بعد 20 عاما من التحاور.. كيف تتجه ألمانيا لتصعيد نهجها تجاه المسلمين؟

تراجع مؤتمر الإسلام الألماني عن موقعه في المشهد السياسي
"أتفق مع الرأي القائل إن سياسة الدولة تجاه الإسلام خلال العشرين عاما الماضية قد فشلت، ونحن بحاجة ماسة إلى تغيير جذري في النهج المتبع".
بهذه العبارة المقتضبة، انتقد النائب البرلماني عن حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي ووزير الدولة للداخلية الاتحادية، كريستوف دي فريس، أعمال مؤتمر الإسلام في ألمانيا.
وهنا تساءل موقع "دويتشة فيله" الألماني عن موقف الحكومة الجديدة من المؤتمر، ونهجها المتوقع تجاه الإسلام والمسلمين في المستقبل.
والمؤتمر الإسلامي الألماني هو مبادرة أطلقتها حكومة برلين عام 2006 بقيادة وزارة الداخلية الاتحادية، بهدف تعزيز الحوار بين الدولة والمسلمين المقيمين في ألمانيا.
وعلى ما يبدو، تتزايد الشكوك أخيرا حول فعاليات المؤتمر ومخرجاته، إذ تقود "مجموعة العمل المعنية بالإسلام السياسي" تيارا معاكسا ينتقد هذه الفعالية بشدة.

تحركات سريعة
وأشار الموقع إلى أن حديث دي فريس يأتي ضمن "ملف مكافحة التطرف الذي يندرج ضمن مجالات اختصاصه".
في هذا السياق، أوضح أن دي فريس شارك بعد حوالي 60 يوما من تشكيل الحكومة في ورشة عمل بعنوان "مكافحة الإسلام السياسي".
نظمت الورشة مجموعة عمل الإسلام السياسي (Polis) التي تأسست نهاية عام 2024.
وتصف نفسها بأنها "شبكة عابرة للأحزاب ومتعددة التوجهات الفكرية"، وتهدف إلى "تسليط الضوء على التهديدات التي يشكلها الإسلام السياسي".
وبحسب الموقع، "تتناول الورشة قضايا تتعلق بتأثير هذا التيار على الحياة المجتمعية، والتحريض على كراهية المثليين (الشواذ)، وممارسة الضغوطات على النساء، ونشر معاداة السامية، إضافة إلى الهجمات ذات الطابع الإسلامي المتطرف والتي قد تصل إلى حد الأعمال الإرهابية"، وفق تعبيره.
وذكر أن "المحامية ومؤسِّسة مسجد ابن رشد -غوته- الليبرالي، سيران أتيش، كانت من بين المشاركين، إضافة إلى ممثلين عن المجلس المركزي للمسلمين السابقين في ألمانيا".
وفي مطلع حديثه، أقر دي فريس أنه تردد لحظات قصيرة قبل قبول الدعوة لحضور الورشة، مبررا ذلك بسرعة تحركات المجموعة قائلا: "أنتم سريعون بشكل مذهل"، بحسب الموقع.
وفسر تصريح فريس قائلا: "كانت مجموعة العمل قد قدمت للحكومة الجديدة في يناير/ كانون الثاني 2025 مجموعة من المطالب الواضحة بشأن الإسلام والمسلمين، وهي تضغط الآن بقوة لتسريع تطبيق هذه الإجراءات".
وأكد الموقع على أهمية مطالب المجموعة قائلا: إنها "تتعلق بمواضيع تمس شرائح واسعة من المجتمع".
فبحسب بيانات المكتب الاتحادي للهجرة لعام 2021، يعيش في ألمانيا ما يصل إلى 5.6 ملايين مسلم، بينما قدر دي فريس العدد بين 4.5 إلى 5 ملايين مسلم، مع الإشارة إلى عدم توفر أرقام دقيقة.
وذكر فريس أنه "طوال العقدين الماضيين، وتحديدا منذ تولي المستشارة أنجيلا ميركل الحكم، كان مؤتمر الإسلام الألماني موضوعا ثابتا بالنقاش العام".
مع ذلك، لفت إلى أنه "مع كل تشكيل جديد للحكومة، كان الأمر يستغرق شهورا قبل أن تدرج مسألة الإسلام في جدول الاهتمامات السياسية".
"فعندما أطلق وزير الداخلية الأسبق فولفغانغ شويبله النسخة الأولى من مؤتمر الإسلام الألماني في أواخر سبتمبر/ أيلول 2006، كانت الانتخابات البرلمانية قد مضى عليها أكثر من عام"، وفق الموقع.
