية التحتية في حالة من الخراب.

وأمام ذلك، فإن مسألة العودة مرتبطة بشكل أساسي بتوفير المسكن وفرص العمل لكسب القوت، وتسجيل الأطفال في المدارس أو الحصول على الرعاية الصحية وغيرها من الخدمات الأساسية.

إذ تشير الأرقام إلى أن عدد السوريين العائدين من الدول المجاورة منذ سقوط الأسد 500 ألف لاجئ، بالإضافة إلى حوالي 1.2 مليون نازح داخلي من أصل 5 مليون فروا من مدنهم الأصلية هربا من بطش نظام الأسد المخلوع منذ عام 2011.

 إذ يحتاج ما يقرب من 16.7 مليون شخص داخل سوريا - أي حوالي 90 بالمئة من السكان - إلى شكل من أشكال المساعدة الإنسانية، بينما لا يزال أكثر من 7.4 ملايين سوري في عداد النازحين داخليا.

اللافت أن قدرة المفوضية الأممية على مساعدة جميع المحتاجين في سوريا محدودة، نظرا للخفض الحاد في تمويل المساعدات الإنسانية لها.

فقد أغلق 17 مركزا مجتمعياً من أصل 122 في جميع أنحاء سوريا أبوابه حتى الآن، ويواجه 50 مركزا آخر خطر الإغلاق الوشيك بسبب نقص التمويل.

 في يناير/كانون الثاني 2025 أطلقت المفوضية الأممية إطارا عملياتيا لمساعدة 1.5 مليون لاجئ ومليوني نازح داخلي على العودة إلى ديارهم عام 2025. 

وحتى الآن، لم يتم التعهد إلا بمبلغ 71 مليون دولار أميركي من أصل 575 مليون دولار، وهو المبلغ المطلوب لبرامج المفوضية داخل سوريا لعام 2025.

القرار الصعب

ولمساعدة السوريين في قرار العودة إلى ديارهم، أطلقت المفوضية الأممية منصة “سوريا هي الوطن”.

وهي منصة معلومات رقمية مبتكرة توفر معلومات آنية وموضوعية حول عملية العودة، بما في ذلك الخطوات القانونية، ووثائق الهوية، والحصول على السكن، والرعاية الصحية، والتعليم، وغيرها. 

كما تقدم الأسئلة الشائعة إرشادات حول تجديد وثائق الهوية، ودعم إصلاح المنازل المدمرة أو المتضررة، والحصول على المساعدة القانونية والاستشارات.

 كذلك قدمت بيروت للاجئين السوريين الراغبين في مغادرة لبنان عبر المعابر الحدودية الرسمية البرية، بعض التسهيلات.

ومنها الإعفاء من دفع الرسوم والغرامات وعدم ملاحقتهم لعدم تجديد الإقامة، علاوة على عدم إصدار منع دخول بحقهم إلى لبنان.

وقد بدأ العمل بهذه التسهيلات ابتداء من 1 يوليو 2025، على أن تستمر حتى 30 سبتمبر/أيلول من العام ذاته، في محاولة لتشجيع النازحين على اتخاذ قرار العودة سريعا خلال هذه الفترة.

إلا أن اللاجئين السوريين يأخذون في الحسبان عددا من العوامل عند اتخاذ قرار العودة إلى سوريا وتوقيته.

وهذا ما يشير إليه الصحفي السوري علي إبراهيم، لـ "الاستقلال" بقوله: "إن إسقاط صفة اللجوء هي رغبة كل سوري، إلا أن هناك العديد من التحديات التي تنتظر العائلات العائدة من لبنان".

وأضاف أن “كل شيء في سوريا بحاجة إلى إعادة إعمار، ولهذا يدرك اللاجئ أن البدء من الصفر هو ما ينتظره من تأمين الاحتياجات وشراء شبكة طاقة شمسية لتوفير الكهرباء".

وهذا فضلا عن مشكلة نقص المياه وهو أمر مكلف في الوقت الراهن على العائد، علاوة على الخشية من مخلفات الحرب قرب المنازل أو في الأراضي الزراعية، وفق قولع. 