ونوّه إلى أنه "في ذلك الوقت، كان هدف وزارة شويبله هو دمج المسلمين المقيمين في ألمانيا بصورة أفضل على الصعيدين الديني والمجتمعي".
واستدرك: "لكن حتى قبل انطلاق أولى جلسات المؤتمر، برزت خلافات حادة بين الجمعيات الإسلامية العاملة في ألمانيا والتي تميل في مجملها إلى الطابع المحافظ، وبين المنتقدين لهذه الجمعيات".
وقد شارك في افتتاح المؤتمر حينها 5 شخصيات مستقلة إلى جانب ممثلي الاتحادات الإسلامية، من بينهم الناشطة سيران آتيش والكاتب فريدون زعيم أوغلو، وعالم الدراسات الشرقية نافيد كرماني.
حضور باهت
"وبعد نحو 20 عاما من العمل المتقطع في الأروقة السياسية، تراجع مؤتمر الإسلام الألماني عن موقعه في المشهد السياسي"، يقول الموقع. فمنذ عام 2017، لم يعد يُذكر حتى في الاتفاقيات الائتلافية بين الأحزاب الحاكمة.
واستطرد: "ولم يرد ذكره سوى مرة واحدة فقط عام 2009، حين جرى تخصيص جملتين تقديريتين له، بوصفه أهم منتدى بين الدولة الألمانية والمسلمين المقيمين في البلاد".
وهي صيغة، يعتقد الموقع أنه "لم يعد من الممكن تصور استخدامها اليوم".
ولفت إلى أنه "في أحدث اتفاقية ائتلافية بين الاتحاد الديمقراطي المسيحي (CDU)، والاتحاد الاجتماعي المسيحي (CSU)، والحزب الاشتراكي الديمقراطي (SPD)، لم يُذكر المؤتمر الإسلامي الألماني على الإطلاق".
وأضاف: "وردت كلمة الإسلام ثلاث مرات فقط، وكانت دائما في سياق الحديث عن الإسلاموية أو التهديدات الإسلامية المتطرفة".
في المقابل، "تعهد الاتفاق بتأسيس فرقة عمل لمكافحة الإسلاموية وجعلها هيئة دائمة داخل وزارة الداخلية الألمانية".
ويفسر الموقع ذلك التحول قائلا: "لم تعد المواضيع مثل تقديم الرعاية للمسلمين بالمستشفيات أو في الجيش الألماني، أو مناقشة ملامح إسلام ألماني معتدل، من الأولويات".
بل حل مكانها "القضايا الأمنية الداخلية التي أصبحت تهيمن على الخطاب السياسي، وقضية التمييز بين الإسلام كدين والإسلاموية كأيديولوجيا".

"تهديد خطير"
في هذا الصدد، يصف كريستوف دي فريس، الإسلاموية بأنها "تهديد خطير وكبير". وهو "أمر يظهر بوضوح في المظاهرات ببرلين أو في مدينته هامبورغ، حيث يروج صراحة لإقامة خلافة في ألمانيا"، حسب زعمه.
كما انتقد "الأيديولوجيات الإسلاموية"، مقدرا أنها تتغلغل إلى الفضاءات الاجتماعية، وتقمع مساحات الحرية الفردية، خاصة بالنسبة للنساء والفتيات، وفق تعبيره.
وحذر من أن الهدف الرئيس لهذه التيارات هو "إنشاء نظام اجتماعي لا يتوافق مع القيم الألمانية"، مؤكدا "ضرورة التصدي لها على جميع المستويات".
وأشار إلى أن "هذه الجماعات تتبع إستراتيجيات أيديولوجية تمهيدية، وتنشر أفكارها تحت شعار الحرية الدينية".
وبحسب الموقع، أثارت مداخلات دي فريس تأييدا واسعا بين الحضور؛ إذ رأى رئيس المجلس المركزي للمسلمين السابقين في ألمانيا، فيليب مولر، أن التنسيق بين الحكومة الاتحادية والولايات يمثل بداية النهاية للإسلام السياسي في البلاد.
وعبر أحد الحضور عن انتقاده للمؤتمر الإسلامي الألماني قائلا: "المؤتمر لم يُحقق شيئا على الإطلاق". وأكد مشارك آخر على ضرورة "إعادة التفكير بالكامل في سياسة الدولة تجاه الإسلام".