ورأى إبراهيم أنه "لكي تكون العودة ناجحة ومستدامة وتعطي نتائج ملموسة، لا بد من تأمين مساكن والبدء بإعادة إعمار مناطق جديدة توفر السكن الكريم للعائدين".

واستدرك أن "تسهيل عودة اللاجئين الذين انتظروا هذه اللحظة لسنوات يجب أن تتضمن إطلاق مبادرات لمساعدة الأشخاص على كسب عيشهم، لأن هناك هواجس من عدم توفير تمويل كاف من قبل المنظمات المحلية والدولية".

وذكر أنه "طالما أن اللاجئ يرى أن عملية بناء المنازل والمدارس وغيرها من البنى التحتية والخدمات الحيوية، ما تزال متوقفة فإن فكرة العودة تصبح مؤجلة".

وأشار إبراهيم إلى أن "الضغوط تتزايد على اللاجئين السوريين لإجبارهم على العودة لا سيما مع نقص التمويل الأممي والعجز الاقتصادي الذي يعاني منه لبنان منذ عام 2019، وبعد إعلان مفوضية اللاجئين وقف دعمها الكامل للتكاليف الاستشفائية للاجئين مع نهاية العام 2025".

توفير "خطة شاملة"

بعد رفع جزئي للعقوبات الأميركية والأوروبية، تعمل السلطات السورية الجديدة التي يقودها الرئيس الانتقالي أحمد الشرع، على دفع عجلة التعافي الاقتصادي تمهيدا لبدء مرحلة الإعمار الذي تقدّر الأمم المتحدة كلفته بأكثر من 400 مليار دولار.

فقد ورث الشرع من حكم نظام الأسد الأب حافظ والابن بشار (1971 - 2024) بلدا على شفير الإفلاس، اقتصاده مستنزف، ومرافقه الخدمية مترهلة، ونظامه المالي معزول عن العالم، وغالبية سكانه تحت خط الفقر، وفق الأمم المتحدة.

ولهذا فإن توفير خدمات الكهرباء والتعليم والإنتاج الزراعي، مسألة حيوية لإنماء المناطق المدمرة، من أجل عودة ملايين اللاجئين، وهو مطلب تريد تحقيقه دول أوروبية وأخرى مجاورة لسوريا، كتركيا والأردن ولبنان.

فعلى سبيل المثال، في تركيا التي تضم نحو 3 ملايين سوري، فإنه حتى يونيو/حزيران 2025، عاد 273 ألف سوري فقط منذ اليوم التالي لسقوط نظام بشار الأسد.

وبحسب المنظمة الدولية للهجرة فإن "نقص الفرص الاقتصادية والخدمات الأساسية يشكل التحدي الأبرز" أمام ضمان عودة 13 مليون لاجئ ونازح سوري تركوا ديارهم منذ عام 2011.

وضمن هذا السياق، قال نقيب المحامين السوريين أحمد دخان، إن “العودة يجب أن تكون طوعية وليس عبر دفع اللاجئين في لبنان للتسجيل بشكل قسري عبر أي من برامج الأمم المتحدة”.

وبين في تصريحات تلفزيونية في 12 يوليو 2025 أن "العودة يجب أن تكون مترافقة مع توفير السكن والخدمات في مناطق العائدين المدمرة والتي تفتقد للخدمات، فضلا عن تأمين سبل العيش والضمانات القانونية والإنسانية".

وأضاف: "نحن اليوم في سوريا نريد عودة اللاجئين من دول الجوار ومنها لبنان عودة كريمة تتم فيها توفير سبل العيش، إذ إن أغلب مناطق اللاجئين مدمرة ولا تتوفر فيها بنية تحتية ولا يمكن العيش فيها فضلا عن الظروف القاسية التي يمكن أن يتعرض لها العائد".

ولفت دخان إلى ضرورة أن تكون هناك خطة شاملة بدعم من الأمم المتحدة لعودة اللاجئين السوريين من لبنان، وأن يسبق ذلك مساعدة النازحين في الداخل على العودة لمناطقهم وتوفير الخدمات لهم وتأمين احتياجاتهم من مسكن وفرص عمل.

وأكد أنه "في مخيمات الشمال السوري ما تزال تعاني الأسر النازحة من أوضاع إنسانية صعبة".