من جانبها، "عرضت ممثلة منظمة تير دي فام المعنية بحقوق المرأة بيانات من استطلاعات حديثة تُظهر ارتفاعا في عدد الفتيات الصغيرات اللواتي يُجبرن على ارتداء الحجاب، وهي ما عدته يعكس ضغوطا اجتماعية ودينية متزايدة على الفتيات"، على حد زعمها.
"كما تحدث مهاجر مسلم من موريتانيا قائلا إنه فر من الإسلاميين هناك، ليصطدم هنا بإسلام محافظ مشابه"، بحسب تعبيره.
وفيما ارتفعت الأصوات المطالبة بسياسات حازمة، رفضت الناشطة سيران أتيش الربط بين انتقاد الإسلام والتقارب مع حزب "البديل من أجل ألمانيا" (AfD) المعروف بتوجهاته اليمينية المتطرفة، مؤكدة أن "كل أنواع التطرف تعد مشكلة".
وحظي فريس بدعم من أحد سياسيي الحزب الديمقراطي المسيحي ببرلين، إذ انتقد المواقف المتساهلة من جانب مجلس الشيوخ المحلي بشأن الحجاب.
ونوه الموقع إلى أن "هذا السياسي كان يتحدث بصفته الحزبية فقط". كذلك، رحب متحدث باسم مجموعة الخضر العلمانيون بالإجراءات المتخذة ضد "التيارات الإسلاموية".
وهو أمر “دفع دي فريس لاستغلال هذه الفرصة لتذكير الحزب بالانتقادات التي تعرض لها لسنوات في هامبورغ، خاصة من حزب الخضر".
ويعود ذلك إلى موقفه المناهض للمركز الإسلامي في هامبورغ، الذي حظر أخيرا "بسبب نشره دعاية إسلاموية وعلاقته الوثيقة بإيران"، وفقا للموقع.

نموذج مختلف
وعلى الرغم من بعض المداخلات التي طرحت من القاعة، أشار الموقع إلى أن كريستوف دي فريس "لم يعلن صراحة انتهاء مؤتمر الإسلام الألماني".
لكنه أوضح أن "التعاون مع المسلمين في ألمانيا يجب ألا يستمر بالشكل الذي كان عليه سابقا".
ويرى السياسي عن الحزب الديمقراطي المسيحي أن الدولة لا تحتاج إلى "صيغة رسمية لمواصلة الحوار مع الجمعيات الإسلامية".
بدلا من ذلك، أعرب دي فريس عن رغبته في وجود “تمثيل مختلف للمسلمين في ألمانيا”.
وشدد على أن "الهدف هو الوصول إلى شراكة على قدم المساواة، يمكن من خلالها أيضا تناول قضايا شائكة مثل انتشار معاداة السامية داخل بعض الأوساط".
ثم انتقل دي فريس إلى الحديث بشكل أكثر وضوحا، مؤكدا أنه "لا يمكن إقامة تعاون مع الجمعيات والمنظمات التي تمول أو توجه من الخارج، أو تلك التي تخضع لمراقبة الاستخبارات الداخلية في ألمانيا".
ونبه الموقع إلى أن دي فريس "لم يوضح ما إذا كانت هذه المعايير تنطبق على الاتحاد الإسلامي التركي للشؤون الدينية (DITIB)، الذي يعد أكبر اتحاد للمساجد في ألمانيا، ويدير ما يقدر بنحو 900 مسجد".
ولفت "دويتشه فيله" إلى أن "الاتحاد يُتهم منذ سنوات بأنه يمثل امتدادا للنفوذ السياسي والديني للرئيس التركي رجب طيب أردوغان داخل ألمانيا".
وفي مقابل تلك الانتقادات للمؤتمر، شدد دي فريس في ختام حديثه على أن "مجموعة العمل المعنية بالإسلام السياسي تمثل بالنسبة له منارة يُحتذى بها، فيما يتعلق بتطوير آلية التعاون الجديدة مع المسلمين في ألمانيا".
بدورها، ألقت لالا زوسكيند، التي ترأست الجالية اليهودية في برلين بين عامي 2008 و2012، وتعمل اليوم في مجال الحوار بين الأديان، كلمة ودعت بها الحضور.
وبحسب الموقع، فقد خصت بالذكر دي فريس قائلة: "للأسف، لقد أغمضت الحكومة الفيدرالية -بما في ذلك أنتم- أعينها طويلا عن خطر الإسلام السياسي".